بسم الله الرحمان الرحيم -
جزاكم الله خيرا سيدي
سيدي حسام أردت زيادة هذه الفائدة التي ربّما تتناول الجواب على سؤالكم وإلاّ فسأعود للجواب عليه إن شاء الله تعالى.
الفقير سيدي ذكرت مسألة بعينها تتلخّص في حالة الكبر التي كان عليها فرعون من حيث تكبّره على الإيمان بالله تعالى فأراد أن يصل إلى حقائق التوحيد ( كالمشاهدة والرؤية ) وهو الذي عبّرت عنه ( بحقيقة الذات ) من غير باب الإيمان الذي يوصل ضرورة بعد كماله وتمامه إلى مرحلة الإيقان لأنّ الدين في حقيقته الباطنة : إيمان ثمّ إيقان ثمّ إحسان.
الفقير المؤمن في مجاهدة بالذكر والطاعات يقوى إيمانه شيئا فشيئا عن طريق المجاهدة والتربية إلى أن يكمل مائة بالمائة هناك يبلج فجر الإيقان وهو عالم النور واليقين متى علمت كون لفظة اليقين عامّة وقد تخصّص كقولنا علم اليقين أو عين اليقين أو حقّ اليقين أما متى حملنا لفظة اليقين على ظاهرها فمعناها ومرادها الموت والانتقال الى عالم الآخرة وهي قد جاءت في القرآن بعدّة معان فلا بدّ من تخصيص اللفظ بحسب معناه لتعدد المعاني في الألفاظ المشتركة وهذا لا يكون بغير مجاهدة.
لذلك اعتزل الإمام أبو حامد الغزالي وجاهد نفسه بالخلوة على يد شيخه رضي الله عنه حتى كوشف بعالم الإيقان كما كوشف به حارثة من قبل رضي الله عنه فهذا العالم الذي هو عالم الإيقان يصل إليه كل من يجاهد نفسه لكن بعد في هذا العالم تفترق النوايا فمنهم من يستقيم حتى يكمل إيقانه وهو معالجة علل الأحوال فمتى كمل إيقانه مائة في المائة كما قاله شيخنا سيدي اسماعيل الهادفي رضي الله عنه دخل مقام الإحسان الذي لا نهاية للسير فيه.
فنور الإيمان هو الإيقان ونور الإيقان هو الإحسان
فأراد فرعون لعنه الله تعالى ولوج مقام الإحسان من غير عبودية أي أراد الدخول في مقام المشاهدة من غير إيمان ولا إيقان فردّه موسى كون معرفة حقيقة الذات كمشاهدتها ( أن تعبد الله كأنّك تراه وليس معنى حقيقتها كنهها أو الإحاطة بها فهذا لا يتبادر إلى الأذهان لأنّه معلوم بالضرورة من الدين ) لا يكون إلاّ عند التحقّق بالصفات والفناء فيها اذ لا يمكن أن تفنى في الذات من غير فناء في الصفات في عالم السلوك فردّه من التفكّر في ماهية الذات الى اليقين في عالم الصفات كما قال تعالى:
( ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا ).
فأراد موسى عليه السلام أن يصلح لفرعون خطأه العلمي في سؤاله من حيث بحثه عن كنه الذات التي لن يصل إليها واصل إلا من باب الإيمان لهذا توقّف كلّ شيء على الإيمان ...
فالكفّار لمّا يعاينوا يوم القيامة عذاب الله تعال على نعت المشاهدة المباشرة يقولون ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) فرغم إيقانهم هنا لم ينفعهم ذلك لأنّه لا إيمان لهم فكان إيمانهم ضرورة بعد اليقين بما أخبر الله تعالى به فلا طائل منه كما لم يتقبّل من فرعون إيمانه لمّا أدركه الغرق ... فالأصل ليس للإيقان بل الإيقان نتيجة لذلك الإيمان وكذلك الأمر فالإحسان نتيجة لذلك الإيقان فالأصل الأصيل هو الإيمان ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون ).
لذا تجد من يسمّونهم اليوم " بالنخبة " سواء الدينية أو الثقافية يتكبّرون على خلق الله تعالى من حيث لا يشعرون ومن حيث يشعرون فيتنزّهون مثلا عن الإسلام الذي يسمونه الإسلام الشعبوي ويقدرون ويحترمون الإسلام السياسي باعتباره الإسلام النظامي لهذا تجد منهم من لا يحسن التواضع لعوام أهل الإسلام فحتى وإن تواضع تحسّ منه كبرا عظيما في قلبه فهو عند نفسه دائم التنزّل وما ذلك إلاّ لكونه شارك الألوهية بعض أوصافها من غير أن يشعر فتكبّر على خلق الله تعالى فهم ينظرون إلى العوام والغير دارسين مثل دراستهم نظرة الإحتقار فلا يأبهون لهم.
وهذا مذهب إبليسي لهذا ما بعث الله نبيّا إلا وقد رعى الغنم كسيدنا محمد وسيدنا موسى عليهما الصلاة والسلام بل منهم الأميّ كسيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم لأنّ مبحث الإيمان مبحث قلبي خاصّة وإنّما مبحث شرائع الإسلام هي المباحث العقلية فأحكام الإسلام الظاهرة قد يضلّك الله تعالى بها كالخوارج فليس هي المقصودة لذاتها وإنّما المقصود لذاته هو الإيمان على نعت الإيقان ثمّ نعت الإحسان.
فإسلام بلا إيمان نفاق , وإيمان بلا إيقان غفلة , وإيقان بلا إحسان حضور من غير فناء عما سوى المذكور.
لأنّ الكافرين والمشركين أوّل ما يتبادر إلى أذهانهم الوصول إلى عالم المشاهدة والرؤية من غير سبق إيمان ولا إيقان كمن قالوا ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) أنظر قولهم ( لن نؤمن لك ) فكانت الحرب والمعركة حول هذا الإيمان وهو مطلوب الله تعالى من العباد لهذا كانت الحجّة بالشريعة وليست بالحقيقة إذ لا حجّة بعلم الحقيقة أي كون العبد لا يمكنه أن يحتجّ بعلم الحقيقة.
فمن احتجّ بالحقيقة عاقبه الله تعالى وبيّن له جهله كالذين قالوا ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) فالإستدلال بعلم الحقيقة لاثبات منحى نفسي هو من التلبيس في الدين لهذا أغلق الله تعالى هذا الباب فقال تعالى:
( قل فلله الحجّة البالغة ).
أي حجّته في الشريعة والحقيقة فكانت حقيقتك النسبية تابعة لمعلوماتك النسبيية لهذا تعيّن رجوعك إلى الشريعة كما رجع آدم من قبل ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ورجع نوح ( قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ورجع يونس ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ).
فرجع يونس وغيره من الأنبياء إلى مقام الشريعة الذي هو مقام الإيمان كما قال تعالى في حقّ يونس عليهم جميعا السلام :
( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ).
أنظر كيف قال تعالى: ( ننجي المؤمين ) فوصفه بوصف الإيمان لأنّه رجع عليه السلام إلى مقام الإيمان سريعا وهو مقام التبرّئ من الحول والقوّة والإعتراف بالتقصير والجهل وجميع الأوصاف الحقيقية للنفس لذا كان عليه الصلاة والسلام في رجوعه إلى مقام الشريعة يقول: " نعوذ بالله من شرور أنفسنا " رغم كون حقيقة نفسه في مقام الحقيقة نفسا قدسية طاهرة مطهّرة زكية كاملة " فافهم " .
لهذا قابل الإيمان الكفر كما قابل الشرك التوحيد لأنّ الشرك مصدره تعدّد عبادة الصفات بتفريقها ثمّ تأليهها أمّا الكفر فهو جحود الذات بصفاتها فكان مذهب إبليس مذهبا كفريا ومذهب الدجال مذهبا شركيا وهذا يحتاج إلى تفصيل وشرح طويل لبيان حضرات الكفر وحضرات الشرك وكذلك حضرات النفاق وما تلبيسات إبليس لعنه الله تعالى.
جزاكم الله خيرا سيدي
سيدي حسام أردت زيادة هذه الفائدة التي ربّما تتناول الجواب على سؤالكم وإلاّ فسأعود للجواب عليه إن شاء الله تعالى.
الفقير سيدي ذكرت مسألة بعينها تتلخّص في حالة الكبر التي كان عليها فرعون من حيث تكبّره على الإيمان بالله تعالى فأراد أن يصل إلى حقائق التوحيد ( كالمشاهدة والرؤية ) وهو الذي عبّرت عنه ( بحقيقة الذات ) من غير باب الإيمان الذي يوصل ضرورة بعد كماله وتمامه إلى مرحلة الإيقان لأنّ الدين في حقيقته الباطنة : إيمان ثمّ إيقان ثمّ إحسان.
الفقير المؤمن في مجاهدة بالذكر والطاعات يقوى إيمانه شيئا فشيئا عن طريق المجاهدة والتربية إلى أن يكمل مائة بالمائة هناك يبلج فجر الإيقان وهو عالم النور واليقين متى علمت كون لفظة اليقين عامّة وقد تخصّص كقولنا علم اليقين أو عين اليقين أو حقّ اليقين أما متى حملنا لفظة اليقين على ظاهرها فمعناها ومرادها الموت والانتقال الى عالم الآخرة وهي قد جاءت في القرآن بعدّة معان فلا بدّ من تخصيص اللفظ بحسب معناه لتعدد المعاني في الألفاظ المشتركة وهذا لا يكون بغير مجاهدة.
لذلك اعتزل الإمام أبو حامد الغزالي وجاهد نفسه بالخلوة على يد شيخه رضي الله عنه حتى كوشف بعالم الإيقان كما كوشف به حارثة من قبل رضي الله عنه فهذا العالم الذي هو عالم الإيقان يصل إليه كل من يجاهد نفسه لكن بعد في هذا العالم تفترق النوايا فمنهم من يستقيم حتى يكمل إيقانه وهو معالجة علل الأحوال فمتى كمل إيقانه مائة في المائة كما قاله شيخنا سيدي اسماعيل الهادفي رضي الله عنه دخل مقام الإحسان الذي لا نهاية للسير فيه.
فنور الإيمان هو الإيقان ونور الإيقان هو الإحسان
فأراد فرعون لعنه الله تعالى ولوج مقام الإحسان من غير عبودية أي أراد الدخول في مقام المشاهدة من غير إيمان ولا إيقان فردّه موسى كون معرفة حقيقة الذات كمشاهدتها ( أن تعبد الله كأنّك تراه وليس معنى حقيقتها كنهها أو الإحاطة بها فهذا لا يتبادر إلى الأذهان لأنّه معلوم بالضرورة من الدين ) لا يكون إلاّ عند التحقّق بالصفات والفناء فيها اذ لا يمكن أن تفنى في الذات من غير فناء في الصفات في عالم السلوك فردّه من التفكّر في ماهية الذات الى اليقين في عالم الصفات كما قال تعالى:
( ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا ).
فأراد موسى عليه السلام أن يصلح لفرعون خطأه العلمي في سؤاله من حيث بحثه عن كنه الذات التي لن يصل إليها واصل إلا من باب الإيمان لهذا توقّف كلّ شيء على الإيمان ...
فالكفّار لمّا يعاينوا يوم القيامة عذاب الله تعال على نعت المشاهدة المباشرة يقولون ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) فرغم إيقانهم هنا لم ينفعهم ذلك لأنّه لا إيمان لهم فكان إيمانهم ضرورة بعد اليقين بما أخبر الله تعالى به فلا طائل منه كما لم يتقبّل من فرعون إيمانه لمّا أدركه الغرق ... فالأصل ليس للإيقان بل الإيقان نتيجة لذلك الإيمان وكذلك الأمر فالإحسان نتيجة لذلك الإيقان فالأصل الأصيل هو الإيمان ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون ).
لذا تجد من يسمّونهم اليوم " بالنخبة " سواء الدينية أو الثقافية يتكبّرون على خلق الله تعالى من حيث لا يشعرون ومن حيث يشعرون فيتنزّهون مثلا عن الإسلام الذي يسمونه الإسلام الشعبوي ويقدرون ويحترمون الإسلام السياسي باعتباره الإسلام النظامي لهذا تجد منهم من لا يحسن التواضع لعوام أهل الإسلام فحتى وإن تواضع تحسّ منه كبرا عظيما في قلبه فهو عند نفسه دائم التنزّل وما ذلك إلاّ لكونه شارك الألوهية بعض أوصافها من غير أن يشعر فتكبّر على خلق الله تعالى فهم ينظرون إلى العوام والغير دارسين مثل دراستهم نظرة الإحتقار فلا يأبهون لهم.
وهذا مذهب إبليسي لهذا ما بعث الله نبيّا إلا وقد رعى الغنم كسيدنا محمد وسيدنا موسى عليهما الصلاة والسلام بل منهم الأميّ كسيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم لأنّ مبحث الإيمان مبحث قلبي خاصّة وإنّما مبحث شرائع الإسلام هي المباحث العقلية فأحكام الإسلام الظاهرة قد يضلّك الله تعالى بها كالخوارج فليس هي المقصودة لذاتها وإنّما المقصود لذاته هو الإيمان على نعت الإيقان ثمّ نعت الإحسان.
فإسلام بلا إيمان نفاق , وإيمان بلا إيقان غفلة , وإيقان بلا إحسان حضور من غير فناء عما سوى المذكور.
لأنّ الكافرين والمشركين أوّل ما يتبادر إلى أذهانهم الوصول إلى عالم المشاهدة والرؤية من غير سبق إيمان ولا إيقان كمن قالوا ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) أنظر قولهم ( لن نؤمن لك ) فكانت الحرب والمعركة حول هذا الإيمان وهو مطلوب الله تعالى من العباد لهذا كانت الحجّة بالشريعة وليست بالحقيقة إذ لا حجّة بعلم الحقيقة أي كون العبد لا يمكنه أن يحتجّ بعلم الحقيقة.
فمن احتجّ بالحقيقة عاقبه الله تعالى وبيّن له جهله كالذين قالوا ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) فالإستدلال بعلم الحقيقة لاثبات منحى نفسي هو من التلبيس في الدين لهذا أغلق الله تعالى هذا الباب فقال تعالى:
( قل فلله الحجّة البالغة ).
أي حجّته في الشريعة والحقيقة فكانت حقيقتك النسبية تابعة لمعلوماتك النسبيية لهذا تعيّن رجوعك إلى الشريعة كما رجع آدم من قبل ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ورجع نوح ( قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ورجع يونس ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ).
فرجع يونس وغيره من الأنبياء إلى مقام الشريعة الذي هو مقام الإيمان كما قال تعالى في حقّ يونس عليهم جميعا السلام :
( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ).
أنظر كيف قال تعالى: ( ننجي المؤمين ) فوصفه بوصف الإيمان لأنّه رجع عليه السلام إلى مقام الإيمان سريعا وهو مقام التبرّئ من الحول والقوّة والإعتراف بالتقصير والجهل وجميع الأوصاف الحقيقية للنفس لذا كان عليه الصلاة والسلام في رجوعه إلى مقام الشريعة يقول: " نعوذ بالله من شرور أنفسنا " رغم كون حقيقة نفسه في مقام الحقيقة نفسا قدسية طاهرة مطهّرة زكية كاملة " فافهم " .
لهذا قابل الإيمان الكفر كما قابل الشرك التوحيد لأنّ الشرك مصدره تعدّد عبادة الصفات بتفريقها ثمّ تأليهها أمّا الكفر فهو جحود الذات بصفاتها فكان مذهب إبليس مذهبا كفريا ومذهب الدجال مذهبا شركيا وهذا يحتاج إلى تفصيل وشرح طويل لبيان حضرات الكفر وحضرات الشرك وكذلك حضرات النفاق وما تلبيسات إبليس لعنه الله تعالى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق