إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الأحد، 3 نوفمبر 2013

الشموس العرفانية في معرفة حضرة إسمه ( هــو ) التوحيدية 1

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وآله وصحبه

أمّا بعد :

فالطرح المكتوب في موضوع منشور بالرياحين ( غزل الحقائق وحياكة الرقائق في عدم مشروعية الذكر بالضمير "هـو ) و رغم ظهوره في لبوس العلم والتحقيق إلاّ أنّ الأمر لا يعدو كونه رأيا شخصيا من صاحبه أنتجته تصوّرات خاطئة كما قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوّره ...

فلمّا تصوّر صاحب المقالة أنّ الذكر بالضمير المنفصل ( هـــو ) لا يجوز شرعا ولا تحقيقا بنى جميع تلك التصورات عليه ومنها نافح عنها وذبّ بأدلّة في حدّ ذاتها واهية ويعوزها التحقيق شكلا ومضمونا ..

التصوّر الأوّل : من حيث اللغة سواء في نحوها وإعرابها أو في معانيها من حيث الألفاظ مهما كانت واشتراكاتها فتصوّر كاتب المقالة أنّ الضمائر سواء أكانت متصلة أم منفصلة هي أمور مشتركة عند التعبير اللغوي سواء في شؤون الخالق جلّ وعلا أو في شؤون المخلوق.

قلت هذا الكلام فيه حقّ وباطل فمن حيث الحق كون الإشتراك حصل في الألفاظ أمّا الباطل فإنّها لم تقع في المعاني لأنّ الألفاظ مهما كانت مشتركة فالفيصل في معرفة ما يجوز منها وما لا يجوز هي المعاني التي لا يمكن بحال أن يكون لها الإشتراك فالألفاظ قد تكون في بعض الأحيان من المتشابهات كقوله تعالى ( استوى ) فلو فسرنا تلك اللفظة بحسب مدلولها العربي اللغوي العام لفسرنا الألفاظ بما لا يتوافق مع حقائق مدلولاتها فليس اللفظ الذي يدلّ على الخالق جل وعلا له من المعاني ما لنفس الألفاظ المشتركة التي تدلّ على المخلوق سواء في الأسماء أو الأفعال أو الحروف مهما كانت كما قال تعالى ( يتبعون ما تشابه منه ) أي يتبعون لفظه المتشابه دون معانيه المتفارقة ...

الضمائر التوحيدية الدالة على ذات وصفات الباري سبحانه وتعالى لها من الوجوه إثنان : ضمير المخاطب الحاضر ( أنت ) وضمير الغائب ( هو ) فضمير المخاطب ( أنت ) يعطي من الحقائق عالم الظهور خاصّة أمّا ضمير ( هو ) فيعطي كليهما ( الظهور والبطون ) والبطون خاصة غير منفصلين وهذا مشهد العارفين ( وهو الأوّل والآخر والظاهر والباطن ) فهاء الهوية للجمع فهو نفس توحيدي خالص لا يدركه غير أهله من العارفين رضي الله عنهم وعنّا بهم ..

لذا ذكر الشيخ الأكبر أنّ هذا الذكر هو ذكر خاصّة الخاصّة من الأولياء رضي الله عنهم فعليهم يدور رحاه فلا نقول أنّ هذا الذكر يوقع في الاتحاد أوالحلول متى أدركنا أنّه ذكر خاصّة الخاصّة بل نقول هو ذكر خاص بأهله فلو علمنا أنّ هناك شيخ عارف بالله تعالى كامل مأذون ذكر في زاويته هذا الذكر مع مريديه تحت سمعه وبصره وبأمره فلا حجر عليهم في ذلك ولا نكران لأنّ مريدي الشيخ تبع له فهم في حكم حضرة شيخهم ... لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ..

قال تعالى في حقّ سيدنا يونس عليه السلام ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين ).

وقال تعالى ( هو الله الذي لا إله إلا هو ) فذكر هنا الضمير مرتين كي تفهم عنه معاني حقائقه في كلامه عبر أشائره في فرقانه ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ).

فرجعت جميع الضمائر في حقيقتها إلى ضميرين هما : ضمير ( أنت ) و ضمير ( هو ) أمّا ضمير ( أنا ) ومتعلقاته فقد استعاذ المؤمنون منه لأنّ ( الأنا ) فيها استشعار الوجود بنفسك لنفسك كما قال ابليس لعنه الله تعالى ( أنا خير منه ) فقصد هنا نفسه ووجودها فالضمائر في اللغة تذكر دلالة مجازية لبيان المرادات والدلالات أمّا في الشرع فتذكر في وصف العبودية كما قال عيسى عليه السلام ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) فلا تخرج الأنا في الشرع إلا مقرونة بوصف العبودية كقولك ( أنا العبد الفقير الى الله ) أو أنا عبد الله ورسوله .. إلخ أوصاف قرائن العبودية ..

فكانت الضمائر بأقسامها الثلاثة للمتكلم أو للمخاطب أو للغائب لها من الحقائق ثلاث متى تعلّق الأمر بالشأن الإلهي .. فصار النهي عن التكلم حقيقة بضمائر المتكلم لأنّها توقع في دعوى الألوهية وتوقع في الحلول والاتحاد أيضا لأنّ الحلول والأتحاد كفر وهو جعل الصفات عين الذات وهذا غير صحيح علميا لذا قال تعالى ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) فتوقفت الخشية على العلم كما توقف العلم على العمل كما توقف العمل على الحال فعلم بلا عمل هو كعمل بلا حال ... فمتى فقد العلم ظهر الجهل والله تعالى لا يعبد بجهل ...

فكان للخلق من الضمائر للطلب ضمير المخاطب وهو أنّك تخاطب الباري جلّ وعلا كقولك ( لا إله أنت ) أو يا رب أتتني أو امدنني .. إلخ عبارات الدعاء والطلب أو قول الملائكة ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) .. إلخ فهي كلها آيات ودعوات وطلبات سواء ظهر إسم المخاطب أو لم يظهر لأنّ المخاطب موجود حاضر ...

فصار الخطاب من الخلق الى الله تعالى بضمير المخاطب أنت أمّا في صورة الإخبار عنه فيكون ضمير الغائب ( هـــو ) كقول إبراهيم عليه السلام ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) فهذا للحاضر الباطن الغير مشاهد ولا مدرك بالبصر ولا بالعقل كما قال تعالى في هذا المشهد ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) فضمير هو هنا للباطن الحاضر الذي لا يقع عليه الإدراك ولا الإبصار.

فضمير هو للحقيقة وهو للباطن خاصّة وقد وردت الإشارات القرآنية بهذا كثيرا كقوله تعالى ( الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ) وقوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) فأنت لا تدرك ولا يمكنك أن تبصر متعلقات تلك الحياة الإلهية ولا كيفيتها ولا يمكن أن تفهم سرّ الملكوت إلاّ من حيث ضمير الغائب المنفصل ( هـــو ) .


وكذلك فلا يمكنك أنّ تدرك أيّة حقيقة من حقائق معاني التوحيد كمعاني الأسماء الإلهية كإسمه تعالى ( الصبور أو الهادي أو النافع أو الضار أو المعطي أو الحي أو المميت أو الرزاق ..إلخ الأسماء ) إلاّ من حيث مكاشفتك بسرّ الملكوت وسرّ الملكوت أمر باطن ومتعلّقه الباطن سواء في المعنويات أو الحسيات وإنّما تشاهد في الحسيات معانيها وفي المعاني حسياتها أو معاني معانيها باعتبار أن معاني الملكوت حسيات مقارنة بمعاني معانيها قال تعالى ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) أي سترى يا إبراهيم سرّ أفعالي وصفاتي في عوالم مكنوناتي وهذا من عالم الإيقان لأنّ حدّ الإيقان عالم ملكوت السماوات والأرض بخلاف عالم الإحسان فهو أعلى من ذلك وهو من العلم الذي أمرنا الله تعالى بتعلّمه من حيث ( اتقوا الله ويعلمكم الله ).

 فسرّ الأسماء والصفات من عالم الملكوت أمّا سرّ الذات فهو من عالم الجبروت وقد ورد التوحيد في القرآن الكريم في مراتبه الثلاث : مرتبة الأفعال , مرتبة الصفات , الذات ولكلّ مرتبة من هذه المراتب ثلاث مراتب كلها تدلّ على توحيد الله تعالى هذا واعلم أيّها الفقير أنّ كلّ شيء في الأكوان ظاهرا أو باطنا لا يدلّك على أنّه الواحد فهو حجاب وضلال مبين ..

فمرتبة الأفعال لها من الضمائر ضمائر المتكلم بحسب تلك المراتب الثلاث كقوله تعالى في افراد مرتبة الذات ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) وكقوله تعالى في إفراد مرتبة الصفات ومقتضياتها (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآءُ وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) وكقوله تعالى في إفراد مرتبة الأفعال ومتعلقاتها ( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) وأيضا قوله تعالى ( وقد خلقتك من قبل ولم تكُ شيئا ).

لأنّ الخلق والصنع له تعلقان الإفراد والجمع أي الفعل والصفة.

ثمّ مرتبة ضمير المخاطب ( أنت ) فيثبتها الله تعالى على لسان عبيده كقوله حين أفرد مرتبة الذات على لسان يونس عليه السلام ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) وكقوله حينما أفرد ذكر مرتبة الصفات ( وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوهَّاب )وكقوله تعالى في مرتبة إفراد الأفعال ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ).

ثمّ مرتبة ضمير الغائب ( هــو ) فقد أفرد الذات كقوله تعالى ( هو الله الذي لا إله إلا هو ) ثمّ أفرد الصفات بقوله ( وهو الأوّل والآخر والظاهر والباطن ) ثمّ أفرد الأفعال كقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ).

إنما تناولنا هنا ذكر الضمائر المنفصلة التي في القرآن ولم نتعرّض لذكر الضمائر المتّصلة لأنّها خاصّة ما تكون متصلة بالأفعال سواء في محل رفع فاعل أو مفعول فلها علومها وتفسيرها المتعلقة بالكون والخلق وقد ألّف الإمام سيدي أبو القاسم القشيري وكذلك سيدي ابن عجيبة رضي الله عنهما في نحو القلوب أي تفسير النحو على وجوه من الحقائق التوحيدية باعتبار أن اللغة العربية هي لغة القرآن فكانت لغة توحيدية على شروط توقيفات القرآن اللغوية والنحوية والصرفية والرسمية .. 


فالقرآن جاء بتصحيح اللغة العربية كما قال تعالى ( . بلسان عربيّ مبين ..) فأهل القرآن هم أفصح العرب كما قال عليه الصلاة والسلام ( أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا ) .

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È