بسم الله الرحمان الرحيم
السؤال الحادي عشر :
من المعلوم سيدي ان هناك بواعث ودواعي تدفع الانسان نحو طريق الله , فاما الدواعي فهي :
الخاطر ثم الارادة ثم العزم ثم الهمة ثم النية.
واما البواعث فهي : رغبة أو رهبه أو تعظيم والسؤال هو :
ايهما أعظم واحب لله مريد يطلبه لرغبة أم مريد يطلبه لرهبة ؟
علما بان الرغبة هي الرغبة فيما عنده ورغبة في المعاينة والرهبة هي الرهبة من العذاب ورهبة من الحجاب .
فالجواب والله ورسوله أعلم :
سيدي الفاضل حباك الله بنوره :
المعلوم من الشريعة التي هي عنوان الطريقة وطرائق الحقيقة أن الدواعي والبواعث التي ذكرتها فما هي إلا إجتباء وعناية من الله تعالى وهي المنعوتة في الذكر الحكيم ( بالهداية ) فكلّ من هداه الله تعالى إلى طريقه المستقيم وسبيله القويم أوقع في قلبه محبّة الطاعة وبغض المعصية وهذه لا تتحقّق إلا بالتوجيه الإلهي كالتوفيق منه وطلب الهداية والسير بالإقتداء بسيّد الرسل صلى الله عليه وسلّم فإنّ الدين كلّه لله تعالى يجتبي إليه من يشاء والعبد لا يستطيع أن يعبد الله إلا بإذنه سبحانه فمتى أراد الله هداية عبدا من العباد أوقع بقلبه مقتضياتها من الدوافع وهو المعبّر عنه بمدد التوفيق للطاعة والسير على منهاج أهل الله تعالى لذا قال تعالى ( إهدنا الصراط المستقيم ) وهذا معنى الهداية حقيقة ألا وهي الهداية إلى الطريق المستقيم أي بلا إعوجاج فيه والهداية إلى الطريق المستقيم هي في الحقيقة الإهتداء إلى ذلك الطريق المستقيم.
فالإهتداء إلى الطريق شيء والسير فيه شيء آخر لذا عطف بقوله سبحانه ( صراط الذين أنعمت عليهم ) فدلّك على مكان ذلك الطريق المستقيم لتسير فيه فنسب الصراط للذين أنعم عليهم رغم أنّه صراطه هو سبحانه وطريقه . فعلامة إهتدائك إلى صراطه المستقيم هو ملاقاتك وإجتماعه بأهله وهم الذين أنعم عليهم في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وهذا هو سند الصراط المستقيم وهذه هي السلسلة التي لا إنقطاع فيها ( كلّ نسب منقطع إلا نسبي ) كما قال عليه الصلاة والسلام لأنّه شيخ الوجود وكوكب السعود صلى الله عليه وسلّم , فهو صلى الله عليه وسلّم عنوان الطريق بمعنى أنّ الهداية إلى الصراط المستقيم يمرّ عبر مراحل :
أوّلها : الإهتداء إلى دين الإسلام
وثانيها : الإهتداء إلى مقامات الإيمان
وثالثها : الإهتداء إلى مراتب الإحسان
فهذا هو الصراط المستقيم , لأنّ الصراط متى كان مستقيما لا إعوجاج فيه لم ينقطع السير فيه فمتى كان الإهتداء إلى الإسلام حقيقيّا أفضى منه إلى الإيمان الحقيقي ومتى كان الإيمان حقيقيا أفضى به إلى الإحسان ومتى كان الإحسان حقيقيّا أفضى به إلى الزيادة بلا نهاية ( وقل ربّ زدني علما ) إلى أبد الآباد لأنّ الصراط مستقيما لا إعوجاج فيه.
فالهداية تتجدّد سيدي بعد كلّ مقام لأنّك لا تدري طريق المقام الذي بعده لذا فلا بدّ من طلب الهداية إليه وهذا معنى ( تجديد الإيمان المذكور في الحديث ) وأن الإيمان يخلق كما يخلق الثوب لذا فإنّ سؤال الهداية لا ينفكّ عنك في كلّ حال ومقام قال موسى ( كلاّ إنّ معي ربّي سيهدين ) فطلب الهداية في تلك الحال وهذا معنى السير بالله والبقاء به.
قال تعالى ( إيّاك نعبد ) قال العلماء هذا شريعة وقال تعالى ( وإيّاك نستعين ) قال العلماء هذه حقيقة أي إنّك لا تحسن أن تعبده إلا عندما يهديك إلى الصراط المستقيم وهذه شريعة ولا تحسن أن تدخل إلى فهم الحقيقة إلا عندما يهديك إلى صراط الذين أنعم عليهم ( فإيّاك نعبد ) متعلّقها آية ( إهدنا الصراط المستقيم ) فلا إستقامة للعبادة إلا بها , أمّا و (إيّاك نستعين ) فمتعلّقها آية ( صراط الذين أنعمت عليهم ) فهذه الهداية التامة هي التي تنجيك من أمرين الذين ذكرهما في آخر الآيات وهو قوله ( غير المغضوب عليهم ) أي الذين عبدوه من غير أن يهتدوا إلى صراطه المستقيم , وقوله ( ولا الضالّين ) وهم الذين لم يهتدوا إلى صراط الذين أنعم عليهم .
فأهل الغضب عبدوه للأغراض فإشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فكانت عبادتهم معلولة وهذا واقع في اليهود وفي هذه الأمّة أيضا كالفرق الضالّة كالخوارج كلاب أهل النار وغيرهم من الطوائف المنحرفة , أمّا أهل الضلال الذين زاغوا عن توحيده ووقعوا في الشرك والزندقة كالنصارى وكذلك بعض طوائف هذه الأمّة من الذين قالوا بالحلول والإتّحاد وإعتقدوه , فكان الغضب الإلهي سببه إنعدام العبادة وهي الأوامر والنواهي والإقتداء بالشريعة في أصولها وفروعها لأنّه الحجّة البالغة أمّا الضلال فسببه الزندقة لعدم الإهتداء إلى الإقتداء بأصحاب الصراط المستقيم ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ).
فهذه الهداية هي تنير درب المؤمن من حيث إيمانه والمحسن من حيث إحسانه فمن فقدها فإمّا أن يكون من المغضوب عليهم أو من الضالين وليس هناك مرتبة أخرى ليكون فيها.
فتتجدّد الهداية فيكون أوّلها خاطر يخطر بالنسبة لأهل الشريعة أمّا ما يقابله عند أهل الحقيقة فهي لوامع من النور تلمع , ثمّ يكون إرادة وما يقابلها عند السالكين تجرّد القلب ثمّ يكون حزم وهي مجاهدة ثمّ نيّة وعند القوم هي المعاينة.
فإنّ الشريعة باب الحقيقة والإسم لا يدلّ إلا على المسمّى وما في الظاهر مصدره الباطن فهو بابه.
وبما تقدّم يفهم كيف تكون العبادة لله تعالى.
فالشريعة تعطي العبادة بالرغبة في الثواب والرهبة من العقاب , والحقيقة تعطي العبادة بالرغبة في النظر والمعاينة ( أعبد الله كأنّك تراه ) والرهبة من الحجاب , فالشريعة والحقيقة متّصلتان لا تنفصلان ولا ينفصل هذا عن هذا البتّة , فإنّ الثواب والجنّة من أنوار الصفات , والمعاينة والمشاهدة من أنوار الذات , والصفات لا تنفصل عن الذات , فعلى قدر المشاهدة يكون الثواب وعلى قدر الحجاب يكون العقاب لذا ما وقف القوم مع الآثار ولا مع عالم الأنوار وإنّما أغرقوا في عوالم الأسرار , فالواقف محجوب والقانع من فضل الله مطرود ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) لأن الغنى لله تعالى والفقر صفة العبد فهذا مشهد العارف ولو أعطي مقام القطبانية في التصريف لأنّ مقام الحقيقة يستوجب هذا ومن أساء الأدب في حضرة الحقائق طرد وسلب كما وقع لإبليس لعنه الله تعالى.
فلا بدّ من عبادة الله تعالى شريعة وحقيقة أي رغبة ورهبة فهما لا ينفصلان , والخوف والرجاء لا ينقطعان وقد أوضح هذا القرآن في قوله فيما يخصّ الرجاء ( قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ).
وفيما يخصّ الخوف قال تعالى ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ).
فمن عبده لمجرّد الرغبة بنوعيها فمصيره أمن مكر الله , ومن عبده رهبة بنوعيها مجرّدة عن الرغبة فمصيره القنوط من رحمة الله.
فلا نقول أيّهما أفضل فهما متلازمان لأنّ العبد بين صفات الجمال وصفات الجلال , وبين صفات الفضل وصفات العدل فكلّ صفة تراقبه وترصده ( وما يعلم جنود ربّك إلا هو ).
نعم قد يغلب رجاء العبد خوفه أو قد يغلب خوفه رجاءه لكنّها حالة تلوين في السلوك أمّا التمكين الذي هو الأدب الحقيقي مع الله تعالى فتستوي فيه المقامات فلا يغلب خوفه رجاءه ولا رجاءه خوفه يراقب الله في الأنفاس و يزن الخواطر بالقسطاس.
لذا جعلك بين شريعة وحقيقة ( بينهما برزخ لا يبغيان ) فلا تتعارض شريعة مع حقيقة ولا حقيقة مع شريعة , والبغي هو الظلم والإعتداء بل على المريد أن تكون الشريعة المحمدية في ظاهره والحقيقة الإلهية في باطنه , فهو البرزخ الذي يمنع البحرين من أن يبغيان على بعضهما فكن برزخا لتزن بالقسطاس المستقيم ( وزنوا بالقسطاس المستقيم ).
قال تعالى : ( والسماء رفعها و وضع الميزان أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) فهذا هو الكمال وهذا مقام الوارث المحمّدي الحقيقي الذي هو نائب عن الله تعالى ورسوله في بلاده وعباده وهو الذي تشدّ إليه الرحال لطلب لذّات الوصال وهوالإمام والقدوة والعارف والعالم.
رضي الله عن جميع ساداتنا
هذا سيدي فارس النور وجازاك الله عنّا وعنك وعن كلّ من أفادته أسئلتك شيئا خيرا وجعل كلّ هذا وغيره كثير في ميزان حسناتك.
وأسأل الله العظيم خاشعا أن أكون قد وفّيت في الإجابة وأن يجعل ما كتبته خالصا لوجهه الكريم بجاه حرمة سيدي المرسلين وأسأل الله أن ينفع بما كتبته كلّ من وقف عليه وأن يغفر لي ما وقع مني فيه من الغلط وسوء الفهم.
آمين يا ربّ العالمين.
والسلام .
السؤال الحادي عشر :
من المعلوم سيدي ان هناك بواعث ودواعي تدفع الانسان نحو طريق الله , فاما الدواعي فهي :
الخاطر ثم الارادة ثم العزم ثم الهمة ثم النية.
واما البواعث فهي : رغبة أو رهبه أو تعظيم والسؤال هو :
ايهما أعظم واحب لله مريد يطلبه لرغبة أم مريد يطلبه لرهبة ؟
علما بان الرغبة هي الرغبة فيما عنده ورغبة في المعاينة والرهبة هي الرهبة من العذاب ورهبة من الحجاب .
فالجواب والله ورسوله أعلم :
سيدي الفاضل حباك الله بنوره :
المعلوم من الشريعة التي هي عنوان الطريقة وطرائق الحقيقة أن الدواعي والبواعث التي ذكرتها فما هي إلا إجتباء وعناية من الله تعالى وهي المنعوتة في الذكر الحكيم ( بالهداية ) فكلّ من هداه الله تعالى إلى طريقه المستقيم وسبيله القويم أوقع في قلبه محبّة الطاعة وبغض المعصية وهذه لا تتحقّق إلا بالتوجيه الإلهي كالتوفيق منه وطلب الهداية والسير بالإقتداء بسيّد الرسل صلى الله عليه وسلّم فإنّ الدين كلّه لله تعالى يجتبي إليه من يشاء والعبد لا يستطيع أن يعبد الله إلا بإذنه سبحانه فمتى أراد الله هداية عبدا من العباد أوقع بقلبه مقتضياتها من الدوافع وهو المعبّر عنه بمدد التوفيق للطاعة والسير على منهاج أهل الله تعالى لذا قال تعالى ( إهدنا الصراط المستقيم ) وهذا معنى الهداية حقيقة ألا وهي الهداية إلى الطريق المستقيم أي بلا إعوجاج فيه والهداية إلى الطريق المستقيم هي في الحقيقة الإهتداء إلى ذلك الطريق المستقيم.
فالإهتداء إلى الطريق شيء والسير فيه شيء آخر لذا عطف بقوله سبحانه ( صراط الذين أنعمت عليهم ) فدلّك على مكان ذلك الطريق المستقيم لتسير فيه فنسب الصراط للذين أنعم عليهم رغم أنّه صراطه هو سبحانه وطريقه . فعلامة إهتدائك إلى صراطه المستقيم هو ملاقاتك وإجتماعه بأهله وهم الذين أنعم عليهم في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وهذا هو سند الصراط المستقيم وهذه هي السلسلة التي لا إنقطاع فيها ( كلّ نسب منقطع إلا نسبي ) كما قال عليه الصلاة والسلام لأنّه شيخ الوجود وكوكب السعود صلى الله عليه وسلّم , فهو صلى الله عليه وسلّم عنوان الطريق بمعنى أنّ الهداية إلى الصراط المستقيم يمرّ عبر مراحل :
أوّلها : الإهتداء إلى دين الإسلام
وثانيها : الإهتداء إلى مقامات الإيمان
وثالثها : الإهتداء إلى مراتب الإحسان
فهذا هو الصراط المستقيم , لأنّ الصراط متى كان مستقيما لا إعوجاج فيه لم ينقطع السير فيه فمتى كان الإهتداء إلى الإسلام حقيقيّا أفضى منه إلى الإيمان الحقيقي ومتى كان الإيمان حقيقيا أفضى به إلى الإحسان ومتى كان الإحسان حقيقيّا أفضى به إلى الزيادة بلا نهاية ( وقل ربّ زدني علما ) إلى أبد الآباد لأنّ الصراط مستقيما لا إعوجاج فيه.
فالهداية تتجدّد سيدي بعد كلّ مقام لأنّك لا تدري طريق المقام الذي بعده لذا فلا بدّ من طلب الهداية إليه وهذا معنى ( تجديد الإيمان المذكور في الحديث ) وأن الإيمان يخلق كما يخلق الثوب لذا فإنّ سؤال الهداية لا ينفكّ عنك في كلّ حال ومقام قال موسى ( كلاّ إنّ معي ربّي سيهدين ) فطلب الهداية في تلك الحال وهذا معنى السير بالله والبقاء به.
قال تعالى ( إيّاك نعبد ) قال العلماء هذا شريعة وقال تعالى ( وإيّاك نستعين ) قال العلماء هذه حقيقة أي إنّك لا تحسن أن تعبده إلا عندما يهديك إلى الصراط المستقيم وهذه شريعة ولا تحسن أن تدخل إلى فهم الحقيقة إلا عندما يهديك إلى صراط الذين أنعم عليهم ( فإيّاك نعبد ) متعلّقها آية ( إهدنا الصراط المستقيم ) فلا إستقامة للعبادة إلا بها , أمّا و (إيّاك نستعين ) فمتعلّقها آية ( صراط الذين أنعمت عليهم ) فهذه الهداية التامة هي التي تنجيك من أمرين الذين ذكرهما في آخر الآيات وهو قوله ( غير المغضوب عليهم ) أي الذين عبدوه من غير أن يهتدوا إلى صراطه المستقيم , وقوله ( ولا الضالّين ) وهم الذين لم يهتدوا إلى صراط الذين أنعم عليهم .
فأهل الغضب عبدوه للأغراض فإشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فكانت عبادتهم معلولة وهذا واقع في اليهود وفي هذه الأمّة أيضا كالفرق الضالّة كالخوارج كلاب أهل النار وغيرهم من الطوائف المنحرفة , أمّا أهل الضلال الذين زاغوا عن توحيده ووقعوا في الشرك والزندقة كالنصارى وكذلك بعض طوائف هذه الأمّة من الذين قالوا بالحلول والإتّحاد وإعتقدوه , فكان الغضب الإلهي سببه إنعدام العبادة وهي الأوامر والنواهي والإقتداء بالشريعة في أصولها وفروعها لأنّه الحجّة البالغة أمّا الضلال فسببه الزندقة لعدم الإهتداء إلى الإقتداء بأصحاب الصراط المستقيم ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ).
فهذه الهداية هي تنير درب المؤمن من حيث إيمانه والمحسن من حيث إحسانه فمن فقدها فإمّا أن يكون من المغضوب عليهم أو من الضالين وليس هناك مرتبة أخرى ليكون فيها.
فتتجدّد الهداية فيكون أوّلها خاطر يخطر بالنسبة لأهل الشريعة أمّا ما يقابله عند أهل الحقيقة فهي لوامع من النور تلمع , ثمّ يكون إرادة وما يقابلها عند السالكين تجرّد القلب ثمّ يكون حزم وهي مجاهدة ثمّ نيّة وعند القوم هي المعاينة.
فإنّ الشريعة باب الحقيقة والإسم لا يدلّ إلا على المسمّى وما في الظاهر مصدره الباطن فهو بابه.
وبما تقدّم يفهم كيف تكون العبادة لله تعالى.
فالشريعة تعطي العبادة بالرغبة في الثواب والرهبة من العقاب , والحقيقة تعطي العبادة بالرغبة في النظر والمعاينة ( أعبد الله كأنّك تراه ) والرهبة من الحجاب , فالشريعة والحقيقة متّصلتان لا تنفصلان ولا ينفصل هذا عن هذا البتّة , فإنّ الثواب والجنّة من أنوار الصفات , والمعاينة والمشاهدة من أنوار الذات , والصفات لا تنفصل عن الذات , فعلى قدر المشاهدة يكون الثواب وعلى قدر الحجاب يكون العقاب لذا ما وقف القوم مع الآثار ولا مع عالم الأنوار وإنّما أغرقوا في عوالم الأسرار , فالواقف محجوب والقانع من فضل الله مطرود ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) لأن الغنى لله تعالى والفقر صفة العبد فهذا مشهد العارف ولو أعطي مقام القطبانية في التصريف لأنّ مقام الحقيقة يستوجب هذا ومن أساء الأدب في حضرة الحقائق طرد وسلب كما وقع لإبليس لعنه الله تعالى.
فلا بدّ من عبادة الله تعالى شريعة وحقيقة أي رغبة ورهبة فهما لا ينفصلان , والخوف والرجاء لا ينقطعان وقد أوضح هذا القرآن في قوله فيما يخصّ الرجاء ( قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ).
وفيما يخصّ الخوف قال تعالى ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ).
فمن عبده لمجرّد الرغبة بنوعيها فمصيره أمن مكر الله , ومن عبده رهبة بنوعيها مجرّدة عن الرغبة فمصيره القنوط من رحمة الله.
فلا نقول أيّهما أفضل فهما متلازمان لأنّ العبد بين صفات الجمال وصفات الجلال , وبين صفات الفضل وصفات العدل فكلّ صفة تراقبه وترصده ( وما يعلم جنود ربّك إلا هو ).
نعم قد يغلب رجاء العبد خوفه أو قد يغلب خوفه رجاءه لكنّها حالة تلوين في السلوك أمّا التمكين الذي هو الأدب الحقيقي مع الله تعالى فتستوي فيه المقامات فلا يغلب خوفه رجاءه ولا رجاءه خوفه يراقب الله في الأنفاس و يزن الخواطر بالقسطاس.
لذا جعلك بين شريعة وحقيقة ( بينهما برزخ لا يبغيان ) فلا تتعارض شريعة مع حقيقة ولا حقيقة مع شريعة , والبغي هو الظلم والإعتداء بل على المريد أن تكون الشريعة المحمدية في ظاهره والحقيقة الإلهية في باطنه , فهو البرزخ الذي يمنع البحرين من أن يبغيان على بعضهما فكن برزخا لتزن بالقسطاس المستقيم ( وزنوا بالقسطاس المستقيم ).
قال تعالى : ( والسماء رفعها و وضع الميزان أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) فهذا هو الكمال وهذا مقام الوارث المحمّدي الحقيقي الذي هو نائب عن الله تعالى ورسوله في بلاده وعباده وهو الذي تشدّ إليه الرحال لطلب لذّات الوصال وهوالإمام والقدوة والعارف والعالم.
رضي الله عن جميع ساداتنا
هذا سيدي فارس النور وجازاك الله عنّا وعنك وعن كلّ من أفادته أسئلتك شيئا خيرا وجعل كلّ هذا وغيره كثير في ميزان حسناتك.
وأسأل الله العظيم خاشعا أن أكون قد وفّيت في الإجابة وأن يجعل ما كتبته خالصا لوجهه الكريم بجاه حرمة سيدي المرسلين وأسأل الله أن ينفع بما كتبته كلّ من وقف عليه وأن يغفر لي ما وقع مني فيه من الغلط وسوء الفهم.
آمين يا ربّ العالمين.
والسلام .
0 التعليقات:
إرسال تعليق