إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

المشهد القدسي 3

بسم الله الرحمان الرحيم -

الحمد لله - 
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه

أمّا بعد :

فنواصل إن شاء الله تعالى شرح بقية ما الفقير بصدده من ذكر خواطره فيما يتعلّق ببقية الآيات الكريمات :

قال تعالى:

( وعلّم آدم الأسماء كلّها ).

وهذا جزء من الآية الثانية فيما يتعلّق بموضوع الخلافة الوارد ذكرها في الآيات الشريفة

أقول :

ذكر هنا فعل ( علّم ) في مقام التعليم لأنّه مقام أسمائي وأخفى فاعله فاستتر في هذه الحالة وفي هذا المكان الملكوتي فكان التعليم بين المعلّم والمتعلّم فلا شعور لغير المتعلّم بهذا التعليم لذا خفي عن الملائكة مادّة العلم فلم تشهد فاعلا بصدد التعليم إذ لو شاهدته لعلمت ما علّمه من العلم للمتعلّم ولا يقدّر معرفة الفاعل إلا بالرجوع لأوّل الإعلام وهو قوله تعالى:

( وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة ).

فكان الإخبار في هذه الآية ظاهرا بشهود الفاعل وهو القائل مع نسبة إضافة كاف المخاطب التي تفيد ظهور الخليفة في ضمير إتصاله و وصاله بالقائل فلم تتميّز كاف الضمير بإنفرادها وإنفصالها فكان ظهورها بالتبعية في هذا المشهد فقام مقامها القائل في الإخبار عنه لأنه سيتولّى أمره كلّه ماضيا وحاضرا ومستقبلا فتجانست كاف المخاطب مع الفاعل الذي هو القائل في مقام الصفات الذي تكلّم فيه إذ أنّ الكلام لا يكون إلا في مقام الصفات لذا كان كلام الله تعالى صفته الدالة على ذاته .

أما قوله تعالى:

( وعلّم آدم الأسماء ).

فهو إخبار للخليفة في حالة التعليم الذي ذكره لهم من حيث إسمه الذي أظهره بقوله ( آدم ) لا من حيث حقيقته التي هي الخلافة فما قال وعلّم الخليفة الذي بشّر به سابقا الأسماء كلّها لأن الخلافة وصف لصاحب الإسم وليست إسما له فلا يمكن أن يعرّف الوصف في غير الإسم لذا لم تكن الملائكة على مهيّأة لعلم الأسماء لأن إسمها في حقيقته وصف لها.

فنحن عندما نقول ملك أو جمعه وهو ملائكة نفهم المقصود والمعنى المراد لهذا الإطلاق بمجرّد ذكر الوصف أمّا لو قلنا مثلا جبريل أو ميكائيل فإنّه لا بدّ من التعريف لذا قال تعالى:

( وإذ قال ربّك للملائكة ).

فليس هناك أسماء بعينها تخصّ كلّ فرد من أفراد ذلك الجمع فليس هناك أسماء للملائكة ولا إسم إبليس لعنه الله بل كان الكلّ ملائكة في هذا الوصف عند الإعلام بجعل الخليفة في الأرض خليفة أمّا إذا قلنا خليفة فإنّنا لا ندري المعقول من هذه الكلمة ولا نعلم المفهوم منها لذا وجب تعريفها أما لو أبدلناها بقولنا ( آدم ) علمنا المقصود لأن هذا إسم وليس بوصف فهو إسم علم يدلّ على ذات المسمّى ثمّ على صفاته فكان هناك تجانسا كبيرا بين الإسم والذات المسمّاة به.

أما الصفات فهي مفهومة بتبعية الذات فلا يدلّ الإسم قط على الصفات مجرّدة عن الذات فكان هذا الإسم جامعا لحقائق تلك الذات المسمّاة بهذا الإسم وكذلك فلو قلنا جبريل فإنه إسم يدلّ على مسمّاه ذاتا وصفاتا ولا يدلّ على جنسه إلا من حيث التبعية أي أنه من الملائكة فهو إسم موقوف على صاحبه ولا يتعدّاه لذا قال تعالى:

( قل من كان عدوّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإنّ الله عدوّ للكافرين ).

فتمعّن كيف قال ( وملائكته ) ثمّ ذكر جبريل بالإسم وميكائيل رغم أنّهما من الملائكة فدلّ على أن ذكر جبريل بالإسم يراد به حقيقة جبريل لا جنسه وهو الملائكة وكذلك ميكائيل وهذا من علوم الإسماء التي أختصّ بها هذا الخليفة في إسمه وهو آدم لأنه لو قال خليفة لقال في مقابلته ملائكة فافهم .

لذا ذكر آدم في هذه الآية من حيث حقيقة الخليفة الأسمائية لا من حيث حقيقة الخليفة الصفاتية لأن الإسم لا يدلّ إلا على الذات لا على الصفات وآدم إسم موضوع ليدلّ على ذات المسمّى به من حيث علمه بالأسماء لا غير ذلك فهو جامع من حيث دلالته .فكان التعليم مقام صفاتي وذكر آدم مقام أسمائي من حيث سريان الصفات في الأسماء وهكذا في كلّ إسم تابع لإسم آدم.

وإنّما ذكر الخليفة في الآية الأولى بالإفراد وذكر آدم في هذه الآية بالإفراد فلأنه ذكر الملائكة في الآية الأولى بصيغة الجمع وذكر الأسماء في الآية الثانية بصيغة الجمع وكأنه يشير إلى أن الخليفة في مقامه هناك جامع للصفات وآدم في مقامه هنا جامع للأسماء إذ لا يعقل أن يفرد حيث الجمع فدلّ على أن الإفراد هو عين الجمع في الإفراد فكان صاحبه جامعا والجمع هو عين الإفراد في الجمع لتعلم جمع الخليفة أسماءا وصفاتا لأنه هناك فرق بين من يكون صفة وبين من يكون جامع صفات وبين من يكون إسما وبين من يكون إسما جامع أسماء.

لذا أفرد ذكر الخليفة في محلّ الجمع وجمع الأسماء حيث أفرد إسم الخليفة فكان في الحالتين كأنّه المحور التي تدور عليه الصفات والأسماء لأن الجامع لا يكون إلا فردا وغير الجامع لا يكون إلا جمعا وصفة في فرديته لذلك الجامع , فذكر الخليفة في مقام جمعه فكأنه أشار الى رقي مقام جمع الخليفة على جمع الملائكة بما فيهم إبليس لما كان على صورته الملكية وليس حقيقته الملكية إذ الحقيقة تعطي الأصل وليس هو ملك في اصله بل هو من الجنّ مخلوق من نار وقوله تعالى:

( كان من الجنّ ).

يشير إلى أنه ليس بأبيهم فلا يجبرون على حقائقه فافهم لأنه ليس بالخليفة لذا قال تعالى:

( كان من الجنّ ).

فنحن عدوّنا إبليس وذريته وليس الجنّ بحدّ ذاته فإن فيهم المسلم والمؤمن .

لأن الفاعل ليس بصفة وليس بإسم بل هو ذات والذات لا كنه لها بغير دلالة الأسماء والصفات حتى تدرك ويقع عليها العلم لذا كانت كاف المخاطب بسببها ظهر ذلك الإخبار من حيث نسبتها منه وكذلك آدم بسببه ظهرت الأسماء فكان خليفة صفة وإسما فظهرت صفاته في غيره لأنه محال أن يعرف إلا في غيره وكذلك أسماؤه وإنما أظهرها في غيره وهو الخليفة الجامع إشارة الى جمعه عليه بدلالة أسمائه وصفاته.

فكان لا بدّ من الجمع عليه بما أنه الواحد الاحد لتتحقق معرفته الكاملة في جميع أسمائه وصفاته فكان الخليفة في الشاهد كصورته لأن الصورة هي ما يعطيه وصف الذات عند مقابلتها للمرآة وهناك فرق بين الصورة وبين أصلها كالفرق بينك وبين صورتك عندما تراها في المرآة فهي لا شيء بالنسبة لما أنت عليه فلا نفع لها معك ولا ضر لها ولا حياة ولا نشورا فهي عاجزة من كل وجه وإنما فقط تم وضعها للدلالة عليك متى ما رآها من يعرفك وتطابق نظره بينك وبينها فيستدلّ بها عليك فيعرفك.

وإلا فإنه يشاهد الصورة ولا يدري لها صاحبا ولا يحسن أن ينسبها لأحد من الخلق ومن هنا حرّم النبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم تصوير ونحت الصور لما فيها ذرائع الشرك لأن من صوّر صورة أو نحت تمثالا طولب بنفخ الروح فيه ولا يستطيع أحد ذلك فالله تعالى وحده الذي يصور خلقه في أيّة صورة شاء ثمّ ينفخ فيه الروح فيكون آية دالة عليه فافهم.

فأغناك بالصورة الأصلية عن الصورة الوهمية هذا في عالم الأشباح أما في عالم الأرواح فأغناك به عن صورته وما الكون كلّه إلا وهم لا وجود له هكذا قال المحققون لذا فإنك ترى ضلال النصارى بوضع الصور والتماثيل في دور العبادة والكنائس وذلك من شركهم وقولهم في عيسى عليه السلام القول المحذور من أنه إبن الله أو أنه الله أو أنه ثالث ثلاثة فأوقعتهم الصور في الشرك الأكبر.

أما مشائخ التربية من المحققين فإنهم لا يميلون إلى الصور ولا يحبذونها البتّة لما فيها وعليها رغم أنها صور حقيقية لأصحابها لا وهمية أو خيالية ونحن نعلم بأن الصحابة الكرام عليهم الرضوان ليست لديهم صورة لرسول الله صلى الله عله وسلم معلّقة على الحيطان في دور العبادة والواجهات فتعبد من دون الله فإن الضعف موجود في الأرواح والأشباح وهذا مشهود لذا لعن عليه الصلاة والسلام المصوّرين وتوعّدهم بالعذاب الأليم.

لأن منبع الشرك نجم عن تصوير الصور من عهد نوح عليه السلام وإلى أن حطّم عليه الصلاة والسلام الأصنام من فوق الكعبة وداخلها فليس هناك فتنة أكثر من فتنة الصور كفتنة صور الحسناوات والمردان حسان الوجوه لذا قطع عليه الصلاة والسلام على الشيطان هذا السبيل من أن يدخل على أمته منه فحذّر من التصوير ونحت التماثيل لقطع الذريعة وهذا ما نجده في الفقه الإسلامي لورود حديث النهي عن التصوير.

فالنحت والتصوير باليد حرام بالإجماع أما مذهب من قال بأن الصور الفتوغرافية هي أيضا حرام أخذ بظاهر الحديث وعمومه فأخذ بالعزيمة من حيث النص لا من حيث الواقع.

فإنهم اليوم كلّهم غرقى في ذلك ولأن ذريعة الشرك واقعة على النحت والتصوير اليدوي لذات الأرواح ويكفيك بأن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة فمذهب من قال بالتحريم أكانت الصور وهمية أم حقيقية مذهب صحيح من حيث التحقيق لا بحسب ما يفهمونه هم لظاهر النص , فإنهم وإن أصابوا الحكم ما أصابوا المعنى فإنهم ما علموا من الحديث غير ظاهر اللفظ ولو علموا حقائقه من حيث علم الأسماء لكانت زيادة الإيمان من نصيبهم فإن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحي يوحى لا يجوز فيها إلا نور الفهم وعلم المراد في معانيه كلّها.

ولكن هناك من إغترف وهناك من إرتشف أما من ذهب مذهب تجويز الصور الحقيقية التي تنتجها آلة التصوير لأن الواقع يفرضها ولا مجال لتركها لأنها قامت مقام الضرورة من حيث الهويات الشخصية وصور التعارف ..إلخ فأرادوا الإستدلال لها من الشرع والسنّة ويستنبطون أحكامها فقصدوا حقائق الصور المنطبعة في الورق مثل إنطباع صاحبها في المرآة فهي لا تعتبر ولا تدخل عندهم في نهي الحديث وهذا واضح وهو مذهبنا والفقه مذاهب شتّى معتبرة ولكل وجهة هو مولّيها , فليست حجة مذهب بخصوص الصور الحقيقية بأقوى من المذهب الآخر.

فإن مراد الحديث لسد باب ذرائع الشرك وخاصة في صدر الإسلام فمتى حفظ هذا التحقيق فلا حرج لأن الصور متى كانت حقيقية لصاحبها كما إنطبعت صورته في المرآة متى قابلها بذاته فلا حرج لأنه عليه الصلاة والسلام كان يرى صورة نفسه في المرآة فيقول: " اللهم كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي " فدلّ على طلب تطابق المعنى بالحسّ ودعاؤه مستجاب بلا ريب ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فافهم.

قال هذا عندما رأى صورته في المرآة فلم تدلّه صورته إلا على ربّه ذاتا وصفاتا وعليه فالصورة التي تخرجها آلة التصوير هي عبارة عن مرآة جامدة تثبت صورة صاحبها عبر مراحل عمره فلا حرج فيها إنّما الحرج وقع في تعليقها في المساجد والزوايا خاصة لأن فيها تشبّه بالنصارى فهذا من فعلهم وقد نهينا عن النتشبّه بهم وقد سمعت أحد ساداتنا من العارفين بالله يقول " هذا من فعل النصارى " ونحن نتكلم عن الفعل الظاهري وليس عن النوايا والقلوب المفعمة بالمحبة لأؤلائك المشائخ والعارفين ولكن الشرع يأبى ذلك ويرفضه.

وقد قال مادة طريقتنا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: " إذا خالف كشفك الصحيح الكتاب والسنة فاترك كشفك جانبا وأعمل بالكتاب والسنة وقل إن الله ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في جانب الكشف " . وقال آخر " إنه لتقع النكتة من نكت القوم في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل الكتاب والسنة " . فما بالك بمن يضعون صور مشائخهم في الواجهات والزوايا بكل لون فهذا نراه أمر مرفوض وفيه ما فيه ولا يفعله المحققون من أهل الله تعالى. 

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È