بسم الله الرحمن الرحيم -
السؤال الثلاثون
في الفترة الاخيرة سيدي لاحظت وجود منتديات تدعو الى تعلم العلم الروحاني واهلها منتسبين لاحد الطرق الصوفية كما لاحظت تقديمهم خدمات روحانيه لمن أراد من الناس سواء كان الطالب عالم أو جاهل ولهم بالامر باع والخدمات المقدمة كثيرة ومتنوعة سواء بالاخدام والاحجار والقلادات الروحانية أو بالاقسام والدعوات لقضاء الحوائج مهما كانت واحزاب تسخير الروحانية والاستنزال وغيرها والسؤال هو:
عرفت احدهم ممن دخل أحد المنتديات وأخذ الاذن بقراءة أحد أحزاب التسخير العظيمة من شيخ محترف في علم الروحانية وهذا الشيخ ينتمي الى طريقة من طرق الصوفية , فهل يجوز للسالك النظر بهذه الدعوات او الاحزاب واستخدامها والعمل بها لقضاء الحوائج ؟ وهل يجوز أخذ الاذن بهذا الشكل ؟ وما الخطر على المريد لو التفت الى مثل ذلك ؟ ولما قيل بان المربي الاخذ بذلك نجده لا يتعدى الحقيقة المحمدية أو حتي استيفاءها ؟ أرجو التوضيح والقاء الضوء على الأمر ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
أشكرك سيدي فارس النور على هذا السؤال الهامّ فإنّ السؤال المفيد تنشط له الهمم فتتصدّر للجواب لذا قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلّم في كلّ مرّة يسألونه ( ويسألونك قل ..) أي قل بالوحي الذي سأوحيه لك بخصوص الأحكام التي سألوك عنها لأنّهم طالبون بها معرفة دينهم فما سألوك إلا وهم يريدون أن يتوجّهوا إليّ في ذلك فأجبهم بجواب من عندي لأنّه من طلبني أو طلب الطريق في التوجّه لي إلاّ وأجيبه بجواب من عندي لا يدلّه إلا عليّ أمّا في الأسئلة التي لا يسألها الناس عن شؤون دينهم بل فقط يسألونها لهوى نفس أو لمزايدة وما إلى ذلك من العلل والأسقام فقال لهم فيها ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ).
فالسؤال محمود متى قصد به صاحبه وجه الله تعالى فالمجيب مهما كانت صفته في الطريق لا يملّ من كثرة الأسئلة لأنّه يعلم بأنّ سائلها يريد وجه الله بطرحها فهذا الفيصل الحقيقي بين الأسئلة المتكلّفة وبين الأسئلة الحالية وفي سؤال جبريل في حديث الإسلام والإيمان والإحسان خير مثال فما سأله إلا عن طريق الحضرة في مراتبها الثلاث.
ثمّ أنّ السؤال لا بدّ من أن تتوفّر فيه شروط : منها أنّ السائل عليه أن يتحقّق من علم المسؤول وحاله مع الله تعالى , فلا تسأل إلا العالم العارف أمّا الغير عالم ولا عارف فلا وجه له في الجواب غير الظنّ أو أغلبه فلا يجيبك تحقيقا لذا قال له جبريل بمجرّد الجواب الأوّل ( صدقت ) لأنّ الجواب قابل حال السائل في توجهه إلى ربّه , ثمّ أنّ الجواب يكون في الحقيقة ذا علاقة بين السائل والمسؤول بقدر توجّهك إلى الله تعالى يأتيك الجواب من أهل العلم والمعرفة فيلقي الله في قلوبهم ما يصلح الله به شأنك في الدنيا والدين أمّا إذا لم يكن السائل في سؤاله مريدا وجه الله تعالى فأنّى له أن يرزق الجواب الحقيقي فضلا عن الفهم السليم.
لذا فالمرء يعلم أنّ قوله تعالى ( ومن أصدق من الله قيلا ) و ( حديثا ) أي ما دلّنا الله تعالى إلاّ عليه سبحانه دلالة كاملة فإنّ معنى الصدق في الحديث أنّه لا يدلّك إلا عليه سبحانه وتعالى فكان كلام الله تعالى الصدق المطلق لأنّه لا يدلّك إلا عليه سبحانه من كلّ وجه وفي كلّ وجه ومن ثمّ هكذا كلام رسله وأنبيائه لذا نقول في النبي صلى الله عليه وسلّم ( الصادق المصدوق ) لماذا ؟
والجواب ( لأنّه لا يدلّ إلا على الله تعالى ) ومن كان بمثل هذه المثابة وهو الرسول والرسل من قبله قيل فيه ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) فانظر قوله وتمعّن في ( ما ينطق عن الهوى ) ليس هناك هوى ولا ذرّة منه أي ليس هناك دلالة إلا على الله تعالى فإنّه لا يدلّ على نفسه قدر ذرّة فمن كان بمثل هذه المثابة بحكم الوراثة من أهل الله تعالى كانت أجوبتهم إلهاما من الله تعالى تساندها النصوص من الآيات والأحاديث أي تكون دليله ومن ليس له دليل من الكتاب والسنّة ضلّ الطريق لذا قال فيهما عليه الصلاة والسلام ( إثنان إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي ) فمن دلّك على غير الله تعالى فقد غشّك وهذه الدلالة تستوجب شروطا منها : معرفة وجه الدلالة أي معرفة من تدلّ عليه وما تستوجبه حقائقه وإلا فإنّك ما دللت عليه حقيقة.
فهذا تمهيد سريع سيدي على سؤالك الذي نشطت في الإجابة عليه وخاصّة أنّ مغادرتنا للرياحين قد إقتربت بإقتراب إنتهائنا من قصّة موسى مع الخضر وذلك لما في الأشغال من كثرة في الأيّام القابلة إن شاء الله تعالى ...
والآن سأشرع في كتابة الجواب إن شاء الله تعالى
الحمد لله
سيدي ليعلم أنّ قاضي الحاجات جميعا في الدنيا والآخرة هو الله تعالى فمن توكّل عليه وأناخ مطاياه بين يديه يوشك أن يفتح عليه فيصلّي على الكون بأسره صلاة الجنازة فيتلوه شاهد منه في حاله ومقاله وأفعاله فهذا منهاج الصالحين من الأنبياء والمرسلين والعلماء العارفين والأولياء أهل اليقين فلا يتسرّب لهم شكّ ولو مقدار لمحة في قدرة الله تعالى وفضله وفي قربه ورحمته وأنّ الله يدافع عن الذين آمنوا وهو مع المحسنين.
فأهل الله تعالى لا يلتفتون لغيره فلا يطلبون العون إلاّ منه ولا قضاء حوائجهم إلاّ منه وهذه المرتبة هي المرتبة الأصلية فهي منشور الولاية وعلامة والصلاح والهداية فهذا عنوان التوحيد الذي أمر الله به تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم.
أقول لقد وقعت مخاليط ومغاليط في بعض القضايا ومنها هذه القضيّة التي هي قضيّة قضاء الحاجات الدنيوية والدينية فغلط قوم في ناحية وغلط قوم آخر في ناحية أخرى نقيضها ومنشأ كلّ هذا نقص الفهم عن الله ورسوله وذلك بنقص التوحيد وفهمه , فالتوحيد ليس قولا مجرّدا عن حقائقه , وليس خلط في الأمور والشؤون وسأفسّر ذلك بالمتاح عندي من العلم.
نقطة أولى : الذين راموا قضاء حوائجهم وذلك بإستعمال علوم الروحانية وتسخيرها في تصريف شؤونهم الحياتية فإنّهم على خطر كبير لأنّهم يدلّون الخلق على غير الله تعالى بل إنّهم يدلّونهم على الطريق لإنقاص توحيد الخلق وخاصّة العوام منهم الذين لا ذنب لهم لتفشّي الجهل فيهم غاية التفشّي.
أو تقول : إنّ أصحاب هذا الأمر يقطعون الطريق بين الخالق والمخلوق فيفصلون من حيث لا يشعرون بين الأسباب والمسبّب حتى تكبر الأسباب في نظرهم ويعظم ذلك المشهد فيقلّ إيمانهم بالغيب وبفعل الله تعالى وبقدرته الأزلية وبرحمته وبقربه وبإستجابته للدعاء وبأنّ أمره بين الكاف والنّون , أو تقول : بأنّهم يريدون أن يفصلوا الصفات عن الذات وهذا في حدّ ذاته من أعظم سوء الأدب مع الله تعالى.
لأنّه أوّل من أراد فصل الصفات عن الذات هو إبليس لعنه الله وذلك في قوله ( أنا خير منه ) فهذا القول منه فساد يريد به فصل الحقائق عن بعضها البعض وفصل المراتب عن بعضها البعض فيضحى التوحيد عنوانا من غير حقيقة إذ لا يمكننا أن نتذوّق علوم التوحيد فنعرفها إلا بربط الحضرات بعضها ببعض فنقول : أنّ الله تعالى واحد في أفعاله , واحد في صفاته , واحد في ذاته , فهذا معنى الخلافة التي في الأرض والتي أختصّ بها الإنسان.
فهذا العلم أي علم الروحانيات والتسخير هو أقرب للشيطنة من غيره من العلوم لأنّه مختصّ بعالم الروحانيات وأنت تعلم أنّ عالم الروحانيات هو عالم جنّي وأنت تعرف أنّ إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه فهو عالم قريب من الجنّ أكثر منه من الإنس لأنّ العالم الإنسي عالم ربّاني وعالم الجنّ عالم روحاني وعالم الروحانية فيه إبليس لأنّه من جنسه .فافهم . بخلاف العالم الإنساني المقول فيه ( خلق الإنسان علّمه البيان ) أمّا في العالم الروحاني فقد قال ( إنّ إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه ).
فالآن يمكننا أن نعرف الفرق بين الإنسان الخليفة وبين الشيطان العدوّ , فأنت تعرف أنّ الحرب في حقيقتها سائرة ودائرة بين آدم وذرّيته وبين إبليس وذرّيته , ونحن نعلم أنّ إبليس من الجنّ وأنّ ذرّيته أيضا من الجنّ , فعليه وجب أن نأخذ حذرنا من هذا العالم وفي هذا العالم لما علمنا أنّ هذا العالم يحتوي الخبيث والطيّب فهو محلّ الشبهات ( فاتّقوا ما تشابه منه ) ( وأمّا الذين كفروا فيتّبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة ) – ( إبتغاء الفتنة ) – ( إبتغاء الفتنة ) – ( إبتغاء الفتنة ) فافهم ( والفتنة أشدّ من القتل ) فافهم.
لذا فوقوفنا على معرفة هذا العالم يجب أن يبدأ من الحذر منه وفيه لما علمنا أنّه عالم مختلط فيه من التلبيسات ومن الأوهام والخزعبلات ما لا يخفى على كلّ موحّد فهو عالم خطير وذلك نجده في قوله تعالى (إنّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) فانظر قوله ( هو وقبيله ) أي يراكم قبيله بعينه هو أي بعين الشيطان لأنّ محلّ نظر الشيطان وغوايته واقع على هذا المخلوق فلا يرانا إلا في صورة آدم وكذلك قبيله فيروننا في صورة أبناء آدم , وأنت تعلم أنّ إبليس معنا موجود في الأرض ولا يموت إلا يوم القيامة.
وقد كان في الجنّة مع أبينا آدم وكان مأمورا بالسجود فكان في صفّ الملائكة ومن ثمّ أنزل إلى الأرض ومن ثمّ عاين وشاهد أغلب أحداث الأنبياء والمرسلين وأغلب قصص الأمم وحضر كلّ الحروب فيما بين أهل الكفر وأهل الإيمان وهو الذي كلّم الله تعالى فزمجر وتوعّد وأساء الأدب غاية الإساءة فحلّت عليه اللعنة فهو ملعون لعنة أبدية فبقدر سريان هذه اللعنة فيه يسري فيه الإغواء والضلالة فهو متحزّم في كلّ مكان وزمان فيدخل على كلّ قوم بما يناسبهم لأنّه خبير بالمقامات والأحوال وبالسلوك وخبير بالنفس وأمراضها.
لذا فلا نجاة لنا منه أصلا إلا بالله تعالى فكلّ من إتّخذ طريقا غير طريق الله تعالى فلا نجاة له من الشيطان أصلا وهذا قد أوضحه رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمّا خطّ خطوطا على الأرض وخطّ خطّا واحدا فقال ( هذا صراط الله المستقيم ) أمّا ما عداه فهي سبل الشيطان وعليه فهمنا أنّه لا سبيل لنا إلا سبيلا واحدا وهو سبيل الله تعالى.
فكانت سطوة الشيطان كبيرة متى نقص توحيدنا أي توجّهنا إلى الله تعالى فعلى قدر هذا الضعف في التوجّه يكون إغواء الشيطان لنا ثمّ يجب أن يعلم بأنّ أخطر عالم يمكن للشيطان أن يحاربك فيه فلا تنتصر عليه هو عالمه هو وهو عالم الروحانيات لأنّها أرضه وداره , فإنّ الشيطان عندما يأتيك في أرضك فسريعا ما تقضي عليه وتنتصر عليه فلا يلبث بل يولّي هاربا وله ظراط أمّا متى ذهبت أنت إليه إلى داره فأنّى تنتصر عليه وأنت حالّ في رحابه بل جئته باحثا عنه مناديا له في مختلف أطواره ثمّ تريد النجاة والسلاك منه فهيهات أن يتحقّق هذا وقد قال الله تعالى لنا ( ولا تتّبعوا خطوات الشيطان ..الآية ) فما بالك متى ذهبنا نحن بإنفسنا إليه فإنّ الآية تنهانا فقط عن الإقتداء به فما بالك بطاعته والدخول إليه.
أقول : إنّ الذين دخلوا في هذا العالم ممّن يحسبون ويعدّون من أهل الصوفية وممّن ينسب نفسه لأهل نسبة الله تعالى فهو كاذب على الله ورسوله فما كان هذا قطّ طريق الله ورسوله ولا أمرنا الله به ورسوله.
هذا وسنفصّل هذه الأمر حتى ندلّ الخلق على الله تعالى :
- سنفصّل معنى التفريق بين الذات والصفات في هذا وما هو الخطأ التوحيدي في هذا الذي هو أسّ الخطأ وحضرته ومنه كان ما كان (و يريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ) وستناول في هذا المبحث التوحيدي في علوم المعرفة وسنذكر زلل الوهابية في هذا وخطأهم الواضح في التوحيد لشبهات وقعت في عقولهم.
وكذلك خطأ الروحانيين في ذلك فإنّ الوهابية إنّما عنوا في إنكارهم هذا الوصف أي عنوا الروحانيين في قضاء الحاجات فإلتبس عليهم الأمر من حيث الصفات فنسبوا ذلك إلى أهل الله تعالى فظنّوا بشرك من يستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلّم فهذه مباحث توحيدية سنبحثها ونبيّن مغاليط القوم ونقصهم في فهم التوحيد وسنذكر حضرات كلّ متربة وما تعطيه تحقيقا
- سنفصّل الفرق بين قضاء الحاجات عن طريق الشريعة والحقيقة وأنّ قضاءها يكون بالله بداية وهذا يشتمل أمرين : الأوّل قضاء الحاجات بلا واسطة , والثاني : قضاء الحاجات بوسائط يحبّها الله ورسوله كالتوسّل ..وما جرى في معناه.
- سنذكر أخطاء الروحانيين وأن المذهب الروحاني بعيد عن الإتصاف بالتصوّف والسلوك.
- سنذكر بعض أضرار الأحزاب الروحانية في التصريف الروحاني وما ضرر ذلك على الموحّدين وما هي مداخله من حيث تسلّط الشياطين.
- سنذكر كيفية تأليف هذه الأحزاب وعلومها من حيث الوهم والتسخير وأنّها مذمومة بكلّ وجه وكاتبها يستتاب وسنذكر مناحي العلماء في ذلك وبنسبة بعض الكتب إليهم كذبا وعمدا.
- وسنختم بحول الله تعالى فصلا في دلالة الخلق على مولاهم وحبيبهم وأنّ الكون مسخّر للإنسان من غير تسخير منهم ولا تصريف وكيفية فعل الله تعالى في ذلك من حيث التقوى وسنعطي مشارب ذوقية وخمرات توحيدية إن شاء الله تعالى ....إلخ
يتبع ....
السؤال الثلاثون
في الفترة الاخيرة سيدي لاحظت وجود منتديات تدعو الى تعلم العلم الروحاني واهلها منتسبين لاحد الطرق الصوفية كما لاحظت تقديمهم خدمات روحانيه لمن أراد من الناس سواء كان الطالب عالم أو جاهل ولهم بالامر باع والخدمات المقدمة كثيرة ومتنوعة سواء بالاخدام والاحجار والقلادات الروحانية أو بالاقسام والدعوات لقضاء الحوائج مهما كانت واحزاب تسخير الروحانية والاستنزال وغيرها والسؤال هو:
عرفت احدهم ممن دخل أحد المنتديات وأخذ الاذن بقراءة أحد أحزاب التسخير العظيمة من شيخ محترف في علم الروحانية وهذا الشيخ ينتمي الى طريقة من طرق الصوفية , فهل يجوز للسالك النظر بهذه الدعوات او الاحزاب واستخدامها والعمل بها لقضاء الحوائج ؟ وهل يجوز أخذ الاذن بهذا الشكل ؟ وما الخطر على المريد لو التفت الى مثل ذلك ؟ ولما قيل بان المربي الاخذ بذلك نجده لا يتعدى الحقيقة المحمدية أو حتي استيفاءها ؟ أرجو التوضيح والقاء الضوء على الأمر ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
أشكرك سيدي فارس النور على هذا السؤال الهامّ فإنّ السؤال المفيد تنشط له الهمم فتتصدّر للجواب لذا قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلّم في كلّ مرّة يسألونه ( ويسألونك قل ..) أي قل بالوحي الذي سأوحيه لك بخصوص الأحكام التي سألوك عنها لأنّهم طالبون بها معرفة دينهم فما سألوك إلا وهم يريدون أن يتوجّهوا إليّ في ذلك فأجبهم بجواب من عندي لأنّه من طلبني أو طلب الطريق في التوجّه لي إلاّ وأجيبه بجواب من عندي لا يدلّه إلا عليّ أمّا في الأسئلة التي لا يسألها الناس عن شؤون دينهم بل فقط يسألونها لهوى نفس أو لمزايدة وما إلى ذلك من العلل والأسقام فقال لهم فيها ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ).
فالسؤال محمود متى قصد به صاحبه وجه الله تعالى فالمجيب مهما كانت صفته في الطريق لا يملّ من كثرة الأسئلة لأنّه يعلم بأنّ سائلها يريد وجه الله بطرحها فهذا الفيصل الحقيقي بين الأسئلة المتكلّفة وبين الأسئلة الحالية وفي سؤال جبريل في حديث الإسلام والإيمان والإحسان خير مثال فما سأله إلا عن طريق الحضرة في مراتبها الثلاث.
ثمّ أنّ السؤال لا بدّ من أن تتوفّر فيه شروط : منها أنّ السائل عليه أن يتحقّق من علم المسؤول وحاله مع الله تعالى , فلا تسأل إلا العالم العارف أمّا الغير عالم ولا عارف فلا وجه له في الجواب غير الظنّ أو أغلبه فلا يجيبك تحقيقا لذا قال له جبريل بمجرّد الجواب الأوّل ( صدقت ) لأنّ الجواب قابل حال السائل في توجهه إلى ربّه , ثمّ أنّ الجواب يكون في الحقيقة ذا علاقة بين السائل والمسؤول بقدر توجّهك إلى الله تعالى يأتيك الجواب من أهل العلم والمعرفة فيلقي الله في قلوبهم ما يصلح الله به شأنك في الدنيا والدين أمّا إذا لم يكن السائل في سؤاله مريدا وجه الله تعالى فأنّى له أن يرزق الجواب الحقيقي فضلا عن الفهم السليم.
لذا فالمرء يعلم أنّ قوله تعالى ( ومن أصدق من الله قيلا ) و ( حديثا ) أي ما دلّنا الله تعالى إلاّ عليه سبحانه دلالة كاملة فإنّ معنى الصدق في الحديث أنّه لا يدلّك إلا عليه سبحانه وتعالى فكان كلام الله تعالى الصدق المطلق لأنّه لا يدلّك إلا عليه سبحانه من كلّ وجه وفي كلّ وجه ومن ثمّ هكذا كلام رسله وأنبيائه لذا نقول في النبي صلى الله عليه وسلّم ( الصادق المصدوق ) لماذا ؟
والجواب ( لأنّه لا يدلّ إلا على الله تعالى ) ومن كان بمثل هذه المثابة وهو الرسول والرسل من قبله قيل فيه ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) فانظر قوله وتمعّن في ( ما ينطق عن الهوى ) ليس هناك هوى ولا ذرّة منه أي ليس هناك دلالة إلا على الله تعالى فإنّه لا يدلّ على نفسه قدر ذرّة فمن كان بمثل هذه المثابة بحكم الوراثة من أهل الله تعالى كانت أجوبتهم إلهاما من الله تعالى تساندها النصوص من الآيات والأحاديث أي تكون دليله ومن ليس له دليل من الكتاب والسنّة ضلّ الطريق لذا قال فيهما عليه الصلاة والسلام ( إثنان إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي ) فمن دلّك على غير الله تعالى فقد غشّك وهذه الدلالة تستوجب شروطا منها : معرفة وجه الدلالة أي معرفة من تدلّ عليه وما تستوجبه حقائقه وإلا فإنّك ما دللت عليه حقيقة.
فهذا تمهيد سريع سيدي على سؤالك الذي نشطت في الإجابة عليه وخاصّة أنّ مغادرتنا للرياحين قد إقتربت بإقتراب إنتهائنا من قصّة موسى مع الخضر وذلك لما في الأشغال من كثرة في الأيّام القابلة إن شاء الله تعالى ...
والآن سأشرع في كتابة الجواب إن شاء الله تعالى
الحمد لله
سيدي ليعلم أنّ قاضي الحاجات جميعا في الدنيا والآخرة هو الله تعالى فمن توكّل عليه وأناخ مطاياه بين يديه يوشك أن يفتح عليه فيصلّي على الكون بأسره صلاة الجنازة فيتلوه شاهد منه في حاله ومقاله وأفعاله فهذا منهاج الصالحين من الأنبياء والمرسلين والعلماء العارفين والأولياء أهل اليقين فلا يتسرّب لهم شكّ ولو مقدار لمحة في قدرة الله تعالى وفضله وفي قربه ورحمته وأنّ الله يدافع عن الذين آمنوا وهو مع المحسنين.
فأهل الله تعالى لا يلتفتون لغيره فلا يطلبون العون إلاّ منه ولا قضاء حوائجهم إلاّ منه وهذه المرتبة هي المرتبة الأصلية فهي منشور الولاية وعلامة والصلاح والهداية فهذا عنوان التوحيد الذي أمر الله به تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم.
أقول لقد وقعت مخاليط ومغاليط في بعض القضايا ومنها هذه القضيّة التي هي قضيّة قضاء الحاجات الدنيوية والدينية فغلط قوم في ناحية وغلط قوم آخر في ناحية أخرى نقيضها ومنشأ كلّ هذا نقص الفهم عن الله ورسوله وذلك بنقص التوحيد وفهمه , فالتوحيد ليس قولا مجرّدا عن حقائقه , وليس خلط في الأمور والشؤون وسأفسّر ذلك بالمتاح عندي من العلم.
نقطة أولى : الذين راموا قضاء حوائجهم وذلك بإستعمال علوم الروحانية وتسخيرها في تصريف شؤونهم الحياتية فإنّهم على خطر كبير لأنّهم يدلّون الخلق على غير الله تعالى بل إنّهم يدلّونهم على الطريق لإنقاص توحيد الخلق وخاصّة العوام منهم الذين لا ذنب لهم لتفشّي الجهل فيهم غاية التفشّي.
أو تقول : إنّ أصحاب هذا الأمر يقطعون الطريق بين الخالق والمخلوق فيفصلون من حيث لا يشعرون بين الأسباب والمسبّب حتى تكبر الأسباب في نظرهم ويعظم ذلك المشهد فيقلّ إيمانهم بالغيب وبفعل الله تعالى وبقدرته الأزلية وبرحمته وبقربه وبإستجابته للدعاء وبأنّ أمره بين الكاف والنّون , أو تقول : بأنّهم يريدون أن يفصلوا الصفات عن الذات وهذا في حدّ ذاته من أعظم سوء الأدب مع الله تعالى.
لأنّه أوّل من أراد فصل الصفات عن الذات هو إبليس لعنه الله وذلك في قوله ( أنا خير منه ) فهذا القول منه فساد يريد به فصل الحقائق عن بعضها البعض وفصل المراتب عن بعضها البعض فيضحى التوحيد عنوانا من غير حقيقة إذ لا يمكننا أن نتذوّق علوم التوحيد فنعرفها إلا بربط الحضرات بعضها ببعض فنقول : أنّ الله تعالى واحد في أفعاله , واحد في صفاته , واحد في ذاته , فهذا معنى الخلافة التي في الأرض والتي أختصّ بها الإنسان.
فهذا العلم أي علم الروحانيات والتسخير هو أقرب للشيطنة من غيره من العلوم لأنّه مختصّ بعالم الروحانيات وأنت تعلم أنّ عالم الروحانيات هو عالم جنّي وأنت تعرف أنّ إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه فهو عالم قريب من الجنّ أكثر منه من الإنس لأنّ العالم الإنسي عالم ربّاني وعالم الجنّ عالم روحاني وعالم الروحانية فيه إبليس لأنّه من جنسه .فافهم . بخلاف العالم الإنساني المقول فيه ( خلق الإنسان علّمه البيان ) أمّا في العالم الروحاني فقد قال ( إنّ إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه ).
فالآن يمكننا أن نعرف الفرق بين الإنسان الخليفة وبين الشيطان العدوّ , فأنت تعرف أنّ الحرب في حقيقتها سائرة ودائرة بين آدم وذرّيته وبين إبليس وذرّيته , ونحن نعلم أنّ إبليس من الجنّ وأنّ ذرّيته أيضا من الجنّ , فعليه وجب أن نأخذ حذرنا من هذا العالم وفي هذا العالم لما علمنا أنّ هذا العالم يحتوي الخبيث والطيّب فهو محلّ الشبهات ( فاتّقوا ما تشابه منه ) ( وأمّا الذين كفروا فيتّبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة ) – ( إبتغاء الفتنة ) – ( إبتغاء الفتنة ) – ( إبتغاء الفتنة ) فافهم ( والفتنة أشدّ من القتل ) فافهم.
لذا فوقوفنا على معرفة هذا العالم يجب أن يبدأ من الحذر منه وفيه لما علمنا أنّه عالم مختلط فيه من التلبيسات ومن الأوهام والخزعبلات ما لا يخفى على كلّ موحّد فهو عالم خطير وذلك نجده في قوله تعالى (إنّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) فانظر قوله ( هو وقبيله ) أي يراكم قبيله بعينه هو أي بعين الشيطان لأنّ محلّ نظر الشيطان وغوايته واقع على هذا المخلوق فلا يرانا إلا في صورة آدم وكذلك قبيله فيروننا في صورة أبناء آدم , وأنت تعلم أنّ إبليس معنا موجود في الأرض ولا يموت إلا يوم القيامة.
وقد كان في الجنّة مع أبينا آدم وكان مأمورا بالسجود فكان في صفّ الملائكة ومن ثمّ أنزل إلى الأرض ومن ثمّ عاين وشاهد أغلب أحداث الأنبياء والمرسلين وأغلب قصص الأمم وحضر كلّ الحروب فيما بين أهل الكفر وأهل الإيمان وهو الذي كلّم الله تعالى فزمجر وتوعّد وأساء الأدب غاية الإساءة فحلّت عليه اللعنة فهو ملعون لعنة أبدية فبقدر سريان هذه اللعنة فيه يسري فيه الإغواء والضلالة فهو متحزّم في كلّ مكان وزمان فيدخل على كلّ قوم بما يناسبهم لأنّه خبير بالمقامات والأحوال وبالسلوك وخبير بالنفس وأمراضها.
لذا فلا نجاة لنا منه أصلا إلا بالله تعالى فكلّ من إتّخذ طريقا غير طريق الله تعالى فلا نجاة له من الشيطان أصلا وهذا قد أوضحه رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمّا خطّ خطوطا على الأرض وخطّ خطّا واحدا فقال ( هذا صراط الله المستقيم ) أمّا ما عداه فهي سبل الشيطان وعليه فهمنا أنّه لا سبيل لنا إلا سبيلا واحدا وهو سبيل الله تعالى.
فكانت سطوة الشيطان كبيرة متى نقص توحيدنا أي توجّهنا إلى الله تعالى فعلى قدر هذا الضعف في التوجّه يكون إغواء الشيطان لنا ثمّ يجب أن يعلم بأنّ أخطر عالم يمكن للشيطان أن يحاربك فيه فلا تنتصر عليه هو عالمه هو وهو عالم الروحانيات لأنّها أرضه وداره , فإنّ الشيطان عندما يأتيك في أرضك فسريعا ما تقضي عليه وتنتصر عليه فلا يلبث بل يولّي هاربا وله ظراط أمّا متى ذهبت أنت إليه إلى داره فأنّى تنتصر عليه وأنت حالّ في رحابه بل جئته باحثا عنه مناديا له في مختلف أطواره ثمّ تريد النجاة والسلاك منه فهيهات أن يتحقّق هذا وقد قال الله تعالى لنا ( ولا تتّبعوا خطوات الشيطان ..الآية ) فما بالك متى ذهبنا نحن بإنفسنا إليه فإنّ الآية تنهانا فقط عن الإقتداء به فما بالك بطاعته والدخول إليه.
أقول : إنّ الذين دخلوا في هذا العالم ممّن يحسبون ويعدّون من أهل الصوفية وممّن ينسب نفسه لأهل نسبة الله تعالى فهو كاذب على الله ورسوله فما كان هذا قطّ طريق الله ورسوله ولا أمرنا الله به ورسوله.
هذا وسنفصّل هذه الأمر حتى ندلّ الخلق على الله تعالى :
- سنفصّل معنى التفريق بين الذات والصفات في هذا وما هو الخطأ التوحيدي في هذا الذي هو أسّ الخطأ وحضرته ومنه كان ما كان (و يريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ) وستناول في هذا المبحث التوحيدي في علوم المعرفة وسنذكر زلل الوهابية في هذا وخطأهم الواضح في التوحيد لشبهات وقعت في عقولهم.
وكذلك خطأ الروحانيين في ذلك فإنّ الوهابية إنّما عنوا في إنكارهم هذا الوصف أي عنوا الروحانيين في قضاء الحاجات فإلتبس عليهم الأمر من حيث الصفات فنسبوا ذلك إلى أهل الله تعالى فظنّوا بشرك من يستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلّم فهذه مباحث توحيدية سنبحثها ونبيّن مغاليط القوم ونقصهم في فهم التوحيد وسنذكر حضرات كلّ متربة وما تعطيه تحقيقا
- سنفصّل الفرق بين قضاء الحاجات عن طريق الشريعة والحقيقة وأنّ قضاءها يكون بالله بداية وهذا يشتمل أمرين : الأوّل قضاء الحاجات بلا واسطة , والثاني : قضاء الحاجات بوسائط يحبّها الله ورسوله كالتوسّل ..وما جرى في معناه.
- سنذكر أخطاء الروحانيين وأن المذهب الروحاني بعيد عن الإتصاف بالتصوّف والسلوك.
- سنذكر بعض أضرار الأحزاب الروحانية في التصريف الروحاني وما ضرر ذلك على الموحّدين وما هي مداخله من حيث تسلّط الشياطين.
- سنذكر كيفية تأليف هذه الأحزاب وعلومها من حيث الوهم والتسخير وأنّها مذمومة بكلّ وجه وكاتبها يستتاب وسنذكر مناحي العلماء في ذلك وبنسبة بعض الكتب إليهم كذبا وعمدا.
- وسنختم بحول الله تعالى فصلا في دلالة الخلق على مولاهم وحبيبهم وأنّ الكون مسخّر للإنسان من غير تسخير منهم ولا تصريف وكيفية فعل الله تعالى في ذلك من حيث التقوى وسنعطي مشارب ذوقية وخمرات توحيدية إن شاء الله تعالى ....إلخ
يتبع ....
ما شاء الله شرح جميل .....يا ليتك تكمل لنا الشرح والتوضيح ....بارك الله فيك
ردحذفنرجوا من السيد الفاضل أن يتمم ما وعد به من الشرح حتى يقطع الطريق على الدجالين..فمبحث محاوله فصل الذات عن الصفات لهو أمر حوهري في كشف و ابطال بل تحريم استخدام العوالم الروحانيه لتأثير في الكون .
ردحذف