إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الأحد، 3 نوفمبر 2013

الآداب الزكية من الحضرة العيسوية 1

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وآله أجمعين

استرواح في بعض من آداب سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام في مخاطبته الله تعالى في القرآن الكريم.

قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ ).

الأدب الأوّل : قوله ( قَالَ سُبْحَانَكَ ... ).

فسبّح والتسبيح هو الإعتراف بعظمة الله تعالى وبوحدانيته وبجميع أسمائه وصفاته كما قالت الملائكة لمّا سألها الله تعالى عن علوم الأسماء ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا ) والتسبيح هنا اعتراف بنقص المعلومات أي سبحانك يا رب ومن يستطيع منا أن يعلم ما طلبته فهو من علمك المخزون الذي تطلع عليه من تشاء من عبادك بالقدر الذي تشاء في الزمن الذي تشاء ...( لا علم لنا الا ما علتنا ).

قال عيسى عليه السلام : ( قَالَ سُبْحَانَكَ ).

أي سبحانك فإنّ عظمة ذاتك وأحكام جمالك وجلالك وجميع مقتضيات كمالك في جميع أسمائك وصفاتك لا يجوز مزاحمتها بحال إذ لا يعقل أن يزاحم المخلوق الخالق في ألوهيته وصفات كماله ...

الأدب الثاني : قوله : ( مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ).

فما قال مثلا ( ما قلت لهم ذلك ) بل قال ( مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) أي ليس لي حقّ بأيّ وجه من الوجوه أن أقول ذلك فما دافع عن نفسه بل اتهمها سريعا فقال ( ما يكون لي أن أقول ) فما نازع قول الله تعالى بالردّ حين السؤال كما حدث لإبليس لعنه الله تعالى فإنّ الله تعالى لمّا قال له ( ما منعك أن تسجد ) ما سلّم العلم لله تعالى كأن يقول له مثلا يا رب غلبت عليّ نفسي وأنت أعلم بها مني .. إلخ ... بل قال معاندا قولته فكأنّه ظنّ أنّ الله تعالى لا يعلم منه سبب إبايته السجود لآدم لذا أجاب عن السؤال بخواطر نفسه فقال ( أنا خير منه ) فانظر سوء الأدب الصريح بالجهل الصريح ...

فلو قال عيسى عليه السلام ( لا لم أقل لهم ذلك ) ففيه نسبة الجهل إلى الله تعالى ( تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ) لأنّ الجواب بذلك الجواب فيه سوء أدب لفظي مع الله تعالى لذا قال تعالى من حيث حقيقة أدب الألفاظ ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) فذكر هنا اللفظ من القول أو الكلام فما قال ( ما يقول من قول أو ما يتكلم به من كلام ) لأنّ اللفظ أخصّ من القول ومن الكلام لأنّه تسري فيه حالة الباطن ويتكون من ثلاث حالات إمّا إسم أو فعل أو حرف إمّا مهمل وإمّا مستعمل فاللفظ يشمل جميع مفردات الكلام وجميع مفردات الأقوال ...

لذا ورد أن حصائد الألسنة تلقي بصاحبها في النار كما ورد في الحديث وأيضا قوله صلى الله عليه وسلّم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) وقد ورد الكثير في هذا المجال من التحذير الشديد وفي حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه وحواره مع رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلّم خير مثال ..

فإذا علمت أنّ الله تعالى يعلم السرّ وأخفى ويعلم كلّ شيء ( وهو بكل شيء عليم ) عليك أن تفهم أنّ سؤاله لعيسى ليس مراده منه الجواب لذات السؤال فإنّ الجواب يعلمه الله تعالى الذي خلق عيسى عليه السلام وأعماله فأجاب عيسى هنا بجواب العبودية التي كلها علم وأدب مع ذوق رفيع مع محبة غير خافية ...

فقال ( مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ).

أي الربوبية والألوهية لا حقّ لي فيهما بوجه فلا يجب أن أقول ما ليس لي بحقّ فلو قلت ذلك وهو ما ليس لي بحقّ أكون تعديت على مقام الألوهية والربوبية فأكون من الخاسرين فكيف يكون ذلك وأنا قلت لهم ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) فذكر هنا عبوديته قبل خصوصيته كما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام ( إنّما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله ) فذكر عبوديته قبل ذكر خصوصيته التي هي وظيفته ..

وإنّما كان هنا مطلب السؤال عن القول فقط ( أأنت قلت للناس ) وليس عن إعتقاد ذلك أو الإيمان به وأنّه وأمّه كانوا إلهين من دون الله تعالى بل فقط مجرّد القول أي القول وهو الأمر بتوجيه الناس إليه ... رغم كون القول قد يشمل الاعتقاد فهو أعمّ ومن هنا لا ينفصل الظاهر عن الباطن إلا عند التخصيص أو الرخصة كالذي كفر وقلبه مطمئنّ بالإيمان ...

الأدب الثالث : قوله أيضا في نفس الكلام ( مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ).

السؤال توجّه إليه بذكره هو مع ذكر أمّه ( أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ ) فما قال مثلا ( ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ وليس بحق لأمّي ) فما ذكر أمّه لأنّ الخطاب لم يشمل أمّه معه إلاّ من حيث نسبتها منه وأنّه ولدها لذا قال له ( أأنت قلت ) فما قال ( أأنتما قلتما أو أأنت قلت وأمّك ... إلخ ) فلم يشمل الخطاب مريم عليها السلام فانظر فهم سيدنا عيسى عن الله تعالى وكثرة أدبه مع الله تعالى ثمّ مع أمّه فقد أبرّها في معرض السؤال فلم يذكرها معه كي يبرئ نفسه كأن يلقي عليها التهمة فيدخلها معه في معرض دفاعه عن نفسه بالتلبيس والتضليل وهذا من مرض النفوس حاشاه وحاشاها لقوله عليه السلام ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) فمن البرور أن لا يدعي كونه وأمّه معه إلهين من دون الله تعالى ...

الأدب الرابع : قوله ( إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ).

فما قال : ( لم أقل أو لا ما قلت ) بل قال ( إن كنت قلته فقد علمته ) لأنّ الله تعالى لا يخفى عليه شيء فلو قال ( ما قلت لهم ) ففيه نسبة قصور المعلومات عن الله تعالى فكأنّ الله تعالى لا يعلم ذلك لذا قال ( إن كنت قلته ) أي إن صدر مني هذا القول سواء علمتُ ذلك أو لم أعلمه من نفسي في حديثها الباطني ( فقد علمتَه ) أي أنّك علمته أنت يا ربي ولو لم أعلمه من نفسي ... لأنّه لو قال ( لا أنا ما قلت لهم ) ففيه من أمراض النفس وعدم الإطلاع على غوائلها ما يمزج البحار فسادا وجهلا .


لأنّ العبد وهو في مقام عبوديته يكون في محل مراقبة نفسه واتهامها دائما أبدا فلا تسير العبودية بغير هذا ( لو لا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين ) فلا يعلم كلّ ما في باطن نفسه من شرور وخواطر كما لم يعلم إبليس لعنه الله تعالى ما كمن فيه من حقد وحسد وكبر عظيم ودعوى طاغوتية رغم كونه مكث في الطاعة والذكر آلافا من السنين حتى كان له في كل سماء إسما من أسماء العبودية وأنّ الخطاب توجّه إليه بالسجود وهو في الصورة الملكية النورانية ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) فشمله الخطاب معهم لأنّه كان على وصف النورانية قبل السقوط والسلب لعدم وجود العصمة كالملائكة لهذا كان في عالم الملكوت وكان في الجنة مع آدم رغم طرده من الحضرة ...

فالعارف لا يأمن مكر نفسه به أبدا أبدا مهما نال من مقامات ولو صار قطب أقطاب زمانه.


كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم يستفتح خطبه بقوله ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ) فذكر شرّ النفس الذي هو أعظم خطر على العبد لذا قال عليه الصلاة والسلام ( اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقلّ من ذلك ) فانظر معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم بشرور النفس رغم وجود عصمته صلى الله عليه وسلّم وكماله الإنساني وإنّما قال ذلك من منطلق عبوديته فالعبودية لها مستلزمات ومن مستلزماتها مراقبة النفس كيفما كان المقام وكيفما كانت الحال لأنّ مقام المراقبة الذي هو مقام التقوى مراتب فليس مرتبة العامي كمرتية الولي ولا مرتبة الولي كمرتبة النبي وليس مرتبة كل نبي كمرتبه هو صلى الله عليه وسلّم الذي يقول الله تعالى له ( يا أيها النبي أتق الله ... ) فافهم حفظك الله تعالى ...

لأنّه لو قال عليه السلام ( لا ما قلت لهم ) ففيه دعوى أنّه علم كلّ ما في نفسه سابقا وحاضرا ولاحقا .. فإذا علمت أنّك قد تكون لا تعلم من نفسك ما يصير منها لاحقا كما لم يعلم إبليس ذلك فنسب الإغواء لله تعالى ( فبما أغويتني ) فما قال فبما أغوتني نفسي ... لأنّه لا يعترف بما لم يعلمه من سوء مما في نفسه مما لم يأت وقت ظهوره لذا قيل في الأعمال أنّها بالخواتيم فيدخل هنا علم السابقة وكذلك علوم العدل ... فلا نقول إلاّ كما قال عليه الصلاة والسلام ( اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ).

فقال عيسى عليه السلام ( إن كنت قلته فقد علمته ) أي إن كنت قلته سابقا أو حاضرا أو مستقبلا ممّا هو في باطن نفسي ولم أسمعه منها فقد علمته أنت يا ربّي منّي ...

الأدب الخامس : قوله ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ).

أي إنّما قال ( إن كنت قلته فقد علمته ) لأنّ الله تعالى عالم بخبايا النفوس جميع النفوس ولو كانت النفوس الزكية والنفوس الكاملة لأنّه يعلم السرّ وأخفى سبحانه وهذا مقام يرعب ويخيف العارفين بالله تعالى لذا قال سيدنا آدم عليه السلام ( ربنا ظلمنا أنفسنا ) فما احتج بعلم ولا دلال ولا جمال أي لم يحتجّ بخصوصيته وتفضيله على الملائكة وليس كاليهود والنصارى الذين قالوا ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) ... فحين العبودية لا وجود لاستشعار الخصوصية أصلا فمن يستشعر خصوصيته في حضرة عبوديته زلّ فطرد ولعن كما فعل السامري الذي اتبع نفسه هواها فهي تسوّل له وهو ينفّذ عوض أن يتّهما ويخالفها ...

قال عيسى عليه السلام ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) أي لا أعلم ما في نفسك ممّا كان ويكون وسيكون من أمر نفسي أي يا ربي لا أعلم بما في نفسك تجاهي وهذا علم غريب وهو علم عدم الأمن من مكر الله تعالى أبدا لقوله ( أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) لذا قال عمر رضي الله عنه لو وضعت رجلي اليمنى في الجنة واليسرى خارجها ما آمنت مكر الله تعالى أن لا يدخلني النار رغم أنّه مبشّر بالجنّة ولكنّه يعلم أنّ الله يفعل ما يريد ولا يحتجّ على الله تعالى أحد بالعلم ولا بالوعد ولا الوعيد فالوعد كائن والوعيد كذلك ولكن متى احتججت بهما غلبتك حجة الله تعالى كالذين احتجوا بالمشيئة لأنّه وفوق كل ذي علم عليم ( بل لله الحجّة البالغة ).


 كما احتج نوح عليه السلام من قبل بخصوص ابنه فجاءه العتاب والوعظ والتحذير من الجهل... لذا لم يقف صلى الله عليه وسلّم مع ظاهر الوعد في دعائه يوم بدر إلى أن سقط رداءه فلما جاءه الصديق أشفق على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال له : يا رسول الله أليس الله وعدك بالنصر فإنّ الله منفذ ما وعدك ... قال العلماء : وقف أبو بكر مع ظاهر الوعد بينما تجاوز رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى باطنه .. قال تعالى في قوم غير معصومين ولا محفوظين بل مخالفين لأوامره ( وغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُور. ).

هنا نتوقّف بعد أن ذكرنا بعض آداب سيدنا عيسى عليه السلام الباطنة الكثيرة لأنّ الأدب حال ومن يستطيع من غير الأنبياء أن يفسّر حال أدب الأنبياء مع ربهم وخالقهم بل هي رشحات تظهر عليهم فنأخذ بها قدوة لنا وأسوة حسنة.


وهي آداب تتعلق بالتوحيد والعبودية فهي الأدب الأوّل والأخير فأعطى هنا سيدنا عيسى عليه السلام الحقيقة حقّها أي معرفة ما يجب لله تعالى في كماله وجماله وما يليق به ثمّ معرفة النفس وخطرها وعدم الركون إليها بل مخالفتها وصدها ..

ثمّ نذكر الآن الآداب العيسوية المتعلّقة بالشريعة الظاهرة حتى لا تصبح الحقيقة بلا شريعة فتكون عبادة بلا معاملة أو يكون فناء بلا بقاء أو يكون خوف بلا رجاء وهكذا من المقامات التي هي كجناحي طائر يطير عليهما المؤمن كنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان على جناحي طائرين من الملائكة الكرام عليهم السلام فلا صلاح لحقيقة بلا شريعة ولا شريعة بلا حقيقة والكامل من يجمع بينهما وهو الأصل ..

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È