بسم الله الرحمان الرحيم
قلت :
الدين الذي كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم والذي تعلّموه من النبي صلى الله عليه وسلّم هو الدين الكامل بأركانه الثلاث , فإنّ ماهية التعليم حدثت كما ذكروا ذلك ونبّهوا عليه في قولهم ( علّمنا رسول الله الإيمان ثمّ علّمنا القرآن ) وماهية هذا التعليم كانت بالصحبة الذي يعنيه اليوم مشائخ الصوفية رضي الله عنهم , فإنّ تعلّق علوم التوحيد والإيمان هو في التعلّق بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالصحبة والطاعة والإتّباع وهكذا ورثته رضي الله عنهم.
وإنّما لم تعرف تفاصيل العلوم في ذلك العهد كالمذاهب والمناهج والطرق لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان هو المنهج وهو الطريق وذلك تلحظه في علوم الحديث من حيث : أقواله , وأفعاله , وتقريراته , وأوصافه , فهذه الأربع وصلتنا عن طريق الرواية وليست عن طريق المشاهدة والمعاينة والسماع منه صلى الله عليه وسلّم , لذا خلا حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من تدوينه في علم الحديث بالرواية لأنّه لا دليل عليه من حيث رواية الظاهر.
ومعنى ذلك أيّها الفقير أنّ الصحابة لمّا كانوا مصاحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كانوا يأخذون أحواله الشريفة ومدده القلبي في أقواله وأفعاله وتقريراته وأوصافه , بمعنى أنّ الحال يخرج بين ثنيات الكلام وفي طيّات الأفعال , والمراد بذلك أنّ وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم وذاته الشريفة في الحياة الدنيا أمام نظر من آمن به من الصحابة هو معنى سريان الحال أي سريان حاله فيهم وإذا أردت أن تعلم ذلك أكثر تذكّر حكاية ذلك الصحابي الذي شكّ في القرآن لمّا سمع إختلاف القراءات من بعض الصحابة وأنّ رسول الله أقرّهم على ذلك التعدّد في القراءة قال : ( فضرب على صدري فتجللت عرقا وكأنّي أنظر إلى عرش ربّي فرقا ) لتعلم معنى الحال وكيف يسري وذلك بضربة يد منه صلى الله عليه وسلّم وكذلك في الأفعال ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) أنظر قوله ( كما رأيتموني ...) وهو سريان مدده الشريف في أحوال صلاته بمجرّد الرؤية والنظر.
ومن هنا قال ساداتنا ( النظر في وجه عارف بالله عبادة ) وقد ورد في أحاديث عدّة ( أنّ المؤمن من إذا رأيتموه ذكّرتكم رؤيته في الله ) فبمجرّد وقع النظر وتحديد البصر يتذكّر العبد ربّه برؤيته في وجه المؤمنين , وكذلك التقريرات وهي في الحقيقة مشترب الصحابة و وارداتهم في العلوم لذا كانوا يعرضون عليه وارداتهم فمرّة يقرّرها ويثبتها ومرّة يصحّحها ومرّة يمنعها ويلغيها ومرّة يترك فيها وجهي الترك والفعل مع الدلالة على الأولى منهما , وكذلك الأمر في الأوصاف فإنّك متى رأيت مؤمنا ذكّرتك رؤيته في الله فكيف لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحتما أنّ رؤيته تدخلك في بحر التوحيد ومن هنا ذكر ساداتنا الأولياء الرابطة القلبية بالشيخ الموصول برسول الله صلى الله عليه وسلّم لأنّه وارثه بالإذن العام والإذن الخاص إذن الظاهر وإذن الباطن , والإذن يا سادة أساس كلّ شيء في دين الله تعالى.
قلت :
مصاحبة شخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنتهت بإنتقال ذاته الشريفة من دار الدنيا فأخرج لنا العلماء شؤون تلك الذات فيما تراه في علم الحديث رواية ( الأقوال والأفعال والتقريرات والأوصاف ) لكن ومع وجود هذا فلا وجود لحال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلاّ بوجود شخص من ورّاثه صلى الله عليه وسلّم في الحياة الدنيا بجسمه وروحه يترجم حقائقه صلى الله عليه وسلّم على أرض الواقع.
فأنت أيّها المريد مع شيخك العارف الحقيقي الوارث الصحيح فكأنّك مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيّا معك في الحياة الدنيا , فكلّ ما تراه من إختلاف أهل الإرشاد الكاملين في مختلف البلاد فهي وجوه من الحقائق المحمّدية المتعدّدة , وهذا نشأ منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وذلك بإختلاف مذاهب الصحابة في الفتوى وإختلافهم في المعاني والمعارف لأنّه ما جمع ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العباد أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلّم نفسه لتعلم من هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وهكذا جاءنا طريق الأحوال بالإسناد والسلاسل من طريق الإمام عليّ وهي مدرسة أهل البيت في التربية والإرشاد ورواية حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكذلك من طريق أبي بكر ومن طريق عمر رضي الله عنهما وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( الآن أغترف من عشرة أبحر بحر محمّد وبحر أبي بكر وبحر عمر وبحر عثمان وبحر علي ) رضي الله عنهم وهذا القول من الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه يشير إلى مقام القطبانية وقد أجمع الصوفية في زمانهم على أنّ الشيخ أبا الحسن كان القطب الفرد الغوث الجامع.
قلت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إثنان إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي.
فظهر أنّ الكتاب لا بدّ له من سنّة وإلاّ ضلّ به صاحبه أي لا بدّ له من تلك الذات المحمّدية الشريفة حالا ومقالا وفعلا ووصفا , فأنت مثلا في لباسك الإسلامي تحاول دائما أن تكون مقتديا برسول الله في لباسه ومقاله وفعله وكذلك حاله - وبمعنى أدقّ تحاول أن تكون نسخة مطابقة للأصل من رسول الله صلى الله عليه وسلّم , ففي اللباس مثلا تريد أن تكون شبهه ( في اللحية وشعر الرأس في الرداء في السراويل في السواك في التبسّم في المزح في المشي ... وهكذا ) فالحقيقة أنّك تريد تكون نسخة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم بهذا أمرك الشرع والقرآن ووراء هذا حقائق كثيرة يعلمها أهل السلوك.
وعليه : فلا يمكن لمؤمن ولا مؤمنة أن يكتسب حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم القلبي إلاّ بصحبته لأحد من العارفين الذين ورثوا ذلك الحال بالسند القلبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإلاّ فالباب مسدود وهذا الغالب الأكثر والشاذ لا حكم له ولا إقتداء به ( والله يؤتي فضله من يشاء ).
فالمحدّثون اليوم من الذين ألّفوا في الحديث وجمعوه ونقّحوه وصحّحوه ورغم مزاياهم على الأمّة وعظمة أجورهم عند الله تعالى فهذا لا يوصلهم أبدا إلى عيش حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم القلبي مع ربّه إلاّ بمصاحبة العارفين بالله تعالى من الذين لهم أسانيد قلبية متّصلة برسول الله صلى الله عليه وسلّم وهذا المراد بعلم التصوّف وعلم السلوك وهو تعليم الإيمان قبل تعلّم القرآن ( هذا أمر يفهمه أهله ).
هذا تمهيد آخر
قلت :
الفقه : من حيث هو فقه ومن حيث مدلولات لفظه في العموم والخصوص ومن حيث الإستعمال لغة و شرعا يجب التفريق بين جميع تلك المفردات التفسيرية لمعنى دلالته وإنّما إصطلح العلماء على صرفه لمعنى الأحكام الظاهرة التفصيلية فيمكن تخصيصه أيضا لمدلول التصوّف فإنّ الفقه في الأحكام لا يكون وجهه صحيحا إلاّ متى سرى فيه مفهوم السلوك والروح التوحيدي الذي هو معنى طريقة أهل التصوّف.
لأنّ الدين كان مجموعا في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم فالدين واحد ولا إنقسام في الحقيقة بين الفقه والعقيدة والتصوّف فكلّها في الحقيقة يكمّل بعضها بعضا وكلّها واحدة من حيث حقيقة الإنسان من وجه عبوديته ومن حيث حقيقة الربوبية والألوهية فهي ذات واحدة إسما وفعلا ووصفا وذاتا وهذا معنى الدين الخالص وهو معنى الخلافة الإسلامية.
وإنّما إفترقت تلك الأركان وإنقسمت في عهد الدولة الأمويّة والملوكية فإنّ الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ختمها الحسن بن علي عليه السلام أعني الخلافة الظاهرة والباطنة مقترنتين بمعنى إجتماع أركان الدين الثلاثة في الشخص الواحد على وجه الخلافة المحمّدية لذا أخبر علماء أهل السنّة أنّ الحسن بقي خليفة ستّة أشهر وهي تمام الثلاثين سنة التي وردت في الحديث وعليه فإنّ إفتراق أركان الدين في الحقيقة وقع في عهد الحسن رضي الله عنه ....
فالفقه اليوم الذي يتناوله العلماء بالتدريس هو فقه الظاهر مفصول عن فقه الباطن أي فقه بلا سلوك وكذلك فعل أهل الحديث وفعل أهل التفسير وأهل العقيدة من أهل الكلام وغيرهم , لأنّ العقيدة في حقيقتها لا تدرس في الكتب ولا حكم لرأي عليها ولا تأويل لها بل هي إيمان كامل يكون بالقلب والروح شهودا ووجودا وهذا المذهب الذي كان عليه أهل الدين والخلافة من الصحابة الكبار وعلمائهم.
فمن يدّعي اليوم أنّه فقيه فهو في الحقيقة تعبير مجازي إذ أنّ الفقيه حقيقة هو العارف بالله الكامل وغير هذا لا يعتبر فقيها حقيقة بل هو يتكلّم بحسب فهمه من الدين وبما عقله تفكيره بحسب الألفاظ اللغوية العقلية والنقلية لكن بدون تحقيق فلربّما أصاب ولربّما أخطأ وهذا يلحظه العارفون في تحليلات أهل الكلام فإنّهم فسّروا التوحيد بالعقل ومقاييسه مستأنسين بالنصوص , أمّا الفريق المقابل فقد فسّر ذلك بالنقل على ظاهره من غير فهم عقل وهذا مذهب يرمى به أهل الوهابية غالبا فلا عقل لهم ولا فقه لهم أخذوا الدين بحسب ظاهره رغم أنّ الإيمان أمره باطني ولكنّهم لا يفقهون.
قلت :
لا مشاحة في الأسماء ولا إنتقاد في المصطلحات إذا ما أدّت في الديانة معانيها السليمة والذي يميل إلى الألفاظ التوقيفية من العلماء فله وجه إلى الحقّ وأنّ هذا كان فعل السلف ولكنّه الوجه الباطل أنّه فهم تلك التوقيفات لفهمه القاصر فما أحسن أن يخرج منها معانيها المتكاثرة والمتعدّدة فأراد أن يعمد إلى إقرار الباطل في صورة الحقّ.
والسبب في ذلك أنّه لو أراد معانيها الصحيحة وفهمها وإستوعب فرعها جملة وتفصيلا فلا يمكنه أن ينكر معانيها الصحيحة وفروعها التي إبتكرت لها مفردات بما أنّنا في عالم الأسماء , فإنّ من فهم الألفاظ التوقيفية على حقيقتها فلا يمكنه أن ينكر ما في طيّاتها المعاني التي هي معاني السلوك , فالدليل على أنّه ما فهم معانيها هو نكرانها لها متى أخرجها غيره وإصطلح عليها إستعمالا مع أهل فنّه وموضوعه.
فأضحى أنّ نكران معانيها إستوجب الإقرار منه بعدم فهمه لها لذا تراه يجنح إلى الألفاظ التوقيفية تلبيسا منه من غير شعور منه لأنّه لم يتجاوز ما لا يستطيع إلى ما يستطيعه لأنّه يظنّ بنفسه أنّه شيخ للإسلام وكيف لا يعرف شيخ الإسلام معانيها فإنّ هذا يكبر عليه لوجود مرض في النفس لعدم السلوك والتربية ولضعف العقل وتقييده في الحواس الخمس , فجمدت في هذه الحالة الروح وتقيّدت في سجنها وغاب عنها معاني هذا الدين العظيم الذي إرتضاه الله تعالى لمختلف البشرية رغم إختلاف ألسنتهم وألوانهم وعاداتهم وتقاليدهم وطبائعهم وبلدانهم وأفكارهم ومدارك عقولهم.
فأضحى في هذه الأزمنة أنّ الدين أصبح مقيّدا في قلوب ونفوس مريضة , ونعني بالقلوب المريضة التي لم تشاهد نور الله تعالى وعظمته ووسعه وحقيقة هذا الكون وحقيقة هذه المخلوقات ( ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا ).
فأراد من كان هذا حاله أن يحاجج بتلك الألفاظ التوقيفية لظهور حجّته فيها لا لأنّه فهمها وإنّما لتقدّمه في الإمامة من غير وجود حقائق الدين و روحه عنده فحمل الخلق على ما تبادر إلى فهمه فظنّه أنّه دين السلف فنعت نفسه وأتباعه بأنّه على أقدام السلف فصال وجال وخلط ومال ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.
قلت :
الدين الذي كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم والذي تعلّموه من النبي صلى الله عليه وسلّم هو الدين الكامل بأركانه الثلاث , فإنّ ماهية التعليم حدثت كما ذكروا ذلك ونبّهوا عليه في قولهم ( علّمنا رسول الله الإيمان ثمّ علّمنا القرآن ) وماهية هذا التعليم كانت بالصحبة الذي يعنيه اليوم مشائخ الصوفية رضي الله عنهم , فإنّ تعلّق علوم التوحيد والإيمان هو في التعلّق بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالصحبة والطاعة والإتّباع وهكذا ورثته رضي الله عنهم.
وإنّما لم تعرف تفاصيل العلوم في ذلك العهد كالمذاهب والمناهج والطرق لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان هو المنهج وهو الطريق وذلك تلحظه في علوم الحديث من حيث : أقواله , وأفعاله , وتقريراته , وأوصافه , فهذه الأربع وصلتنا عن طريق الرواية وليست عن طريق المشاهدة والمعاينة والسماع منه صلى الله عليه وسلّم , لذا خلا حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من تدوينه في علم الحديث بالرواية لأنّه لا دليل عليه من حيث رواية الظاهر.
ومعنى ذلك أيّها الفقير أنّ الصحابة لمّا كانوا مصاحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كانوا يأخذون أحواله الشريفة ومدده القلبي في أقواله وأفعاله وتقريراته وأوصافه , بمعنى أنّ الحال يخرج بين ثنيات الكلام وفي طيّات الأفعال , والمراد بذلك أنّ وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم وذاته الشريفة في الحياة الدنيا أمام نظر من آمن به من الصحابة هو معنى سريان الحال أي سريان حاله فيهم وإذا أردت أن تعلم ذلك أكثر تذكّر حكاية ذلك الصحابي الذي شكّ في القرآن لمّا سمع إختلاف القراءات من بعض الصحابة وأنّ رسول الله أقرّهم على ذلك التعدّد في القراءة قال : ( فضرب على صدري فتجللت عرقا وكأنّي أنظر إلى عرش ربّي فرقا ) لتعلم معنى الحال وكيف يسري وذلك بضربة يد منه صلى الله عليه وسلّم وكذلك في الأفعال ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) أنظر قوله ( كما رأيتموني ...) وهو سريان مدده الشريف في أحوال صلاته بمجرّد الرؤية والنظر.
ومن هنا قال ساداتنا ( النظر في وجه عارف بالله عبادة ) وقد ورد في أحاديث عدّة ( أنّ المؤمن من إذا رأيتموه ذكّرتكم رؤيته في الله ) فبمجرّد وقع النظر وتحديد البصر يتذكّر العبد ربّه برؤيته في وجه المؤمنين , وكذلك التقريرات وهي في الحقيقة مشترب الصحابة و وارداتهم في العلوم لذا كانوا يعرضون عليه وارداتهم فمرّة يقرّرها ويثبتها ومرّة يصحّحها ومرّة يمنعها ويلغيها ومرّة يترك فيها وجهي الترك والفعل مع الدلالة على الأولى منهما , وكذلك الأمر في الأوصاف فإنّك متى رأيت مؤمنا ذكّرتك رؤيته في الله فكيف لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحتما أنّ رؤيته تدخلك في بحر التوحيد ومن هنا ذكر ساداتنا الأولياء الرابطة القلبية بالشيخ الموصول برسول الله صلى الله عليه وسلّم لأنّه وارثه بالإذن العام والإذن الخاص إذن الظاهر وإذن الباطن , والإذن يا سادة أساس كلّ شيء في دين الله تعالى.
قلت :
مصاحبة شخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنتهت بإنتقال ذاته الشريفة من دار الدنيا فأخرج لنا العلماء شؤون تلك الذات فيما تراه في علم الحديث رواية ( الأقوال والأفعال والتقريرات والأوصاف ) لكن ومع وجود هذا فلا وجود لحال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلاّ بوجود شخص من ورّاثه صلى الله عليه وسلّم في الحياة الدنيا بجسمه وروحه يترجم حقائقه صلى الله عليه وسلّم على أرض الواقع.
فأنت أيّها المريد مع شيخك العارف الحقيقي الوارث الصحيح فكأنّك مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيّا معك في الحياة الدنيا , فكلّ ما تراه من إختلاف أهل الإرشاد الكاملين في مختلف البلاد فهي وجوه من الحقائق المحمّدية المتعدّدة , وهذا نشأ منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وذلك بإختلاف مذاهب الصحابة في الفتوى وإختلافهم في المعاني والمعارف لأنّه ما جمع ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العباد أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلّم نفسه لتعلم من هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وهكذا جاءنا طريق الأحوال بالإسناد والسلاسل من طريق الإمام عليّ وهي مدرسة أهل البيت في التربية والإرشاد ورواية حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكذلك من طريق أبي بكر ومن طريق عمر رضي الله عنهما وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( الآن أغترف من عشرة أبحر بحر محمّد وبحر أبي بكر وبحر عمر وبحر عثمان وبحر علي ) رضي الله عنهم وهذا القول من الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه يشير إلى مقام القطبانية وقد أجمع الصوفية في زمانهم على أنّ الشيخ أبا الحسن كان القطب الفرد الغوث الجامع.
قلت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إثنان إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي.
فظهر أنّ الكتاب لا بدّ له من سنّة وإلاّ ضلّ به صاحبه أي لا بدّ له من تلك الذات المحمّدية الشريفة حالا ومقالا وفعلا ووصفا , فأنت مثلا في لباسك الإسلامي تحاول دائما أن تكون مقتديا برسول الله في لباسه ومقاله وفعله وكذلك حاله - وبمعنى أدقّ تحاول أن تكون نسخة مطابقة للأصل من رسول الله صلى الله عليه وسلّم , ففي اللباس مثلا تريد أن تكون شبهه ( في اللحية وشعر الرأس في الرداء في السراويل في السواك في التبسّم في المزح في المشي ... وهكذا ) فالحقيقة أنّك تريد تكون نسخة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم بهذا أمرك الشرع والقرآن ووراء هذا حقائق كثيرة يعلمها أهل السلوك.
وعليه : فلا يمكن لمؤمن ولا مؤمنة أن يكتسب حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم القلبي إلاّ بصحبته لأحد من العارفين الذين ورثوا ذلك الحال بالسند القلبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإلاّ فالباب مسدود وهذا الغالب الأكثر والشاذ لا حكم له ولا إقتداء به ( والله يؤتي فضله من يشاء ).
فالمحدّثون اليوم من الذين ألّفوا في الحديث وجمعوه ونقّحوه وصحّحوه ورغم مزاياهم على الأمّة وعظمة أجورهم عند الله تعالى فهذا لا يوصلهم أبدا إلى عيش حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم القلبي مع ربّه إلاّ بمصاحبة العارفين بالله تعالى من الذين لهم أسانيد قلبية متّصلة برسول الله صلى الله عليه وسلّم وهذا المراد بعلم التصوّف وعلم السلوك وهو تعليم الإيمان قبل تعلّم القرآن ( هذا أمر يفهمه أهله ).
هذا تمهيد آخر
قلت :
الفقه : من حيث هو فقه ومن حيث مدلولات لفظه في العموم والخصوص ومن حيث الإستعمال لغة و شرعا يجب التفريق بين جميع تلك المفردات التفسيرية لمعنى دلالته وإنّما إصطلح العلماء على صرفه لمعنى الأحكام الظاهرة التفصيلية فيمكن تخصيصه أيضا لمدلول التصوّف فإنّ الفقه في الأحكام لا يكون وجهه صحيحا إلاّ متى سرى فيه مفهوم السلوك والروح التوحيدي الذي هو معنى طريقة أهل التصوّف.
لأنّ الدين كان مجموعا في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم فالدين واحد ولا إنقسام في الحقيقة بين الفقه والعقيدة والتصوّف فكلّها في الحقيقة يكمّل بعضها بعضا وكلّها واحدة من حيث حقيقة الإنسان من وجه عبوديته ومن حيث حقيقة الربوبية والألوهية فهي ذات واحدة إسما وفعلا ووصفا وذاتا وهذا معنى الدين الخالص وهو معنى الخلافة الإسلامية.
وإنّما إفترقت تلك الأركان وإنقسمت في عهد الدولة الأمويّة والملوكية فإنّ الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ختمها الحسن بن علي عليه السلام أعني الخلافة الظاهرة والباطنة مقترنتين بمعنى إجتماع أركان الدين الثلاثة في الشخص الواحد على وجه الخلافة المحمّدية لذا أخبر علماء أهل السنّة أنّ الحسن بقي خليفة ستّة أشهر وهي تمام الثلاثين سنة التي وردت في الحديث وعليه فإنّ إفتراق أركان الدين في الحقيقة وقع في عهد الحسن رضي الله عنه ....
فالفقه اليوم الذي يتناوله العلماء بالتدريس هو فقه الظاهر مفصول عن فقه الباطن أي فقه بلا سلوك وكذلك فعل أهل الحديث وفعل أهل التفسير وأهل العقيدة من أهل الكلام وغيرهم , لأنّ العقيدة في حقيقتها لا تدرس في الكتب ولا حكم لرأي عليها ولا تأويل لها بل هي إيمان كامل يكون بالقلب والروح شهودا ووجودا وهذا المذهب الذي كان عليه أهل الدين والخلافة من الصحابة الكبار وعلمائهم.
فمن يدّعي اليوم أنّه فقيه فهو في الحقيقة تعبير مجازي إذ أنّ الفقيه حقيقة هو العارف بالله الكامل وغير هذا لا يعتبر فقيها حقيقة بل هو يتكلّم بحسب فهمه من الدين وبما عقله تفكيره بحسب الألفاظ اللغوية العقلية والنقلية لكن بدون تحقيق فلربّما أصاب ولربّما أخطأ وهذا يلحظه العارفون في تحليلات أهل الكلام فإنّهم فسّروا التوحيد بالعقل ومقاييسه مستأنسين بالنصوص , أمّا الفريق المقابل فقد فسّر ذلك بالنقل على ظاهره من غير فهم عقل وهذا مذهب يرمى به أهل الوهابية غالبا فلا عقل لهم ولا فقه لهم أخذوا الدين بحسب ظاهره رغم أنّ الإيمان أمره باطني ولكنّهم لا يفقهون.
قلت :
لا مشاحة في الأسماء ولا إنتقاد في المصطلحات إذا ما أدّت في الديانة معانيها السليمة والذي يميل إلى الألفاظ التوقيفية من العلماء فله وجه إلى الحقّ وأنّ هذا كان فعل السلف ولكنّه الوجه الباطل أنّه فهم تلك التوقيفات لفهمه القاصر فما أحسن أن يخرج منها معانيها المتكاثرة والمتعدّدة فأراد أن يعمد إلى إقرار الباطل في صورة الحقّ.
والسبب في ذلك أنّه لو أراد معانيها الصحيحة وفهمها وإستوعب فرعها جملة وتفصيلا فلا يمكنه أن ينكر معانيها الصحيحة وفروعها التي إبتكرت لها مفردات بما أنّنا في عالم الأسماء , فإنّ من فهم الألفاظ التوقيفية على حقيقتها فلا يمكنه أن ينكر ما في طيّاتها المعاني التي هي معاني السلوك , فالدليل على أنّه ما فهم معانيها هو نكرانها لها متى أخرجها غيره وإصطلح عليها إستعمالا مع أهل فنّه وموضوعه.
فأضحى أنّ نكران معانيها إستوجب الإقرار منه بعدم فهمه لها لذا تراه يجنح إلى الألفاظ التوقيفية تلبيسا منه من غير شعور منه لأنّه لم يتجاوز ما لا يستطيع إلى ما يستطيعه لأنّه يظنّ بنفسه أنّه شيخ للإسلام وكيف لا يعرف شيخ الإسلام معانيها فإنّ هذا يكبر عليه لوجود مرض في النفس لعدم السلوك والتربية ولضعف العقل وتقييده في الحواس الخمس , فجمدت في هذه الحالة الروح وتقيّدت في سجنها وغاب عنها معاني هذا الدين العظيم الذي إرتضاه الله تعالى لمختلف البشرية رغم إختلاف ألسنتهم وألوانهم وعاداتهم وتقاليدهم وطبائعهم وبلدانهم وأفكارهم ومدارك عقولهم.
فأضحى في هذه الأزمنة أنّ الدين أصبح مقيّدا في قلوب ونفوس مريضة , ونعني بالقلوب المريضة التي لم تشاهد نور الله تعالى وعظمته ووسعه وحقيقة هذا الكون وحقيقة هذه المخلوقات ( ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا ).
فأراد من كان هذا حاله أن يحاجج بتلك الألفاظ التوقيفية لظهور حجّته فيها لا لأنّه فهمها وإنّما لتقدّمه في الإمامة من غير وجود حقائق الدين و روحه عنده فحمل الخلق على ما تبادر إلى فهمه فظنّه أنّه دين السلف فنعت نفسه وأتباعه بأنّه على أقدام السلف فصال وجال وخلط ومال ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق