بسم الله الرحمان الرحيم -
سيدي الفاضل الحبيب هذا ملحق مختصر أردت إضافته في موضوعي ليس حول الطريقة الشاذلية بالقصد تحديدا وإنّما هو بعض تفصيل مناحي طريق الشاذلية في السلوك والتربية ..
سأجيبكم على أسئلتكم سيدي ولتعلم كوني العبد الضعيف كتبت هذا ليس ردّا عليكم حاشا ولكني كتبته هكذا للذكرى لي ولإخواني والله أعلم.
بالنسبة لطريق الشاذلية سيدي لا ينحصر فيه التحقيق بل جميع طرق أهل الله تعالى موصلة إليه لتعدّد الطرق كما نصّ عليه كبار الأشياخ لكن منهجهم رضي الله عن ساداتنا الأولياء من الأقطاب والأوتاد والأفراد والنجباء حيثما كانوا وكان كائنهم فنتمنّى على الله تعالى خدمتهم فهي شرف لنا أمّا محبّتهم فهي أنشودتنا الخالدة.
لكن تبقى طبعا خصوصيات الطرق متى علمنا قول سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه كما في جواهر المعاني " كلّ الطرق تدخل في طريقة الشاذلي إلاّ طريقتنا " فقد أبان رضي الله عنه كون جميع الطرق تدخل في طريقة سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وقد نصّ كبار العارفين كون القطب متى وصل الى القطبانية يتشذّل لهذا سميت الطريقة الشاذلية بطريقة الأقطاب لهذا قالوا فيها كونها خارج التصنيف فهي طريقة طي أكوان وهي طريقة أصحاب الإسم الأعظم.
ثمّ كونها طريقة التربية الأصولية قال سيدي أحمد زرّوق الفاسي رضي الله عنه في قواعده " هي طريقة الوصول بحسب الأصول " لذا قيل في الشاذلية " تلميذ الشاذلية أستاذ أهل زمانه " لهذا فإنّك أوّل ما تلاحظه على الشاذلية هو العلم فإذا علمت كون مصنّفات الشاذلية هي قاسم مشترك بين جميع الطرق.
فليس هناك طريقة أصّلت وأسّست المنهج التربوي الأصولي مثلما أسّسته الطريقة الشاذلية سواء لقصد الحضرة المحمّدية حسب ما جاء في صلواتهم وقصيدة البردة التي هي قاسم مشترك بين جميع الطرق لأن قصيدة البردة مثلا فيها السير إلصحيح إلى الحقيقة المحمّدية ووصفها والأدب معها أو القصد إلى الحضرة القدسية وهذا هو الأصل ككتاب الحكم العطائية فهو قاسم مشترك يبيّن أصول السلوك من بدايته إلى نهايته فقد امتازت الطريقة الشاذلية بالتربية خاصّة وليس بالتصريف.
فقلّما لا يكون قطب التربية من غير الشاذلية بل هو منهم في هذا الزمان لأنّ رحى مقام العبودية يدور حول قطب التربية وليس قطب التصريف فهو المقام الأوّل ضرورة وهو سرّ هذا الوجود قال تعالى:
( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ).
وقد عبّر القرآن عن هذه الحقيقة كما قال تعالى:
( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ).
لأنّ الكون بأسره والسماوات والأرض كما قال تعالى:
( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة إِلَّا اللَّه لَفَسَدَتَا فَسُبْحَان اللَّه رَبّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ ).
بمعنى كون الفساد هو كلّ ما خرج عن استشعار تلك الألوهية فمهما خرجنا من عبوديتنا فقد أفسدنا ( والله لا يحب الفساد ) لهذا مدح القوم طريقة الشاذلية كونها مدرسة العبودية بينما هناك مدارس عبودية تربوية أخرى كثيرة لكن يغلب على أغلب أتباعها الميل إلى أنماط الخصوصية كالكشف والكرامات وخوارق العادات والتصريف ...إلخ.
لكن عند السادة الشاذلية قعّد لهم شيخهم قاعدته الذهبية فقال لهم " أكبر كرامة هي الإستقامة " فألقوا بخصوصيتهم في بحر عبوديتهم فلا ظهور لكرامة إلاّ ضرورة كما ظهرت معجزة موسى ضرورة لمّا قال ( كلاّ إنّ معي ربّي سيهدين ) بينما أصحاب الخصوصيات وإن كانوا من وجه على الوصف والنعت العيسوي من حيث أنّ معجزاته كانت مختارة منه بإذن الله تعالى فهذا جانب روحي أكبر له تعلّق بالصفة في ذات مدلولها وليس تعلّق بالصفة في غير مدلولها كما تعلّق سليمان بالصفة في غير مدلولها فكان له مقام التصريف والتسخير لأنّ أمر عيسى تعلّقه صفاتي من حيث حقيقته الروحية لأنّ حقيقته حقيقة نفخ فكان ينفخ في الطين على هيئة الطير فيكون طيرا بإذن الله فتعلّق بحقيقته عليه السلام كما تعلّق سليمان بحقيقته.
لكنّ سيّدنا ومولانا محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان تعلّقه ذاتيا وهذا التعلّق الذاتي هو تعلّق أصولي وهذا التعلّق الأصولي هو التعلّق العلمي فإذا علمت كون القرآن هو كلام الله وهو اللسان العلمي في جميع أوجه الأسماء والصفات كما قال تعالى:
( أنزله بعلمه ). وقال :( الرحمان علّم القرآن ).
أدركنا كون السير المحمّدي هو السير العلمي والسير العلمي هو السير الأدبي والسير الأدبي هو سير العبودية المحضة وفي هذا تفصيل من حيث حضرات الأنبياء الأولياء عليهم السلام ومعرفة مفرداتها العلمية فإنّ لكلّ نبيّ حضرة هي قطبانيته وهكذا لكلّ شيخ فلا تعتدي حضرة على حضرة أخرى فهل رأيت مثلا مجرّة تعتدي على مجرّة أخرى ؟
إلاّ أنّ الأدب اللازم في حقّ كلّ نبيّ هو قبول إمامة سيّدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأنّها الإمامة العلمية ونعني بالعلم هنا ليس المعنى المتبادر إلى الأفهام بل بمعنى قوله تعالى:
( أحاط بكل شيء علما ).
فلا تتبع الكشف مثلا واتبع علم الله فيه وهو الأدب ولا تتبع الكرامات ولكن اتبع علم الله فيها لأنّك متى اتبعت الكشف فقد اتبعت علمك فيه فدلّ على قصورك وهو ما رمز إليه حكيم السادة الصوفية بقوله " لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخمادا لنور سريرتك " فتعيين زمن الموعود به قد يكون كشفا وقد لا يحصل في الوقت الذي فهمه صاحب الكشف وقد لا يقع أصلا لوجود لوح المحو والإثبات.
فالعلم في ذلك الكشف هو الأدب فلو كان علمك وفيرا لكان أدبك كثيرا .. لهذا أراد إبليس لعنه الله تعالى الاطلاع على الغيب فهو كان يسترق السمع كي يثير الفتن بذلك الغيب فيما بين الناس فيعبدونه فالتعيين سوء أدب مع الله تعالى لأنّك لا تدري مشيئة الله تعالى الحاكمة على كل شيء فلا تتقيد بشيء ..الا متى ورد الإذن بالتعيين ..
وهذا غير مرغوب لأنّك ستمتحن فيه بينما متى اتبعت علم الله تعالى فقد ازددت علما على علمك كما قال تعالى :
( وقل ربّ زدني علما ).
لأنه طريقه صلى الله عليه وسلّم ولهذا كثيرا ما يخاطبه القرآن بملاحظة العلم الإلهي عليه كما قال تعالى :
( ولئن إتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ... الآية ).
فما قال له مثلا " بعد الذي جاءك من الأمر أو النهي أو الإيمان أو اليقين .." لأنّ العلم يشمل هذه المفردات جميعها من حيث كونها موجودة فيه لا من حيث كونها مقصودة فيه لذا يكون العلم هو النور ولا نعني بالنور الضياء ولكن نعني به العبودية لله تعالى.
فإذا علمت كون طريق الشاذلية طريق عبودية تعلم أنّه طريق علم وعلى قدر العبودية يكون علمك أمّا الكرامات والكشوفات بل المقامات والأحوال متى لم تكن تحت سلطان العلم كانت غير متأدّبة لذا قيل التصوّف هو الأدب ومن زاد عليك في الأدب زاد عليك في التصوّف فالتصوّف في أعلى مراميه هو الأدب الذي هو روح العلم وهو العبودية وأنت في مقام كمال الخصوصية.
قال تعالى في الخضر:
( آتيناه رحمة من عندناوعلّمناه من لدنّا علما ).
فهو تصرّف هنا بحال رحموتي وفق العلم الذي علّمه الله تعالى إياه لأنّ الرحمة يجب أن تكون موافقة للعلم في عالم التصريف فلو لم توافق رحمته علمه لما قتل الغلام لأنّ الرحمة بغير علم توجّه نفسي معلول وفيه حظّ نفسي فلا تستقيم الرحمة إلاّ وفق العلم.
هناك يعرف الإله سبحانه كونه محيط بهذا الكون رحمة وعلما كما قال تعالى:
( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ).
فهم في طلبهم المغفرة لأهل الإيمان من الذين تابوا واتبعوا سبيله لم يفردوا ذكر الرحمة في طلبهم هذا رغم ما يعطيه حالهم في ذلك لكنّه راقبوا العلم فأوفوا حقوق الأدب في العلم فقرنوا بين الرحمة والعلم من كثرة تحقيقهم وعرفانهم كون الرحمة حيثما دخلت دخل العلم معها.
قال تعالى :
( الرحمان علّم القرآن ).
فإذا علمت كون اللسان الجامع هو اللسان العلمي علمت كون عالم الجمع باسره يكون سيره علمي لذا أشار الحكيم سيدي ابن عطاء الله رضي الله عنه إلى هذه الحقيقة فقال" وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به وإلاّ فجل ربّنا أن يتّصل بشيء أو يتّصل به شيء " أو كما ورد في الحكمة فكانت عقيدة الإتحاد والحلول عقيدة كفرية لأنّ ميزانها ليس علمي بل تكون هناك الأحوال مدخولة بمعنى لا علم فيها لتمييزها فاختلط الحابل بالنابل فالعلم هو الأدب والرجوع إلى العلم هو الرجوع إلى الله تعالى حقيقة لذا قيل " نهاية العارفين رجوعهم إلى بدايتهم " .
ومن ذلك صاحب سليمان قال تعالى في حقّه:
( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ).
فما مدح نفسه بل مدحته الحضرة بعد أن اشارت إليه أن يقوم بما قام به فالذي ساعده على الإتيان بعرش بلقيس ليس قوّته كما ادّعى ذلك العفريت من الجنّ صاحب الخوارق بل علمه هو الذي ساعده.
وكذلك علم التأويل لم يعلمه غير الراسخون في العلم لأنّهم يؤمنون به فبعد الإيمان به حصل التفصيل والبيان وكذلك الذي يخشى ربّه فهو تحت سلطان علم خشيته كما قال تعالى :
( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ).
فكلّ نبيّ وكلّ رسول إنّما هو تحت سلطان علمه فطوى جميع أحواله تحت سلطان العلم الذي هو الأدب لذا قال سيدي أبو يزيد رضي الله عنه " اشدّ شيء على اصحاب الأحوال هو العلم " لهذا يرفق كثيرا أصحاب المقامات العلمية بأصحاب الأحوال من السائرين كي لا يموتون كمدا .
فالعلم يعطي مرتبة العقل والعقل للخصوصية التي هي الخلافة فمتى خرجت تلك الخلافة في وصف العبودية خرج العلم في وصف الصفات غير متصلة ولا منفصلة عن الذات.
العبد الفقير لا أطلب من أحد وما طلبت عمري من أحد تغيير طريقته والدخول في طريقة أخرى إلاّ إذا كانت طريقته طريقة تبرّك وليست طريقة سلوك أمّا طرائق السلوك فهي كثيرة ولكن نحن لا نفاضل فيما بينها ولكن نذكر خصوصيات كلّ منها وميزاتها فقلنا كون الطريقة الشاذلية طريقة الوصول بحسب الأصول لأنّها الطريقة العلمية فوصولها علمي فمشاهداتهم علم وكشوفاتهم علم وكراماتهم علم وأذواقهم علم وهكذا .. قال سيّدنا عليّ هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ..
لذا قال تعالى:
( إنما يخشى الله من عباده العلماء ).
وقال عليه الصلاة والسلام : " العلماء ورثة الأنبياء ".
فمقامك حيث أقامك في العلم الإلهي السابق فإذا علم العبد هذا العلم بحث عن مسكنه في مجاري أقدراه كي يلتحق بسكناه فيه إلى أبد الآباد ..
فمن العلم أن لا تأمن مكره أبدا ومن العلم أن لا تقيّد مشيئته أبدا ومن العلم أن تترك له التصريف جملة وتفصيلا ومن العلم أن تجاهد نفسك في علمها به أن تدّعيه لأنّه العليم سبحانه لذا قالت الملائكة ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا ) فما قالت بعد أن عجزت ( لا علم لنا ) وسكتت بل قالت رغم عدم علمها ( إلاّ ما علّمتنا ) أدب الخطاب وإلاّ فأين العلم الذي أدعوه .
لهذا سيدي أقول : الفقير لا أطلب من أيّ أحد تغيير طريقته لأنّ تعدّد الطرق رحمة بالعباد في مختلف البلاد وكما قيل ( مقامك حيث أقامك ) وإنّي العبد الفقير أحبّ جميع طرق أهل الله تعالى فكلّها طرق موصلة إلى حضرة الله تعالى فمن كان قاصدا حضرة ربّه فلا يعنيه على أي الطرق يسير كما سار من قبل أويس القرني رضي الله عنه.
ولكن لا عتب أن يذكر الإنسان فضائل طريقته كما ذكر سيدي أحمد التيجاني ذلك رضي الله عنه أو سيدي عبد القادر التيجاني رضي الله عنه أو سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه أو سيدي محمد شاه نقشبند رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا فكلّهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم.
ولكن عند التفصيل لا مشاحة في ذكر خصوصيات الطريقة الشاذلية بما أن الكاتب شاذلي الطريقة لكنّه لا يمدحها بباطل بل بحقّ رغم كون الفقير لا يقف مع الطرق وجميع تلك المسميات ..
والله تعالى أعلم وأحكم وهو أرحم الراحمين.
سيدي الفاضل الحبيب هذا ملحق مختصر أردت إضافته في موضوعي ليس حول الطريقة الشاذلية بالقصد تحديدا وإنّما هو بعض تفصيل مناحي طريق الشاذلية في السلوك والتربية ..
سأجيبكم على أسئلتكم سيدي ولتعلم كوني العبد الضعيف كتبت هذا ليس ردّا عليكم حاشا ولكني كتبته هكذا للذكرى لي ولإخواني والله أعلم.
بالنسبة لطريق الشاذلية سيدي لا ينحصر فيه التحقيق بل جميع طرق أهل الله تعالى موصلة إليه لتعدّد الطرق كما نصّ عليه كبار الأشياخ لكن منهجهم رضي الله عن ساداتنا الأولياء من الأقطاب والأوتاد والأفراد والنجباء حيثما كانوا وكان كائنهم فنتمنّى على الله تعالى خدمتهم فهي شرف لنا أمّا محبّتهم فهي أنشودتنا الخالدة.
لكن تبقى طبعا خصوصيات الطرق متى علمنا قول سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه كما في جواهر المعاني " كلّ الطرق تدخل في طريقة الشاذلي إلاّ طريقتنا " فقد أبان رضي الله عنه كون جميع الطرق تدخل في طريقة سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وقد نصّ كبار العارفين كون القطب متى وصل الى القطبانية يتشذّل لهذا سميت الطريقة الشاذلية بطريقة الأقطاب لهذا قالوا فيها كونها خارج التصنيف فهي طريقة طي أكوان وهي طريقة أصحاب الإسم الأعظم.
ثمّ كونها طريقة التربية الأصولية قال سيدي أحمد زرّوق الفاسي رضي الله عنه في قواعده " هي طريقة الوصول بحسب الأصول " لذا قيل في الشاذلية " تلميذ الشاذلية أستاذ أهل زمانه " لهذا فإنّك أوّل ما تلاحظه على الشاذلية هو العلم فإذا علمت كون مصنّفات الشاذلية هي قاسم مشترك بين جميع الطرق.
فليس هناك طريقة أصّلت وأسّست المنهج التربوي الأصولي مثلما أسّسته الطريقة الشاذلية سواء لقصد الحضرة المحمّدية حسب ما جاء في صلواتهم وقصيدة البردة التي هي قاسم مشترك بين جميع الطرق لأن قصيدة البردة مثلا فيها السير إلصحيح إلى الحقيقة المحمّدية ووصفها والأدب معها أو القصد إلى الحضرة القدسية وهذا هو الأصل ككتاب الحكم العطائية فهو قاسم مشترك يبيّن أصول السلوك من بدايته إلى نهايته فقد امتازت الطريقة الشاذلية بالتربية خاصّة وليس بالتصريف.
فقلّما لا يكون قطب التربية من غير الشاذلية بل هو منهم في هذا الزمان لأنّ رحى مقام العبودية يدور حول قطب التربية وليس قطب التصريف فهو المقام الأوّل ضرورة وهو سرّ هذا الوجود قال تعالى:
( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ).
وقد عبّر القرآن عن هذه الحقيقة كما قال تعالى:
( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ).
لأنّ الكون بأسره والسماوات والأرض كما قال تعالى:
( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة إِلَّا اللَّه لَفَسَدَتَا فَسُبْحَان اللَّه رَبّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ ).
بمعنى كون الفساد هو كلّ ما خرج عن استشعار تلك الألوهية فمهما خرجنا من عبوديتنا فقد أفسدنا ( والله لا يحب الفساد ) لهذا مدح القوم طريقة الشاذلية كونها مدرسة العبودية بينما هناك مدارس عبودية تربوية أخرى كثيرة لكن يغلب على أغلب أتباعها الميل إلى أنماط الخصوصية كالكشف والكرامات وخوارق العادات والتصريف ...إلخ.
لكن عند السادة الشاذلية قعّد لهم شيخهم قاعدته الذهبية فقال لهم " أكبر كرامة هي الإستقامة " فألقوا بخصوصيتهم في بحر عبوديتهم فلا ظهور لكرامة إلاّ ضرورة كما ظهرت معجزة موسى ضرورة لمّا قال ( كلاّ إنّ معي ربّي سيهدين ) بينما أصحاب الخصوصيات وإن كانوا من وجه على الوصف والنعت العيسوي من حيث أنّ معجزاته كانت مختارة منه بإذن الله تعالى فهذا جانب روحي أكبر له تعلّق بالصفة في ذات مدلولها وليس تعلّق بالصفة في غير مدلولها كما تعلّق سليمان بالصفة في غير مدلولها فكان له مقام التصريف والتسخير لأنّ أمر عيسى تعلّقه صفاتي من حيث حقيقته الروحية لأنّ حقيقته حقيقة نفخ فكان ينفخ في الطين على هيئة الطير فيكون طيرا بإذن الله فتعلّق بحقيقته عليه السلام كما تعلّق سليمان بحقيقته.
لكنّ سيّدنا ومولانا محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان تعلّقه ذاتيا وهذا التعلّق الذاتي هو تعلّق أصولي وهذا التعلّق الأصولي هو التعلّق العلمي فإذا علمت كون القرآن هو كلام الله وهو اللسان العلمي في جميع أوجه الأسماء والصفات كما قال تعالى:
( أنزله بعلمه ). وقال :( الرحمان علّم القرآن ).
أدركنا كون السير المحمّدي هو السير العلمي والسير العلمي هو السير الأدبي والسير الأدبي هو سير العبودية المحضة وفي هذا تفصيل من حيث حضرات الأنبياء الأولياء عليهم السلام ومعرفة مفرداتها العلمية فإنّ لكلّ نبيّ حضرة هي قطبانيته وهكذا لكلّ شيخ فلا تعتدي حضرة على حضرة أخرى فهل رأيت مثلا مجرّة تعتدي على مجرّة أخرى ؟
إلاّ أنّ الأدب اللازم في حقّ كلّ نبيّ هو قبول إمامة سيّدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأنّها الإمامة العلمية ونعني بالعلم هنا ليس المعنى المتبادر إلى الأفهام بل بمعنى قوله تعالى:
( أحاط بكل شيء علما ).
فلا تتبع الكشف مثلا واتبع علم الله فيه وهو الأدب ولا تتبع الكرامات ولكن اتبع علم الله فيها لأنّك متى اتبعت الكشف فقد اتبعت علمك فيه فدلّ على قصورك وهو ما رمز إليه حكيم السادة الصوفية بقوله " لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخمادا لنور سريرتك " فتعيين زمن الموعود به قد يكون كشفا وقد لا يحصل في الوقت الذي فهمه صاحب الكشف وقد لا يقع أصلا لوجود لوح المحو والإثبات.
فالعلم في ذلك الكشف هو الأدب فلو كان علمك وفيرا لكان أدبك كثيرا .. لهذا أراد إبليس لعنه الله تعالى الاطلاع على الغيب فهو كان يسترق السمع كي يثير الفتن بذلك الغيب فيما بين الناس فيعبدونه فالتعيين سوء أدب مع الله تعالى لأنّك لا تدري مشيئة الله تعالى الحاكمة على كل شيء فلا تتقيد بشيء ..الا متى ورد الإذن بالتعيين ..
وهذا غير مرغوب لأنّك ستمتحن فيه بينما متى اتبعت علم الله تعالى فقد ازددت علما على علمك كما قال تعالى :
( وقل ربّ زدني علما ).
لأنه طريقه صلى الله عليه وسلّم ولهذا كثيرا ما يخاطبه القرآن بملاحظة العلم الإلهي عليه كما قال تعالى :
( ولئن إتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ... الآية ).
فما قال له مثلا " بعد الذي جاءك من الأمر أو النهي أو الإيمان أو اليقين .." لأنّ العلم يشمل هذه المفردات جميعها من حيث كونها موجودة فيه لا من حيث كونها مقصودة فيه لذا يكون العلم هو النور ولا نعني بالنور الضياء ولكن نعني به العبودية لله تعالى.
فإذا علمت كون طريق الشاذلية طريق عبودية تعلم أنّه طريق علم وعلى قدر العبودية يكون علمك أمّا الكرامات والكشوفات بل المقامات والأحوال متى لم تكن تحت سلطان العلم كانت غير متأدّبة لذا قيل التصوّف هو الأدب ومن زاد عليك في الأدب زاد عليك في التصوّف فالتصوّف في أعلى مراميه هو الأدب الذي هو روح العلم وهو العبودية وأنت في مقام كمال الخصوصية.
قال تعالى في الخضر:
( آتيناه رحمة من عندناوعلّمناه من لدنّا علما ).
فهو تصرّف هنا بحال رحموتي وفق العلم الذي علّمه الله تعالى إياه لأنّ الرحمة يجب أن تكون موافقة للعلم في عالم التصريف فلو لم توافق رحمته علمه لما قتل الغلام لأنّ الرحمة بغير علم توجّه نفسي معلول وفيه حظّ نفسي فلا تستقيم الرحمة إلاّ وفق العلم.
هناك يعرف الإله سبحانه كونه محيط بهذا الكون رحمة وعلما كما قال تعالى:
( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ).
فهم في طلبهم المغفرة لأهل الإيمان من الذين تابوا واتبعوا سبيله لم يفردوا ذكر الرحمة في طلبهم هذا رغم ما يعطيه حالهم في ذلك لكنّه راقبوا العلم فأوفوا حقوق الأدب في العلم فقرنوا بين الرحمة والعلم من كثرة تحقيقهم وعرفانهم كون الرحمة حيثما دخلت دخل العلم معها.
قال تعالى :
( الرحمان علّم القرآن ).
فإذا علمت كون اللسان الجامع هو اللسان العلمي علمت كون عالم الجمع باسره يكون سيره علمي لذا أشار الحكيم سيدي ابن عطاء الله رضي الله عنه إلى هذه الحقيقة فقال" وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به وإلاّ فجل ربّنا أن يتّصل بشيء أو يتّصل به شيء " أو كما ورد في الحكمة فكانت عقيدة الإتحاد والحلول عقيدة كفرية لأنّ ميزانها ليس علمي بل تكون هناك الأحوال مدخولة بمعنى لا علم فيها لتمييزها فاختلط الحابل بالنابل فالعلم هو الأدب والرجوع إلى العلم هو الرجوع إلى الله تعالى حقيقة لذا قيل " نهاية العارفين رجوعهم إلى بدايتهم " .
ومن ذلك صاحب سليمان قال تعالى في حقّه:
( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ).
فما مدح نفسه بل مدحته الحضرة بعد أن اشارت إليه أن يقوم بما قام به فالذي ساعده على الإتيان بعرش بلقيس ليس قوّته كما ادّعى ذلك العفريت من الجنّ صاحب الخوارق بل علمه هو الذي ساعده.
وكذلك علم التأويل لم يعلمه غير الراسخون في العلم لأنّهم يؤمنون به فبعد الإيمان به حصل التفصيل والبيان وكذلك الذي يخشى ربّه فهو تحت سلطان علم خشيته كما قال تعالى :
( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ).
فكلّ نبيّ وكلّ رسول إنّما هو تحت سلطان علمه فطوى جميع أحواله تحت سلطان العلم الذي هو الأدب لذا قال سيدي أبو يزيد رضي الله عنه " اشدّ شيء على اصحاب الأحوال هو العلم " لهذا يرفق كثيرا أصحاب المقامات العلمية بأصحاب الأحوال من السائرين كي لا يموتون كمدا .
فالعلم يعطي مرتبة العقل والعقل للخصوصية التي هي الخلافة فمتى خرجت تلك الخلافة في وصف العبودية خرج العلم في وصف الصفات غير متصلة ولا منفصلة عن الذات.
العبد الفقير لا أطلب من أحد وما طلبت عمري من أحد تغيير طريقته والدخول في طريقة أخرى إلاّ إذا كانت طريقته طريقة تبرّك وليست طريقة سلوك أمّا طرائق السلوك فهي كثيرة ولكن نحن لا نفاضل فيما بينها ولكن نذكر خصوصيات كلّ منها وميزاتها فقلنا كون الطريقة الشاذلية طريقة الوصول بحسب الأصول لأنّها الطريقة العلمية فوصولها علمي فمشاهداتهم علم وكشوفاتهم علم وكراماتهم علم وأذواقهم علم وهكذا .. قال سيّدنا عليّ هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ..
لذا قال تعالى:
( إنما يخشى الله من عباده العلماء ).
وقال عليه الصلاة والسلام : " العلماء ورثة الأنبياء ".
فمقامك حيث أقامك في العلم الإلهي السابق فإذا علم العبد هذا العلم بحث عن مسكنه في مجاري أقدراه كي يلتحق بسكناه فيه إلى أبد الآباد ..
فمن العلم أن لا تأمن مكره أبدا ومن العلم أن لا تقيّد مشيئته أبدا ومن العلم أن تترك له التصريف جملة وتفصيلا ومن العلم أن تجاهد نفسك في علمها به أن تدّعيه لأنّه العليم سبحانه لذا قالت الملائكة ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا ) فما قالت بعد أن عجزت ( لا علم لنا ) وسكتت بل قالت رغم عدم علمها ( إلاّ ما علّمتنا ) أدب الخطاب وإلاّ فأين العلم الذي أدعوه .
لهذا سيدي أقول : الفقير لا أطلب من أيّ أحد تغيير طريقته لأنّ تعدّد الطرق رحمة بالعباد في مختلف البلاد وكما قيل ( مقامك حيث أقامك ) وإنّي العبد الفقير أحبّ جميع طرق أهل الله تعالى فكلّها طرق موصلة إلى حضرة الله تعالى فمن كان قاصدا حضرة ربّه فلا يعنيه على أي الطرق يسير كما سار من قبل أويس القرني رضي الله عنه.
ولكن لا عتب أن يذكر الإنسان فضائل طريقته كما ذكر سيدي أحمد التيجاني ذلك رضي الله عنه أو سيدي عبد القادر التيجاني رضي الله عنه أو سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه أو سيدي محمد شاه نقشبند رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا فكلّهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم.
ولكن عند التفصيل لا مشاحة في ذكر خصوصيات الطريقة الشاذلية بما أن الكاتب شاذلي الطريقة لكنّه لا يمدحها بباطل بل بحقّ رغم كون الفقير لا يقف مع الطرق وجميع تلك المسميات ..
والله تعالى أعلم وأحكم وهو أرحم الراحمين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق