إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الاثنين، 9 ديسمبر 2013

دقائق التوصّل إلى فهم التوسّل 2

بسم الله الرحمان الرحيم -

قد يقول قائل هذه الحجة تلزم أن التوسل يفترض أن يكون بذات الحي لا الميت.

أقول هذا الإفتراض متى حصل من صاحبه وأنّه في هذه الحالة بعد التوضيح بأنّ الدعاء ليس هو عين المتوسّل به ففيه إعتراف بالتوسّل بالذوات وهذا في حدّ ذاته يعطي تقدّما لأن المخالفين من الوهابية وغيرهم لا يقولون أصلا بالتوسّل بالذوات سواء أكانت الذوات من الأحياء أو من الأموات.

وإفتراضك هذا أقلّ ما فيه أنّه إعتراف بالتوسّل بالذوات ولكن فقط وقعت الشبهة في هذه الحالة في أن ظاهر الحديث يعطي بحسب رأي طارح هذا الإفتراض والإستفسار التوسّل بذوات الأحياء فقط بسبب عدول عمر عن التوسّل بالنبي صلى الله عليه وسلّم إلى التوسّل بعمّه العباس وهذا فيه بأن التوسّل يكون بذوات الأحياء بعدما قدّمنا بأن الدعاء الذي هو شبهة الوهابية ليس هو المتوسّل به إلى الله تعالى ...

الجواب : 

أقول بأنّ هذا الإفتراض أو هذا الإستنباط ليس بحقيقة وفيه من صرف الظواهر عن ظواهرها  ما لا يخفى وفيه من خلل الإعتقاد ما فيه وسأبيّن ذلك من وجوه ليعلمها من يقف عليها إن شاء الله تعالى ومن يريد طرح المسائل ونقاشها بكلّ تجرّد علمي وصفاء فكري وقلبي من غير البناء على تصوّر مسبّق فتكون جميع أحكام الآيات والأحاديث مبنيّة على هذا التصوّر.

 بمعنى أن الوهابية لمّا تصوّروا بأن التوسّل بالذوات والإستعانة والإستغاثة وما جرى في هذا الحكم هو شرك بالله تعالى بنوا عليه جميع إستنباطاتهم من الآيات والأحاديث , فكانت إستنباطاتهم محكومة بتصوّرهم السابق لمسألة التوسّل - وقد قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوّره , فلمّا تصوّروا مسألة التوسّل على ذلك النحو تحكّموا في الآيات والأحاديث وحمّلوها ما لا تحتمل من الإستنباط والإستدلال بها وهذا واضح لمن قرأ في كتبهم وتحاليلهم وفتاويهم.

فالوهابية يوظّفون تفسير الآيات والأحاديث بحسب ما تصوّروه في المسائل العقائدية والفقهية لذا فإنك ترى جدّا تناقضهم وتهافتهم حتّى وصلوا إلى التدليس والتحريف وكلّ هذا موجود في كتبهم. 

أقول : التوسّل بالذوات ليس المقصود به تلك التركيبة البشرية وتلك الخلائط العنصرية التي هي من التراب - قال تعالى:

( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ).

فليس المقصود التوسّل بتلك الذات الترابية التي قال الله فيها في حقّ رسوله صلى الله عليه وسلّم :

( قل إنّما أنا بشر مثلكم ).

وقال تعالى حاكيا عن الكفار في قولهم للرسول :

( إنّما أنت بشر مثلنا ).

 فهذا حجاب البشرية فليس هو المراد في التوسّل إلى الله تعالى به بل المقصود التوسّل بخصوصية تلك الذات البشرية لذا فلو ترى قول عمر رضي الله عنه في دعائه : ( اللهم إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا ) فذكر وصف خصوصيته وهي النبوّة وكذلك في قوله ( وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا ) فما برح ذكر وصف الخصوصية فكان التوسّل في حقيقته بالذات متى خصّصت هذه الذات بمزايا عظيمة كالنبوّة أو الولاية أو الصلاح لأنه في هذه الحالة يصبح هذا الإختصاص وصف ذاتي للذات فأصبح الأمر وكأنّهما شيء واحد وهذا تراه في الآية التي يقول الله فيها :

( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ ).

فأثبت الوحي إليه مع ذكر بشريته لأنّه لا تكون خصوصية ظاهرة إلا بظهور البشرية لذا قال سيدي بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه : ( سبحان من ستر سرّ الخصوصية بأوصاف البشرية ).

فالتوسّل إلى الله تعالى وقع بهذا السرّ ألا وهو سرّ الخصوصية , وهذا السرّ لا يجري فيه حكم الوقت متى ثبت لصاحبه لذا فأنه لا تجري عليه أحكام حياة البشرية أو موتها فإن الموت لا يقع إلا على الذات الترابية ولا يقع على سرّ الخصوصية , والذات الترابية ليست مقصودة بالتوسّل في حدّ ذاتها وإنما قصدت بسبب وجود سرّ الله تعالى فيها وهو سرّ الخصوصية.

لذا فقد ثبت في حياة الأنبياء أن الأرض لا تأكل أجسامهم وكذلك الشهداء وذلك بسبب تنوير تلك الذات الترابية فأضحت في طي سرّها وذلك لشدّة طهارة تلك الذات بالنور وهذا حال أهل الجنّة في الجنّة فإنهم لا يموتون ولا يبلون. 

فالقائل بأن التوسّل في هذه الحالة وبعد تقرير معنى التوسّل يكون بذوات الأحياء فقد نظر إلى هيكل الذات الترابي الذي يغيب بالموت والإنتقال وهذا فيه ما فيه من خلل في الإعتقاد , فهذا القول لا يقوله إلا من نظر إلى الذات الترابية الظاهرة ولا يقوله من فهم معنى التوسّل إلى الله تعالى وأنّه يكون بأسرار الخصوصية التي إختصّ الله بها من يشاء من عباده.

ومن كان هذا حاله فهو يعتقد بنفع الجسم الحيّ وبعدم نفع الجسم الميّت , فهو واقف مع الأجساد والأجسام فحقيق به أن يفهم معنى التوسّل بفهمه المادي البحت وليس هذا من الدين لذا ففي توسّل عمر بمرتبة النبوّة خير شاهد بأنه لا يقصد التوسّل بذات العبد الحيّ وإنما قصد التوسّل بخصوصية العبد سواء كان حيّا أو ميّتا لأن الخصوصية هنا وهناك في الدنيا واللآخرة فلا يجري عليها حكم الموت والحياة بل هي حيّة حياة أبدية وهو مقام البقاء بالله تعالى فافهم - هذا من وجه. 

من وجه آخر : 

بأن أمر توسّل عمر له مناسبة وقرينة لا بدّ من فهمها فلا تمرّ مرّ الكرام :

وهي أن التوسّل الذي ورد في الحديث إنما ورد في الإستسقاء وطلب الغيث والماء سبب حياة الناس وأرزاقهم ومعاشهم , فكان لهذه المناسبة وهذه الخاصيّة حكما لا بدّ منه وهذا الحكم نجده في كيفية تلك الصلاة وكيفية طلب الإستسقاء فكان لا بدّ من رجل حيّ له نسبة وقرابة لتلك الذات المحمدية النبوية لأنّ من الأحكام الشرعية في صلاة الإستسقاء أن يتقدّم عبد من العباد فيه خصوصية كقرابة نبوية أو صلاح أو فضل تقوى ..إلخ فيدعو للقوم.

فهذه النقطة خارجة عن أمر التوسّل لأن التوسّل حصل وما بقي غير إثبات الحكم الشرعي لعمل تلك الصلاة وهذا لا بدّ فيه من عبد على قيد الحياة مثلها كمثل الصلاة فلا نقول لماذا نتّخذ الآن إماما و رسول الله هو الإمام بل للشريعة أحكامهما فلا بدّ من إعطاء حكم الشريعة حتى لا تصبح أحكامهما دروشة وخرافات فالنبيّ لم يكن معهم بجسمه حتى يستقبل القبلة ويصلّي بهم ويدعو لهم مكان العبّاس وغيره فقد إنتفت الأحكام الشرعية في حقّ المنتقل إلى الله تعالى والأحكام الشرعية متوقّف عملها على الأحياء.

فتقديم العبّاس للدعاء هو لإقامة الحكم الشرعي , فسبق التوسّل بالعبّاس دعاءه لهم فكان حكم التوسّل بالعبّاس ودعاء العبّاس لهم وكأنّه شيء واحد لإرتباط الأمر بصلاة الإستسقاء فلو كان في أمر آخر لما تقدّم العبّاس ولا دعا لهم لأن أمر حكم صلاة الإستسقاء يوجب هذا التقدّم للدعاء لهم لأن من أحكام تلك الصلاة الدعاء فيها وطلب الغيث بعد جمع الناس فلا بدّ أن يكون الإمام الداعي أو الرجل الصالح حاضرا فيها بجسمه فيدعو ويؤمّن الناس على دعائه.

ومن وجه ثالث : 

قال عمر : ( إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا ) فكيف كان هذا التوسّل به في حياته صلى الله عليه وسلّم فليجيبونا على هذا إن راموا الفهم والتحقيق ؟

فهل كانوا يقولون : يا رسول الله إنا نتوسّل بك إلى الله تعالى فإستسق لنا ؟

أما إذا قلنا بأنهم كانوا يطلبون منه الدعاء فهذا معنى توسّلهم به , فنقول هذا ليس بصحيح فلو كان هذا صحيحا لقلنا بأنّ طلب الدعاء من الغير على إطلاقه هم توسّل به ولا قائل بهذا لأنه لو قلناه لقلنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما طلب الدعاء من عمر حينما خرج إلى العمرة هو توسّل رسول الله بعمر , وقد قدّمنا بأن الدعاء ليس هو التوسّل في حدّ ذاته, وكذلك لقلنا بأن طلبنا الدعاء من كلّ إخواننا هو توسّل بهم إلى الله تعالى ولا قائل بهذا ويكفي طلب سيدنا رسول الله الدعاء من عمر. 

ثمّ كيف حكم عمر بأن كلّ الصحابة عندما يطلبون الدعاء من النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يتوسّلون به فهل إطّلع على قلوبهم فحكم بتوسّلهم به.

فكيف نقول بأن الدعاء في حدّ ذاته هو التوسّل إذا فهنا يبطل مفهوم التوسّل جملة وتفصيلا.

أقول : إنما توسّل عمر بالعباس في تلك النازلة بسبب حكمها الشرعي لأنها صلاة إستسقاء لها أحكامهما الشرعية.

لذا فالعبّاس لمّا قدّموه قال : اللهم إن القوم قد توسّلوا بي إليك لقرابتي من رسولك 
أنظر قوله ( توسّلوا بي إليك ) فما قال بدعائي أصلا, كما لم يقل عمر في دعائه ( إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا ). فما قال بدعاء نبيّنا وإنما وجد الدعاء في هذه الحالة الخاصّة لأنها صلاة إستسقاء فيها حكم الدعاء وهو طلب الإستسقاء. 

أظنّ بأن الفرق ظاهر بين التوسّل وبين الدعاء من حيث هو دعاء وبين أحكام هذه النازلة في صلاة الإستسقاء.

فالقول بأن التوسّل يكون بذات الأحياء بسبب عدول عمر إلى العبّاس قول باطل لأن العدول وقع بسبب حكم صلاة الإستسقاء كما قدّمنا وأنه لا بدّ من التقدّم فيها للدعاء رغم شدّة الترابط في هذه النازلة بين التوسّل وبين المتوسّل به وبين الدعاء. 

وعليه فتحليل الوهابية يعوزه التدقيق والتفصيل والتحليل. 

والتوسّل حقيقة وقع بالذوات أي بمنازل العباد وقربهم من الله تعالى أو بقربهم بمن كان قريبا من الله تعالى , فلولا قربهم من الله تعالى لما توسّلوا بهم ولو لا محبّة الله تعالى لهم ما توسّلوا بهم , فمن يقول بأن الحبيب لا يقبل شفاعة حبيبه فيمن تشفّع به إليه فهذا عين الفهم السقيم. 

ثمّ إن التوسّل حقيقة وقع بالتوحيد الصافي كأصحاب الغار فإنهم في الحقيقة ما توسّلوا بأعمالهم الصالحة وإنّما توسّلوا بسرّ الإخلاص فيها لذا كانوا يقولون ( إن كنت تعلم بأنني ما فعلت هذا الأمر إلا إبتغاء وجهك ففرّج عنّا ..) أو ما في معناه. 

وكذلم الأمر فالتوسّل حقيقة إنما هو بأوصاف الرسل والأنبياء وأسرار سرّ إخلاصهم وتوحيدهم إلى الله تعالى فما توسّل متوسّل إلى الله تعالى إلا من عين التوحيد فافهم.

وإن شاء الله تعالى سنتناول كلّ حديث من الأحاديث بالشرح والربط بينه وبين غيره لأن السنّة يفسّر بعضها بعضا. 

وسنفيض بحول الله في كشف قلّة الفهم والتدقيق عند الوهابية وأنهم يأخذون الأمور بكلّ سطحية أخرجتهم عن الخوض في روح الدين ولبّه لذا فقد خلت مدارسهم من السلوكيات والأخلاق الباطنة القلبية ومن الأذواق الإيمانية ...إلخ.

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È