بسم الله الرحمان الرحيم -
يَامَنْ تُرِيدْ تَدْرِي فَنِّي
فَسْأَلْ عَنِّي الْأُلُوهِيَّة
أَمَّا الْبَشَرْ لاَ يَعْرِفْنِي
أَحْوَالِي عَنْهٌ غَيْبِيَّا
أُطْلُبْنِي عِنْدَ التَدَانِي
مِنْ وَرَاءِ الْعُبُودِيَا
أمَّا الظُرُوفْ وَالْأْكْوَانِ
لَيْسَ لِي فِيهَا بَقِيَا
إِنِّي مَظْهَرٌ رَبَّانِي
وَالْحَالُ يَشْهَدْ عَلِيَا
أَنَافَيَّاضُ الْرَحْمَانِ
ظَهَرْتُ فِي الْبَشَرِيَا
وَالْأَصْلَ مِنِّي رُوحَانِي
كُنت قَبْلَ الْعُبُودِيَة
ثُمَّ عُدْتُ لِأَوْطَانِي
كَمَا كُنْتُ فِي حُرِّيَا
لاَ تَحْسِبْ أَنَّكَ تَرَانِي
بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَا
فَمِنْ خَلْفِهَا مَعَانِي
لَوَازِمُ الرُّوحَانِيَا
فَلَوْ رَأَيْتَ مَكَانِي
فِي الْحَضْرَةِ الْأَقْدَسِيَا
تَرَانِي ثُمَّ تَرَانِي
وَاحِدًا بِلاَ غَيْرِيَا
لَكِنَّ الْحَقَّ كَسَانِي
لاَ يَصِلْ بَصْرُكْ إِلَيَا
تَرَانِي وَ...
سنكمل نقل القصيدة بعد شرح ما تمّ من النقل فهو أحسن والله أعلم.
ـــــــــــــــ
أُطْلُبْنِي عِنْدَ التَدَانِي --- مِنْ وَرَاءِ الْعُبُودِيَا
طلب الشيخ في طريق الله تعالى لا يكون طلبا حقيقيا حتّى يمتثل المريد لجملة من الشروط والآداب التي ينبغي أن يتحلّى بها قبل طلبه للشيخ الواصل وهو ما أشار إليه الناظم رضي الله عنه في قوله ( أطلبني عند التداني ) أي لا تطلبني قبل أن تقوم بما عليك القيام به من إرادة صادقة في طلب المولى سبحانه وذلك بالتخلية والتحلية وقد أوضح هذه المسألة من حيث ( التداني ) الذي هو العمل على الْتماس القربات إلى الله تعالى كما هو واضح في جواب الشيخ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لمّا سئل عن شروط طلب الشيخ الواصل من قبل الفقير الصادق فقال رضي الله عنه :
( فالذي يجب على المريد قبل لقاء الشيخ أن يلازم الذكر والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم بشدّة حضور القلب في تأمّل المعاني حسب الطاقة مع إعتقاده أنّه جالس بين يديه صلى الله عليه وسلّم مع دوام الإعراض عن كل ما يقدر عليه من هوى النفس وأغراضها والسعي في كلّ ما يحبّبه إلى الله تعالى من نوافل الخيرات وهي معروفة في الأوقات كوقت الضحى وقبل الظهر وبعده وقبل العصر وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد النهوض من النوم وفي آخر الليل , وليقلّل من ذلك ويجعل إهتمامه بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم أكثر من النوافل فإن الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم مفتاح أبواب الخير مع العزلة في وقت الذكر وتقليل الطعام والماء وإستعمال شيء من الصيام والصمت إلى غير ذلك ممّا هو مسطّر عند أهل الطريق والحذر الحذر من كثرة التخليط في الأذكار وكثرة تشعيب الفكر بين أقاويل المتصوّفة فإنه ما إتبع ذلك أحد وأفلح قطّ ولكن يجعل لنفسه ذكرا واحدا يهتمّ به ووجهة واحدة يهتمّ بها وأصلا ثابتا يعوّل عليه من الطرق هذا سلوكه وتربيته قبل لقاء الشيخ ) ( انتهى ).
لأنّ طلب الشيخ مع الركون إلى الراحة كمن يسأل الجنّة من غير عمل فهو في هذه الحالة كالمستهزئ بطريق الإرادة لما جبلت عليه النفوس من أماني واهية وخواطر ذميمة.
لذا أشار الناظم أنّ حقيقة طلب الشيخ لا بدّ لها من ( تداني ) فقال ( أطلبني عند التداني ).
لأنّ المريد الصادق متى تحقّق له هذا التداني وهو القرب من الله تعالى والسير على نهج الصدق في الطلب والعزيمة في القصد يضحى محتاجا لمن يأخذ بيده كما يحتاج الضمآن لشرب الماء فيكون الطلب هنا طلب حال وليس طلب مقال فما توجّه أحد بصدق إلى الله تعالى إلاّ وكان طلب حاله للشيخ في طريق الله تعالى ضروريا فيكون سؤاله عن الشيخ سؤالا اضطراريا ( أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوء ).
وإنّ الطاعات وما إلى ذلك من قربات تأخذ بيد المريد الى محبّة الله تعالى ومنها البحث عن أهله ليكون معهم لقوله تعالى ( اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فبعد التقوى وهو المراد بقوله ( التداني ) يُأمر العبد هنا توافقا مع حاله بطلب الشيخ المسلّك الواصل الموصّل إلى الله تعالى وهم المنعوتون بالصادقين فليس بعد التقوى إلاّ البحث عن أهل الصدق وهو وصفهم فكان طلب الشيخ هنا له علاقة كاملة بهذا القرب من الله تعالى وهذا التداني ...
ويبقى الشطر الآخر من البيت وهو قوله ( من وراء العبودية ) وهو تفسير للشطر الأوّل مع زيادة لربّما يريد بها والله أعلم أنّ طلب الشيخ كان نتيجة لتلك العبودية أو أنّه أراد رضي الله عنه بقوله ( ما وراء العبودية ) أي بعد العبودية يأتي مقام العبودة وهو مقام العروج بالروح إلى رحاب القدس والدخول بالفقير إلى مقام الفناء فيضحى الذاكر عين المذكور والسائل عين المسؤول وهي مرحلة في السلوك عبّر عنها أهل الله تعالى بسرّ الشيخ الذي به يستطيع الشيوخ اخراج أرواح مريديهم عن الكون والسوى في لمحة العين أو أقرب فعندها فقط يُعرف ويدرك حقيقة سرّ الشيخ وأنّه مأذون في ادخال العباد إلى حضرة ربّهم ولا يكون هذا إلاّ للعارف الفحل لهذا قال الناظم رضي الله عنه :
أُطْلُبْنِي عِنْدَ التَدَانِي --- مِنْ وَرَاءِ الْعُبُودِيَا
فهي إشارة منه رضي الله عنه أنّه بوّاب الحضرة في زمانه فلا يتحقّق الوصول إلاّ به وما عدا هذه المرحلة هي مراسم في طريق الله تعالى مقارنة معها وهذا ما يفسّره بقيّة القصيدة في تعريف الناظم بوظيفته ومقامه كي يدلّ الخلق على الله تعالى وأنّه قطب زمانه رضي الله عنه.
والله أعلم
يتبع إن شاء الله تعالى ...
يَامَنْ تُرِيدْ تَدْرِي فَنِّي
فَسْأَلْ عَنِّي الْأُلُوهِيَّة
أَمَّا الْبَشَرْ لاَ يَعْرِفْنِي
أَحْوَالِي عَنْهٌ غَيْبِيَّا
أُطْلُبْنِي عِنْدَ التَدَانِي
مِنْ وَرَاءِ الْعُبُودِيَا
أمَّا الظُرُوفْ وَالْأْكْوَانِ
لَيْسَ لِي فِيهَا بَقِيَا
إِنِّي مَظْهَرٌ رَبَّانِي
وَالْحَالُ يَشْهَدْ عَلِيَا
أَنَافَيَّاضُ الْرَحْمَانِ
ظَهَرْتُ فِي الْبَشَرِيَا
وَالْأَصْلَ مِنِّي رُوحَانِي
كُنت قَبْلَ الْعُبُودِيَة
ثُمَّ عُدْتُ لِأَوْطَانِي
كَمَا كُنْتُ فِي حُرِّيَا
لاَ تَحْسِبْ أَنَّكَ تَرَانِي
بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَا
فَمِنْ خَلْفِهَا مَعَانِي
لَوَازِمُ الرُّوحَانِيَا
فَلَوْ رَأَيْتَ مَكَانِي
فِي الْحَضْرَةِ الْأَقْدَسِيَا
تَرَانِي ثُمَّ تَرَانِي
وَاحِدًا بِلاَ غَيْرِيَا
لَكِنَّ الْحَقَّ كَسَانِي
لاَ يَصِلْ بَصْرُكْ إِلَيَا
تَرَانِي وَ...
سنكمل نقل القصيدة بعد شرح ما تمّ من النقل فهو أحسن والله أعلم.
ـــــــــــــــ
أُطْلُبْنِي عِنْدَ التَدَانِي --- مِنْ وَرَاءِ الْعُبُودِيَا
طلب الشيخ في طريق الله تعالى لا يكون طلبا حقيقيا حتّى يمتثل المريد لجملة من الشروط والآداب التي ينبغي أن يتحلّى بها قبل طلبه للشيخ الواصل وهو ما أشار إليه الناظم رضي الله عنه في قوله ( أطلبني عند التداني ) أي لا تطلبني قبل أن تقوم بما عليك القيام به من إرادة صادقة في طلب المولى سبحانه وذلك بالتخلية والتحلية وقد أوضح هذه المسألة من حيث ( التداني ) الذي هو العمل على الْتماس القربات إلى الله تعالى كما هو واضح في جواب الشيخ سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لمّا سئل عن شروط طلب الشيخ الواصل من قبل الفقير الصادق فقال رضي الله عنه :
( فالذي يجب على المريد قبل لقاء الشيخ أن يلازم الذكر والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم بشدّة حضور القلب في تأمّل المعاني حسب الطاقة مع إعتقاده أنّه جالس بين يديه صلى الله عليه وسلّم مع دوام الإعراض عن كل ما يقدر عليه من هوى النفس وأغراضها والسعي في كلّ ما يحبّبه إلى الله تعالى من نوافل الخيرات وهي معروفة في الأوقات كوقت الضحى وقبل الظهر وبعده وقبل العصر وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد النهوض من النوم وفي آخر الليل , وليقلّل من ذلك ويجعل إهتمامه بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم أكثر من النوافل فإن الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم مفتاح أبواب الخير مع العزلة في وقت الذكر وتقليل الطعام والماء وإستعمال شيء من الصيام والصمت إلى غير ذلك ممّا هو مسطّر عند أهل الطريق والحذر الحذر من كثرة التخليط في الأذكار وكثرة تشعيب الفكر بين أقاويل المتصوّفة فإنه ما إتبع ذلك أحد وأفلح قطّ ولكن يجعل لنفسه ذكرا واحدا يهتمّ به ووجهة واحدة يهتمّ بها وأصلا ثابتا يعوّل عليه من الطرق هذا سلوكه وتربيته قبل لقاء الشيخ ) ( انتهى ).
لأنّ طلب الشيخ مع الركون إلى الراحة كمن يسأل الجنّة من غير عمل فهو في هذه الحالة كالمستهزئ بطريق الإرادة لما جبلت عليه النفوس من أماني واهية وخواطر ذميمة.
لذا أشار الناظم أنّ حقيقة طلب الشيخ لا بدّ لها من ( تداني ) فقال ( أطلبني عند التداني ).
لأنّ المريد الصادق متى تحقّق له هذا التداني وهو القرب من الله تعالى والسير على نهج الصدق في الطلب والعزيمة في القصد يضحى محتاجا لمن يأخذ بيده كما يحتاج الضمآن لشرب الماء فيكون الطلب هنا طلب حال وليس طلب مقال فما توجّه أحد بصدق إلى الله تعالى إلاّ وكان طلب حاله للشيخ في طريق الله تعالى ضروريا فيكون سؤاله عن الشيخ سؤالا اضطراريا ( أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوء ).
وإنّ الطاعات وما إلى ذلك من قربات تأخذ بيد المريد الى محبّة الله تعالى ومنها البحث عن أهله ليكون معهم لقوله تعالى ( اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فبعد التقوى وهو المراد بقوله ( التداني ) يُأمر العبد هنا توافقا مع حاله بطلب الشيخ المسلّك الواصل الموصّل إلى الله تعالى وهم المنعوتون بالصادقين فليس بعد التقوى إلاّ البحث عن أهل الصدق وهو وصفهم فكان طلب الشيخ هنا له علاقة كاملة بهذا القرب من الله تعالى وهذا التداني ...
ويبقى الشطر الآخر من البيت وهو قوله ( من وراء العبودية ) وهو تفسير للشطر الأوّل مع زيادة لربّما يريد بها والله أعلم أنّ طلب الشيخ كان نتيجة لتلك العبودية أو أنّه أراد رضي الله عنه بقوله ( ما وراء العبودية ) أي بعد العبودية يأتي مقام العبودة وهو مقام العروج بالروح إلى رحاب القدس والدخول بالفقير إلى مقام الفناء فيضحى الذاكر عين المذكور والسائل عين المسؤول وهي مرحلة في السلوك عبّر عنها أهل الله تعالى بسرّ الشيخ الذي به يستطيع الشيوخ اخراج أرواح مريديهم عن الكون والسوى في لمحة العين أو أقرب فعندها فقط يُعرف ويدرك حقيقة سرّ الشيخ وأنّه مأذون في ادخال العباد إلى حضرة ربّهم ولا يكون هذا إلاّ للعارف الفحل لهذا قال الناظم رضي الله عنه :
أُطْلُبْنِي عِنْدَ التَدَانِي --- مِنْ وَرَاءِ الْعُبُودِيَا
فهي إشارة منه رضي الله عنه أنّه بوّاب الحضرة في زمانه فلا يتحقّق الوصول إلاّ به وما عدا هذه المرحلة هي مراسم في طريق الله تعالى مقارنة معها وهذا ما يفسّره بقيّة القصيدة في تعريف الناظم بوظيفته ومقامه كي يدلّ الخلق على الله تعالى وأنّه قطب زمانه رضي الله عنه.
والله أعلم
يتبع إن شاء الله تعالى ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق