بسم الله الرحمان الرحيم -
(يا من تريد تدري فنّي فاسأل عنّي الألوهية -- أمّا البشر لا يعرفني أحوالي عنه مخفية).
إنّما توجّه الناظم رضي الله عنه لصنف مخصوص من العباد وهو المريدون لذا قال ( يا من تريد ) فخصّص خطابه للمريد وعليه أوقفه لأنّ طريق أهل الله تعالى طريق إرادة ومنها جاء قولهم مريد ومريدون وقولهم طريق الإرادة لقوله تعالى كما في الآية الشريفة ( يريدون وجهه ) والإرادة هو توجّه النيّة إلى مقصدها المرغوب عندها كما قال تعالى ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ).
( يا من تريد تدري فنّي ).
بعد توجّه خطابه للمريد الذي يريد أن يدري هذا الفنّ الذي كرع منه صاحبه وهو كناية عن المعرفة وهي المنعوتة بالدراية لأنّها لبّ الفنّ الذي يشير إليه الناظم رضي الله عنه وهو تحفيز منه رضي الله عنه ورفع همّة للطالب المريد واستنهاض لنشاطه وقصده في أن يذوق ما ذاقه و يتحلّى بما تحلّى به مع حفظ حرمة المراتب والمقامات فإنّ كلّ عبد عن مقامه يتكلّم وإنّما يجمعهم مقام العبودية لله تعالى فهي حضرة الجمع أمّا المراتب فهي من عالم البقاء لذا يستوجب فيها الأدب فمن أساء الأدب كإبليس لعنه الله تعالى في حضرة البقاء ردّ إلى وجود نفسه وحسّه فأشرك بالله تعالى وبه كفر وهذا يستوجب طرده ولعنه من حضرة البقاء لذا يشترط أن تعطي المقامات حقّها وكذلك الأحوال.
فنأخذ من هذه القصيدة المشربين :
مشرب الدلالة على الله تعالى وهذا هو الأصل إذ كلّ ما جاء على لسان العارفين في حال فنائهم وحكاية حالهم فلا يدلّنا هذا على غير الله تعالى إذ تلك مهمّتهم فما جعل الله تعالى وارثا إلاّ وهو يدلّ على الله تعالى من كلّ وجه وهذا ما سيأتي عليه الناظم رضي الله عنه , والثاني مشرب حفظ المقامات والمراتب لأصحابها فتأخذ من الحال وهو حبل الله تعالى الممدود وتتأدّب مع المقام وهو فضل الله تعالى المشهود على عباده.
فكأنّ الناظم رضي الله عنه يقول :
يا من تريد أن تذوق ما ذقته فتوجّه مثلي إلى الله تعالى عن طريق اتّباعي لقوله تعالى ( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ) وذلك لما تشاهده وتستشعره من حالة الناظم من كمال الفناء في الله تعالى وتمام التوجّه إليه حتّى أثمرت له العبودية تلك كمال الأحوال والمقامات متى علمت بعظمة فضل الله تعالى وأنّ يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ظاهرا وباطنا وأنّ بابه مفتوح وذلك تشهده في قوله تعالى ( وإذا سألك عبادي عنّي ) فكأنّه ينتظر هذا السائل عنه عند أهله فمتى سأل عنه جاءه هرولة حتّى كان هذا المجيء كلمح بالبصر من شدّة الغيرة الإلهية لعباده أن يسألوا عنه ولا يجيبهم لذا قال تعالى ( فإنّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ).
فالسؤال متوجّه إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام هنا في الآية ولكن الإجابة كانت في طرفة العين من الله تعالى ولذا قيل على لسان أهل الولاية ( من طلب الله تعالى بصدق وجد شيخ التربية أقرب إليه من نفسه ) فهناك من يسافرون طلبا لشيخ التربية ومن الناس من يسافر إليهم شيخ التربية.
وإنّما طلب الناظم هنا بالسؤال عن فنّه عند الألوهية كي يختصر عليك الطريق ويقرّب إليك المسافة لئلاّ يقطعك قاطع السؤال عن فنّه عند من لا خبر له عنه لذا قال الناظم رضي الله عنه في الشطر الثاني من البيت ( أمّا البشر لا يعرفني أحوالي عنه مخفية ).
كان لنا أخ في الله تعالى أراد شيخنا رضي الله عنه أن يقطع من مخيّلته بعض الأوهام فأوصاه بذكر الله تعالى ( فيما أذن له فيه الشيخ ) قال له : أذكر فستعرف بعد الذكر إن كان لشيخك سرّ مع ربّه أم لا ... وهكذا جميع المشائخ فلا يعرفون إلاّ عند ربّهم كما قال صاحب الحكم رضي الله عنه ( لا تعرف أنوار القلوب إلاّ في سماء الغيوب ).
والحاصل بعد هذا و هو خلاصة البيت أنّ بتوجّهك إلى الله تعالى وهو معنى السؤال عن فنّه عند الألوهية فستعترضك موانع وقواطع تمنعك وتقطعك عن طريق الوصول كخواطر النفس وتلبيسات الشيطان فعندها تجد الشيخ يأخذ بيدك في كلّ مرحلة من مراحل سيرك إلى الله تعالى فحينها تدرك قطعا أحقّية شيخك بهذا الفنّ وأنّه من اختصاصه بعد أن أقامه الله تعالى هاديا إلى صراطه المستقيم فلا يزيغ بك عنه.
وقد قيل من لم يكن له شيخ في طريق الله تعالى فشيخه الشيطان فلا تعرف حقيقة الشيخ إلاّ عند ملمّات سلوكك فحينها تقول سمعنا وأطعنا تحقيقا كما قال مريد الصحابة لشيخه وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام : لو أمرتنا أن نخوض في عرض هذا البحر ... لخضناه ) أو ما معناه فإن كان هذا في عالم الأرض فكيف بعالم السماء وإن كان هذا في الجهاد الأصغر فكيف في الجهاد الأكبر.
والله أعلم
يتبع إن شاء الله تعالى ...
(يا من تريد تدري فنّي فاسأل عنّي الألوهية -- أمّا البشر لا يعرفني أحوالي عنه مخفية).
إنّما توجّه الناظم رضي الله عنه لصنف مخصوص من العباد وهو المريدون لذا قال ( يا من تريد ) فخصّص خطابه للمريد وعليه أوقفه لأنّ طريق أهل الله تعالى طريق إرادة ومنها جاء قولهم مريد ومريدون وقولهم طريق الإرادة لقوله تعالى كما في الآية الشريفة ( يريدون وجهه ) والإرادة هو توجّه النيّة إلى مقصدها المرغوب عندها كما قال تعالى ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ).
( يا من تريد تدري فنّي ).
بعد توجّه خطابه للمريد الذي يريد أن يدري هذا الفنّ الذي كرع منه صاحبه وهو كناية عن المعرفة وهي المنعوتة بالدراية لأنّها لبّ الفنّ الذي يشير إليه الناظم رضي الله عنه وهو تحفيز منه رضي الله عنه ورفع همّة للطالب المريد واستنهاض لنشاطه وقصده في أن يذوق ما ذاقه و يتحلّى بما تحلّى به مع حفظ حرمة المراتب والمقامات فإنّ كلّ عبد عن مقامه يتكلّم وإنّما يجمعهم مقام العبودية لله تعالى فهي حضرة الجمع أمّا المراتب فهي من عالم البقاء لذا يستوجب فيها الأدب فمن أساء الأدب كإبليس لعنه الله تعالى في حضرة البقاء ردّ إلى وجود نفسه وحسّه فأشرك بالله تعالى وبه كفر وهذا يستوجب طرده ولعنه من حضرة البقاء لذا يشترط أن تعطي المقامات حقّها وكذلك الأحوال.
فنأخذ من هذه القصيدة المشربين :
مشرب الدلالة على الله تعالى وهذا هو الأصل إذ كلّ ما جاء على لسان العارفين في حال فنائهم وحكاية حالهم فلا يدلّنا هذا على غير الله تعالى إذ تلك مهمّتهم فما جعل الله تعالى وارثا إلاّ وهو يدلّ على الله تعالى من كلّ وجه وهذا ما سيأتي عليه الناظم رضي الله عنه , والثاني مشرب حفظ المقامات والمراتب لأصحابها فتأخذ من الحال وهو حبل الله تعالى الممدود وتتأدّب مع المقام وهو فضل الله تعالى المشهود على عباده.
فكأنّ الناظم رضي الله عنه يقول :
يا من تريد أن تذوق ما ذقته فتوجّه مثلي إلى الله تعالى عن طريق اتّباعي لقوله تعالى ( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ) وذلك لما تشاهده وتستشعره من حالة الناظم من كمال الفناء في الله تعالى وتمام التوجّه إليه حتّى أثمرت له العبودية تلك كمال الأحوال والمقامات متى علمت بعظمة فضل الله تعالى وأنّ يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ظاهرا وباطنا وأنّ بابه مفتوح وذلك تشهده في قوله تعالى ( وإذا سألك عبادي عنّي ) فكأنّه ينتظر هذا السائل عنه عند أهله فمتى سأل عنه جاءه هرولة حتّى كان هذا المجيء كلمح بالبصر من شدّة الغيرة الإلهية لعباده أن يسألوا عنه ولا يجيبهم لذا قال تعالى ( فإنّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ).
فالسؤال متوجّه إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام هنا في الآية ولكن الإجابة كانت في طرفة العين من الله تعالى ولذا قيل على لسان أهل الولاية ( من طلب الله تعالى بصدق وجد شيخ التربية أقرب إليه من نفسه ) فهناك من يسافرون طلبا لشيخ التربية ومن الناس من يسافر إليهم شيخ التربية.
وإنّما طلب الناظم هنا بالسؤال عن فنّه عند الألوهية كي يختصر عليك الطريق ويقرّب إليك المسافة لئلاّ يقطعك قاطع السؤال عن فنّه عند من لا خبر له عنه لذا قال الناظم رضي الله عنه في الشطر الثاني من البيت ( أمّا البشر لا يعرفني أحوالي عنه مخفية ).
كان لنا أخ في الله تعالى أراد شيخنا رضي الله عنه أن يقطع من مخيّلته بعض الأوهام فأوصاه بذكر الله تعالى ( فيما أذن له فيه الشيخ ) قال له : أذكر فستعرف بعد الذكر إن كان لشيخك سرّ مع ربّه أم لا ... وهكذا جميع المشائخ فلا يعرفون إلاّ عند ربّهم كما قال صاحب الحكم رضي الله عنه ( لا تعرف أنوار القلوب إلاّ في سماء الغيوب ).
والحاصل بعد هذا و هو خلاصة البيت أنّ بتوجّهك إلى الله تعالى وهو معنى السؤال عن فنّه عند الألوهية فستعترضك موانع وقواطع تمنعك وتقطعك عن طريق الوصول كخواطر النفس وتلبيسات الشيطان فعندها تجد الشيخ يأخذ بيدك في كلّ مرحلة من مراحل سيرك إلى الله تعالى فحينها تدرك قطعا أحقّية شيخك بهذا الفنّ وأنّه من اختصاصه بعد أن أقامه الله تعالى هاديا إلى صراطه المستقيم فلا يزيغ بك عنه.
وقد قيل من لم يكن له شيخ في طريق الله تعالى فشيخه الشيطان فلا تعرف حقيقة الشيخ إلاّ عند ملمّات سلوكك فحينها تقول سمعنا وأطعنا تحقيقا كما قال مريد الصحابة لشيخه وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام : لو أمرتنا أن نخوض في عرض هذا البحر ... لخضناه ) أو ما معناه فإن كان هذا في عالم الأرض فكيف بعالم السماء وإن كان هذا في الجهاد الأصغر فكيف في الجهاد الأكبر.
والله أعلم
يتبع إن شاء الله تعالى ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق