إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الخميس، 5 ديسمبر 2013

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 3

بسم الله الرحمان الرحيم - 

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه 

وبعد : 

فانّ معاني القرآن لا حصر لها وهذا مبيّن بصريح الآيات وصحيح الأحاديث الثابتات والغريب العجيب أن القرآن العظيم الذي لا تنقضي عجائبه تخرج معانيه الى الظهور بحسب قوله تعالى:

( كلّ يوم هو في شأن ).

وبحسب قوله تعالى :

( فأينما تولوا فثمّ وجه الله ).

 فأنظر كيف لم يقل " فثمّ الله " بل قال " وجه الله " فكان اسم الجلالة الجامع مضاف الى الوجه , فالمعتبر الوجه وهو الاطلاق وليس النسب والمراتب ولذا قال له زيادة في العلم:

( يريدون وجهه ).

فأضاف هنا الى الوجه " هاء " الهوية المطلقة , فكان من المحال ادراكه على نهاية النوال وهذا من الأعجاز التوحيدي وأنه ما عرف الله أحد من خلقه الى أبد الآباد , فكيف توحّد من لا نعت له ولا وصف ولا مكان ولا زمان ولا جهة ولا كيف وانما غاية المعرفة معرفة النسب كما أوضحته في مقالة سابقة فهذه نهاية العارفين , والنسب مقيدة بالأسماء الظاهرة والصفات مقيّدة بالأسماء الباطنة مثل اسمه " هو " وكيف يتمّ ادراكه بعد نسبة اسمه " هو " وهذه الهوية لا تدرك الا مضافة الى اسم من أسماء نسبه فلو لم تكن مضافة لما وقع على النسب الأدراك أبدا .

فليلة القدر هي نسبة من نسبة الاضافة الى القدر المذكور اضافة لليلة فلو لا القدر لما وقع ادراك تلك الليلة , والمضاف انما يذكر باضافته فلو ذكر من غير اضافة في هذا المحلّ لأحترق .

وليلة القدر : أي كناية على أن الليل ساتر وهو الحجاب عن ادراك حقيقة المضاف اليه وهو القدر اذن فكان لا بد من ليلته ليخرج متستّرا فيها قال تعالى:

( ليلة مباركة ).

وقال تعالى :

( فيها يفرق كلّ أمر حكيم ).

فكان حكم الجلال في هذه الليلة التي هي ليلة القدر في طي حكم الجمال بمعنى أن القدر والأقدار حلّت متزيّنة كالعروس لذا كان مسكن العارف بالله في مجاري الأقدار فلا يظهر منه إلا كلّ جميل لذا قال تعالى:

( يفعل ما يشاء ).

لأنه لا يفعل إلا بالحكمة وجمال العلم في ليلة السلام والقيام والمغفرة فها إنّي فتحت لك بابا لأني أحبّك تدرك به جمال الأقدار لذا قال سيدي إبن عطاء لمّا أدرك هذه الحقيقة ( أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك لم تقم به أنت لنفسك ).

فكانت الإقدار كلّها في الحقيقة جميلة فلماذا تزعج نفسك ولا ترضى عن حالتك وأنت تسعى في الأرض وتلتمس هذا الجمال في الأقدار لذا قال سيدنا عمر ( أفرّ من قدر الله إلى قدر الله ) وهذا المقام أعظم من المكوث في قدر الله الذي ذكره أبو عبيدة رضي الله عنهما جميعا وعليه تعلم حكمة الليل فقد أشرت لك إلى ذلك فهل تحسّ خفّة الليل عليك وثقل النهار لتعلم أسرارا وأنوارا لذلك كانت هجرته عليه السلام لما أخفى وقتها لذا كان عروجه في الليل وهجرته في الليل ونزول الوحي في الليل واسرائه في الليل ولذا قال له:

( قم الليل ).

لأن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل الى السماء الدنيا ليجيب الداعي فكان لا بد من النزول , فالليل هو ليل النزول والتنزيل لذا قال:

( تنزّل الملائكة والروح فيها ).

فكان النزول أيضا للملائكة بنزول القرآن بأمر ربهم لأن عالم الأمر من خصائص الروح لذا قرن نزول القرآن في هذه الليلة بعد تعظيم شأنها بتنزّل الملائكة والروح وكأنه يشير الى أن نزول القرآن من جنس الروح ولذاك نزل به الروح الأمين على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم ولم ينزل به غير الروح الامين ولا على قلب غيره عليه الصلاة والسلام. 

فكان تنزّل الملائكة أمرا أكيدا في هذه الليلة وانما ذكر معها الروح لأن الأرواح من جنس الملائكة في جولانها بنزول القرآن في ليلة القدر على قلب النبي صلى الله عليه وسلّم , وبما أن القرآن نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم فالأمر بالنسبة للملائكة والأرواح يتبع أمر القرآن أي نزولهم يكون على قلب محمد صلى الله عليه وسلّم لأن قلبه الشريف المقصود به حضرته الشريفة وهو عالم جمع الصفات فيه المذكور في قوله:

( ان الله وملائكته يصلّون على النبي ).

فما قال الرسول بل قال النبي لأن النبوة مقامه الشريف والرسالة تكليفه بالخلافة والنيابة في مقام الأسماء ولذا قال:

( اني جاعل في الارض خليفة ).

 فذكر عالم الأرض أي هو خليفة في الأرض كناية عن الأسماء وانما كان الانسان خليفة في الأسماء لأنها مجال الصورة والشكل والمثال وقبول التغيّرات والانفعالات والله تعالى لا يقبل في حقه كل هذا لأنه منزه عن الشبه والمثيل فكانت خلافة الانسان مجال الاله بنفسه في عوالم الظهور من حيث مراتب الصفات التي هي عوالم الأرواح والملائكة.

أما عوالم الأسرار فهي مجال الأسرار فهي أمر مخفي وقد أشارت آيات بيّنات لذلك فكان الاجتماع بين نزول القرآن ونزول الملائكة والروح في قلب محمد صلى الله عليه وسلّم وهذا هو عرس الحضرة المحمدية التي ستنجلي حقائقه في الشفاعة الكبرى يوم القيامة , فالشفاعة هي الحقيقة المحمدية , أما سجوده تحت العرش والثناء عليه سبحانه بتلك المحامد التي يلهمها وقتها لأنها من عين الذات فهي من حقيقته الأحمدية التي هي منتهى العبودية وكمالها.

ولذا قال " اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي " والربيع هو فصل زمني أراد دوامه في قلبه وهو كناية عن ليلة القدر السالف ذكرها لأن اليلة مدّة زمنية ولا يقابلها الا فصل الربيع لتعدد حلل الأرواح وتيجان الملائكة وحلول البركة والخيرية فيها ,ولذا قال تعالى:

( انا أنزلناه في ليلة القدر ).

 وقال تعالى:

( تنزل الملائكة والروح فيها ).

فجمعتهم كلمة " فيها " فكان الأمر متجانس من حيث اذن الله لهم ومن حيث " من كلّ أمر " وهذه المرتبة نازلة عن مرتبة نزول القرآن لذا قال:

( تنزّل الملائكة والروح).

لأن التنزّل وقع بالاذن من عالم الأمر لأن القرآن من حيث نزوله له حكم الأرواح أي تدركه الأرواح في تلك المرتبة لذا كانت ليلة القدر ليلة مباركة وهذا من الفضل الالهي على عباده تنزّل لهم ليعرفوه بالعبادة التي هي مظاهر وطرق وسبل المعرفة وأبوابها .

وهذه الليلة حالة ليست بالأصلية أي أنها حالة غير دائمة لأن الدوام لله تعالى وحقائقه المجرّدة فكان جهل ابليس بالله تعالى لا يخفى على الناظر رغم دعواه العلم أما الملائكة فقد تبرّأت من أقوالها ونسبت العلم الى الله ونجت من الابتلاء الذي وقع فيه ابليس لعصمتهم السابقة وليست العصمة الا للملائكة بعد النبيئين أما أهل الله تعالى فلا عصمة لهم بل هم محفوظون وهذه درجة نازلة عن العصمة لعدم موافقة تركيبتهم تركيبة الملائكة من المقام المعلوم وعدم الترقي في المعلومات بالذات الا ما شاء الله تعالى .

وهذه الليلة الجمالية هي ليلة تتزيّن فيها الحضرة النبويّة على غاية الجمال والحسن موافقة للحضرة القدسية في قولها ناطقة بشؤونها " سلام هي حتى مطلع الفجر " والسلام هو أمان الجنّة واسمه تعالى " يا نار كوني بردا وسلاما " فكان الجلال لا ظهور له بل الحكم في هذه الليلة للجمال وهو ظهور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وظهور الجمال المحمدي هو المراد من قوله:

( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ).

أي في عالم الخلافة والأسماء وعالم الدلالة على الذات بالصفات .

وكناية بالفجر الذي هو بداية شهود الجلال والحكم له الذي هو النهار أخبر أن السلام فيها والقبول وغفران الذنوب وما فيها من العطايا التي لا تكيّف من باب الجود والكرم الالهي الذي لا كنه له ويعجز الكون عن فهمه من انطباع الجمال وظهور الجلال في طي حكمه " رحمتي سبقت غضبي " من هذه الناحية .

أما من حيث توقيتها والمكاشفة بها فهي لأصحاب القلوب النقية الطاهرة وقد أخبرني شيخنا في زمن من الأزمان بليلتها وقال لي : ادع لولاّة أمور المسلمين فيها فبصلاحهم صلاح المسلمين وبهم طلاحهم بعد أن أخبرني عن حكاية الحسن البصري رحمه الله تعالى . 

فهذا بايجاز شديد ألفتنا النظر الى قيمة وقدر ليلة القدر بمناسبة شهر رمضان المبارك والا فالمخفي أعظم .

والسلام على الأحبة الكرام الذين انفتح لهم قلبي وروحي وأرجو أن يبادلوني بالمثل

وبالله التوفيق والسلام.

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È