بسم الله الرحمان الرحيم-
وقد يسأل سائل : بما يعرف تلبيس النفس من غيره ؟
الجواب :
يعرف من فهم القرآن بقلب صادق صافي مكتمل العبودية لله تعالى فإنّه لا حظّ لنفسه في شيء منه لأنّ حظوظ النفس كثيرة أعلاها حظّها في الألوهية لذا عاقب الشرع أهل الفناء عندما يشطحون وهم غائبون عن أنفسهم لأنّه محلّ شبهة بينه وبين هذا الذي نتكلّم فيه.
ثمّ نزولا إلى الأدنى حظّها في النبوّة ثمّ حظّها في المقامات ثمّ حظّها في الصلاح وهكذا فهي تريد المقامات في حليتها وليس في حلية الحضرة القدسية وهنا علوم كثيرة فيها تفصيلات علوم السادة الأولياء وحضراتهم .
وليعلم إخواني أنّي العبد الضعيف أجد المعنى في قلبي وأعرفه روحا ولكن تخونني العبارة أن كيف أعبّر عنه يعني لست حاذقا في الكتابة ولا اللغة وإنّما الذي يجعلني أكتب هو وجود المعاني فأحاول بقدر الطاقة أن أوصل ذلك المعنى , فالجواب :
هو قول الله تعالى ( ما منعك أن تسجد ) أي ما منعك من الفناء فيّ واضمحلال نفسك كليّة وغيبتك عنها ؟ هنا تكلّمت النفس في ذلك المقام العالي ( أنا ) وهو ظهور النفس في موازاة ظهور الله تعالى ( وهو الظاهر فليس فوقه شيء ) فكيف يا إبليس تجعل لنفسك هذا الظهور ؟
فإنّ الأصل الفناء وهو الباطن , فطلب لعنه الله تعالى الظهور, فمن طلب الظهور فقد خرج من حضرة الله بقدر ظهوره ذلك, لذا خفي أهل الله تعالى ودفنوا أنفسهم في أرض الخمول.
قال لي شيخنا مرّة لمّا أردت التعريف به ( أنا لا أحبّ الشهرة ) , فهناك فرق بين : ( أنا ) العبودية , وبين ( أنا ) الخصوصية , فالذي من تسويل النفس هي ( أنا ) الخصوصية أمّا الأنا العبودية فقد بيّن الله تعالى أمرها كقوله تعالى ( قل إن كان للرحمان من ولد فأنا أوّل العابدين ) فقرنت الأنا بالعبودية وهي للفناء وأيضا كما ورد في القرآن ( تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين ) وكقوله تعالى ( وأنا أوّل المسلمين ) وهكذا أيضا بصيغة جمع نحن كقول الملائكة ( ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ) فهي في كلّ الحالات مقرونة بالعبودية أي ( أنا ) العبودية وفي هذا تفهم الفرق بينهما جليّا .
ثمّ إنّ ( الأنا ) الخصوصية تسير إلى نفسها فقط من غير إستشعار آداب العبودية وآداب الخطاب مع الله تعالى وهذا الحال وإن كان أيضا يغلب على أهل الشطح في بعض الأحيان فإنّما جوابه واعتذاره أنّه قول بصدق له شاهد وبرهان كمن غاب عن نفسه أو أفناه الحال شهودا وعيانا ويقينا فهو مأخوذ عن نفسه بالكلية وليس هذا هو الحال الكامل بل إنّ الأحوال الكاملة هي أحواله عليه الصلاة والسلام ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ).
فإذا فهمت هذا وتوسّعت في فهم خطر تلبيسات النفس وخيالها الكاذب وأنّها تريد الدفاع عن مكانتها الوجودية بحذاء مكانة الله تعالى الوجودية تفهم إن شاء الله تعالى الفرق بين التدجيل ( وكذلك سوّلت لي نفسي ) وبين الحقيقة ( إنّما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله ) كما ورد في الحديث بعد أن قال : لا ترفعوني فوق مكانتي رغم أنّ مكانته أعلى المكانات.
هذا لتفهم عنه صلى الله عليه وسلّم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق