بسم الله الرحمان الرحيم -
قال تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ).
أنظر كيف أشار لك صريحا إلى حقيقة واضجة وذلك كون وسوسة النفس تزاحم في درجتها الأولى توحيد الله تعالى فكأنه سبحانه يشير في هذه الآية أنّ النفس قد توسوس لصاحبها بما يخلّ بالتوحيد لذا أثبت وبيّن وجوده سبحانه في مرتبة أقرب من نفسك إليك كي يحفظك من خطرات دعوى الألوهية لأنّ مشهد القوّة والعزّة الذي يشهده الإنسان وهو في أوج سطوته وجبروته سواء في الظاهر بذكر ( الأنا )كما حصل لفرعون القائل ( أنا ربكم الأعلى ) أو النمرود القائل ( أنا أحيي وأميت ) أو في الباطن كإبليس لعنه الله تعالى القائل ( أنا خير منه ) قال تعالى ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ).
لهذا ترى مظاهر طغيان جبابرة الظاهر كفرعون والنمرود ومن سار على خطاهم من قبلهم ومن بعدهم كهتلر وموسليني ومن سار في ركبهم من حكام المسلمين كالقذافي القائل ( معمر شيء مقدس معمر هو المجد ....) أو جبابرة غيرهم كقولهم ( لا إله إلا فلان أو علاّن ) فهذا طغيان وهو أعلى من الكفر لذا قال تعالى لسيدنا موسى عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) فالمراد والمقصود طغيان فرعون لا مجرد كفره لأن مجرد الكفر لا يستوجب مقاتلة صاحبه وإنّما تتحتّم المقاتلة عندما يستأثر الطاغية بحمل الناس على الكفر بالله تعالى والإيمان به كما قال تعالى في قصة فرعون ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ).
لذا قال تعالى في الوالدين ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) رغم أنّ طاعتهما واجبة بالنصّ الشرعي لذا ورد لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لأنّ الذي يأمرك بشرك أو كفر أو يعينك على معصية أو يزيّنها لك هو شيطان من الإنس في حقيقته لذا قرن الإمام البوصيري رضي الله عنه بين النفس والشيطان في قصيدته البردة في قوله ( وخالف النفس والشيطان واعصهما --- وإن هما محّضاك النصح فاتهم ).
لأنّ الشيطان لا يدخل عليك إلاّ من باب نفسك الأمارة بالسوء فمتى جاهدت نفسك ولم تتبع هواها فقد فرّقت فيما بينها وبين الشيطان قرينها وتسلحت بعداوتها له كما قال تعالى ( إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) فحينما تتخذ نفسك الشيطان عدوّا فلا يمكنه بعد ذلك الدخول عليها من بابها فيكون الفراق فيما بينهما لكن غايته كونه يبقى مترصدا غفلتك عن نفسك كما قال تعالى ( وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) وقال تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ).
لذا قيل في طريق السلوك والمعرفة ( من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان ) كقول الشيخ عبد الواحد ابن عاشر رضي الله عنه في متنه المرشد المعين ( يتبع شيخا عارف المسالك --- ليقيه في طريقه المهالك ) أي مهالك النفس والشيطان لأنّ الشيطان متى انفرد بالنفس افترسها لهذا حفظ ساداتنا طريق الله تعالى بالأذون فقالوا المأذون مأمون أي مأمون من تسلط النفس والشيطان أما غير المأذون فلا أمن ولا أمان له كالسامري لما قال له موسى عليه السلام ( قال فما خطبك يا سامري ) أي ما الذي حملك على فعل ما فعلته ومن آذنك في ذلك العمل.
لذا قال تعالى من حيث الإذن للصحابة الكرام رضوان الله عليهم من حيث الإذن العام قوله تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ومن حيث الإذن الخاص قال تعالى ( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).
فكان هناك الإذن العام وهو الإذن النبوي العام في عالم التشريع من حيث الرسالة والأحكام في ركن الإسلام والإيمان أمّا في ركن الإحسان فتعين الإذن الخاص زيادة على الإذن العام لأنّ الشيطان توعّد بالقعود في صراط الله المستقيم الذي هو طريق السالكين الى حقيقة العبودية التي تثمر معرفة الله تعالى لهذا جرى سند التربية والإشراف المباشر من قبل الأولياء المرشدين على تربية المريدين والتلاميذ لأنّهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا المجال كما قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ).
فهو صلى الله عليه وسلّم يدعو الى الله على بصيرة هو ومن اتبعه من أهل المحبّة ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) إشارة الى أنّ أهل الاتباع علامتهم المحبة التي تفضي الى التوحيد الحق والإيمان الصدق لذا قال مشيرا إليك كي تفهم عنه ( وسبحان الله وما أنا من المشركين ) أي لا أدلّك على غيره سبحانه فلا أشرك به غيره ولا أشرك نفسي به معه في دلالتك عليه لأنّ طغيان أهل الباطن كإبليس لعنه الله تعالى قد يفوق طغيان أهل الظاهر كفرعون لهذا مات فرعون وهلك بينما سأل إبليس لعنه الله تعالى في قوله ( أنظرني إلى يوم يبعثون ) وكالسامري في طغيانه أمّا الدجال في آخر الزمان فسيجسد الإله في شخصه وهذا نهاية الطغيان.
لهذا لم تكن فتنة أعظم عبر التاريخ الإنساني من فتنته فما من نبي إلا وحذّر أمته من الدجال الأعور الذي قال كثير من العلماء كونه السامري وهذا القول أميل إليه العبد الفقير وأرجّحه والله تعالى أعلم بغيبه لأننا سنفصّل في هذا المكتوب إن شاء الله تعالى أحوال نفس الدجال وتسويلاتها وتلبيساتها لأنها تلبيسات نفس تحت ذريعة الكشف وهذا خطير ومن هنا صحّ تبيين مقامات الكشف الصحيح ودرجاته ومنزلته من العلم الإلهي ولو كان كشفا نبويا ثمّ ذكر الفرق بين كشف أهل النور كالملائكة وبين كشف أهل السرّ كالأنبياء والمرسلين عليهم السلام وذكر الفروق بين كشوفات الأولياء ثم الختام بقول الله تعالى على مجمل الإطلاق ( لا يعلم الغيب إلا الله ) لذا قال عليه الصلاة والسلام ( والله ما أعلم إلاّ ما علمني ربي ) كما قالت الملائكة ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ).
فإذا علمت هذا وتدبرته تدرك لا محالة خطر النفس البشرية في مختلف عقباتها ومن هنا علّمنا الله تعالى ودلّنا كما بيّن لنا معرفة سبل مجاهدة هذه النفس في مراتبها وسياستها بغاية ارجاعها إلى طريق الله المستقيم لأنها السبب الأوّل في خروج آدم من الجنّة بعد أن استمعت نفسه الى نصح إبليس لعنه الله تعالى بالأكل من الشجرة فدب فيها حال الحرص على الخلود في الجنّة لهذا بعث رسله وأنبيائه ثمّ أردفهم بأحبابه من أوليائه كما ورد في الحديث ( العلماء ورثة الأنبياء ... الحديث ) وكما قيل ( الشيخ بين مريديه كالنبي في قومه ) فجاؤوا بالهدى من عند الله تعالى وتلوه على الناس كما قال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ) فهذا الحقّ جاء لتزكية الأنفس والعروج بها الى معرفة الله تعالى قال تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ).
فعلم تزكية النفوس هو أوّل علم وآخر علم قُصد من طريق التصوّف لذاته فعلامة الصوفي وبرهانه الساطع هو العمل على تزكية نفسه والظفر بها فجميع الثمار التي يجنيها المريد في طريق تطهير إيمانه المعبّر عنه بعلم السلوك كالأنوار والمعارف والعلوم والمقامات إنما هي نتائج التزكية وتطهير النفس فكلما جاهدت نفسك في مقام انتقلت الى مقام أعلى وأرقى ( وأن الى ربّك المنتهى ) قال تعالى ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) فلم يبق لها تطلّعا إلى غيره سبحانه.
فهي في رجوع دائم كلّما زلّت أو أخطأت كما قال سيدنا آدم من قبل ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وكما قال يونس عليه السلام من قبل ( فنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فهذا حال الأنفس الشريفة فما بالك بالأنفس الخسيسة التي تتكبر على خلق الله تعالى وتصول وتجول بإسم الدين بل يا عجبي كيف يدعو أناس الخلق ويدلونه على الله تعالى ولا خبر لهم عن نفوسهم التي لم يزكوها ولا طرفة عين ...
نبدأ إن شاء الله تعالى بعد هذا في ذكر متفرقات من أمراض النفوس وحضراتها التي تنشأ منها في كلّ مقام الى أن نصل إلى مقامات السالكين الذين عبدوا الله تعالى وتوجهوا إليهم مريدين تحقيق أغراضهم النفسية وميولاتهم الخفية أو الذين مكثوا في علل الأعمال وعلل الأحوال وعلل المقامات فركنوا الى المطالب الدنية والهمم السفلية ... أو تقول جهل ركن الإسلام وجهل ركن الإيمان وجهل ركن الإحسان فأنت في علاقتك مع شيخك أيها المريد على ثلاثة طرق وأوجه علاقة في مرتبة الإسلام تستوجب الخدمة ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) وعلاقة في مرتبة الإيمان ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ) تستوجب المحبة وعلاقة في مرتبة الإحسان تستوجب الطاعة ( أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ).
قال تعالى ( ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )
يتبع إن شاء الله تعالى ...
قال تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ).
أنظر كيف أشار لك صريحا إلى حقيقة واضجة وذلك كون وسوسة النفس تزاحم في درجتها الأولى توحيد الله تعالى فكأنه سبحانه يشير في هذه الآية أنّ النفس قد توسوس لصاحبها بما يخلّ بالتوحيد لذا أثبت وبيّن وجوده سبحانه في مرتبة أقرب من نفسك إليك كي يحفظك من خطرات دعوى الألوهية لأنّ مشهد القوّة والعزّة الذي يشهده الإنسان وهو في أوج سطوته وجبروته سواء في الظاهر بذكر ( الأنا )كما حصل لفرعون القائل ( أنا ربكم الأعلى ) أو النمرود القائل ( أنا أحيي وأميت ) أو في الباطن كإبليس لعنه الله تعالى القائل ( أنا خير منه ) قال تعالى ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ).
لهذا ترى مظاهر طغيان جبابرة الظاهر كفرعون والنمرود ومن سار على خطاهم من قبلهم ومن بعدهم كهتلر وموسليني ومن سار في ركبهم من حكام المسلمين كالقذافي القائل ( معمر شيء مقدس معمر هو المجد ....) أو جبابرة غيرهم كقولهم ( لا إله إلا فلان أو علاّن ) فهذا طغيان وهو أعلى من الكفر لذا قال تعالى لسيدنا موسى عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) فالمراد والمقصود طغيان فرعون لا مجرد كفره لأن مجرد الكفر لا يستوجب مقاتلة صاحبه وإنّما تتحتّم المقاتلة عندما يستأثر الطاغية بحمل الناس على الكفر بالله تعالى والإيمان به كما قال تعالى في قصة فرعون ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ).
لذا قال تعالى في الوالدين ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) رغم أنّ طاعتهما واجبة بالنصّ الشرعي لذا ورد لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لأنّ الذي يأمرك بشرك أو كفر أو يعينك على معصية أو يزيّنها لك هو شيطان من الإنس في حقيقته لذا قرن الإمام البوصيري رضي الله عنه بين النفس والشيطان في قصيدته البردة في قوله ( وخالف النفس والشيطان واعصهما --- وإن هما محّضاك النصح فاتهم ).
لأنّ الشيطان لا يدخل عليك إلاّ من باب نفسك الأمارة بالسوء فمتى جاهدت نفسك ولم تتبع هواها فقد فرّقت فيما بينها وبين الشيطان قرينها وتسلحت بعداوتها له كما قال تعالى ( إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) فحينما تتخذ نفسك الشيطان عدوّا فلا يمكنه بعد ذلك الدخول عليها من بابها فيكون الفراق فيما بينهما لكن غايته كونه يبقى مترصدا غفلتك عن نفسك كما قال تعالى ( وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) وقال تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ).
لذا قيل في طريق السلوك والمعرفة ( من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان ) كقول الشيخ عبد الواحد ابن عاشر رضي الله عنه في متنه المرشد المعين ( يتبع شيخا عارف المسالك --- ليقيه في طريقه المهالك ) أي مهالك النفس والشيطان لأنّ الشيطان متى انفرد بالنفس افترسها لهذا حفظ ساداتنا طريق الله تعالى بالأذون فقالوا المأذون مأمون أي مأمون من تسلط النفس والشيطان أما غير المأذون فلا أمن ولا أمان له كالسامري لما قال له موسى عليه السلام ( قال فما خطبك يا سامري ) أي ما الذي حملك على فعل ما فعلته ومن آذنك في ذلك العمل.
لذا قال تعالى من حيث الإذن للصحابة الكرام رضوان الله عليهم من حيث الإذن العام قوله تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ومن حيث الإذن الخاص قال تعالى ( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).
فكان هناك الإذن العام وهو الإذن النبوي العام في عالم التشريع من حيث الرسالة والأحكام في ركن الإسلام والإيمان أمّا في ركن الإحسان فتعين الإذن الخاص زيادة على الإذن العام لأنّ الشيطان توعّد بالقعود في صراط الله المستقيم الذي هو طريق السالكين الى حقيقة العبودية التي تثمر معرفة الله تعالى لهذا جرى سند التربية والإشراف المباشر من قبل الأولياء المرشدين على تربية المريدين والتلاميذ لأنّهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا المجال كما قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ).
فهو صلى الله عليه وسلّم يدعو الى الله على بصيرة هو ومن اتبعه من أهل المحبّة ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) إشارة الى أنّ أهل الاتباع علامتهم المحبة التي تفضي الى التوحيد الحق والإيمان الصدق لذا قال مشيرا إليك كي تفهم عنه ( وسبحان الله وما أنا من المشركين ) أي لا أدلّك على غيره سبحانه فلا أشرك به غيره ولا أشرك نفسي به معه في دلالتك عليه لأنّ طغيان أهل الباطن كإبليس لعنه الله تعالى قد يفوق طغيان أهل الظاهر كفرعون لهذا مات فرعون وهلك بينما سأل إبليس لعنه الله تعالى في قوله ( أنظرني إلى يوم يبعثون ) وكالسامري في طغيانه أمّا الدجال في آخر الزمان فسيجسد الإله في شخصه وهذا نهاية الطغيان.
لهذا لم تكن فتنة أعظم عبر التاريخ الإنساني من فتنته فما من نبي إلا وحذّر أمته من الدجال الأعور الذي قال كثير من العلماء كونه السامري وهذا القول أميل إليه العبد الفقير وأرجّحه والله تعالى أعلم بغيبه لأننا سنفصّل في هذا المكتوب إن شاء الله تعالى أحوال نفس الدجال وتسويلاتها وتلبيساتها لأنها تلبيسات نفس تحت ذريعة الكشف وهذا خطير ومن هنا صحّ تبيين مقامات الكشف الصحيح ودرجاته ومنزلته من العلم الإلهي ولو كان كشفا نبويا ثمّ ذكر الفرق بين كشف أهل النور كالملائكة وبين كشف أهل السرّ كالأنبياء والمرسلين عليهم السلام وذكر الفروق بين كشوفات الأولياء ثم الختام بقول الله تعالى على مجمل الإطلاق ( لا يعلم الغيب إلا الله ) لذا قال عليه الصلاة والسلام ( والله ما أعلم إلاّ ما علمني ربي ) كما قالت الملائكة ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ).
فإذا علمت هذا وتدبرته تدرك لا محالة خطر النفس البشرية في مختلف عقباتها ومن هنا علّمنا الله تعالى ودلّنا كما بيّن لنا معرفة سبل مجاهدة هذه النفس في مراتبها وسياستها بغاية ارجاعها إلى طريق الله المستقيم لأنها السبب الأوّل في خروج آدم من الجنّة بعد أن استمعت نفسه الى نصح إبليس لعنه الله تعالى بالأكل من الشجرة فدب فيها حال الحرص على الخلود في الجنّة لهذا بعث رسله وأنبيائه ثمّ أردفهم بأحبابه من أوليائه كما ورد في الحديث ( العلماء ورثة الأنبياء ... الحديث ) وكما قيل ( الشيخ بين مريديه كالنبي في قومه ) فجاؤوا بالهدى من عند الله تعالى وتلوه على الناس كما قال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ) فهذا الحقّ جاء لتزكية الأنفس والعروج بها الى معرفة الله تعالى قال تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ).
فعلم تزكية النفوس هو أوّل علم وآخر علم قُصد من طريق التصوّف لذاته فعلامة الصوفي وبرهانه الساطع هو العمل على تزكية نفسه والظفر بها فجميع الثمار التي يجنيها المريد في طريق تطهير إيمانه المعبّر عنه بعلم السلوك كالأنوار والمعارف والعلوم والمقامات إنما هي نتائج التزكية وتطهير النفس فكلما جاهدت نفسك في مقام انتقلت الى مقام أعلى وأرقى ( وأن الى ربّك المنتهى ) قال تعالى ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) فلم يبق لها تطلّعا إلى غيره سبحانه.
فهي في رجوع دائم كلّما زلّت أو أخطأت كما قال سيدنا آدم من قبل ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وكما قال يونس عليه السلام من قبل ( فنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فهذا حال الأنفس الشريفة فما بالك بالأنفس الخسيسة التي تتكبر على خلق الله تعالى وتصول وتجول بإسم الدين بل يا عجبي كيف يدعو أناس الخلق ويدلونه على الله تعالى ولا خبر لهم عن نفوسهم التي لم يزكوها ولا طرفة عين ...
نبدأ إن شاء الله تعالى بعد هذا في ذكر متفرقات من أمراض النفوس وحضراتها التي تنشأ منها في كلّ مقام الى أن نصل إلى مقامات السالكين الذين عبدوا الله تعالى وتوجهوا إليهم مريدين تحقيق أغراضهم النفسية وميولاتهم الخفية أو الذين مكثوا في علل الأعمال وعلل الأحوال وعلل المقامات فركنوا الى المطالب الدنية والهمم السفلية ... أو تقول جهل ركن الإسلام وجهل ركن الإيمان وجهل ركن الإحسان فأنت في علاقتك مع شيخك أيها المريد على ثلاثة طرق وأوجه علاقة في مرتبة الإسلام تستوجب الخدمة ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) وعلاقة في مرتبة الإيمان ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ) تستوجب المحبة وعلاقة في مرتبة الإحسان تستوجب الطاعة ( أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ).
قال تعالى ( ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )
يتبع إن شاء الله تعالى ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق