إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

السبت، 23 نوفمبر 2013

إسترواح في آية ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ..)

بسم الله الرحمان الرحيم -
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله. 

لمّا جال قلبي في آية : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) وكنت في مذاكرة مع أحد ساداتنا الفقراء , غدوت كأنّني في أرض غير الأرض لما انفتح لي من فضل الله تعالى من مغالقها لقوله تعالى ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) أي حدّث عنّا بما تراه منّا , لذا قال ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) فما قال : ( وأمّا عن نعمة ربّك فحدّث ) فالحديث ليس عن النعمة ولكن الحديث يكون بها كي تحدّث عن المنعم سبحانه ( حدّث بها ولا تحدّث عنها).

فحديثك عنها يحجبك عن المنعم بها أمّا إذا حدّثت بها فتضحى كأنّك أنت النعمة والله هو المنعم فتصبح أنت نعمة الله التي لا تحصيها في ذاتك بما أنّك أنت الكون وما حواه وأنت تعلم أنّ القرآن خير وأحسن الحديث , فحدّث به عنه , فإذا علمت أنّ النعمة والنعم هي من عطاء الله تعالى و جوده و كرمه عليك فلا بدّ لك أن تستشعر روح و نسائم الحضرة في تلك النعمة وفي كلّ نعمة وإلاّ فإنّك لا تحسن ولا تستطيع أن تحدّث بها عنه فحدّث بالنعمة عن الله تعالى وإلاّ فلست أنت المراد بقوله ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ).

 وبما أنّ سورة الضحى التي وردت فيها هذه الآية هي سورة الوصال والدلال والبشرى والسعادة قال له في نهايتها ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) فحدّث رسول الله عليه الصلاة والسلام بالنعمة عن الله فما أجمل أن تكون أنت النعمة فتحدّث عن المنعم , وهل لك غيره فتحدّث عنه , لذا نبّهك عن هذا لو عرفت وفهمت في قوله ( وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ) فكيف تحصيها وهي مضافة إليه , فهل ما أضيف إليه يمكن إحصاؤه , لذا ذكرنا جميعا في لفظة الجمع ( وإن تعدّوا ) أي كلّكم جميعا أوّلكم وآخركم إنسكم وجنّكم فلن تحصوها.

وإنّما قال ( نعمة ) فكما قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه ( نعمة واحدة فقط لا نحسن ولا نستطيع أن نحصيها فضلا عن كلّ النعم لا ظاهرا ولا باطنا لا عددا ولا مددا ) والأقرب أنّ هذه النعمة التي لا نقدر أن نحصيها هي أجلّ نعمة وأحسنها وأجمعها ألا وهي نعمة ( النبيّ محمّد عليه الصلاة والسلام ) لذا قال له ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) فكأنّها إشارة إلى أنّه هو صلى الله عليه وسلّم أصل النعم ( أصل شجرة الأكوان ) ولذاك قال لك متى فهمت عنه ( وما قدروا الله حقّ قدره ) أي قدره من حيث قدره في عظمته وعلوّه , وقدره من حيث أنبيائه , ومن حيث أوليائه , ومن حيث المؤمنين , ومن حيث خلقه ....

 فبالجملة ما قدّرت الله تعالى حقّ قدره ولا تستطيع فأوقفك في مقام سوء الأدب الذي يستلزم منك الإستغفار والتوبة وعدم رفع الرأس إلى أبد الآباد ( فهذا مدخل ): 

( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ).

هذه الآية كما في القرآن والسيرة هي آية إسراء النبيّ صلى الله عليه وسلّم ليلة أسري وعرج به , لذا سنتكلّم عن هذه الآية من حيث ذكرها للإسراء الذي كان من مكّة إلى أرض بيت المقدس ليلا وهذا الكلام هو خلاصة تلك المذاكرة بيني وبين ذلك الفقير الطيّب العزيز.

قلت له : 

الإسراء لا يكون إلاّ في مستوى معيّن وهو مستوى العبوديّة لله تعالى وإلاّ فإنّه ليس بإسراء ونقصد هنا بالإسراء إسراء القلب والروح لا إسراء الجسد لأنّ هذا خاصّ بسيّدنا محمّد رسول الله عليه الصلاة والسلام , أمّا إسراء القلب والروح فمعناه موجود في الدين بما أنّ الدين يستوجب التوجّه إلى الله تعالى والرجوع والإنابة إليه , لأنّ معنى الإسراء هو من مقدّمات المعراج.

 والمعروج هو الذهاب إلى الله تعالى كما قال أحد الصوفية أظنّه سيدي أحمد العلاوي قدّس الله سرّه في قصيد له : ( الواو الواو سافروا لحباب امشاو ---رحلوا وارقاو للبساط المعناوي ).

 وكذلك فإنّ الله تعالى ما أخبرك عن الإسراء أو المعراج أو أي توجّه إليه وقرب منه إلاّ لينبّهك على ذلك وأنّ معناه في متناولك كما قال في قصّة يوسف عليه السلام ( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ) ( ما كان حديثا يفترى ) وكذلك قصّة موسى مع الخضر عليهما السلام وكذلك في كلّ خبر وفي كلّ واقعة فإنّ مقاماتها محفوظة في أمّة الحبيب عليه الصلاة والسلام فلا تظنّ أن في قصص الأنبياء والمرسلين مجرّد سرد قرآني أو تصوير تاريخي بل في ذلك عبرة كبيرة وتحقيق لمن يعتبر , فيجب عليك أن تأخذ حظّك من ذلك المعنى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) وإلاّ كيف ؟

قلت : العبودية يقابلها الألوهية والربوبية , لذا نزّه نفسه سبحانه في بداية ذكر العبودية في قوله ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) فكلّما تحقّقت بالعبودية كلّما علا تنزيهك لله حتّى تكمل مراتب عبوديتك فيكون المنزّه عنك هو الله تعالى فينزّه نفسه بنفسه بما أنّ عبوديتك إستغرقتك فمتى إستغرقتك فنيت عن ربوبيتك التي هي نفسك فمادامت نفسك موجودة فأنت مشرك به على التحقيق ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون ) فأصبحت عبدا محضا , عندها يحقّ لك الرجوع إليه ( وإليه ترجعون ).

الإسراء في عالم الأرض وليس في عالم السماء , فله بداية وله نهاية ( من ... إلى ) ( من ) البداية و ( إلى ) النهاية , ولكن من أين وإلى أين ؟ الجواب : من مسجد وإلى مسجد , وأنت تعلم ( وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحد ).

لذا قال الإمام البوصيري رضي الله عنه ( سريت ليلا من حرم إلى حرم ---- كما يسري البدر في داج من الظلم ) لأنّ البدر لا تعرف أنواره فتشاهد إلاّ في الليل فهذا الإسراء والمعراج هو الليل المحمّدي فعرج الله به بعد أن أسرى في حقيقته المحمّدية لتعلم معاني الإسراء والمعراج وأنّه عرج به في حقيقته المحمّدية , لذا كملت عبوديته وهو في الأرض لأنّ الأرض إسمها ( أرض العبودية ) أمّا السماء فهي ( للخصوصية ).

 فأسرى به ليطلعه على تلك الخصوصية المحمّدية ( لنريه من آياتنا ) فما أسرى به إلاّ لشيء واحد وهو قوله تعالى ( لنريه من آياتنا ) فذكر لك ( آياتنا ) بجمع ( نحن ) مقام صفاتي , هذا لتعلم أيّها المريد أسرار القرآن وعظمتها فلو قال مثلا ( لنريه من آياتي ) لكان هناك خللا علميّا في القرآن , وحاشا أن يكون للقرآن خللا ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) مهما كان هذا الباطل ولو ذرّة منه فمحال , لأنّ القرآن هو الصدق المطلق والحقيقة الجامعة ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) فالقرآن والسنّة هما مشرب العارفين. 

هنا في هذا الإسراء ذكر سبب واحد له وهو ( لنريه من آياتنا ) مقام رؤية العين لذا قال له ( أخبر أمّتك في كلّ شيء يراه ) حتّى وصل الأمر بالصحابة الكرام عليهم جميعا الرضوان ( هل رأيت ربّك ) لكثرة ما أخبرهم عن مشاهدة و رؤية حقيقية ولهذا لمّا سألوا الصدّيق رضي الله عنه قال : ( أنا كنت أصدّقه في الخبر يأتيه من السماء ) أي فكأنّ سيّدنا أبا بكر يقول ( فكيف لا أصدّقه في خبر رآه بنفسه بالعين ) فعجيب أن أصدّقه بالخبر يأتيه وهو بين أظهرنا ثمّ لا أصدّقه في خبر رآه رأي عين ( أنظر وتمعّن في فهم أبي بكر وحجّته الناصعة ). 

أسرى به من المسجد الحرام : إشارة إلى مقامه المنفرد به صلى الله عليه وآله وسلّم لأنّه عاش في مكّة لا يراعي غير أحكام الحضرة العليّة لذا كان غرضه فيها نبذ الشرك والمشركين وهذه الحقيقة هي الحقيقة الأحمدية في أصلها وهي العبودية المحضة الكاملة فالحقيقة الأحمدية هي حقيقة عبوديته صلى الله عليه وسلّم وقد نطق عيسى عليه السلام بالتبشير بهذا الإسم بحسب ما تعطيه حقائق عيسى منه , وفي هذا الإسراء إنباء بحلول التجلّي المحمّدي على الأكوان لذا فبعدما رجع بسنة أو قليل هاجر إلى مدينته وأسّس حرمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلّم تسليما كثيرا. 

وقد علم الأنبياء كلّهم والمرسلين بهذا الإسراء فجاؤوا بأرواحهم إلى بيت المقدس ليصلّون مقتدين بإمامهم فلا إمام في دين سماوي ولا تقبل بغير إمامة محمّد صلى الله عليه وسلّم أو ممّن ينوب محمّد صلى الله عليه وسلّم وهذا ما ورد من حيث صلاة عيسى خلف المهدي في آخر الزمان عليهما السلام فلو صلى المهدي وراء عيسى ما صحّت صلاته , فنحن محمّديين ولسنا غيره فصورة محمّد صلى الله عليه وسلّم مرسومة في وجود الأولياء والعلماء من أمّته فعلامته ناصعة ظاهرة.

 لذا يرى الكثير من المريدين صورة وجه رسول الله في وجوه مشائخهم وما مشائخ التربية والأولياء والعارفين الكمّل إلاّ صورة محمّد رسول الله عليه الصلاة والسلام المتعدّدة , فرسول الله عليه الصلاة والسلام حاضر معنا اليوم أمّا الذي ينظر إلى الجسد والجسم فأحرى به أن لا يتكلّم في الدين ( فما مات معنى محمّد فلو مات لمات معه الدين ) بل هو موجود حاضر لا يخفى إلاّ عمّن هلكه الحسّ والمادّة , يا علماء السوء ألا ترون محمّد بن عبد الله ؟ أتركوا دينه فلستم أنتم أهل دينه , متى غاب رسول الله ؟ وهل يغيب ؟ وقد قال الشيخ أبو العبّاس المرسي رضي الله : ( لي ستّ وأربعون سنة ما غاب عنّي رسول الله طرفة عين ولو غاب عنّي ما عددت نفسي من المسلمين ). 

قلت : 

الإسراء والمعراج : لبّ الدين وروحه وهو المقام الثالث من الدين وهذا هو مبحث السادة الصوفية , ولا نعني الإسراء والمعراج الذي وقع للنبيّ عليه الصلاة والسلام حاشا وكلاّ أن نتجرّأ , بل نقول معناه مازال في الأمّة المحمّدية ويبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

سنزيد في هذا ونبدأ بسرد المعاني مع دلائلها.

يتبع ... 

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È