بسم الله الرحمان الرحيم
السؤال الرابع :
( ما السر الكامن باللمسة الروحية ( البيعة ) ما المقصد بها وما اسرارها وهل تبقا لمن حظي بها ام انها من الممكن ان تنقض او تزول بفعل الذنوب والمعاصي والتقصير ؟ )
الجواب على هذا السؤال والله أعلم :
أوّلا : قبل الجواب لا بدّ من طرح تمهيد لا غنية عنه ليفهم ما بعده.
إنّما إشترط القوم من أهل الله تعالى التأكّد من أحقيّة الشيخ المتصدّر للتربية والإرشاد والإمامة في طريق الله لذا فلا يصل إلى الله تعالى أحد من العباد غالبا إلا على يد الشيخ الحقيقي في كلّ مصر وعصر لذا حذّر المشائخ من الدعاة الكذّابين على الله و رسوله من الذين جمعوا الناس على طعامهم وشرابهم وليس لهم من الإذن شيء ومعرفة الشيخ الحقيقي لا تتحقّق إلا بمعرفة شروط المشيخة وأركانها وقد أوضحناها أعلاه بما ورد عن أئمّة القوم في ذلك فإنّ كلامهم عليه المعتمد لأنّه إجماع منهم وهي القاعدة العامّة الشاملة التي أجمع عليها القوم من المشائخ أهل التربية والإرشاد في كلّ عصر.
قال الجنيد : من لم يحفظ كتاب الله ولم يكتب حديث رسول الله لا يقتدى به في طريق القوم.
وأهمّ شرط من شروط المشيخة الذي لا يمكن أن يوجد بغير الشروط الأخرى فهو آخر الشروط وأهمّها بالنسبة للمريدين ألا وهو شرط : الإذن أي أن يكون الشيخ مأذونا من شيخه إذنا شفويّا بصريح العبارة ويعضد ذلك إذنا كتابيّا متى سنحت الظروف
وهي المعبّر عنها بالإجازة.
فبهذا الشرط وهو شرط الإذن يوصل الشيخ مريده إلى الإتّصال الحقيقي بسند النسبة القلبي الربّاني أو تقول يوصله إلى النسبة الروحية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ففاقد هذا الشرط لا يمكنه وصل مريده بسلسلة القوم باطنيّا لأنّ صاحب الإذن هو الحامل فقط لسرّ النسبة المحمديّة الإلهية أمّا غيره فليس له هذه المزيّة ولو كان هذا الغير عارفا بالله تعالى فإنّه قد لا يكون مأذونا بالتربية والإرشاد أي ليس له إذن الدعوة الخاصّ فقد تجد عند الشيخ جملة من العارفين وتجد المأذونين بالإرشاد واحد منهم أو نفر منهم قليل.
هذا أوّلا : لنعلم السرّ في الإتّصال بالمأذون وأخذ العهد ( البيعة ) عليه أي ليوصلك بالحضرة المحمديّة النبويّة إتّصالا حقيقيّا معنويّا قلبيّا باطنيّا ربانيّا.
بمعنى أنّه بالبيعة من المأذون يسري يتحقّق إتّصالنا بتصوّف النبيّ صلى الله عليه وسلّم أو تقول برواية إحسانه أو تقول الإتّصال بنسب روحه الشريف صلى الله عليه وسلّم أي مقام الحال القلبي النبوي الشريف.
والأمر بهذا التفصيل :
هناك : أقوال النبيّ صلى الله عليه وسلّم
: وهناك أفعاله
: وهناك تقريراته
: وهناك أوصافه
والأمر الخامس : هو حاله , وطريق الإسناد فيه هو ما تراه من الإذن من بيعة وإرشاد وذكر خاصّ وغيره عند مشائخ الصوفية.
فرواية الحال الباطني لرسول الله صلى الله عليه وسلّم هو ما نسمّيه اليوم ( تصوّف ).
فالبيعة هي إتّصال السند به في هذا الأمر الخامس لذا قيل من لا شيخ له أي لا إذن له ولا رابطة ولا حفظ فشيخه الشيطان , لأنّ طريق الأحوال والمقامات لا يمكن السير فيه إلا بدليل إمّا أن يكون هذا الدليل شيخا عارفا مرشدا وأمّا يكون شيطانا مريدا.
فإنّ أقواله صلى الله عليه وسلّم وأفعاله وتقريراته ما خرجت في الحقيقة إلا من باطنه أي من تحقّق حاله مع الله تعالى في جميع المراتب والنسب.
أمّا العلماء اليوم أقصد علماء الظاهر فلا سند لهم في الأمر الخامس أي نسبتهم وسندهم من باطن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأسانيدهم منقطعة , فإنقطعوا عن باطن حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع ربّه فرأوا محمدا الظاهر كرسول وإنقطعوا عن محمد الباطن كنبيّ لذا لم تكن لهم واردات ولا إلهامات ولا معارف ولا دقائق ولا حقائق بل هم علماء الرسوم فكانت أسانيدهم في الرسوم الظاهرة هي المعتمدة عندهم أمّا سندهم الباطني فليس عندهم , ومن إنقطع باطنه عن ظاهره فقد وقع في حجاب الغفلة عن عالم النور والأسرار فهو لقيط لا أب له أي في طريق السلوك والعروج ومعرفة المولى سبحانه.
وفي هذا الأمر الخامس الذي غفل عنه العلماء فضلا عن العوام وأختصّ به ساداتنا الصوفية قال الله تعالى : ( إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله ).
وهي المبايعة الخاصّة لذا قال : ( يد الله فوق أيديهم ) فخفي هنا المجاز وظهرت الحقيقة , وهذه الحقيقة أنّ المبايعة هي الإتّصال بالنسبة الربانية الإلهية الخالصة بمعنى أنّك في بيعتك للشيخ لم تبايع حقيقة إلا رسول الله ومنه أنّك لم تبايع في الحقيقة الحقّة إلا الله تعالى وما بايعك الله تعالى إلا ليأخذ بيدك إليه ليدخلك حضرته ويتحفك بمحبّته.
متى إتّصلت يدك بيد رسول الله المتمثّلة في يد الشيخ الكامل بحكم التسلسل في سند البيعة إلى رسول الله فما بايعت حقيقة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذا لتعلم جلالة الأمر ( وما هو بالهزل ) وطريقنا هذا كلّه جدّ لا هزل فيه ( يمزح ولا يقول إلا حقّا ).
هذا لتعلم فخامة الإنتساب وشرفه العظيم وأنّك من المختارين عند الله تعالى وأنّ الله تعالى قبلك عنده وفتح لك باب الرجاء فيه على مصراعيه.
والإشارة إلى مبايعة الله تعالى أي مبايعته على ذكره الذي هو سبب عظيم يفضي بك إلى محبّته التي هي الغاية المنشودة.
فسرّ المبايعة لتحقيق الإنتساب إلى جنابه فيقال لك أنت ( فقير ) و ( مريد ) نسبة حقيقية وقعت لك بالمبايعة الحقيقية , أمّا الذكر فهو السير إليه المتمثّل في الأوراد العامّة والخاصّة التي أذنك فيها الشيخ المربي بحسب نظره فيك وإطّلاعه على احوال نفسك في مراتبها.
فالمبايعة هي الإذن في السير أي فتح الباب لك لمعرفة الله تعالى , أمّا الذكر فهو زاد المسافر وهو السير والسلوك إلى معرفة ملك الملوك فهما متلازمان فالمبايعة قبول ودخول وإتّصال بالنسب الروحي النبوي الرباني ( ونفخت فيه من روحي ) فافهم.
أمّا الذكر فللإلتزام والثبات لأنّه الزاد والسلاح الذي تقاتل به قطّاع الطريق وخاصّة قاطع طريقك الذي أخبرك عنه المولى بقوله : ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) وهو هذا الطريق فأعطاك الله الذكر الذي يقصمه وهو الذكر المأخوذ بالإذن لأنّ فيه النفس الإلهي ولذا كان ذكر المأذونين شأنه عظيم.
قال لي أحد ساداتنا العارفين رضي الله عنه سنة 1986 : البارحة يا إخواني ذكر الله معي سيدي فلان ( وكان من كبار العارفين بالله ) ذكر بإسم ما سمعته قطّ بحياتي حتى خفت كثيرا وأنا بجانبه أذكر الإسم المفرد فأحسست عندما يلفظ ذكره بذلك الإسم وكأنّ الأرض كلّها تزلزل من تحتي ...إلخ.
فالمبايعة أمرها عظيم عند الله وعهدها كان مسؤولا فهو أهمّ وأخطر عهد عقدناه بحياتنا كلّها لأنّه عهدا حقيقيّا ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله يد الله فوق أيديهم أي ذكر بعد المبايعة مقام العجز عجز العبد عن كلّ شيء وهي بداية الفناء في الأفعال فلا فاعل إلا الله تعالى إلى غير ذلك من أسرار الآية.
وإنّما أكثرنا من ذكر الشيخ المأذون لأنه أساس السير وهو بابه قال حكيم السادة الصوفية إبن عطاء الله السكندري رضي الله عنه : ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ).
فمن أخذ شيخه بهذه الجديّة وعلى هذا المحمل العظيم نجح وفاز وفتح عليه ونال ثواب الدنيا والآخرة.
فالمأذون هو الوليّ الذي أشار إليه سيدي إبن عطاء الله السكندري.
أما أن البيعة تنقض فنعم فمتى لم يعتن بها المريد وأهملها فلا محالة أنّها تنقض لذا أوصانا الله تعالى بالمحافظة عليها ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ) فأنظر قوله ( ولا تنقضوا ) فمن عاهد ربّه على الورد اليومي وعلى الذكر وو...إلخ ثمّ أهمل ذلك وتركه فعليه أن يتوب ويجدّد العهد حتى يسير في الطريق ويذوق من معانيها شيئا فعندها يقول الله تعالى له ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) لأنّهم ذاقوا وساروا.
أمّا الذنوب والمعاصي فلا دخل لها فيها هنا قيل للجنيد ( أيزني العارف ) فأجاب ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) فما على الإنسان إلا التوبة النصوح ولو رجع إلى الذنب في اليوم مائة مرّة بشرط أن لا يكون يتعمّده أو يصرّ عليه أو يحبّه ويميل إليه وقد يبتلى المريد بجملة من الذنوب بل ومن الكبائر لكنّه سريعا ما يتوب منها بشروط التوبة ويستغفر ربّه وقد قيل ( ربّ معصية أورثت ذلاّ وإنكسارا خير من طاعة أورثت عزّا وإستكبارا ) وربّ ذنب أسعد صاحبه وأدخله الجنّة كما ورد في الحديث وذلك أنّه يتمّ فارّا منه هاربا عنه.
فالذنوب لا تنقض البيعة ولا العهد بل الذي ينقض العهد هو إبطاله فلا ورد ولا ذكر ولا إستقامة ولا محبّة للشيخ ولا لإخوانه ولا نفقة ولا خدمة ولا حضور ..إلخ
فهذا الذي يخرج الفرد من نسبة أهل الله.
والمحبّة في طريق الله هي الركن الأساس فمن عدمت محبّته خرج من الطريق ولو كان ملازما ظلّ الشيخ , أمّا المحبّ الشائق العاشق فهو معهم ولو لم يكن منهم.
ورحمة الله بخلقه أوسع بكثير مما نتصوّر ومن لم يرى رحمة الله فيه فليشاهدها في غيره كي لا يقنط منها ورحمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم معلومة.
قال عليه الصلاة والسلام : ( إنّما أنا رحمة مهداة ) وهكذا الشيوخ بحكم النسبة والوراثة فهم أيضا رحمة من الله مهداة ( وكلّهم من رسول الله ملتمس ).
فرحمة المشائخ بنا من رحمة الله بهم وبنا.
فلنشكر الله تعالى على نعمة الطريق فهي نعمة عظيمة ليس لها في الأثمان قيمة وكذلك نعمة الإخوان فهي من أجلّ النعم ( كونوا عباد الله إخوانا ) ( إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ).
فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والإحسان ( وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ) ( صراط الذين أنعمت عليهم ).
يتبع...
السؤال الرابع :
( ما السر الكامن باللمسة الروحية ( البيعة ) ما المقصد بها وما اسرارها وهل تبقا لمن حظي بها ام انها من الممكن ان تنقض او تزول بفعل الذنوب والمعاصي والتقصير ؟ )
الجواب على هذا السؤال والله أعلم :
أوّلا : قبل الجواب لا بدّ من طرح تمهيد لا غنية عنه ليفهم ما بعده.
إنّما إشترط القوم من أهل الله تعالى التأكّد من أحقيّة الشيخ المتصدّر للتربية والإرشاد والإمامة في طريق الله لذا فلا يصل إلى الله تعالى أحد من العباد غالبا إلا على يد الشيخ الحقيقي في كلّ مصر وعصر لذا حذّر المشائخ من الدعاة الكذّابين على الله و رسوله من الذين جمعوا الناس على طعامهم وشرابهم وليس لهم من الإذن شيء ومعرفة الشيخ الحقيقي لا تتحقّق إلا بمعرفة شروط المشيخة وأركانها وقد أوضحناها أعلاه بما ورد عن أئمّة القوم في ذلك فإنّ كلامهم عليه المعتمد لأنّه إجماع منهم وهي القاعدة العامّة الشاملة التي أجمع عليها القوم من المشائخ أهل التربية والإرشاد في كلّ عصر.
قال الجنيد : من لم يحفظ كتاب الله ولم يكتب حديث رسول الله لا يقتدى به في طريق القوم.
وأهمّ شرط من شروط المشيخة الذي لا يمكن أن يوجد بغير الشروط الأخرى فهو آخر الشروط وأهمّها بالنسبة للمريدين ألا وهو شرط : الإذن أي أن يكون الشيخ مأذونا من شيخه إذنا شفويّا بصريح العبارة ويعضد ذلك إذنا كتابيّا متى سنحت الظروف
وهي المعبّر عنها بالإجازة.
فبهذا الشرط وهو شرط الإذن يوصل الشيخ مريده إلى الإتّصال الحقيقي بسند النسبة القلبي الربّاني أو تقول يوصله إلى النسبة الروحية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ففاقد هذا الشرط لا يمكنه وصل مريده بسلسلة القوم باطنيّا لأنّ صاحب الإذن هو الحامل فقط لسرّ النسبة المحمديّة الإلهية أمّا غيره فليس له هذه المزيّة ولو كان هذا الغير عارفا بالله تعالى فإنّه قد لا يكون مأذونا بالتربية والإرشاد أي ليس له إذن الدعوة الخاصّ فقد تجد عند الشيخ جملة من العارفين وتجد المأذونين بالإرشاد واحد منهم أو نفر منهم قليل.
هذا أوّلا : لنعلم السرّ في الإتّصال بالمأذون وأخذ العهد ( البيعة ) عليه أي ليوصلك بالحضرة المحمديّة النبويّة إتّصالا حقيقيّا معنويّا قلبيّا باطنيّا ربانيّا.
بمعنى أنّه بالبيعة من المأذون يسري يتحقّق إتّصالنا بتصوّف النبيّ صلى الله عليه وسلّم أو تقول برواية إحسانه أو تقول الإتّصال بنسب روحه الشريف صلى الله عليه وسلّم أي مقام الحال القلبي النبوي الشريف.
والأمر بهذا التفصيل :
هناك : أقوال النبيّ صلى الله عليه وسلّم
: وهناك أفعاله
: وهناك تقريراته
: وهناك أوصافه
والأمر الخامس : هو حاله , وطريق الإسناد فيه هو ما تراه من الإذن من بيعة وإرشاد وذكر خاصّ وغيره عند مشائخ الصوفية.
فرواية الحال الباطني لرسول الله صلى الله عليه وسلّم هو ما نسمّيه اليوم ( تصوّف ).
فالبيعة هي إتّصال السند به في هذا الأمر الخامس لذا قيل من لا شيخ له أي لا إذن له ولا رابطة ولا حفظ فشيخه الشيطان , لأنّ طريق الأحوال والمقامات لا يمكن السير فيه إلا بدليل إمّا أن يكون هذا الدليل شيخا عارفا مرشدا وأمّا يكون شيطانا مريدا.
فإنّ أقواله صلى الله عليه وسلّم وأفعاله وتقريراته ما خرجت في الحقيقة إلا من باطنه أي من تحقّق حاله مع الله تعالى في جميع المراتب والنسب.
أمّا العلماء اليوم أقصد علماء الظاهر فلا سند لهم في الأمر الخامس أي نسبتهم وسندهم من باطن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأسانيدهم منقطعة , فإنقطعوا عن باطن حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع ربّه فرأوا محمدا الظاهر كرسول وإنقطعوا عن محمد الباطن كنبيّ لذا لم تكن لهم واردات ولا إلهامات ولا معارف ولا دقائق ولا حقائق بل هم علماء الرسوم فكانت أسانيدهم في الرسوم الظاهرة هي المعتمدة عندهم أمّا سندهم الباطني فليس عندهم , ومن إنقطع باطنه عن ظاهره فقد وقع في حجاب الغفلة عن عالم النور والأسرار فهو لقيط لا أب له أي في طريق السلوك والعروج ومعرفة المولى سبحانه.
وفي هذا الأمر الخامس الذي غفل عنه العلماء فضلا عن العوام وأختصّ به ساداتنا الصوفية قال الله تعالى : ( إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله ).
وهي المبايعة الخاصّة لذا قال : ( يد الله فوق أيديهم ) فخفي هنا المجاز وظهرت الحقيقة , وهذه الحقيقة أنّ المبايعة هي الإتّصال بالنسبة الربانية الإلهية الخالصة بمعنى أنّك في بيعتك للشيخ لم تبايع حقيقة إلا رسول الله ومنه أنّك لم تبايع في الحقيقة الحقّة إلا الله تعالى وما بايعك الله تعالى إلا ليأخذ بيدك إليه ليدخلك حضرته ويتحفك بمحبّته.
متى إتّصلت يدك بيد رسول الله المتمثّلة في يد الشيخ الكامل بحكم التسلسل في سند البيعة إلى رسول الله فما بايعت حقيقة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذا لتعلم جلالة الأمر ( وما هو بالهزل ) وطريقنا هذا كلّه جدّ لا هزل فيه ( يمزح ولا يقول إلا حقّا ).
هذا لتعلم فخامة الإنتساب وشرفه العظيم وأنّك من المختارين عند الله تعالى وأنّ الله تعالى قبلك عنده وفتح لك باب الرجاء فيه على مصراعيه.
والإشارة إلى مبايعة الله تعالى أي مبايعته على ذكره الذي هو سبب عظيم يفضي بك إلى محبّته التي هي الغاية المنشودة.
فسرّ المبايعة لتحقيق الإنتساب إلى جنابه فيقال لك أنت ( فقير ) و ( مريد ) نسبة حقيقية وقعت لك بالمبايعة الحقيقية , أمّا الذكر فهو السير إليه المتمثّل في الأوراد العامّة والخاصّة التي أذنك فيها الشيخ المربي بحسب نظره فيك وإطّلاعه على احوال نفسك في مراتبها.
فالمبايعة هي الإذن في السير أي فتح الباب لك لمعرفة الله تعالى , أمّا الذكر فهو زاد المسافر وهو السير والسلوك إلى معرفة ملك الملوك فهما متلازمان فالمبايعة قبول ودخول وإتّصال بالنسب الروحي النبوي الرباني ( ونفخت فيه من روحي ) فافهم.
أمّا الذكر فللإلتزام والثبات لأنّه الزاد والسلاح الذي تقاتل به قطّاع الطريق وخاصّة قاطع طريقك الذي أخبرك عنه المولى بقوله : ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) وهو هذا الطريق فأعطاك الله الذكر الذي يقصمه وهو الذكر المأخوذ بالإذن لأنّ فيه النفس الإلهي ولذا كان ذكر المأذونين شأنه عظيم.
قال لي أحد ساداتنا العارفين رضي الله عنه سنة 1986 : البارحة يا إخواني ذكر الله معي سيدي فلان ( وكان من كبار العارفين بالله ) ذكر بإسم ما سمعته قطّ بحياتي حتى خفت كثيرا وأنا بجانبه أذكر الإسم المفرد فأحسست عندما يلفظ ذكره بذلك الإسم وكأنّ الأرض كلّها تزلزل من تحتي ...إلخ.
فالمبايعة أمرها عظيم عند الله وعهدها كان مسؤولا فهو أهمّ وأخطر عهد عقدناه بحياتنا كلّها لأنّه عهدا حقيقيّا ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله يد الله فوق أيديهم أي ذكر بعد المبايعة مقام العجز عجز العبد عن كلّ شيء وهي بداية الفناء في الأفعال فلا فاعل إلا الله تعالى إلى غير ذلك من أسرار الآية.
وإنّما أكثرنا من ذكر الشيخ المأذون لأنه أساس السير وهو بابه قال حكيم السادة الصوفية إبن عطاء الله السكندري رضي الله عنه : ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ).
فمن أخذ شيخه بهذه الجديّة وعلى هذا المحمل العظيم نجح وفاز وفتح عليه ونال ثواب الدنيا والآخرة.
فالمأذون هو الوليّ الذي أشار إليه سيدي إبن عطاء الله السكندري.
أما أن البيعة تنقض فنعم فمتى لم يعتن بها المريد وأهملها فلا محالة أنّها تنقض لذا أوصانا الله تعالى بالمحافظة عليها ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ) فأنظر قوله ( ولا تنقضوا ) فمن عاهد ربّه على الورد اليومي وعلى الذكر وو...إلخ ثمّ أهمل ذلك وتركه فعليه أن يتوب ويجدّد العهد حتى يسير في الطريق ويذوق من معانيها شيئا فعندها يقول الله تعالى له ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) لأنّهم ذاقوا وساروا.
أمّا الذنوب والمعاصي فلا دخل لها فيها هنا قيل للجنيد ( أيزني العارف ) فأجاب ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) فما على الإنسان إلا التوبة النصوح ولو رجع إلى الذنب في اليوم مائة مرّة بشرط أن لا يكون يتعمّده أو يصرّ عليه أو يحبّه ويميل إليه وقد يبتلى المريد بجملة من الذنوب بل ومن الكبائر لكنّه سريعا ما يتوب منها بشروط التوبة ويستغفر ربّه وقد قيل ( ربّ معصية أورثت ذلاّ وإنكسارا خير من طاعة أورثت عزّا وإستكبارا ) وربّ ذنب أسعد صاحبه وأدخله الجنّة كما ورد في الحديث وذلك أنّه يتمّ فارّا منه هاربا عنه.
فالذنوب لا تنقض البيعة ولا العهد بل الذي ينقض العهد هو إبطاله فلا ورد ولا ذكر ولا إستقامة ولا محبّة للشيخ ولا لإخوانه ولا نفقة ولا خدمة ولا حضور ..إلخ
فهذا الذي يخرج الفرد من نسبة أهل الله.
والمحبّة في طريق الله هي الركن الأساس فمن عدمت محبّته خرج من الطريق ولو كان ملازما ظلّ الشيخ , أمّا المحبّ الشائق العاشق فهو معهم ولو لم يكن منهم.
ورحمة الله بخلقه أوسع بكثير مما نتصوّر ومن لم يرى رحمة الله فيه فليشاهدها في غيره كي لا يقنط منها ورحمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم معلومة.
قال عليه الصلاة والسلام : ( إنّما أنا رحمة مهداة ) وهكذا الشيوخ بحكم النسبة والوراثة فهم أيضا رحمة من الله مهداة ( وكلّهم من رسول الله ملتمس ).
فرحمة المشائخ بنا من رحمة الله بهم وبنا.
فلنشكر الله تعالى على نعمة الطريق فهي نعمة عظيمة ليس لها في الأثمان قيمة وكذلك نعمة الإخوان فهي من أجلّ النعم ( كونوا عباد الله إخوانا ) ( إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ).
فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والإحسان ( وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ) ( صراط الذين أنعمت عليهم ).
يتبع...
0 التعليقات:
إرسال تعليق