إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

أسئلة مخصوصة لسيدي علي الصوفي 16

بسم الله الرحمان الرحيم

السؤال الرابع عشر :

قلت سيدي فيما سبق ( الوهم وهو مجال الشيطان في عالم الخيال ) والسؤال :
لو تكرمتم سيدي بشرح ذلك مع أمثلة ؟
 

الجواب والله و رسوله أعلم :

سيدي العزيز : فارس النور

كما قدّمنا في الجواب السابق أنّ عالم الشيطان و حضرته هو عالم الباطل بأسره , وعالم الباطل هو العالم الذي يريد الشيطان أن يضاهي به عالم الحقّ ويضادده وهنا وقعت العداوة بين إبليس وآدم , فإبليس أعطي عالم الباطل وآدم أعطي عالم الحقّ فكان الصراع بينهما حربا ضروسا , فآدم أعطي كلّ ما هو حقّ ومن الحقيقة أي أنّه أعطي عوالم الأنوار كلّها أي عالم الصفات كلّها , فأعطي العقل ليرجّح به بين القبيح والمليح فيميّز به الحقّ من الباطل , وأعطي القلب ليكشف به المغالطات والمخادعات التي يظهر ظاهرها في حلية الحقّ وباطنها باطل أو باطنها حقّ ويظهر ظاهرها في صورة الباطل .


 فالقلب له المرتبة الثانية من التمييز بعد مرتبة العقل حتى يضحى هذا العقل تحت حكم وسلطان القلب في الترجيح فيقتدي به إماما كما قال أبو بكر في معراج النبي صلى الله عليه وسلّم ( أو قال ذلك ؟ فإن قاله فقد صدق ) وأعطي الروح ليكشف به الخيالات الكونية والأوهام الوجودية وهي مرتبة أرقى من الثانية فيقتدي هنا القلب بالروح حتى يصبح القلب تحت سلطان الروح بعدما أصبح العقل تحت سلطان القلب , ثمّ أعطي السرّ وهذه نهاية المراتب وهي مرتبة أعلى من الروح فتصبح الروح تحت حكمه وكذلك العقل والقلب والروح وفي هذه المرتبة نحسن أن نتلو قول الله تعالى عن طريق فهم الإشارة ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ).


فهذا من أحكام السرّ , فالأرض كناية عن العقل , والسماوات كناية عن القلب والروح , و ( اليمين ) هو( السرّ ) والسرّ لا يعطي غير إثبات من لم يزل وفناء من لم يكن لذا قال ( سبحانه وتعالى عمّا يشركون ) فما ذكر غير تنزيهه عن الشرك.

فهذا الذي أعطيه آدم مع تفاصيله.

أمّا الشيطان فأعطي ضدّ ذلك كلّه وهذا معنى قوله تعالى ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ).

أي عدوّا لكم في مرتبة العقل , وفي مرتبة القلب , وفي مرتبة الروح.

أمّا مرتبة السرّ فالعداوة فيها للنفس وليس للشيطان.

- ففي مرتبة العقل عداوة الشيطان لبني آدم تتمثّل مغاليطه ومقاييسه في العالم المادي المحسوس كقولهم : ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق )
وكقولهم : ( ما أنت إلا بشر مثلنا ).

وكقول فرعون : ( فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ) ولذا قالوا بأنّ أوّل من قاس هو إبليس بقوله ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) وهذا النوع من الوسوسة مجاله التشكيك في وجود الله تعالى والتشكيك في وجود الرسل والتشكيك في وجود الولاية فقاسوا بعقولهم هذه الحقائق الثلاث فنفوها بعقولهم وأثبتوها بحسب عقولهم : كمن جعل الأله هو عين الكون وهو الدهر فقالوا ( وما يهلكنا إلا الدهر ) أو جعلوا الكون طبيعة إنفجار وحدوث ذرّي صدفة , وكذلك الذين جعلوا الرسل عبارة عن مسّ جنّي أو سحر أو مجانين أو شعر أو كهانة , وكذلك الأمر في الولاية كمن ظنّها حفظ وإتقان أو مظاهر وأرزاق ففسّروها بحسب مقياس عقولهم وهكذا الحال في كلّ مرتبة عقل بمعنى أن تفسير النبوّة عند الكافر الجاحد كالفيلسوف وغيره ليست هي بنفس تفسير المؤمن العامي وكذلك بالنسبة للعارف فليس تفسيره لها مثل حدود المؤمن العامي وهكذا في جميع المراتب ( وفوق كلّ ذي علم عليم ). فافهم.

- وفي مرتبة القلب : عداوة الشيطان لبني آدم تتمثّل في ( لمّة الشيطان ) في الجهة اليسرى من القلب لأنّه واضع منخره على قلب الإنسان كما ورد في الحديث فمتى غفل الإنسان عن ذكر ربّه وسوس الشيطان في القلب وهذه الوسوسة ليست مثل الوسوسة الأولى فهي أخفى منها وأدقّ وهذه الحضرة القلبية الشيطانية يقابلها الحضرة النورانية الملائكية في ( لمّة الملك ) فالحرب بينهما سجال في قلب الإنسان لذا سمّي القلب قلبا لتقلّبه بين الواردات الملائكية والخواطر الشيطانية فلأيّهما كانت النصرة كان الحكم فيخرج ذلك الحكم بحسب تلوّنه بأيّ من المعنيين : 


كقوله تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)و ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) وهذه الوسوسة لها علاقات مباشرة في العبادات والمعاملات كقوله صلى الله عليه وسلّم ( خصلتان ليست فوقهما خصلة في الحسن حسن الظنّ بالله وبعباد الله وخصلتان ليست دونهما خصلة في السوء سوء الظنّ بالله وبعباد الله ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام , أي في العبادة والمعاملة , فمن هنا يفسد إبليس العلاقة مع الخالق ومع المخلوق وهي مرتبة يعسر كشفها لأنّها أخفى من الأولى وأكثر تلبيسا.


كقوله تعالى ( يظنّون بالله ظنّ الجاهلية ) وكقول النبي صلى الله عليه وسلّم لأبي ذرّ لمّا قال في بلال ما قال ( إن فيك بقيّة من الجاهلية ) وهذا المجال مجاله إفساد التحقّق بالمقامات فتكون المقامات إمّا مدخولة أو معلولة وكذلك الأحوال.

- أمّا في مرتبة الروح : فعداوة الشيطان للإنسان تتمثّل في مجال الخصوصيّة وهو الأمر الذي ورد فيه السؤال من سيدي فارس النور وهذا الأمر له تعلّق كبير بعالم الخيال
والفرق بين الخيال والوهم أن الخيال مجرّد خواطر وأماني بعيدة تخطر على الإنسان قد تطول وقد تقصر.



أمّا الوهم فهو إعتقاد تلك الخواطر الخيالية والعمل على أنّها واقع ملموس كمن يدّعي أنه المهدي المنتظر فيخرج للناس معتقدا ذلك بلا أدنى شكّ فيصل إلى حدّ أن يقتل ويصلب ولا يتراجع عنه رغم أنّه لا وجود له بأي حال من الأحوال.

أمّا الخيال فهي مرتبة أدنى من الوهم لذا فالشيطان متى بدأ برسم التخيّلات للمريد السالك شيئا فشيئا حتى يصل إلى درجة يسهل على الشيطان أن يقنعه بل ويعقد قلبه على أنّ ما تخيّله هو حقيقة ثابتة فيعمل على إعتقادها وهذا في عدّة أمور منها الأمور الإعتقادية كقول الأولياء هناك : 


( الكشف الخيالي ) أي أنه من الشيطان , فيخرج على الناس بأنّه رأى كذا وكذا فيظنّ بنفسه الخصوصية والولاية والمعرفة وإنّما هو مقيم في عالم خياله لذا فمجال الشيطان في السلوك أي مرتبة الروح هو عالم الخيال والفرق بين الوهم والخيال أنّ المتخيّل للشيء قد لا يعتقد صحّته رغم أنّه تخيّل وهذا لا يكون إلا متى تمكّن السرّ من التوحيد الصرف وثبوت القدم في حضرة القدم , كما وقع لموسى عليه السلام في قوله تعالى : ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) فخيّل له فقط ولم يعتقدها أنّها تسعى حقيقة وأنّها حيّات وثعابين بل خيّل إليه وهذا الخيال ينجم عنه الخوف وهذا الخوف لا يثبت ولا يبقى عند المؤمن بل فقط يبقى عند أولياء الشيطان ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ).

وكذلك خيّل إلى سيدّنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمّا سحر من قبل اليهود أنّه يفعل الشيء ولا يفعله كما في الحديث عن عائشة رضي الله عنها.

فمجال الخيال هو مجال شيطاني من حيث علوم السحر , وعلم السحر هو علم التلبيس أي تلبيس الحقّ بالباطل وهذا نهاية علم إبليس وهو علم السحر , فعلم السحر عبارة عن علم أسرار الحروف مقلوبة ومعكوسة كقولنا في المسيخ الدجّال فهو حقيقة عيسى مقلوبة لذا فإن عيسى ينزل ليقتله لأنّه صورته المعكوسة فلا يقتله إلا عيسى أما الشابّ الذي يقتله الدجال ويشقّه نصفين فهو على بصيرة من الدجال فلا يثنيه شيء عن حقيقته فيقول له : أنت الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فما إزددت فيك إلا يقينا.

وكذلك فما يقابل السحر هو التصريف الذي عند الأولياء فالشيطان يستعمل الأرواح السفلية الشيطانية في قضاء أغراضه والأولياء يستعملون الأرواح النورانية العلوية في قضاء حاجاتهم وهذا العلم عند الأولياء يسمّى علم الحروف , ولكن الشيطان أخذه مقلوبا لأنّه أخذ كلّ شيء بعد أن لعنه الله وطرده مقلوبا فكانت صورة إبليس هي صورة آدم مقلوبة وآدم خليفة الله في أرضه فافهم.



وهذا نجم من حيث حقائق كبرى وعلوم عليا تتعلّق بعلوم الأسماء والصفات وبعلوم التجليات.



وكذلك الرؤى المنامية فهي قد تكون مجالا للشيطان لذا ما عوّل عليها في الأحكام الشرعية إلا متى قرّرها الشارع بوحي من الله تعالى كما قرّر الآذان وإنّما جعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام مبشّرة ولم يجعلها حكما ثمّ ذكر أنها من أجزاء النبوّة ولم يذكر أنّها من أجزاء الرسالة كي لا ينعقد بها حكما شرعيا لأنّ مجالها دقيق وليس بمحفوظ فيها غير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لأنّهم أهل عصمة أما الأولياء فهم محفوظون بحكم الوراثة للأنبياء فلا بدّ من مراعاة الفرق بين المرتبتين.



لذا فقد وقع في الدواهي جملة من المريدين بسبب الرؤى فلعب بهم الشيطان من حيث لم يدروا فإعتمدوا رؤياهم كإخبار من الله تعالى ولم يتّهموا أنفسهم ولا عرضوها على مشائخهم فأوّلوها لهم وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقصّون عليه رؤياهم ويكفي قصّة ذلك الصحابي الذي رأى رأسه قطع وتدحرج فعاتبه رسول الله وقال له : ( إذا لعب الشيطان بأحدكم فلا يقصنّ عليّ رؤياه ) أو ما في هذا المعنى.



وقد قصّ يوسف على أبيه رؤياه فأمره بالكتم لأنّه عرف خطرها  لذا ورد في الحديث ( لا تقصّ رؤياك إلا على عالم ) وقد قال لي شيخنا : لا بدّ لمؤوّل الرؤيا أن يكون عالما بعلوم (وذكرها لي) وهي (11) علما .

والرؤى الشيطانية من عالم الخيال أيضا وفيها دواهي و فواجع.

وإنّما عبّر القوم على البعض من حقائقهم بعالم الخيال فإنهم لا يقصدون ما حكينا فيه وإنّما بما أن الأمر المثالي في الجنان والأنوار يفوق عالم الخيال من حيث التصوّر كما قال عليه الصلاة والسلام ( ...ولا خطر على قلب بشر ) أي بما في الجنّة.



فقالوا مثلا : رأينا في عالم الخيال : أي في عالم يفوق التصوّر والخيال وليس المقصود به أنه لا حقيقة له ثابتة.



فإن عالم الجنّة هو عالم خيالي من هذه الحيثية وهذا التفسير فيجب مراعاة فهم كلام أهل الله تعالى.

لذا كان فعل خال في حقيقته من أخوات : ظنّ وحسب فهي كلّها من نفس أسرة معانيها وقد عبّر القرآن عن هذا الخيال في آيات كثيرة كقوله ( تظنّون بالله غير الحقّ ) وكذلك الشكّ والحسبان فهذه وغيرها من أسرة عالم الخيال العقلي والقلبي والروحي.

والله أعلم

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È