بسم الله الرحمن الرحيم
نرجع فنقول أنّ الضمائر سواء منها ضمائر المخاطبة أو الغائب أو المتكلم لا يليق منها بالشأن الإلهي من حيث ضمير المخاطب إلا ضمير ( أنت ) ومن حيث ضمير الغائب إلا ضمير ( هــو ) أمّا من حيث ضمير المتكلمّ فيكون من الكلام كما بينّا ( أنا , ونحن ) كقوله تعالى مخاطبا ملائكته الكرام عليهم السلام ( قال إني أعلم ما لا تعلمون ) فأفرد هنا علمه بصفاته ثمّ قال لهم ( وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا ) فما أفرد هنا ذاته كأن يقول مثلا سبحانه ( وإذ قلت للملائكة ) بل قال ( وإذ قلنا للملائكة ) ففيه جميع نحن وهو جمع تعظيم عند أهل اللغة أمّا عندنا فهو جمع صفات وهنا يكمن سرّ الملكوت كي تثبت كل حقيقة في مرتبتها وكل علم في مكانه لأنّ ضمير المتكلم إمّا أن يكون ذاكر حقيقة ذاتية وإمّا أن يكون ذاكرا حقيقة صفاتية أو حقيقة افعالية ...
أمّا في ضمير الغائب فلا يمكننا أن نذكر الضمائر مفردة وجامعة فلا يمكن أن نؤنّث الضمير عند ذكر الله تعالى فنقول ( هنّ ) أو نذكّره بقولنا ( هم ) إلاّ ما كان من كلام أهل الله تعال عند ذكر محابهم وأشواقهم ونسبتهم من الله تعالى فهم يذكرون في تعابيرهم قولهم ( هم أو همــو ) وذلك لأنّ قانون المحبّة يعطي ذلك كما ورد في الحديث القدسي ( فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ويده ورجله .. ) أو كالقائل : أنا من أهوى ومن أهوى أنا فليس هو حلولا ولا اتحادا ولكن هو من قبيل قوله في الحديث القدسي ( فإذا أحبتته كنته ) فهو جمع محاب وليس اتحاد اجساد أو أجسام.
وكذلك في ضمائر المخاطبة فلا نقول إلا ( أنت ) فلا نقول مثلا ( لا إله إلا أنتم ) لأنّ التوحيد يوجب الإفراد لذا قال العارفون بأن الله تعالى واحد في أفعاله ( فلا فاعل إلاّ الله ) وواحد في صفاته ( فلا متجلي إلاّ الله ) وواحد في ذاته ( فلا موجود مع الله ) فمن حيث أفعاله أنت مخلوق ( إقرأ بإسم ربّك الذي خلق خلق الإنسان من علق ) ومن حيث صفاته فأنت عاجز فقير ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ) ومن حيث ذاته أنت عدم محض ( كلّ من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ).
لكن من حيث تلك الضمائر لم يجتمع الظاهر مع الباطن ولا الحقيقة مع المجاز ولا التصوّر مع التصديق .. إلا في ضمير الغائب هو كما قال تعالى ( وهو معكم أينما كنتم ) أي ظاهرا وباطنا في كلّ زمان ومكان بذاته وصفاته وأفعاله لقوله تعالى ( وهو بكلّ شيء محيط ).
فذكر الذاكرون إسمه ( هــو ) من حيث مجهولية هذه العظمة الإلهية التي لا تتكيّف بتكيّف ولا يلحقها عقل ولا بصر ولا روح ولا قلب ولا فهم ولا علم وهو مقام الحيرة كما قيل وصل الواصلون إلى الحيرة ( قل هـــو ) ثمّ ارجع إلى ( اللـــه ) ( قل هو الله ) ثمّ ارجع إلى ( أحد ) الأحدية ثمّ إلى الصمدية فكلّ ما تراه من علوم ومعارف عند العارفين فهو من علوم الصمدية ثمّ فرّق لك الأمر فقال ( لم يلد ) فلا اتصال ( ولم يولد ) فلا انفصال ...
قلت : مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم له من الحقائق الإلهية حقيقته المحمّدية وحقيقته الأحمدية وهي أعلى درجة في عبوديته التي لا نهاية لها ولا غاية عليه الصلاة والسلام فإنّ العبودية لا نهاية لها ولا غاية موافقة للألوهية التي لا غاية لها ولا نهاية ..فحيثما كان الربّ ربّا كنت أنت له عبدا فإذا علمت أنّه معك في كلّ زمان ومكان علمت أنّك عبد في كلّ حالة كما قال عليه الصلاة والسلام ( إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ) لأنّه لا يرى مع الله سواه إله ولا يرى مع نفسه سواه عبدا فتحلّى بجميع أصول وفروع عبوديته بعد أن تجلّت عليه الألوهية بجميع معاني التنزيه فقال عليه الصلاة والسلام ( إنما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله ) فأمرنا بأن نقول بأنّه عبد الله ورسوله فنقول أنت يا رسول الله عبد الله ورسوله صلى الله عليك وسلّم وآلك وصحبك.
قلت : ضمير ( الهــو ) يجمع سائر الاسماء والأفعال والصفات وغيب هوية الذات بما فيها إسمه تعالى الجامع وهو قولنا ( اللـــه ) فله مراتب منها ما هو متصل ولكن لا يتصل إلاّ بإسمه الجامع الله أمّا متى تعلّق بالصفات فهو مفصول وإنّما الذي يوصله هو إسمه الجامع سبحانه وتعالى فكان إسمه الجامع اللـــه هو الوصل بين هاء الهوية المطلقة وبين الصفات لذا قال له تحديدا ( قل هو اللــه أحد ) ولم يقل له ( قل اللــه أحد ) فإسمه ( هــو ) الأوّل وكذلك إسمه هو الآخر وكذلك إسمه ( هــو ) الظاهر وكذلك إسمه ( هــو ) الباطن.
فمتعلّق إسمه الجامع الله هو العرفان أمّا متعلّق إسمه ( هــو ) فهو العبودية المطلقة مع الأميّة الجامعة وهو غيب الذات المطلق الذي لا يعلمه نبيّ مقرّب ولا رسول مرسل مهما علا شأنه أزلا وأبدا لذا قيل ( لا يعرف ما هو إلا هو ) سبحانه وتعالى عما يشركون لذا تعددت معارف العارفين حتّى يضحى العارف الكامل مع عارف آخر أعلى منه معرفة بربه كحال جاهل مع عالم لقوله تعالى ( وفوق كل ذي علم عليم ) أي أنّ العلم درجات فحيثما وصل علمك وصلت حجتك فقد لا تكون حجتك صالحة ولا حقيقية بالنسبة لمن هو أعلى وأرفع درجة في العلم منك كما قال الملائكة معترفة بفضل آدم ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ).
أمّأ كون أنّ الأسماء الحسنى 99 إسما فقط وأنّ تمام المائة إسم الله تعالى الجامع فهذا صحيح وقد رود به الحديث ولكن لا ينفي بتاتا أنّ لله تعالى أسماء أخر كثيرة وردت بها السنّة كإسمه تعالى الحنان والمنان فالمراد في الحديث ذكر الأسماء الجامعة المتعلقة خاصّة بالمعرفة وليس نفي غير ذلك من الأسماء بل قد ورد صريحا في السنّة قوله عليه الصلاة والسلام ( اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ ) فهو صريح في بابه خصوصا قوله ( أو علّمته أحدا من خلقك ).
فمسائل الضمائر في القرآن العظيم أخفاه جلّ الأولياء لأنّ القرآن في أعلى حقائقه هي حقائق التوحيد الحقّ والكلام الصدق لأنّ كلّ شيء في الكون إنّما قام على التوحيد نعني على وحدانية الله تعالى فلا قيام لشيء في الوجود على غير تلك الوحدانية لله تعالى فمحال أن تكون هناك ذرّة في الوجود إلاّ وساري فيها سرّ وحدانية الله تعالى فمن لم يستشعر سرّ تلك الوحدانية لله تعالى فسيتشتت قلبه ولا تنجمع روحه على توحيد الله تعالى ...
فمثلا من جملة مشاهدة وحدانية الله تعالى في الوجود ظاهرا وباطنا منها قوله عليه الصلاة والسلام لمّا سمع بعضهم يسبّ الدهر فقال ( لا تسبّوا الدهر فإنّ الله هو الدهر ) أي أنّ الدهر من صنع الله تعالى فلا تسبوه وهكذا هي مشاهد الأولياء رضي الله عنهم يجدون نفس التوحيد في كلّ شيء فما بالك في القرآن كلام الله تعالى فقد فهموا من إسمه ( هــو ) ما لم يفهمه غيرهم فتلك حجّتهم لأنّهم أعلم الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكتاب الله تعالى ومراداته وكيف لا وهم أهل العرفان المكاشفون رضي الله عنهم أمّا من يسأل فما بال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يأمر بذكر إسمه ( هــو ) أو إسم الصدر ( آه ) فنقول أنت تعلم أنّ ما يصلح للخواص قد لا يصلح للعوام بدليل أنّه قال عليه الصلاة والسلام في الأسماء ( ... أو علّمته أحد من خلقك ) فهنا مجال الإختصاص لقوله تعالى في ذلك ( يختص برحمته من يشاء ) أي سواء رحمته العامّة أوالخاصّة يختصّ بها من يشاء.
فلماذا هنا خصّ بعد الناس بهذا التعليم فلم تنكر عليه عليه الصلاة والسلام ثمّ ما أدراك وما هي حجّتك على أنّ هذا الأحد من الناس لا يكون في أمّة الحبيب صلى الله عليه وسلّم ثمّة ما يدريك أنه لا يكون من ضمن الأولياء ...إلخ رغم قول الله تعالى ( كنتم خير أمّة أخرجت لناس ) فهل هذه الأمّة يعوزها التحديث والتعليم والإلهام والمعرفة والفهم ... إلخ ثمّ إن المتابع لكلام أهل الله تعالى يفهم الكثير كما قال صاحب الإبريز رضي الله عنه ( في أقلّ من لمحة العين أعلم من اسمائه تعالى مائة ألف اسم أو يزيد ) أم تظنّ أنّك لا تعبد ملك الملوك وربّ الأرباب القائل ( وعندنا مزيد ) والقائل ( وقل رب زدني علما ).
نحن لا نقول بأنّ الأمر بالذكر أو الفتوى تلقى على عواهنها بل نقول أنّ الأمر متى كان صادرا من اشياخ صحّ علمهم وظهرت للعالمين معرفتهم وصحّ وجه دليلهم بنور علمهم ويقين كشفهم يجوز الأخذ به والتعبّد به كإسم الصدر ( آه ) المنعوت بالعمارة بكسر العين عند السادة الشاذلية فقد أجمع الشاذليون من كمّل العارفين على جواز الذكر بل واستحبابه بالنسبة للمريدين السالكين .
وخير فتوى هي العمل به وهو التقرير فمتى راينا كمّل العارفين يذكرون بضمير ( هــو ) فلا يجوز لنا أن نفتي بعدم جوازه كما أفتى بعضهم بعدم جواز الذكر بالإسم المفرد ( اللــه ) كابن القيّم ومن دار في فلكه بعلّة أنّ هذا الذكر أو ذاك يدخل العبد في الحلول والإتحاد والشرك والكفر ... فهذه أقوال ساقطة لا يلقى لها بالا بل للذكر شروطه وقد أوضح العلماء من أهل الله تعالى الإذن ومستلزماته والأذون الخاصّة والعامة والمشيخة وشروطها والتربية وأركانها ومعنى السلوك والتبرك ...إلخ فما قصروا بل أوضحوا كلّ شيء وكل من يخالفهم فهو يتمحّل يريد أن يطفئ نور الله بفيه ...
هذه كلمات قليلة رغم اسهابها وبالله تعالى التوفيق والله تعالى أعلم ثمّ رسوله من بعده ..
نرجع فنقول أنّ الضمائر سواء منها ضمائر المخاطبة أو الغائب أو المتكلم لا يليق منها بالشأن الإلهي من حيث ضمير المخاطب إلا ضمير ( أنت ) ومن حيث ضمير الغائب إلا ضمير ( هــو ) أمّا من حيث ضمير المتكلمّ فيكون من الكلام كما بينّا ( أنا , ونحن ) كقوله تعالى مخاطبا ملائكته الكرام عليهم السلام ( قال إني أعلم ما لا تعلمون ) فأفرد هنا علمه بصفاته ثمّ قال لهم ( وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا ) فما أفرد هنا ذاته كأن يقول مثلا سبحانه ( وإذ قلت للملائكة ) بل قال ( وإذ قلنا للملائكة ) ففيه جميع نحن وهو جمع تعظيم عند أهل اللغة أمّا عندنا فهو جمع صفات وهنا يكمن سرّ الملكوت كي تثبت كل حقيقة في مرتبتها وكل علم في مكانه لأنّ ضمير المتكلم إمّا أن يكون ذاكر حقيقة ذاتية وإمّا أن يكون ذاكرا حقيقة صفاتية أو حقيقة افعالية ...
أمّا في ضمير الغائب فلا يمكننا أن نذكر الضمائر مفردة وجامعة فلا يمكن أن نؤنّث الضمير عند ذكر الله تعالى فنقول ( هنّ ) أو نذكّره بقولنا ( هم ) إلاّ ما كان من كلام أهل الله تعال عند ذكر محابهم وأشواقهم ونسبتهم من الله تعالى فهم يذكرون في تعابيرهم قولهم ( هم أو همــو ) وذلك لأنّ قانون المحبّة يعطي ذلك كما ورد في الحديث القدسي ( فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ويده ورجله .. ) أو كالقائل : أنا من أهوى ومن أهوى أنا فليس هو حلولا ولا اتحادا ولكن هو من قبيل قوله في الحديث القدسي ( فإذا أحبتته كنته ) فهو جمع محاب وليس اتحاد اجساد أو أجسام.
وكذلك في ضمائر المخاطبة فلا نقول إلا ( أنت ) فلا نقول مثلا ( لا إله إلا أنتم ) لأنّ التوحيد يوجب الإفراد لذا قال العارفون بأن الله تعالى واحد في أفعاله ( فلا فاعل إلاّ الله ) وواحد في صفاته ( فلا متجلي إلاّ الله ) وواحد في ذاته ( فلا موجود مع الله ) فمن حيث أفعاله أنت مخلوق ( إقرأ بإسم ربّك الذي خلق خلق الإنسان من علق ) ومن حيث صفاته فأنت عاجز فقير ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ) ومن حيث ذاته أنت عدم محض ( كلّ من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ).
لكن من حيث تلك الضمائر لم يجتمع الظاهر مع الباطن ولا الحقيقة مع المجاز ولا التصوّر مع التصديق .. إلا في ضمير الغائب هو كما قال تعالى ( وهو معكم أينما كنتم ) أي ظاهرا وباطنا في كلّ زمان ومكان بذاته وصفاته وأفعاله لقوله تعالى ( وهو بكلّ شيء محيط ).
فذكر الذاكرون إسمه ( هــو ) من حيث مجهولية هذه العظمة الإلهية التي لا تتكيّف بتكيّف ولا يلحقها عقل ولا بصر ولا روح ولا قلب ولا فهم ولا علم وهو مقام الحيرة كما قيل وصل الواصلون إلى الحيرة ( قل هـــو ) ثمّ ارجع إلى ( اللـــه ) ( قل هو الله ) ثمّ ارجع إلى ( أحد ) الأحدية ثمّ إلى الصمدية فكلّ ما تراه من علوم ومعارف عند العارفين فهو من علوم الصمدية ثمّ فرّق لك الأمر فقال ( لم يلد ) فلا اتصال ( ولم يولد ) فلا انفصال ...
قلت : مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم له من الحقائق الإلهية حقيقته المحمّدية وحقيقته الأحمدية وهي أعلى درجة في عبوديته التي لا نهاية لها ولا غاية عليه الصلاة والسلام فإنّ العبودية لا نهاية لها ولا غاية موافقة للألوهية التي لا غاية لها ولا نهاية ..فحيثما كان الربّ ربّا كنت أنت له عبدا فإذا علمت أنّه معك في كلّ زمان ومكان علمت أنّك عبد في كلّ حالة كما قال عليه الصلاة والسلام ( إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ) لأنّه لا يرى مع الله سواه إله ولا يرى مع نفسه سواه عبدا فتحلّى بجميع أصول وفروع عبوديته بعد أن تجلّت عليه الألوهية بجميع معاني التنزيه فقال عليه الصلاة والسلام ( إنما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله ) فأمرنا بأن نقول بأنّه عبد الله ورسوله فنقول أنت يا رسول الله عبد الله ورسوله صلى الله عليك وسلّم وآلك وصحبك.
قلت : ضمير ( الهــو ) يجمع سائر الاسماء والأفعال والصفات وغيب هوية الذات بما فيها إسمه تعالى الجامع وهو قولنا ( اللـــه ) فله مراتب منها ما هو متصل ولكن لا يتصل إلاّ بإسمه الجامع الله أمّا متى تعلّق بالصفات فهو مفصول وإنّما الذي يوصله هو إسمه الجامع سبحانه وتعالى فكان إسمه الجامع اللـــه هو الوصل بين هاء الهوية المطلقة وبين الصفات لذا قال له تحديدا ( قل هو اللــه أحد ) ولم يقل له ( قل اللــه أحد ) فإسمه ( هــو ) الأوّل وكذلك إسمه هو الآخر وكذلك إسمه ( هــو ) الظاهر وكذلك إسمه ( هــو ) الباطن.
فمتعلّق إسمه الجامع الله هو العرفان أمّا متعلّق إسمه ( هــو ) فهو العبودية المطلقة مع الأميّة الجامعة وهو غيب الذات المطلق الذي لا يعلمه نبيّ مقرّب ولا رسول مرسل مهما علا شأنه أزلا وأبدا لذا قيل ( لا يعرف ما هو إلا هو ) سبحانه وتعالى عما يشركون لذا تعددت معارف العارفين حتّى يضحى العارف الكامل مع عارف آخر أعلى منه معرفة بربه كحال جاهل مع عالم لقوله تعالى ( وفوق كل ذي علم عليم ) أي أنّ العلم درجات فحيثما وصل علمك وصلت حجتك فقد لا تكون حجتك صالحة ولا حقيقية بالنسبة لمن هو أعلى وأرفع درجة في العلم منك كما قال الملائكة معترفة بفضل آدم ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ).
أمّأ كون أنّ الأسماء الحسنى 99 إسما فقط وأنّ تمام المائة إسم الله تعالى الجامع فهذا صحيح وقد رود به الحديث ولكن لا ينفي بتاتا أنّ لله تعالى أسماء أخر كثيرة وردت بها السنّة كإسمه تعالى الحنان والمنان فالمراد في الحديث ذكر الأسماء الجامعة المتعلقة خاصّة بالمعرفة وليس نفي غير ذلك من الأسماء بل قد ورد صريحا في السنّة قوله عليه الصلاة والسلام ( اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ ) فهو صريح في بابه خصوصا قوله ( أو علّمته أحدا من خلقك ).
فمسائل الضمائر في القرآن العظيم أخفاه جلّ الأولياء لأنّ القرآن في أعلى حقائقه هي حقائق التوحيد الحقّ والكلام الصدق لأنّ كلّ شيء في الكون إنّما قام على التوحيد نعني على وحدانية الله تعالى فلا قيام لشيء في الوجود على غير تلك الوحدانية لله تعالى فمحال أن تكون هناك ذرّة في الوجود إلاّ وساري فيها سرّ وحدانية الله تعالى فمن لم يستشعر سرّ تلك الوحدانية لله تعالى فسيتشتت قلبه ولا تنجمع روحه على توحيد الله تعالى ...
فمثلا من جملة مشاهدة وحدانية الله تعالى في الوجود ظاهرا وباطنا منها قوله عليه الصلاة والسلام لمّا سمع بعضهم يسبّ الدهر فقال ( لا تسبّوا الدهر فإنّ الله هو الدهر ) أي أنّ الدهر من صنع الله تعالى فلا تسبوه وهكذا هي مشاهد الأولياء رضي الله عنهم يجدون نفس التوحيد في كلّ شيء فما بالك في القرآن كلام الله تعالى فقد فهموا من إسمه ( هــو ) ما لم يفهمه غيرهم فتلك حجّتهم لأنّهم أعلم الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكتاب الله تعالى ومراداته وكيف لا وهم أهل العرفان المكاشفون رضي الله عنهم أمّا من يسأل فما بال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يأمر بذكر إسمه ( هــو ) أو إسم الصدر ( آه ) فنقول أنت تعلم أنّ ما يصلح للخواص قد لا يصلح للعوام بدليل أنّه قال عليه الصلاة والسلام في الأسماء ( ... أو علّمته أحد من خلقك ) فهنا مجال الإختصاص لقوله تعالى في ذلك ( يختص برحمته من يشاء ) أي سواء رحمته العامّة أوالخاصّة يختصّ بها من يشاء.
فلماذا هنا خصّ بعد الناس بهذا التعليم فلم تنكر عليه عليه الصلاة والسلام ثمّ ما أدراك وما هي حجّتك على أنّ هذا الأحد من الناس لا يكون في أمّة الحبيب صلى الله عليه وسلّم ثمّة ما يدريك أنه لا يكون من ضمن الأولياء ...إلخ رغم قول الله تعالى ( كنتم خير أمّة أخرجت لناس ) فهل هذه الأمّة يعوزها التحديث والتعليم والإلهام والمعرفة والفهم ... إلخ ثمّ إن المتابع لكلام أهل الله تعالى يفهم الكثير كما قال صاحب الإبريز رضي الله عنه ( في أقلّ من لمحة العين أعلم من اسمائه تعالى مائة ألف اسم أو يزيد ) أم تظنّ أنّك لا تعبد ملك الملوك وربّ الأرباب القائل ( وعندنا مزيد ) والقائل ( وقل رب زدني علما ).
نحن لا نقول بأنّ الأمر بالذكر أو الفتوى تلقى على عواهنها بل نقول أنّ الأمر متى كان صادرا من اشياخ صحّ علمهم وظهرت للعالمين معرفتهم وصحّ وجه دليلهم بنور علمهم ويقين كشفهم يجوز الأخذ به والتعبّد به كإسم الصدر ( آه ) المنعوت بالعمارة بكسر العين عند السادة الشاذلية فقد أجمع الشاذليون من كمّل العارفين على جواز الذكر بل واستحبابه بالنسبة للمريدين السالكين .
وخير فتوى هي العمل به وهو التقرير فمتى راينا كمّل العارفين يذكرون بضمير ( هــو ) فلا يجوز لنا أن نفتي بعدم جوازه كما أفتى بعضهم بعدم جواز الذكر بالإسم المفرد ( اللــه ) كابن القيّم ومن دار في فلكه بعلّة أنّ هذا الذكر أو ذاك يدخل العبد في الحلول والإتحاد والشرك والكفر ... فهذه أقوال ساقطة لا يلقى لها بالا بل للذكر شروطه وقد أوضح العلماء من أهل الله تعالى الإذن ومستلزماته والأذون الخاصّة والعامة والمشيخة وشروطها والتربية وأركانها ومعنى السلوك والتبرك ...إلخ فما قصروا بل أوضحوا كلّ شيء وكل من يخالفهم فهو يتمحّل يريد أن يطفئ نور الله بفيه ...
هذه كلمات قليلة رغم اسهابها وبالله تعالى التوفيق والله تعالى أعلم ثمّ رسوله من بعده ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق