بسم الله الرحمان الرحيم -
تتمّة :
فدلّ على أن الإمتحان وقع بسبب هذا الخليفة لتظهر مراتب كلّ حقيقة فهي في الشاهد عبارة عن مرآة يشاهد فيها المرء نفسه فبهذا الإمتحان العسير وقع ترتيب المراتب التي كمنت في حقيقة هذا الخليفة وكأنه يقول لهم : الآن ستظهر حقائقكم التي كنتم عليها في علمي السابق لأنها لن تظهر إلا بهذا الخليفة فكان لا بدّ من إعلامكم لتروا حقائقكم فيه ويرى هو بدوره حقيقته فيّ.
وما توجّه بالإعلام إلى هذا الخليفة لأنه في طي حضرة الحبّ , وذكر الخليفة بالإفراد ولم يذكره بصيغة الجمع ليدلّ على جمعه عليه فما شاهدت الملائكة إلا عالم فرق هذا الخليفة وكذلك إبليس ما شاهد إلا فرقه لذا قال : لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم فذكرهم بصيغة الجمع وليس الإفراد مع مراعاة الفارق بين حقائق قول الملائكة وحقائق قول إبليس لعنه الله تعالى والمراد بجمعه فنائه في مولاه بحيث ليس له وجود لذا ما شاهدوا غير الفرق من حيث قوله تعالى:
( كلّ من عليها فان ).
حيث يشير الى فناء هذا الخليفة فيه بحقائقه طوعا وكرها وهو سبب الخلافة ثمّ أنه أطلق ذكر الخليفة ولم يقيّده بعلّة بل ما قيّده إلا به من حيث تصرّفه فيه وكأنه لا وجود له كالميّت الذي لا حراك له أما غير هذا الخليفة من نواب هذا الخليفة في جزئيات حقيقته كقوله تعالى :
( يا داود إنا جعلناك في الأرض خليفة فأحكم بين الناس بالعدل ).
فقيّد الخلافة في الحكم أما هناك فأطلقها حيث عمّمها على كامل الإرض وكأن الأرض يخلفها واحد فقط في هذا المقام العالي وقد أخبر عن ذلك صاحب هذه الخلافة وهو النبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم حيث قال : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر" وكأنّه ليس منة ولد آدم عند هذا القول لذا عمّم السيادة في كلّ شيء فسلبهم أوصافهم وخصوصياتهم بالمقارنة مع خصوصيته لذا كان سيّدهم والسيد تجب له الطاعة ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) فكان هو المشرّع المتلقّي عن الله لذا قال في الحجّ لما سأله ذلك الصحابي : أكلّ عام - فقال : لو قلت نعم لوجب .أي لأنه لا ينطق عن الهوى.
وكذلك هذا الإخبار كان فتنة على عصيان إبليس وعليه فليس الإخبار بالغيوب من طرف الله يتلقّى ببادىء الرأي بل بالتسليم والطاعة.
ثمّ إن الملائكة كلهم لما قالوا ( أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء ) كان إبليس معهم على صورته الملائكية والدليل قول الله تعالى ( وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر ) فقوله وإذ قلنا للملائكة فيه أمر لإبليس معهم لأنه خاطبه على صورته النورانية وإنما لم يسجد لعدم عصمته لحقيقته الذاتية في اصل تكوينه التي هي النار أما الملائكة فعصموا لذات حقيقتهم النورانية فهي لا تتبدل لأنهم جنود الله.
وعليه فإبليس حمته صورته النورانية من الإلتفات لنفسه وشهودها لذا ما ظهر عصيانه عند قول الملائكة وهو منهم على صورتهم النورانية ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فما أخرجه وصفه في هذا السؤال ولا نقول الإعتراض فحاشا للملائكة أن يعترضوا على فعل الله وإرادته لذا وقع الإمتحان في السجود إلى هذا المخلوق فسجدت الملائكة كلهم أجمعون لما أعطته حقيقتهم الذاتية من حيث انهم يفعلون ما يؤمرون لأنهم جند الله والجندي ليس له إلا طاعة الأوامر لحقيقته الذاتية أما إبليس فتابع بعد السؤال من الملائكة وهو معهم غيّه بعد أن أعلمه الله تعالى أنه ( يعلم ما لا تعلمون ).
لما قال لهم ذلك فما رضي بذلك في قرارة نفسه التي ظهرت حقيقتها الذاتية وأنه محلّ السخط والغضب الإلاهي فكان مهر السؤال غاليا ولو لا عصمتهم الذاتية لذهبوا مذهب إبليس لعنه الله لكن حاشاهم من ذلك لما جبلوا عليه من الطاعة في أصل تكوينهم.
وعليه فيكون سؤال المعصومين لله تعالى عن الكيفيات والماهيات يحميه عصمتهم الذاتية بخلاف غيرهم فالسؤال لله تعالى له مهره الغالي لعدم العصمة إلا الأنبياء فهم معصومون ولولا عصمتهم لكان ما كان كما قال إبراهيم عليه السلام ( ربّ أرني كيف تحيي الموتى ) فسأله ( أولم تؤمن ) فأجابه ( بلى ) فكان جوابه دليلا على عصمته وكذلك قول نوح في إبنه فإنه ظنّ عمومية الوعد وظاهره وما نظر أن المراد بالأهل هم أهل الإيمان لذا حاججه في إبنه وقال له ( إن وعدك الحق ) وهكذا من هذه الحقائق والمعاني.
أما إبليس فلما سأله عن عدم السجود وقعت عليه الحجة لعدم عصمته كالأنبياء والملائكة فنظر إلى نفسه ودفع مهر إعتراضه الأول مع قول الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فكان قول الملائكة هذا ناجما من طبيعتهم النورانية لذا عصموا عند الأمر وسجدوا أما إبليس فلم يعصم لأنه ما قال هذا القول بنفس إعتقاد الملائكة وما فيهم من الصفاء وعليه فمذهب من فضّل الملائكة على البشر فله وجه وهو هذا الوجه وهو وجه العصمة أما من فضّل بعض البشر على الملائكة فمن وجه الخلافة والعلم بالله.
فكان سؤال الملائكة وتعجبهم من إجتماع الخلافة والإفساد في هذا الخليفة لأنهم إنحجبوا عن علوم الأسماء لذا ليس لهم ظهور كثيف وكذلك إبليس ليس له ظهور كثيف لذا كانت الحرب طاحنة في الخفاء بين الملائكة وهم جند الله وبين إبليس وجند الشيطان والحرب دائرة في ساحة القلب وهو ميدانها لعلمهم بما يعطيه القلب من التوجّه وهنا وهناك بحور من العلم لذا فكلّ من لم يعرف ويعاين حقيقته قلّ أن تسلم بصيرته من الطمس مثلما فعل إبليس فقد علق بقلبه آثار حقيقته.
وسأكمل بعون الله ذكر بعض خواطري في هذه الآيات من حيث سجود الملائكة وعصيان إبليس وما في ذلك من المعاني المستفادة وفي عصيان آدم عليه السلام وتوبته والحكمة من ذلك وأن كلّ ما يفعله الله تعالى هو الحقّ حتى يعرف كل إنسان قدره فيقف عنده.
تتمّة :
فدلّ على أن الإمتحان وقع بسبب هذا الخليفة لتظهر مراتب كلّ حقيقة فهي في الشاهد عبارة عن مرآة يشاهد فيها المرء نفسه فبهذا الإمتحان العسير وقع ترتيب المراتب التي كمنت في حقيقة هذا الخليفة وكأنه يقول لهم : الآن ستظهر حقائقكم التي كنتم عليها في علمي السابق لأنها لن تظهر إلا بهذا الخليفة فكان لا بدّ من إعلامكم لتروا حقائقكم فيه ويرى هو بدوره حقيقته فيّ.
وما توجّه بالإعلام إلى هذا الخليفة لأنه في طي حضرة الحبّ , وذكر الخليفة بالإفراد ولم يذكره بصيغة الجمع ليدلّ على جمعه عليه فما شاهدت الملائكة إلا عالم فرق هذا الخليفة وكذلك إبليس ما شاهد إلا فرقه لذا قال : لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم فذكرهم بصيغة الجمع وليس الإفراد مع مراعاة الفارق بين حقائق قول الملائكة وحقائق قول إبليس لعنه الله تعالى والمراد بجمعه فنائه في مولاه بحيث ليس له وجود لذا ما شاهدوا غير الفرق من حيث قوله تعالى:
( كلّ من عليها فان ).
حيث يشير الى فناء هذا الخليفة فيه بحقائقه طوعا وكرها وهو سبب الخلافة ثمّ أنه أطلق ذكر الخليفة ولم يقيّده بعلّة بل ما قيّده إلا به من حيث تصرّفه فيه وكأنه لا وجود له كالميّت الذي لا حراك له أما غير هذا الخليفة من نواب هذا الخليفة في جزئيات حقيقته كقوله تعالى :
( يا داود إنا جعلناك في الأرض خليفة فأحكم بين الناس بالعدل ).
فقيّد الخلافة في الحكم أما هناك فأطلقها حيث عمّمها على كامل الإرض وكأن الأرض يخلفها واحد فقط في هذا المقام العالي وقد أخبر عن ذلك صاحب هذه الخلافة وهو النبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم حيث قال : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر" وكأنّه ليس منة ولد آدم عند هذا القول لذا عمّم السيادة في كلّ شيء فسلبهم أوصافهم وخصوصياتهم بالمقارنة مع خصوصيته لذا كان سيّدهم والسيد تجب له الطاعة ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) فكان هو المشرّع المتلقّي عن الله لذا قال في الحجّ لما سأله ذلك الصحابي : أكلّ عام - فقال : لو قلت نعم لوجب .أي لأنه لا ينطق عن الهوى.
وكذلك هذا الإخبار كان فتنة على عصيان إبليس وعليه فليس الإخبار بالغيوب من طرف الله يتلقّى ببادىء الرأي بل بالتسليم والطاعة.
ثمّ إن الملائكة كلهم لما قالوا ( أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء ) كان إبليس معهم على صورته الملائكية والدليل قول الله تعالى ( وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر ) فقوله وإذ قلنا للملائكة فيه أمر لإبليس معهم لأنه خاطبه على صورته النورانية وإنما لم يسجد لعدم عصمته لحقيقته الذاتية في اصل تكوينه التي هي النار أما الملائكة فعصموا لذات حقيقتهم النورانية فهي لا تتبدل لأنهم جنود الله.
وعليه فإبليس حمته صورته النورانية من الإلتفات لنفسه وشهودها لذا ما ظهر عصيانه عند قول الملائكة وهو منهم على صورتهم النورانية ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فما أخرجه وصفه في هذا السؤال ولا نقول الإعتراض فحاشا للملائكة أن يعترضوا على فعل الله وإرادته لذا وقع الإمتحان في السجود إلى هذا المخلوق فسجدت الملائكة كلهم أجمعون لما أعطته حقيقتهم الذاتية من حيث انهم يفعلون ما يؤمرون لأنهم جند الله والجندي ليس له إلا طاعة الأوامر لحقيقته الذاتية أما إبليس فتابع بعد السؤال من الملائكة وهو معهم غيّه بعد أن أعلمه الله تعالى أنه ( يعلم ما لا تعلمون ).
لما قال لهم ذلك فما رضي بذلك في قرارة نفسه التي ظهرت حقيقتها الذاتية وأنه محلّ السخط والغضب الإلاهي فكان مهر السؤال غاليا ولو لا عصمتهم الذاتية لذهبوا مذهب إبليس لعنه الله لكن حاشاهم من ذلك لما جبلوا عليه من الطاعة في أصل تكوينهم.
وعليه فيكون سؤال المعصومين لله تعالى عن الكيفيات والماهيات يحميه عصمتهم الذاتية بخلاف غيرهم فالسؤال لله تعالى له مهره الغالي لعدم العصمة إلا الأنبياء فهم معصومون ولولا عصمتهم لكان ما كان كما قال إبراهيم عليه السلام ( ربّ أرني كيف تحيي الموتى ) فسأله ( أولم تؤمن ) فأجابه ( بلى ) فكان جوابه دليلا على عصمته وكذلك قول نوح في إبنه فإنه ظنّ عمومية الوعد وظاهره وما نظر أن المراد بالأهل هم أهل الإيمان لذا حاججه في إبنه وقال له ( إن وعدك الحق ) وهكذا من هذه الحقائق والمعاني.
أما إبليس فلما سأله عن عدم السجود وقعت عليه الحجة لعدم عصمته كالأنبياء والملائكة فنظر إلى نفسه ودفع مهر إعتراضه الأول مع قول الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فكان قول الملائكة هذا ناجما من طبيعتهم النورانية لذا عصموا عند الأمر وسجدوا أما إبليس فلم يعصم لأنه ما قال هذا القول بنفس إعتقاد الملائكة وما فيهم من الصفاء وعليه فمذهب من فضّل الملائكة على البشر فله وجه وهو هذا الوجه وهو وجه العصمة أما من فضّل بعض البشر على الملائكة فمن وجه الخلافة والعلم بالله.
فكان سؤال الملائكة وتعجبهم من إجتماع الخلافة والإفساد في هذا الخليفة لأنهم إنحجبوا عن علوم الأسماء لذا ليس لهم ظهور كثيف وكذلك إبليس ليس له ظهور كثيف لذا كانت الحرب طاحنة في الخفاء بين الملائكة وهم جند الله وبين إبليس وجند الشيطان والحرب دائرة في ساحة القلب وهو ميدانها لعلمهم بما يعطيه القلب من التوجّه وهنا وهناك بحور من العلم لذا فكلّ من لم يعرف ويعاين حقيقته قلّ أن تسلم بصيرته من الطمس مثلما فعل إبليس فقد علق بقلبه آثار حقيقته.
وسأكمل بعون الله ذكر بعض خواطري في هذه الآيات من حيث سجود الملائكة وعصيان إبليس وما في ذلك من المعاني المستفادة وفي عصيان آدم عليه السلام وتوبته والحكمة من ذلك وأن كلّ ما يفعله الله تعالى هو الحقّ حتى يعرف كل إنسان قدره فيقف عنده.
0 التعليقات:
إرسال تعليق