إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

سؤال : كيف تكون عبادة التفكر ؟

بسم الله الرحمن الرحيم -

والصلاة والسلام على رسوله الكريم سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يقول الله عز وجل :

(إن في خلق السموات والارض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).

سؤالي لمن له باع في هذه العبادة؛

هلا ارشدتنا - بارك الله فيك - كيف يكون التفكر.

هل هناك من كتب تبحث في هذا المجال قديمة كانت او حديثه؟

وما هي المواضيع التي أمرنا رب العزة أن نتفكرفيها والواردة في كتابه العزيز؟

وهل مواضيع التفكر هي نفس المواضيع التي يثيرها المهتمون في موضوع الإعجاز العلمي في القران؟

وهل هناك اوقات يفضل ان نقوم بها بهذه العبادة؟

وهل نقوم بها يوميا أو أسبوعيا او شهريا؟

وما هو أثرها في تزكية النفس؟

وهل أعطى المسلمون لهذه العبادة حيزاً كافيا في كتب الفقه حسب رأيك أم أنهم قد قصروا؟

وهل اشتهرت أحاديث عن عبادة التفكر ؟

وهل اشتهر انبياء وصحابة وأولياء بهذه العبادة.

وهل ما يذهب إليه الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله تعالى يغطي هذا الجانب؟


بسم الله الرحمان الرحيم -

الحمد لله  

والصلاة والسلام على الحبيب وآله


أشكرك أخي المقدسي على هذا السؤال الذي يحمل في طيّاته عدّة أجوبة.

ولمّا إستفتحت بآية التفكّر سؤالك أردت أن أجيبك بحسب ما ظهر لي فيها والله أعلم.

أقول :

يقول إبن عطاء الله الإسكندري رضي الله عنه في حكمه الخالدة : " ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة " .

فقدّم هنا العزلة على الفكرة لإنّ التفكّر من نتاج العزلة وهذا ما نجده بالضبط في الآية فقد قدّم الله تعالى ذكر عباده الذاكرين : ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) على ذكر التفكّر : ( ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ) فكان التفكّر نتيجة الذكر وبه حصل فيعدّ من ثمرات الذكر.

والذكر كما تعلم هو عزل القلب عن سوى المذكور ليدخل بحر الأنوار وهنالك تتحرّر الأفكار من قيود الحسّ وتتجوّل في ميادين الغيوب والأسرار.

والدليل على ذلك في نفس الآية وذلك في قولهم بعد تفكّرهم : ( سبحانك ما خلقت هذا باطلا ) أي وصلوا إلى معرفة عين حقيقة تلك المخلوقات وهذا يجانسه من الآيات قول الله تعالى في حقّ سيّنا إبراهيم :

( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين).

فدلّ على مقام الإيقان وهو مقام الأنوار كما تعلم.

ثمّ هناك أمر آخر وهو " التدبّر " وليس هو بمعنى التفكّر فالتفكّر للقلوب والتدبّر للعقول وفي هذا المجال مبحث العلوم الكونية في القرآن أما التفكّر فهو مبحث الأسرار الإلهية في الأكوان أي علم الحقيقة ومناط الحكمة في الأحكام الظاهرة والباطنة.

ولذا ورد في الخبر " تفكّر ساعة خير من عبادة سنة " وجولان الفكرة في عوالم الله تعالى أوّل ما يعطيه شهود عظمة الله يقينا ( قد بيّنا الآيات لقوم يوقنون ) أي في مقام اليقين العيني لذا أوّل ما قالوه بعد تنوّرهم بالأذكار ( سبحانك ) وهو تنزيه أفعال الله وحكمته وصفاته التي ترجع في حكمهما إلى عين كمال ذاته أن تكون معلولة أو ناقصة بل هو عين الكمال في كلّ شيء لذا قال في آية أخرى ( ما خلقناهما إلا بالحقّ ) فقوله ( إلا بالحقّ ) يعطينا مفهوما متقدّما في البحث عن تلك الحقيقة شهودا وعيانا.

هذا بإختصار شديد البعض ممّا تعطيه أذواق ومفاهيم تلك الآية وإلا فالمعنى أعمق وأرقى وأشمل.


والله تعالى أعلم وأحكم 

السبت، 21 ديسمبر 2013

الحقائق العليا 3

بسم الله الرحمان الرحيم -

سيدي الفاضل الحبيب هذا ملحق مختصر أردت إضافته في موضوعي ليس حول الطريقة الشاذلية بالقصد تحديدا وإنّما هو بعض تفصيل مناحي طريق الشاذلية في السلوك والتربية ..

سأجيبكم على أسئلتكم سيدي ولتعلم كوني العبد الضعيف كتبت هذا ليس ردّا عليكم حاشا ولكني كتبته هكذا للذكرى لي ولإخواني والله أعلم. 

بالنسبة لطريق الشاذلية سيدي لا ينحصر فيه التحقيق بل جميع طرق أهل الله تعالى موصلة إليه لتعدّد الطرق كما نصّ عليه كبار الأشياخ لكن منهجهم رضي الله عن ساداتنا الأولياء من الأقطاب والأوتاد والأفراد والنجباء حيثما كانوا وكان كائنهم فنتمنّى على الله تعالى خدمتهم فهي شرف لنا أمّا محبّتهم فهي أنشودتنا الخالدة. 

لكن تبقى طبعا خصوصيات الطرق متى علمنا قول سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه كما في جواهر المعاني " كلّ الطرق تدخل في طريقة الشاذلي إلاّ طريقتنا " فقد أبان رضي الله عنه كون جميع الطرق تدخل في طريقة سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وقد نصّ كبار العارفين كون القطب متى وصل الى القطبانية يتشذّل لهذا سميت الطريقة الشاذلية بطريقة الأقطاب لهذا قالوا فيها كونها خارج التصنيف فهي طريقة طي أكوان وهي طريقة أصحاب الإسم الأعظم.

ثمّ كونها طريقة التربية الأصولية قال سيدي أحمد زرّوق الفاسي رضي الله عنه في قواعده " هي طريقة الوصول بحسب الأصول " لذا قيل في الشاذلية " تلميذ الشاذلية أستاذ أهل زمانه " لهذا فإنّك أوّل ما تلاحظه على الشاذلية هو العلم فإذا علمت كون مصنّفات الشاذلية هي قاسم مشترك بين جميع الطرق.

فليس هناك طريقة أصّلت وأسّست المنهج التربوي الأصولي مثلما أسّسته الطريقة الشاذلية سواء لقصد الحضرة المحمّدية حسب ما جاء في صلواتهم وقصيدة البردة التي هي قاسم مشترك بين جميع الطرق لأن قصيدة البردة مثلا فيها السير إلصحيح إلى الحقيقة المحمّدية ووصفها والأدب معها أو القصد إلى الحضرة القدسية وهذا هو الأصل ككتاب الحكم العطائية فهو قاسم مشترك يبيّن أصول السلوك من بدايته إلى نهايته فقد امتازت الطريقة الشاذلية بالتربية خاصّة وليس بالتصريف. 

فقلّما لا يكون قطب التربية من غير الشاذلية بل هو منهم في هذا الزمان لأنّ رحى مقام العبودية يدور حول قطب التربية وليس قطب التصريف فهو المقام الأوّل ضرورة وهو سرّ هذا الوجود قال تعالى:

( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ).

وقد عبّر القرآن عن هذه الحقيقة كما قال تعالى:

( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ).

لأنّ الكون بأسره والسماوات والأرض كما قال تعالى:

( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة إِلَّا اللَّه لَفَسَدَتَا فَسُبْحَان اللَّه رَبّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ ).

بمعنى كون الفساد هو كلّ ما خرج عن استشعار تلك الألوهية فمهما خرجنا من عبوديتنا فقد أفسدنا ( والله لا يحب الفساد ) لهذا مدح القوم طريقة الشاذلية كونها مدرسة العبودية بينما هناك مدارس عبودية تربوية أخرى كثيرة لكن يغلب على أغلب أتباعها الميل إلى أنماط الخصوصية كالكشف والكرامات وخوارق العادات والتصريف ...إلخ.

لكن عند السادة الشاذلية قعّد لهم شيخهم قاعدته الذهبية فقال لهم " أكبر كرامة هي الإستقامة " فألقوا بخصوصيتهم في بحر عبوديتهم فلا ظهور لكرامة إلاّ ضرورة كما ظهرت معجزة موسى ضرورة لمّا قال ( كلاّ إنّ معي ربّي سيهدين ) بينما أصحاب الخصوصيات وإن كانوا من وجه على الوصف والنعت العيسوي من حيث أنّ معجزاته كانت مختارة منه بإذن الله تعالى فهذا جانب روحي أكبر له تعلّق بالصفة في ذات مدلولها وليس تعلّق بالصفة في غير مدلولها كما تعلّق سليمان بالصفة في غير مدلولها فكان له مقام التصريف والتسخير لأنّ أمر عيسى تعلّقه صفاتي من حيث حقيقته الروحية لأنّ حقيقته حقيقة نفخ فكان ينفخ في الطين على هيئة الطير فيكون طيرا بإذن الله فتعلّق بحقيقته عليه السلام كما تعلّق سليمان بحقيقته. 

لكنّ سيّدنا ومولانا محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان تعلّقه ذاتيا وهذا التعلّق الذاتي هو تعلّق أصولي وهذا التعلّق الأصولي هو التعلّق العلمي فإذا علمت كون القرآن هو كلام الله وهو اللسان العلمي في جميع أوجه الأسماء والصفات كما قال تعالى:

( أنزله بعلمه ). وقال :( الرحمان علّم القرآن ).

أدركنا كون السير المحمّدي هو السير العلمي والسير العلمي هو السير الأدبي والسير الأدبي هو سير العبودية المحضة وفي هذا تفصيل من حيث حضرات الأنبياء الأولياء عليهم السلام ومعرفة مفرداتها العلمية فإنّ لكلّ نبيّ حضرة هي قطبانيته وهكذا لكلّ شيخ فلا تعتدي حضرة على حضرة أخرى فهل رأيت مثلا مجرّة تعتدي على مجرّة أخرى ؟

إلاّ أنّ الأدب اللازم في حقّ كلّ نبيّ هو قبول إمامة سيّدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأنّها الإمامة العلمية ونعني بالعلم هنا ليس المعنى المتبادر إلى الأفهام بل بمعنى قوله تعالى:

( أحاط بكل شيء علما ).

فلا تتبع الكشف مثلا واتبع علم الله فيه وهو الأدب ولا تتبع الكرامات ولكن اتبع علم الله فيها لأنّك متى اتبعت الكشف فقد اتبعت علمك فيه فدلّ على قصورك وهو ما رمز إليه حكيم السادة الصوفية بقوله " لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخمادا لنور سريرتك " فتعيين زمن الموعود به قد يكون كشفا وقد لا يحصل في الوقت الذي فهمه صاحب الكشف وقد لا يقع أصلا لوجود لوح المحو والإثبات.

فالعلم في ذلك الكشف هو الأدب فلو كان علمك وفيرا لكان أدبك كثيرا .. لهذا أراد إبليس لعنه الله تعالى الاطلاع على الغيب فهو كان يسترق السمع كي يثير الفتن بذلك الغيب فيما بين الناس فيعبدونه فالتعيين سوء أدب مع الله تعالى لأنّك لا تدري مشيئة الله تعالى الحاكمة على كل شيء فلا تتقيد بشيء ..الا متى ورد الإذن بالتعيين .. 

وهذا غير مرغوب لأنّك ستمتحن فيه بينما متى اتبعت علم الله تعالى فقد ازددت علما على علمك كما قال تعالى :

( وقل ربّ زدني علما ).

لأنه طريقه صلى الله عليه وسلّم ولهذا كثيرا ما يخاطبه القرآن بملاحظة العلم الإلهي عليه كما قال تعالى :

( ولئن إتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ... الآية ).

فما قال له مثلا " بعد الذي جاءك من الأمر أو النهي أو الإيمان أو اليقين .." لأنّ العلم يشمل هذه المفردات جميعها من حيث كونها موجودة فيه لا من حيث كونها مقصودة فيه لذا يكون العلم هو النور ولا نعني بالنور الضياء ولكن نعني به العبودية لله تعالى. 

فإذا علمت كون طريق الشاذلية طريق عبودية تعلم أنّه طريق علم وعلى قدر العبودية يكون علمك أمّا الكرامات والكشوفات بل المقامات والأحوال متى لم تكن تحت سلطان العلم كانت غير متأدّبة لذا قيل التصوّف هو الأدب ومن زاد عليك في الأدب زاد عليك في التصوّف فالتصوّف في أعلى مراميه هو الأدب الذي هو روح العلم وهو العبودية وأنت في مقام كمال الخصوصية. 

قال تعالى في الخضر:

( آتيناه رحمة من عندناوعلّمناه من لدنّا علما ).

فهو تصرّف هنا بحال رحموتي وفق العلم الذي علّمه الله تعالى إياه لأنّ الرحمة يجب أن تكون موافقة للعلم في عالم التصريف فلو لم توافق رحمته علمه لما قتل الغلام لأنّ الرحمة بغير علم توجّه نفسي معلول وفيه حظّ نفسي فلا تستقيم الرحمة إلاّ وفق العلم.

هناك يعرف الإله سبحانه كونه محيط بهذا الكون رحمة وعلما كما قال تعالى:

( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ).

فهم في طلبهم المغفرة لأهل الإيمان من الذين تابوا واتبعوا سبيله لم يفردوا ذكر الرحمة في طلبهم هذا رغم ما يعطيه حالهم في ذلك لكنّه راقبوا العلم فأوفوا حقوق الأدب في العلم فقرنوا بين الرحمة والعلم من كثرة تحقيقهم وعرفانهم كون الرحمة حيثما دخلت دخل العلم معها.

قال تعالى :

( الرحمان علّم القرآن ).

فإذا علمت كون اللسان الجامع هو اللسان العلمي علمت كون عالم الجمع باسره يكون سيره علمي لذا أشار الحكيم سيدي ابن عطاء الله رضي الله عنه إلى هذه الحقيقة فقال" وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به وإلاّ فجل ربّنا أن يتّصل بشيء أو يتّصل به شيء " أو كما ورد في الحكمة فكانت عقيدة الإتحاد والحلول عقيدة كفرية لأنّ ميزانها ليس علمي بل تكون هناك الأحوال مدخولة بمعنى لا علم فيها لتمييزها فاختلط الحابل بالنابل فالعلم هو الأدب والرجوع إلى العلم هو الرجوع إلى الله تعالى حقيقة لذا قيل " نهاية العارفين رجوعهم إلى بدايتهم " .

ومن ذلك صاحب سليمان قال تعالى في حقّه:

( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ).

فما مدح نفسه بل مدحته الحضرة بعد أن اشارت إليه أن يقوم بما قام به فالذي ساعده على الإتيان بعرش بلقيس ليس قوّته كما ادّعى ذلك العفريت من الجنّ صاحب الخوارق بل علمه هو الذي ساعده.

وكذلك علم التأويل لم يعلمه غير الراسخون في العلم لأنّهم يؤمنون به فبعد الإيمان به حصل التفصيل والبيان وكذلك الذي يخشى ربّه فهو تحت سلطان علم خشيته كما قال تعالى :

( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ).

فكلّ نبيّ وكلّ رسول إنّما هو تحت سلطان علمه فطوى جميع أحواله تحت سلطان العلم الذي هو الأدب لذا قال سيدي أبو يزيد رضي الله عنه " اشدّ شيء على اصحاب الأحوال هو العلم " لهذا يرفق كثيرا أصحاب المقامات العلمية بأصحاب الأحوال من السائرين كي لا يموتون كمدا .

فالعلم يعطي مرتبة العقل والعقل للخصوصية التي هي الخلافة فمتى خرجت تلك الخلافة في وصف العبودية خرج العلم في وصف الصفات غير متصلة ولا منفصلة عن الذات. 

العبد الفقير لا أطلب من أحد وما طلبت عمري من أحد تغيير طريقته والدخول في طريقة أخرى إلاّ إذا كانت طريقته طريقة تبرّك وليست طريقة سلوك أمّا طرائق السلوك فهي كثيرة ولكن نحن لا نفاضل فيما بينها ولكن نذكر خصوصيات كلّ منها وميزاتها فقلنا كون الطريقة الشاذلية طريقة الوصول بحسب الأصول لأنّها الطريقة العلمية فوصولها علمي فمشاهداتهم علم وكشوفاتهم علم وكراماتهم علم وأذواقهم علم وهكذا .. قال سيّدنا عليّ هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ..

لذا قال تعالى:

( إنما يخشى الله من عباده العلماء ).

وقال عليه الصلاة والسلام : " العلماء ورثة الأنبياء ".

فمقامك حيث أقامك في العلم الإلهي السابق فإذا علم العبد هذا العلم بحث عن مسكنه في مجاري أقدراه كي يلتحق بسكناه فيه إلى أبد الآباد ..

فمن العلم أن لا تأمن مكره أبدا ومن العلم أن لا تقيّد مشيئته أبدا ومن العلم أن تترك له التصريف جملة وتفصيلا ومن العلم أن تجاهد نفسك في علمها به أن تدّعيه لأنّه العليم سبحانه لذا قالت الملائكة ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا ) فما قالت بعد أن عجزت ( لا علم لنا ) وسكتت بل قالت رغم عدم علمها ( إلاّ ما علّمتنا ) أدب الخطاب وإلاّ فأين العلم الذي أدعوه .

لهذا سيدي أقول : الفقير لا أطلب من أيّ أحد تغيير طريقته لأنّ تعدّد الطرق رحمة بالعباد في مختلف البلاد وكما قيل ( مقامك حيث أقامك ) وإنّي العبد الفقير أحبّ جميع طرق أهل الله تعالى فكلّها طرق موصلة إلى حضرة الله تعالى فمن كان قاصدا حضرة ربّه فلا يعنيه على أي الطرق يسير كما سار من قبل أويس القرني رضي الله عنه. 

ولكن لا عتب أن يذكر الإنسان فضائل طريقته كما ذكر سيدي أحمد التيجاني ذلك رضي الله عنه أو سيدي عبد القادر التيجاني رضي الله عنه أو سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه أو سيدي محمد شاه نقشبند رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا فكلّهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم.

ولكن عند التفصيل لا مشاحة في ذكر خصوصيات الطريقة الشاذلية بما أن الكاتب شاذلي الطريقة لكنّه لا يمدحها بباطل بل بحقّ رغم كون الفقير لا يقف مع الطرق وجميع تلك المسميات ..

والله تعالى أعلم وأحكم وهو أرحم الراحمين. 

الجمعة، 20 ديسمبر 2013

الحقائق العليا 2

بسم الله الرحمان الرحيم -

إسمه تعالى ( اللــه ) اسم ذات يطلقون عليه ( الإسم الجامع ) كما أنّ هناك إسم ذات ثان وهو إسمه ( الرحمان ) ( الرحمان على العرش استوى ) قال تعالى :

( إنّ ربّكم الله الذي خلق السماوت والأرض في ستّة أيام ثم إستوى على العرش ). 

نعم بالنسبة للفقراء المأذونين بذكر إسمه تعالى المفرد ( الله ) فإنّ الإسم لا يدلّهم إلاّ على المسمّى فإنّ المعاني كما قال شيخنا رضي الله عنه لا تستقرّ في قلب لم يكن الإسم مسمّاه. 

لهذا قيل في السادة الشاذلية كونهم خارجي التصريف والتصنيف لأنّ سلوكهم طي أكوان طيّا فما وقوفهم مع الصفات إلاّ لمح بالبصر أو أقلّ" وأنشلني من أوحال التوحيد وأدخلني في عين بحر الوحدة ... " 

لذا كان أغلب الأنبياء وكل المرسلين أهل أسماء فلا يدلّهم الإسم إلاّ على المسمّى فهم أهل شريعة فالشريعة للأسماء والطريقة للصفات والحقيقة للذات. 

قال تعالى :

( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ).

فما أنكر وجودهم في الطريقة بل أنكر عدم إستقامتهم فيها لأنّ حتى إبليس لعنه الله تعالى موجود فيها كما قال تعالى:

( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ).

فهو قاعد في الصراط المستقيم, قد يقول قائل وهل يستطيع أن يقعد في ذلك الصراط الذي هو طريق الله تعالى فالجواب نعم هو قاعد هناك فلا بدّ أن تمرّ عليه ألا ترى سيّدنا عليه الصلاة والسلام ليلة اسري و عرج به كيف مرّ عليه لأنّه قعد حيث يعرف أنّك ستمرّ عليه وهذا مجال الصفات. 

لأنّ حالة إبليس لعنه الله تعالى هي الغواية في مجال الصفات لكن الله تعالى علّم آدم الأسماء إشارة أن ليس للسلطان عليه من سبيل إلاّ متى اتبعه وسلك مسالكه لهذا خطّ عليه الصلاة والسلام خطوطا على الأرض فبيّن كثرة طرق الشيطان فكم من سالك ينقلب ساحر فطريق الصفات قيل فيه ( وما كفر سليمان ولكنّ الشياطين كفروا يعلّمون الناس السحر ).

لأن السحر هو الدخول في علم التصريف بمرض النفس و وحي الشيطان فتنعكس الأمور فتمسي النجاسة طهارة والعكس صحيح فيكون القرآن في حقّ الساحر ضلالا عليه لأنّ الضلالة أعظم الضلالة أن يضلّك الله تعالى على علم لأنّ العلم نور والنور دلالة على الخير فمتى سلب الله تعالى من عبد نور العلم تركه مع العلم بغير نور فضلّ بذلك العلم وأضلّ معه غيره ( وأضلّه الله على علم ) فلا تطلب من العلم غير نوره لذا قيل العلم نور وقيل ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم نور يقذفه الله في قلب من شاء من عباده. 

فقد يكون الإنسان أو الجنّي صاحب علم كإبليس لعنه الله تعالى ولكنّه قد يكون فاقد لنور العلم قال تعالى في النور :

( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ). 

فالفقير الصادق لا ينظر إلاّ إلى نور العلم لا إلى العلم لأن العلم متى خلا من نوره أصبح رواية وقد يكون في حقه غواية وكذلك الاخلاص مثلا متى خلا من سرّه أصبح دعوى وشرك لهذا كان لعنه الله تعالى خبيرا بمراتب المقامات فما قال ( إلاّ عبادك المخلِصين ) بكسر اللام بل قال ( إلاّ عبادك المخلَصين ) بفتحها. 

فالاسم لا يدلّ إلاّ على المسمّى وهو أقرب باب إلى الفتح وهو لا يدلّ إلاّ على الذات. 

الخميس، 19 ديسمبر 2013

المشهد القدسي 4

بسم الله الرحمان الرحيم -

وإنما أخفى الفاعل وستره في هذا التعليم لما في الأسماء من نسبة الأفعال " التي لا تكون إلا بحسب سريان ذلك العلم " للخليفة وهو الإنسان فيكون له الكسب من حيث الإسم بحقائق العلم الساري فيه وهو علم الصفات لذا كان خلق الأفعال من الله تعالى لذا علّمه الأسماء وكأنه أخفى علم الصفات في هذا التعليم للأسماء فكان الإسم حجابا عليها وذلك لتنسب الأفعال إليه بحسب واردات الصفات والقدرة كي يظهر الفضل ويتحقق العدل فما خلقك إلا ليعرف فيك فأنت عبد ( في أنفسكم أفلا تبصرون ) أي أبصر عبوديتك لي في نفسك لا أن تشاهدني في نفسك فأنا لا أحلّ فيها أبدا.

فمتى نسبت الأعمال إليك حاججك بفضله عليك ومتى رمت نسبتها إليه من حيث أنك مجبور عليها حاججك بعدله بما سرى فيك من معاني أسمائه وهي معاني العلم والقدر في حلية الحكمة لذا قل ( ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ).

فقوله علّم سريان معاني الأسماء في لآدم لأنه أسم يدل على مسمّاه فمتى حاججته بهذا السريان حاججك من حيث ظهورك بالأسماء فأنت الذي ظهرت بها ومتى حاججته بالأسماء حاججك بحقائق معانيها فأفرغك من محتواها فلا حجة لك عليه أبدا ولا تقل كما قال إبليس لعنه الله ( فبما أغويتني ) فنسب الإغواء الى الله تعالى لأن معلوماته إنعكست الى الصورة الظلمانية فلم ينسب الإغواء لنفسه من حيث رفضه السجود.

فأخفى الفاعل عند ذكره الفعل وأخفى الخليفة وما أظهره إلا بوجود الإسم المنطلق عليه وهو قوله ( آدم ) فكان هناك تناسبا وتناسقا بين ذكر الفعل وهو فعل علّم وبين ذكر آدم من حيث أنه إسم فلم يقل " وعلّم إسم آدم " بل قال تعالى: ( وعلّم آدم ).

فذكره بإسمه في حالة التعليم لأن الإسم متى ظهر لا يدلّ إلا على ذات المسمّى وصفاته وقد أعلمك بأنه علّمه كي لا تنسب علما إليه فتستدلّ على غيره , فحلّ قوله ( آدم ) محلّ الإسم الدال على الذات والصفات ثم إنه أخفى إسم آدم حالة تعليمه عن الملائكة وما علموا إلا عند قوله :

( أنبئهم بأسمائهم ).

ولكنّنا نحن علمنا بإسم آدم حالة تعليمه بقوله: ( وعلّم آدم ). لأنّنا كنّا في صلبه فسرت في ذريته جميع ما علمّه الله له من أسماء أو تقول كلّ واحد منّا أخذ ما يناسبه من ذلك التعليم وسرت فيه حقيقته فسيقوم بها كما سرت فيه فكان التعليم ساريا فينا ونحن في صلب آدم وقد سجدت الملائكة له ونحن أيضا في صلبه بعد التعليم فتمّ سجودها لنا لذا كان ظهور الأسماء متوقّفا على آدم وبنيه من باب أوّل ثمّ بالتبعية على الملائكة ثمّ على إبليس لعنه الله تعالى.

فلو لا آدم لما كان هناك ظهور وخلافة ولولا الملائكة لما كانت هناك حسنات ولو لا إبليس لما كانت هناك سيئات فكان إمتحان هذا الإنسان ليس في الملائكة ولا في إبليس بل في نفسه من حيث جماع حقيقتيه الروحية والطينية فالملائكة ما رأت غير وصفها فينا لذا كلّفت بعالم معانينا اللطيف وشؤنه من نفخ الروح في الرحم وإلى يوم الفصل و القضاء فكانوا جنود الذات وكذلك إبليس ما رأى غير وصفه في هذا الإنسان فأشتغل بطينة هذا الإنسان وما تمليه نفسه في عالم الأغيار فكان هذا الإنسان محلّ التنازع بين العالم العلوي عند الإخبار والإعلام به وفي العالم السفلي بعد الظهور فما خرج كلّ من الملائكة وإبليس بغير حقيقته أما من حيث حقيقة هذا الإنسان فليس له إلا الصراط المستقيم لا يمينا ولا شمالا ( إهدنا الصراط المستقيم ) فلا يبقى له ذكر في عالم الأسماء ( أذكروا الله ذكرا كثيرا وسبّحوه بكرة وأصيلا ) فما أوصاك بكثرة الذكر إلا لينسى ذكرك في عالم ظهورك في تلك الأسماء أن تنسبها إليك فتنازع الربوبية في أحكامها.

فهناك تناسب إذن بين الفعل وبين المفعول به الأول والثاني.

قال تعالى :

( وعلّم آدم الأسماء كلّها ).

فذكر الأسماء بصيغة الجمع جمع من حيث أن جمع إسم أسماء وجمع آخر من حيث قوله ( كلّها ) أي لا تتخلّف كلّيتها الظاهرة والباطنة عن الجمع الأوّل , ثمّ انّه عرّف الأسماء بأل التعريف فجاء التعريف بعد ذكر إسم آدم من غير أل التعريف وإنّما عرّفه من حيث الإسم العلم ومن حيث تعليمه علم الأسماء ليشير إلى أن الأسماء كلّها معرّفة بآدم وليس هو معرّف بالأسماء.

فكان لا بدّ من تعريفه في غير دائرة الأسماء ثمّ في تركيب إسم آدم جاءت الحروف مقطّعة كحروف أوائل السور فدلّ على حمله أسرار الأسماء التابعة له.

فجاءت الأسماء معرّفة بتعريفين تعريف أوّل من حيث نسبتها إلى آدم وتعريف ثاني من حيث وجود أل التعريف , وجاءت مجموعة مرّتين فأضحى آدم كالمحور الذي تدور عليه الأسماء فهو إمامها لذا قدّمها في الذكر عليه ثمّ ما ذكر جنس الأسماء إلا من حيث تبعيتها لآدم وكأنّها بنفس حقيقته ومن جنسه لذا أختص بهذا العلم فما ذكر في تعريف جنسها غير قوله ( كلّها ) فجمعت فيه من حيث الإحاطة بها فكان المراد معناها وليس مبناها إذ لو كان المراد مبناها لأفردها في التركيب فدلّت على معنى في نفسها بما سيطلق على أفرادها من أسماء.

ثمّ إنه قيّدها في مجموعها بقوله ( كلّها ) بعد أن عرّفها بجمع الكليّة والكلية تفيد الإحاطة والشمولية والإطلاق , فقيّدها من وجه وأطلقها من وجه من حيث نسبتها من آدم ثمّ أنه قيّدها مع آدم من حيث نسبتها إليه في هذا التعليم فحملت الوجهين والتعريفين والجمعين
ثمّ بإفراد ذكر إسم آدم وإفراد ذكر مجموع الأسماء في مفردة واحدة فكأنّها بالمقارنة مع إسم آدم تعتبر لا تفاضل بين حقائقها وإنما يقع التفاضل فيما بينها متى لم تقارن بإسم آدم لأن الأسماء لا قيام لها إلا بذات الإسم وقد علمت بأنّ أسماءها متوقفة على وجود إسم آدم فبه ظهرت الى الوجود.

ثمّ قوله ( كلّها ) عادت الهاء على جمع الأسماء ولم تعد على آدم الذي هو عين الإسم فبه عرّفت الأسماء الأخرى ومنه خرجت ولا تخرج إلا به لأنها لا تدلّ إلا عليه , فخفي الفاعل وهو المعلّم وظهرت صفته في الإسم وهي العلم بالأسماء كلّها فكان فعل ( علّم ) يناسب آدم من حيث أنه على تلك الصورة آدم " إن الله خلق آدم على صورته " ولم يقل على حقيقته فالصورة شيء والحقيقة شيء آخر.

فكان التعليم صفة فعل فسرى الفعل في الإسم بصفته وسرى الإسم في ذات آدم فكان قيامه بمعاني الأسماء التي بدورها قامت بمعاني الذات إذ لا بدّ من فاعل بصفته الدالة على ذاته وإنما خفي الفاعل وإستتر لوجود التلازم بين الفعل والإسم والمفعول به من شدّة ظهور الفاعل بالفعل في المفعول به وهو آدم حتى غدت مبالغة الفاعل في التفعيل كأنه لا يشهد غير الفعل في إنفعال إسمه ومعانيه فخفي الوصف بفعل التعليم وأعني بالوصف معنى الفعل كأنّه هو الممد والفاعل وإنما ظهر الوصف بالنسبة للإسم لما شاهده بأنه معنى الفعل فخفي الفاعل الحقيقي شهودا وبقي أثرا في ذهن وعقل المنفعل له وهو آدم من حيث لآدميته لا من حيث خلافته.

فالعلم صفة والصفة تتبع موصوفها لذا كان العلم ينطبع إنطباعا ذاتيا في حقيقة المتعلّم وبحسب إستعداد إسمه يقع إليه الإمداد ولا يحسن أن يعبّر عمّا كمن فيه من العلم إلا بلسان الأسماء في هذه الحقيقة ومن هنا نعرف معاني الدلالات والأدلّة كلّها التي وردت في الشرع فالدليل لا يكون دليلا حتى يدلّ عليه دليل وهكذا ( وفوق كلّ ذي علم عليم )
فلا ظهور بدون أسماء ولا أسماء بدون مسمّى ولا مسمّى بدون فعل ولا فعل بدون معنى ولا معنى بدون صفة ولا وصف بدون موصوف ولا موصوف بدون ذات ولا ذات بدون حقيقة ولا حقيقة بدون مشاهدة.

فلا مشاهدة من غير حقيقة ولا حقيقة من غير ذات ولا ذات من غير صفات ولا صفات من غير معنى ولا معنى من غير فعل ولا فعل من غير إسم ولا إسم من غير مسمّى ولا مسمّى من غير ظهور لذا قال ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) لأنها الحقيقة السارية والتي بها قام كلّ شيء فلا بد إستشعار لآثارها أو معانيها أو حقيقة معانيها التي هي أسرارها
ثم إنه قال :

( وعلّم آدم ).

وكأنّ التعليم كان دفعة واحدة سابقا وجاء التفصيل لا حقا وكلّ هذا خفي عن الملاكة لذا ما رأت ولا علمت علما ولا معلّما ولا متعلّما لذا قالوا ( سبحانك لا علم لنا ) فالتفاضل من حيث الخلافة وقع بالعلم وفي العلم لذا قال للخليفة ( وقل ربّ زدني علما ) أي قل بلساني أيها السبع المثاني لذا دلّه على القول لا على العمل المفيد للزيادة.

أريد أن أشير بأنّني ما إعتمدت على الروايات التي فيها نظر في الآيات مثل الرواية التي تقول أن الملائكة إنّما قاسوا بقولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) على من سبق سكناه الأرض وهو الجنّ من حيث أنهم سفكوا فيها الدماء وأفسدوا فيها وهذه الرواية التي حكاها المفسّرون في تفاسيرهم موقوفة عن إبن عباس رضي الله عنه وقد قالوا بأن فيها نظر من حيث الإسناد ومن حيث متنها وهي تبقى من جملة الأوجه التي ذكرها ساداتنا المفسّرون رضي الله عنهم.

فهي ليست أولى من غيرها من الأوجه وكذلك بخصوص آية ( وعلّم آدم الأسماء كلّها ) فليست خاصة بوجه دون وجه كقولهم إنّما المراد بالأسماء أسماء الصنائع والمهن وقد أجمعوا على أن المقصود هو أسماء كلّ شي وهذا القول هو عين التحقيق بلا ريب وإلى غير ذلك من أقوال المفسرين فإني لا أكتب إلا بعد الإستئناس بأقوال ساداتنا العلماء.

وإنما ذكرت هذا لأن بعض الفقراء ذكر لي بعد أن قرأ ما كتبته في أشائر الآية الأولى رواية عبد الله إبن عباس رضي الله عنه وكأنه ظنّ بأنّي غفلت عنها والحقّ كما قلت لا بد من الإستئناس بأقاويل الأقدمين أهل العلم والعمل فنحن من حياضهم نغترف مع العلم بأني لا أذكر فيما أكتب إلا ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق أو ما دلّ عليه في غير محلّ النطق لكنّا في كلّ الأحوال لا نخرج عن اللفظ أبدا بحول الله تعالى لأنّ الفقير يرى بأن اللفظ القرآني فيها جميع ما أريد من المعنى فلا يتخلف معنى من المعاني عن دلالات اللفظ وسنخرج بحول الله من معاني الألفاظ ما يثلج الفؤاد ويتم به المراد إن شاء الله ولا تراه مسطّرا في كتاب وكلّ ذلك من فتح العليم الوهّاب.

والسلام 

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

الحقائق العليا 1

بسم الله الرحمان الرحيم - 

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين 

القرآن هو تفسير للتوحيد قبل كلّ شيء فذكر الله تعالى فيه حقائق ثلاث :

حقيقة أسمائه وحقيقة صفاته وحقيقة ما عليه ذاته من عظمة ..

وبذلك ذكر من العلوم ثلاثة علوم:

علم العقول وعلم القلوب وعلم الأرواح.

فجعل متعلّق علم العقول الأسماء ومتعلّق علم القلوب الصفات ومتعلّق علم الأرواح الذات.

قال تعالى :

( الحمد لله رب العالمين ).

التي هي أوّل استفتاح في سورة الفاتحة كما أنّها أخر دعاء أهل الجنّة من الملائكة وغيرهم في الجنّة.

فقوله ( الحمد لله ) ألوهية وقوله ( رب العالمين ) ربوبية فلو لا الألوهية ما صحت عبودية ولو لا الربوبية ما صحّت خصوصية فكان لك إلها من حيث كونك عبدا وكان لك ربّا من حيث كونك مخلوقا فشاركك جميع الخلق أحكام الربوبية لكنك انفردت مع من كان على شاكلتك بأحكام العبودية.

وجّهك إلى مطالب أسمائه بقوله :

( إقرأ بإسم ربّك الذي خلق خلق الإنسان من علق ).

فذكر لك هنا الصفة المادية ثمّ وجّهك إلى مطالب صفاته بقوله:

( إقرأ وربّك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم ).

فذكر لك الصفة العلمية بعد الصفة المادية فجعل لك قراءتان:

الأولى في عالم العقل وما يدرك بالحواس.

والثانية في عالم القلب وما يدرك به كتدبّرك للقرآن.

ثمّ أوضح لك العلم بوجود ذاته سبحانه في دلالة إسمه عليه الذي هو إسم الذات وهو قولنا ( اللــــه ) وذلك في قوله : ( بإسم ربّك ) أي إسم الربوبية الذي هو إسم الجلالة ( اللـــه ) لذا قال لك سبحانه :

( إنّ ربّكم اللـــــــــــــه الذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش ).

فاستوى إسم الألوهية على عرش الربوبية كي تسري حقائق ذلك الإسم في كلّ إسم ومسمّى به لذا قال تعالى:

( وعلّم آدم الأسماء كلّها ).

فما قال " وأنبأنا آدم الأسماء كلّها " بل قال تعالى : ( وعلّم آدم ). فالتعليم غير الإنباء بل يسبق التعليم الإنباء " العلماء ورثة الأنبياء " فما ورّثوا غير العلم وليس الإنباء " فافهم "

لهذا قال تعالى:

( الرحمان علّم القرآن ).

فالتعليم شيء والإنباء شيء آخر أمّا بخصوص الملائكة فقد قال لهم:

( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ).

فما قال لهم مثلا " أذكروا لي علم الأسماء " إذ لو قال ذلك لتعيّن أن يذكروا الأسماء كلّها لأنّ التعليم وقع عليها , لهذا قال لآدم بعد ذلك:

( يا آدم أنبئهم بأسمائهم ). فما قال له هنا " علّمهم أسماءهم " إذ لو قال لهم علّمهم أسماءهم لتعيّن عليه تعليمهم جميع الأسماء لأنّها أسماء موصولة بالإسم الجامع الذي هو اللـــه جلّ جلاله ... قال تعالى:

( فلمّا أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم أنّي أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ).

فأوضح لهم هنا طبيعة ذلك الإنباء الصادر من آدم بالأمر الإلهي وأنّ متعلّقه عالَمين هما عالم السماوات وعالم الأرض هذا بداية ثمّ نهاية ذكر لهم عالَمين آخرين هما عالم العلم اللاحق وعالم العلم السابق لأنّ الغيب لا ينفصل عن الشهادة والسابق لا ينفصل عن اللاحق لقوله تعالى:

( هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن ).

فهذه أربعة عوالم ومن هنا كان الأفراد أربعة كما كان الخلفاء أربعة واحد أوّل ظاهر وثاني آخر باطن ...

قال تعالى:

( وعلّم آدم الأسماء كلّها ).

فهذا الخبر إعلام لنا لا إلى الملائكة وإنّما غاية علم الملائكة في معرض إستفسارها أنّها علمت بتعليم الأسماء لآدم لمّا واجههم بالسؤال ( أنبؤوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) ثمّ قال :

( قلنا يا آدم أنبئهم بأسمائهم ).

فهنا علموا يقينا وجهة آدم في الخلافة وذلك في قوله تعالى:

( وعلّم آدم الأسماء كلّها ). كلية تعليم الأسماء ... وهو المراد بالقطبانية العظمى في الوجود على ألسنة أهل الله تعالى ..

فجعل آدم خليفة في الأرض من حيث مقام ربوبيته وليس من حيث مقام ألوهيته فإنّه لا إله إلاّ اللــــه.

فما جعل لك أمرا من ظاهر أو باطن مما وفقك الله تعالى إليه إلاّ من حيث ربوبيته التي هي رعايته لك وحفظه لك وتيسيره ورحمته بك وفضله عليك أمّا من حيث ألوهيته فليس لك من الأمر من شيء " فإذا سألت فأسأل الله وإذا إستعنت فاستعن بالله واعلم ... " أي اعلم الحقيقة الكلية متى كنت من أهل البقاء بالله تعالى من باب " من لم يشكر الناس فلم يشكر الله " . 

خرج آدم عليه السلام في صورته الأسمائية وخرج عيسى في صورته الصفاتية أمّا سيّد المرسلين فخرج في صفته الأسمائية والصفاتية فكان دالاّ على الذاتية فكان الجميع تحت حكمه فقال : " أنا سيّد ولد آدم ولا فخر "  .( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ). وكذلك الأمر فمن أحبّ الرسول فقد أحبّ الله ... لذا قالوا أنّ الفناء في المحبّة مقدماته الفناء في محبّة المؤمنين حتى يكونوا كالجسد الواحد وفناء في محبّة المرشد الوليّ المأذون ثمّ فناء في محبّة الرسول صلى الله عليه وسلّم فهذه كلّها طريقا تأخذ بالعبد إلى الفناء في محبّة الله تعالى.

لهذا كان في أمّته عليه الصلاة والسلام مجموع ما كان في الأمم السابقة مع زيادة ما اختصت به أمّته فكان أصناف المسلمين ثلاثة :

صنف أهل عقول وصنف أهل قلوب وصنف أهل أرواح فأهل العقول عوام أرضيين وأهل القلوب خواص سماويين وأهل الأرواح خاصة الخاصة جبروتيين ...

فإذا جمع الوليّ فيما بينها كان من الكاملين وتابع لسيد المرسلين ( أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ). 

فجاء القرآن ذاكرا لكلّ شيء وتفصيلا لكلّ شيء ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) كلّ مرتبة وكلّ علم وكل حقيقة وكل حال أو مقام أو وصف كما قال عليه الصلاة والسلام: " القرآن لا تنقضي عجائبه "أي آياته واسراره متى علمت قولها ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيب ). 

قلت : هناك حقائق كثيرة في القرآن أعلاها الحقائق العليا المصونة التي هي حقائق التوحيد المطلق من كلّ وجه كوجه العلم ( وفوق كل ذي علم عليم ) ووجه الرحمة ( وسع كل شيء رحمة ) ووجه الصدق ( ومن أصدق من الله قيلا ) ...

وهكذا في كلّ وجه ومن كلّ وجه فلا يمكنك أبدا أن تحتجّ بوصف آتاكه الله تعالى كوصف العلم أن تحتجّ به عليه أو على حقيقة من حقائق صفاته .. كإرادته وعلمه وتخصيصه أو قدرته أو اختياره .. إلخ. 

فلا يجوز إستعمال العلم احتجاجا به على صفات المعلوم ولكن يحتج بصفات المعلوم على العلم أمّا ذات المعلوم فأنّى يصلها العلم ( وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا ) فبحثك في الحقيقة لا يكون عن العلم وإنّما عن المعلوم بداية فمتى وصلت إلى المعلوم اتضح عندك العلم به صفاتا مستدلاّ بذلك على ذاته وهي مرتبة المشاهدة فليس بعد العين أين أي ليس بعد العين علم لذا وصف المحشر بالرؤية ولم يصفه بالعلم كقوله :( يوم ترى ) أمّا في غير ذلك فقال له :( وقل رب زدني علما ).

أمّا متى اتبعت العلم كي تصل إلى المعلوم فلا يكون ذلك إلاّ بعلم صحيح يدلك والا بطل التصور كي تعلم أنّه يوجد علم غير صحيح كعلم السحر وكعلم الدجل من باب كذب المنجمون ولو صدقوا وكعلم الشيطنة فهي علوم فاسدة واستعمال الشيء في غير محله الذي وضع له كأن تجعل علوم القرآن مطية إلى الدنيا أو علم الدين مطية إلى الشهرة أو علم الولاية مطية إلى الكرامة والظهور ..

فهذا كفصيل علم السحر فما ذمّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم الدين ولكن ذمّ من انتسب إليه بغير حق وما ذمّ صلاة الخوارج بل ذمّ المصلين منهم وما ذمّ صومهم بل ذمّ الصائمين منهم وما ذمّ القرآن بل ذمّ القارئين منهم ...

قلت : ما وقع فيه الكثير من الفرق الإسلامية من خطأ في تحرير المسائل الدينية والعقائد التوحيدية إنّما لعدم معرفتهم بالمعلوم لذا قال محمد ابن سيرين رضي الله عنه ( إنّ هذا العلم دين فاعرفوا عمّن تأخذون دينكم ) ...

سؤال عن الطرق الصوفية و حقيقة الاصل و الفرع فيها

بسم الله الرحمان الرحيم -

سؤال ماذا تقول سيدي الشيخ علي في هذا :

" طريقتنا "الخلوتية الجامعة" ليست مقتصرة على الخلوتية بل جامعة إلى الخلوتية سبع طرق أخرى بأسانيدها وأسرارها وروح أورادها "ومنها الشاذلية".

تدلنا الإجازات التي تلقاها شيخنا و أستاذنـا الشيخ عبد الرحمـن الشريف " المتوفى عام 1305هـ - 1888م " عن عدد من شيوخ زمانه والإجازات التي أعطاها لبعض خلفائه على انه كان خلوتي الطريقة في الأصل ثم جمع إلى جانب هذه الطريقة إجازات بمشيخة سبع طرق أخرى وهي إجازات موثقة ومحتفظ بها إلى اليوم، وهذه الطرق هي:

الرفاعية والقادرية والأحمدية والدسوقية والشاذلية اليشرطية والنقشبندية والأدريسية . 

ولذلك كان يكتب في صدر إجازاته " مثلما يشير في أوراده ورسائله إلى طريقته " بأنها  الطريقة الخلوتية الرفاعية القادرية الأحمدية الدسوقية الشاذلية النقشبندية الأحمدية الأدريسية " وهو الأمر الذي حدا بخلفائه من بعده وهم جيل الشيوخ اللاحقين له مباشرة إلى إطلاق اسم " الرحمانية الجامعة " على مجمل هذه الطرق . الرحمانية اشتقاقًا من اسمه " عبد الرحمن " والجامعة لكونها جمعت بين هذه الطرق كلها في أسانيدها وآدابها وأورادها التي فتح الله بها على سيدنا الشيخ عبد الرحمن الشريف معبرة عن روح أوراد الطرق كلها.."

الجواب:

بسم الله الرحمان الرحيم - 

والصلاة والسلام على الحبيب وآله

هناك فرق كبير بين أن يجمع وليّ من الأولياء عدّة طرق ويأخذ أورادها ويكون له الإذن في التربية في مختلف الطرق.

وبين أصل الطرق فالأصل لا يدخل في الفرع أبدا وعليه فطريقة سيدي ابي الحسن الشاذلي رضي الله عنه تدخل فيها جميع الطرق إلا الطريقة التيجانية وليس هذا الكلام من عندي بل قاله سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه في كتاب جواهر المعاني فليراجع.

ومعلوم بأن الأصل يرجع إليه الفرع وطريقة الشاذلية هي طريقة (الأصول ).

ذكر هذا الكلام الشيخ سيدي أحمد زرّوق في كتابه " قواعد التصوّف " .

إن الكثير من الناس لا يميّزون بين الأصل والفرع : فالدرقاوية هي فرع عن الشاذلية واليشرطية هي فرع عن الشاذلية.

فعلى الفقير أن يتحقّق أصول الطرق لا فرعها وهكذا في كل طريقة وأشهر أصول الطرق هي :

الشاذلية و التيجانية , القادرية , الرفاعية , النقشبندية.

وهذه الأصول بالنهاية ترجع إلى الأصل الشاذلي أي إلى الأصل الجامع للطرق.

وقد نصّ على هذا الإمام الشعراني رضي الله عنه فإنّه في آخر حياته رجع إلى الشاذلية فقال : هي طريقتنا الآن وإلا فقد أخذ بعد وفاة شيخه عن غير واحد من المشائخ لذا ذكرهم في آخر كتابه الطبقات.

ومعلوم بأن الشيخ سيدي أبا الحسن الشاذلي قد ضمن له رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشرة ضمانات لك منها :

أن الفقير الشاذلي متى حصلت له فترة وكسل وتراخي عن الذكر ونزل إلى معافسة الغفلةوالمعاصي , متى ما تحرّكت همّته إلى الرجوع إلى السير يبدأ من مستوى المقام الذي تركه قبل حصول الفترة , فيجد في يوم واحد من حلاوة الإيمان والذكر وترادف المدد والأنوار ما يعجز عنه غيره في سنوات طوال وهذا صحيح مجرّب.

وقد أخبرني به أيضا أحد أكابر العارفين بالله في هذا الزمان وأخبرني بالضمانات كلّها منها أزفّها للبشرى :

دخول الفقير الشاذلي الجنّة مع والديه وحضور رسول الله صلى الله عليه وسلّم عند قبض الروح برفقة.... وهذا أنا مصدّق به ولا ريب فيه عندي.

والإعتقاد أفضل من الإنتقاد لوسع رحمة الله وعظمة فضله ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) هكذا أخبرنا عن أنفسنا مولانا عزّ وجلّ.

والله أعلم 

المشهد القدسي 3

بسم الله الرحمان الرحيم -

الحمد لله - 
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه

أمّا بعد :

فنواصل إن شاء الله تعالى شرح بقية ما الفقير بصدده من ذكر خواطره فيما يتعلّق ببقية الآيات الكريمات :

قال تعالى:

( وعلّم آدم الأسماء كلّها ).

وهذا جزء من الآية الثانية فيما يتعلّق بموضوع الخلافة الوارد ذكرها في الآيات الشريفة

أقول :

ذكر هنا فعل ( علّم ) في مقام التعليم لأنّه مقام أسمائي وأخفى فاعله فاستتر في هذه الحالة وفي هذا المكان الملكوتي فكان التعليم بين المعلّم والمتعلّم فلا شعور لغير المتعلّم بهذا التعليم لذا خفي عن الملائكة مادّة العلم فلم تشهد فاعلا بصدد التعليم إذ لو شاهدته لعلمت ما علّمه من العلم للمتعلّم ولا يقدّر معرفة الفاعل إلا بالرجوع لأوّل الإعلام وهو قوله تعالى:

( وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة ).

فكان الإخبار في هذه الآية ظاهرا بشهود الفاعل وهو القائل مع نسبة إضافة كاف المخاطب التي تفيد ظهور الخليفة في ضمير إتصاله و وصاله بالقائل فلم تتميّز كاف الضمير بإنفرادها وإنفصالها فكان ظهورها بالتبعية في هذا المشهد فقام مقامها القائل في الإخبار عنه لأنه سيتولّى أمره كلّه ماضيا وحاضرا ومستقبلا فتجانست كاف المخاطب مع الفاعل الذي هو القائل في مقام الصفات الذي تكلّم فيه إذ أنّ الكلام لا يكون إلا في مقام الصفات لذا كان كلام الله تعالى صفته الدالة على ذاته .

أما قوله تعالى:

( وعلّم آدم الأسماء ).

فهو إخبار للخليفة في حالة التعليم الذي ذكره لهم من حيث إسمه الذي أظهره بقوله ( آدم ) لا من حيث حقيقته التي هي الخلافة فما قال وعلّم الخليفة الذي بشّر به سابقا الأسماء كلّها لأن الخلافة وصف لصاحب الإسم وليست إسما له فلا يمكن أن يعرّف الوصف في غير الإسم لذا لم تكن الملائكة على مهيّأة لعلم الأسماء لأن إسمها في حقيقته وصف لها.

فنحن عندما نقول ملك أو جمعه وهو ملائكة نفهم المقصود والمعنى المراد لهذا الإطلاق بمجرّد ذكر الوصف أمّا لو قلنا مثلا جبريل أو ميكائيل فإنّه لا بدّ من التعريف لذا قال تعالى:

( وإذ قال ربّك للملائكة ).

فليس هناك أسماء بعينها تخصّ كلّ فرد من أفراد ذلك الجمع فليس هناك أسماء للملائكة ولا إسم إبليس لعنه الله بل كان الكلّ ملائكة في هذا الوصف عند الإعلام بجعل الخليفة في الأرض خليفة أمّا إذا قلنا خليفة فإنّنا لا ندري المعقول من هذه الكلمة ولا نعلم المفهوم منها لذا وجب تعريفها أما لو أبدلناها بقولنا ( آدم ) علمنا المقصود لأن هذا إسم وليس بوصف فهو إسم علم يدلّ على ذات المسمّى ثمّ على صفاته فكان هناك تجانسا كبيرا بين الإسم والذات المسمّاة به.

أما الصفات فهي مفهومة بتبعية الذات فلا يدلّ الإسم قط على الصفات مجرّدة عن الذات فكان هذا الإسم جامعا لحقائق تلك الذات المسمّاة بهذا الإسم وكذلك فلو قلنا جبريل فإنه إسم يدلّ على مسمّاه ذاتا وصفاتا ولا يدلّ على جنسه إلا من حيث التبعية أي أنه من الملائكة فهو إسم موقوف على صاحبه ولا يتعدّاه لذا قال تعالى:

( قل من كان عدوّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإنّ الله عدوّ للكافرين ).

فتمعّن كيف قال ( وملائكته ) ثمّ ذكر جبريل بالإسم وميكائيل رغم أنّهما من الملائكة فدلّ على أن ذكر جبريل بالإسم يراد به حقيقة جبريل لا جنسه وهو الملائكة وكذلك ميكائيل وهذا من علوم الإسماء التي أختصّ بها هذا الخليفة في إسمه وهو آدم لأنه لو قال خليفة لقال في مقابلته ملائكة فافهم .

لذا ذكر آدم في هذه الآية من حيث حقيقة الخليفة الأسمائية لا من حيث حقيقة الخليفة الصفاتية لأن الإسم لا يدلّ إلا على الذات لا على الصفات وآدم إسم موضوع ليدلّ على ذات المسمّى به من حيث علمه بالأسماء لا غير ذلك فهو جامع من حيث دلالته .فكان التعليم مقام صفاتي وذكر آدم مقام أسمائي من حيث سريان الصفات في الأسماء وهكذا في كلّ إسم تابع لإسم آدم.

وإنّما ذكر الخليفة في الآية الأولى بالإفراد وذكر آدم في هذه الآية بالإفراد فلأنه ذكر الملائكة في الآية الأولى بصيغة الجمع وذكر الأسماء في الآية الثانية بصيغة الجمع وكأنه يشير إلى أن الخليفة في مقامه هناك جامع للصفات وآدم في مقامه هنا جامع للأسماء إذ لا يعقل أن يفرد حيث الجمع فدلّ على أن الإفراد هو عين الجمع في الإفراد فكان صاحبه جامعا والجمع هو عين الإفراد في الجمع لتعلم جمع الخليفة أسماءا وصفاتا لأنه هناك فرق بين من يكون صفة وبين من يكون جامع صفات وبين من يكون إسما وبين من يكون إسما جامع أسماء.

لذا أفرد ذكر الخليفة في محلّ الجمع وجمع الأسماء حيث أفرد إسم الخليفة فكان في الحالتين كأنّه المحور التي تدور عليه الصفات والأسماء لأن الجامع لا يكون إلا فردا وغير الجامع لا يكون إلا جمعا وصفة في فرديته لذلك الجامع , فذكر الخليفة في مقام جمعه فكأنه أشار الى رقي مقام جمع الخليفة على جمع الملائكة بما فيهم إبليس لما كان على صورته الملكية وليس حقيقته الملكية إذ الحقيقة تعطي الأصل وليس هو ملك في اصله بل هو من الجنّ مخلوق من نار وقوله تعالى:

( كان من الجنّ ).

يشير إلى أنه ليس بأبيهم فلا يجبرون على حقائقه فافهم لأنه ليس بالخليفة لذا قال تعالى:

( كان من الجنّ ).

فنحن عدوّنا إبليس وذريته وليس الجنّ بحدّ ذاته فإن فيهم المسلم والمؤمن .

لأن الفاعل ليس بصفة وليس بإسم بل هو ذات والذات لا كنه لها بغير دلالة الأسماء والصفات حتى تدرك ويقع عليها العلم لذا كانت كاف المخاطب بسببها ظهر ذلك الإخبار من حيث نسبتها منه وكذلك آدم بسببه ظهرت الأسماء فكان خليفة صفة وإسما فظهرت صفاته في غيره لأنه محال أن يعرف إلا في غيره وكذلك أسماؤه وإنما أظهرها في غيره وهو الخليفة الجامع إشارة الى جمعه عليه بدلالة أسمائه وصفاته.

فكان لا بدّ من الجمع عليه بما أنه الواحد الاحد لتتحقق معرفته الكاملة في جميع أسمائه وصفاته فكان الخليفة في الشاهد كصورته لأن الصورة هي ما يعطيه وصف الذات عند مقابلتها للمرآة وهناك فرق بين الصورة وبين أصلها كالفرق بينك وبين صورتك عندما تراها في المرآة فهي لا شيء بالنسبة لما أنت عليه فلا نفع لها معك ولا ضر لها ولا حياة ولا نشورا فهي عاجزة من كل وجه وإنما فقط تم وضعها للدلالة عليك متى ما رآها من يعرفك وتطابق نظره بينك وبينها فيستدلّ بها عليك فيعرفك.

وإلا فإنه يشاهد الصورة ولا يدري لها صاحبا ولا يحسن أن ينسبها لأحد من الخلق ومن هنا حرّم النبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم تصوير ونحت الصور لما فيها ذرائع الشرك لأن من صوّر صورة أو نحت تمثالا طولب بنفخ الروح فيه ولا يستطيع أحد ذلك فالله تعالى وحده الذي يصور خلقه في أيّة صورة شاء ثمّ ينفخ فيه الروح فيكون آية دالة عليه فافهم.

فأغناك بالصورة الأصلية عن الصورة الوهمية هذا في عالم الأشباح أما في عالم الأرواح فأغناك به عن صورته وما الكون كلّه إلا وهم لا وجود له هكذا قال المحققون لذا فإنك ترى ضلال النصارى بوضع الصور والتماثيل في دور العبادة والكنائس وذلك من شركهم وقولهم في عيسى عليه السلام القول المحذور من أنه إبن الله أو أنه الله أو أنه ثالث ثلاثة فأوقعتهم الصور في الشرك الأكبر.

أما مشائخ التربية من المحققين فإنهم لا يميلون إلى الصور ولا يحبذونها البتّة لما فيها وعليها رغم أنها صور حقيقية لأصحابها لا وهمية أو خيالية ونحن نعلم بأن الصحابة الكرام عليهم الرضوان ليست لديهم صورة لرسول الله صلى الله عله وسلم معلّقة على الحيطان في دور العبادة والواجهات فتعبد من دون الله فإن الضعف موجود في الأرواح والأشباح وهذا مشهود لذا لعن عليه الصلاة والسلام المصوّرين وتوعّدهم بالعذاب الأليم.

لأن منبع الشرك نجم عن تصوير الصور من عهد نوح عليه السلام وإلى أن حطّم عليه الصلاة والسلام الأصنام من فوق الكعبة وداخلها فليس هناك فتنة أكثر من فتنة الصور كفتنة صور الحسناوات والمردان حسان الوجوه لذا قطع عليه الصلاة والسلام على الشيطان هذا السبيل من أن يدخل على أمته منه فحذّر من التصوير ونحت التماثيل لقطع الذريعة وهذا ما نجده في الفقه الإسلامي لورود حديث النهي عن التصوير.

فالنحت والتصوير باليد حرام بالإجماع أما مذهب من قال بأن الصور الفتوغرافية هي أيضا حرام أخذ بظاهر الحديث وعمومه فأخذ بالعزيمة من حيث النص لا من حيث الواقع.

فإنهم اليوم كلّهم غرقى في ذلك ولأن ذريعة الشرك واقعة على النحت والتصوير اليدوي لذات الأرواح ويكفيك بأن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة فمذهب من قال بالتحريم أكانت الصور وهمية أم حقيقية مذهب صحيح من حيث التحقيق لا بحسب ما يفهمونه هم لظاهر النص , فإنهم وإن أصابوا الحكم ما أصابوا المعنى فإنهم ما علموا من الحديث غير ظاهر اللفظ ولو علموا حقائقه من حيث علم الأسماء لكانت زيادة الإيمان من نصيبهم فإن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحي يوحى لا يجوز فيها إلا نور الفهم وعلم المراد في معانيه كلّها.

ولكن هناك من إغترف وهناك من إرتشف أما من ذهب مذهب تجويز الصور الحقيقية التي تنتجها آلة التصوير لأن الواقع يفرضها ولا مجال لتركها لأنها قامت مقام الضرورة من حيث الهويات الشخصية وصور التعارف ..إلخ فأرادوا الإستدلال لها من الشرع والسنّة ويستنبطون أحكامها فقصدوا حقائق الصور المنطبعة في الورق مثل إنطباع صاحبها في المرآة فهي لا تعتبر ولا تدخل عندهم في نهي الحديث وهذا واضح وهو مذهبنا والفقه مذاهب شتّى معتبرة ولكل وجهة هو مولّيها , فليست حجة مذهب بخصوص الصور الحقيقية بأقوى من المذهب الآخر.

فإن مراد الحديث لسد باب ذرائع الشرك وخاصة في صدر الإسلام فمتى حفظ هذا التحقيق فلا حرج لأن الصور متى كانت حقيقية لصاحبها كما إنطبعت صورته في المرآة متى قابلها بذاته فلا حرج لأنه عليه الصلاة والسلام كان يرى صورة نفسه في المرآة فيقول: " اللهم كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي " فدلّ على طلب تطابق المعنى بالحسّ ودعاؤه مستجاب بلا ريب ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فافهم.

قال هذا عندما رأى صورته في المرآة فلم تدلّه صورته إلا على ربّه ذاتا وصفاتا وعليه فالصورة التي تخرجها آلة التصوير هي عبارة عن مرآة جامدة تثبت صورة صاحبها عبر مراحل عمره فلا حرج فيها إنّما الحرج وقع في تعليقها في المساجد والزوايا خاصة لأن فيها تشبّه بالنصارى فهذا من فعلهم وقد نهينا عن النتشبّه بهم وقد سمعت أحد ساداتنا من العارفين بالله يقول " هذا من فعل النصارى " ونحن نتكلم عن الفعل الظاهري وليس عن النوايا والقلوب المفعمة بالمحبة لأؤلائك المشائخ والعارفين ولكن الشرع يأبى ذلك ويرفضه.

وقد قال مادة طريقتنا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: " إذا خالف كشفك الصحيح الكتاب والسنة فاترك كشفك جانبا وأعمل بالكتاب والسنة وقل إن الله ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في جانب الكشف " . وقال آخر " إنه لتقع النكتة من نكت القوم في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل الكتاب والسنة " . فما بالك بمن يضعون صور مشائخهم في الواجهات والزوايا بكل لون فهذا نراه أمر مرفوض وفيه ما فيه ولا يفعله المحققون من أهل الله تعالى. 

È