بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على المختار في القدم وآله وصحبه أولي الهمم
أما بعد :
فهذا ان شاء الله تعالى شرح الحكمة السابعة من حكم العالم الهمام والحبر الفهّام مولانا الشيخ سيدنا ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه التي قيل فيها :" كادت أن تكون حكم ابن عطاء الله وحيا " وحقّ لها ذلك فانها والله كذلك فانّ مشرب هذا الامام مشرب عظيم فلله درّه ما أرقّ لبّه وأنشر سرّه .
يقول الحكيم الصوفي رضي الله عنه :
( لا يشكّكنّك في الوعد عدم وقوع الموعود به وان تعيّن زمنه لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك واخمادا لنور سريرتك )
فأقول وعلى الله تعالى السداد والقبول :
- ما وعدك الا فتحا لك لباب محاب حضرته اليك , وما ساق لك الموعود به الا من منّة خزائن فضله عليك .
- مطلبه منك السكون الى وعده السابق اليك , لا الاطمئنان الى الموعود به لاحقا فتحجب به عليه .
- وعدك وأعلمك أنّه لا يخلف الميعاد , ليثبّت بذلك يقينك , ويقيك من مداخل قرينك .
- متى أطلعك على زمن الموعود به ولم يقع في الوقت المعيّن , فانّما أراد بذلك اختبار تصديقك بوعده بين يديه , ومدى يقين قلبك في التوكّل عليه .
- متى سكن قلبك اطمئنانا بوعده حلّ عليك الموعود به في جمال حسن اختياره , و حكمة أقداره .
- ما عاينته من زمن وقوع الموعود به انّما عاينته من حيث نور بصيرتك , واشراق فهم سريرتك , فما عاينته الا بحسب ما علمته , فمتى تخلّف زمنه انّما تخلّف من حيث قصور نفوذ بصيرتك , وخمود نور سريرتك
- وعده لك لا يتغيّر تعيين زمانه من حيث ألوهية ذاته , وانّما التبس الأمر عليك لتلوّن الموعود به في أحكام أسمائه وصفاته .
- متى أطلعك على زمن الموعود به انّما أطلعك عليه من حيث علمك أنت لا من حيث علمه هو به ( والله واسع عليم ) .
- انتظارك زمن حلول الموعود به وترقبك له , من علامات سكون قلبك اليه , فكثر اغترارك , وخمدت أنوارك .
- العارف من متى لم يقع الموعود به في الزمن المعيّن اتّهم تقصيره , وكسوف شمس تفسيره ( قد بيّنا الآيات لقوم يوقنون ).
- من علامات تشكّكك في الوعد زيادة يقينك فيه عند وقوع الموعود به في الزمن المعيّن .
- وعدك وأشار لك الى وسع علمه فيما وعدك به , كي لا يحجبك عنه بما به وعدك .
- متى وقفت مع باطن الوعد دون الأدب مع ظاهره , أدّبتك أسماؤه وصفاته , ومتى وقفت مع ظاهره دون معاينة باطنه , أسدل عليك حجابه , وردّك الى بابه .
- لو أدركت حقيقة الوعد لكان عدم وقوع الموعود به وان تعيّن زمنه دلالة لك على حسن اختياره , وتسليم منك لخفايا أسرار أقداره .
- الوعد ليس هو عين الموعود به , فتصديقك صدر منك لوعده لك , لا لما به وعدك .
- عيّن لك زمن الموعود به في لطائف أنواره متى وقفت معها , ومتى اخترقت عاينت صدق وعده لك في جميع تجلّيات أسراره .
- بحسب تصديقك لوعده لك , يكون مستوى فهمك عنه في الموعود به .
- متى فهمت عنه في وعده لك , حلّ عليك الموعود به مرفوقا بلطائف أنواره , ومغمورا بمحاسن اسراره .
- فرحك بالموعود به بحظّ نفسك يفضي بك الى الاغترار به ( وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون).
- الوعد وعدان : وعد سابق , ووعد لاحق:
الوعد اللاحق : تمكينه لك في أنوار تجلّيات أسمائه وصفاته في هذه الدار , والوعد السابق : تجلّيه عليك بكمال جمال ذاته في دار القرار.
- فهمك لوعده لك يدلّك من حيث ايمانك على الأجور , ومن حيث ايقانك على تدفّق النّور , ومن حيث احسانك على مزيد الشكور.
- العارف لا ينظر الى الوعد من حيث حظوظه فيه , وانّما من حيث حقوق الله فيه عليه - قال عليه الصلاة والسلام في بدر:" اللهم نصرك الذي وعدتني , انّك ان تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض بعد اليوم "
- العارفون يطلبونه , والوعد يطلبهم ( رضي الله عنهم ورضوا عنه .
كان وعد ربّي حقّا لا يحولا ***** ثابت الكتاب صادقا مفعولا
محال في مطلق الصدق قيلا **** خلف وعد يا قارىء التنزيلا
زمانه ما رأيت قد خلف ****** محو لوح من اثبات فصف
بصدق وعد طرف لا يرفّ *****على الموعود عين لا تقف
موعوده رسول صدق وعده **** حسّا يأتي ومعنى من بعده
خلف حسّه قد معناه يحلّ ***** في الوقت يا من نوره أفل
سكونك لأصل مخرج فرعه *** تشكّك فروع ليس بجموع
********
قد جمعت ما سبق من الحكم من حيث الدلالة على الله تعالى في هذه الشبه حكمة :
- دلّك عليه بالعمل الذي يقبل لديه , دلّك عليه باقامته ايّاك في الأسباب والتجريد في القصد اليه , دلّك عليه بسوابق الهمم رفعا بك اليه , دلّك عليه بحسن اختياره وتدبيره لديه , دلّك عليه بما ضمنه لك من الرزق ليدوم اقبالك عليه , دلّك عليه بتعدّد نعمائه وجزيل عطائه لفقرك اليه , دلّك عليه بدعائه وسؤاله المجاب لديه , دلّك عليه بوعده لك الحاضر بين يديه .
وبالله التوفيق .
0 التعليقات:
إرسال تعليق