بسم الله الرحمان الرحيم -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
أمّا بعد : نبدأ بمقدّمة وتعاريف تخصّ الكشف ثمّ نفيض في ذكر ما عزمنا عليه بما يدلّ عليه العنوان.
الكشف من شؤون عالم السير والسلوك إلى معرفة ملك الملوك فهو وسيلة لمشاهدة الحقائق الكونية والتفكّر فيها فمجاله الأكوان المعنوية سواء أكانت الأكوان المعنوية النورانية أم الظلمانية لكن الكشف الحقيقي الذي عليه المعوّل هو كشف حجاب الحسّ عن عوالم نور المعنى وهي درجة بصيرة اليقين في الغالب.
فعلى هذا كان الكشف فهو من معاني البصيرة ليسير السالك القاصد في طريقه بنور اليقين أي الكشف فمتعلّقه كوني فليس الكشف إلاّ مشاهدة أنوار الإحسان ومعاني الإيمان في مظاهر الأكوان ( ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا ).
فهو في حقيقته يدلّ على آثار الحقيقة ومعانيها وشهودها فوقا وتحتا من حيث أنّ الأكوان قائمة بالله تعالى ( الحيّ القيّوم ) فهذا الذي ينبغي أن يفهم الكشف عليه عندما نرى ساداتنا يقولون في الأولياء ( أصحاب الكشف والشهود ) فهذا أصل الكشف ( وكذلك نوري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) أي مشاهدة كشفية يتطلّبها عين اليقين وإلاّ فكيف يتحقّق السير في المقام القلبي.
وهذا لتتوافق الأسباب ومسبّباتها إذ أنّ التوحيد لا يمكنه أن يدخل حيز التنزيه حتى يعلم المؤمن يقينا أسرار القدرة والحكمة الظاهرة والباطنة وإلاّ فإنّه سيبقى في أوحال التوحيد قائما كما نراه اليوم في أغلب الفرق الإسلامية كمّن حجبتهم الألفاظ الظاهرة فضلّوا بها بسبب عدم وجود الروح وعدم معرفة قدر النفس والعقل وحدودهما لأنّ العقل له حدّ يقف عنده لأنّه باحث فيقف عند حدود الباحث فمتى علمت أنّ الله تعالى موجودا حاضرا ومشهودا قائما تعطّل هنا حكم الباحث الذي هو العقل وإنتهى عمله فظهر عمل القلب وعقل القلب وهي درجة ثانية أرقى وأعلى من حيث أنّ الإنسان له من الحقائق ثلاث التي سنذكرها لاحقا وهي مرتبة : العقل وعلمه , والقلب ويقينه أي كشفه , والروح ومشاهدتها أي حقّ يقينها ...إلخ.
وبما أنّ الكشف متعلّقه في الحقيقة بالتوحيد قبل كلّ شيء وعلى هذا الأساس كان و أوجده الله تعالى وأنعم به على عباده فمن بدّله أو غيّره أو إستعمله في غير ما وضع له فقد قلّب نعم الله كفرا فأضحت النعمة لديه نقمة فصار ركن الكشف النوراني الذي لا يدلّ إلاّ على التوحيد إلى الكشف الظلماني الذي لا يدلّ إلاّ على الفتنة وهو الكشف الذي أبقاه الله تعالى لإبليس عذابا له في الدنيا فحجب عن عوالم النور وأبقي في عوالم الظلام.
ومن هذا الكشف المبدّل : إستعمال الكشف للجوسسة على ضمائر الناس في غير حقّ من حقوق الله لأنّ هذا جائز بل مطلوب ( كدفع عدوّ أو إبطال عين من عيون العدوّ وذلك بكشفها ) أمّا الكشف لأجل الفتنة وبثّها في الأمّة كبثّ الأحقاد وحلب التاريخ ( كشفا ) للإطّلاع على عيوب من سبق أو ذنوبهم ومعاصيهم فهذا وغيره يعدّ كشف شيطاني لا يؤخذ من صاحبه شفاعة ولا عدل بل تضرب بعرض الحائط أقواله كان من كان هذا القائل لأنّه حرّف الكلم عن مواضعه فحيّر قلوب العوام فعكّر صفاءها فأدخلها في متاهات الأحقاد والغيبة والنميمة وسوء الظنّ وكلّ ما هو من دائرة إبليس وكشفه.
وإنّ للشيطان الملعون هنا دواهيا وفواجعا فهو خبير بطرق الضلالة وما أكثرها حتّى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطّ خطوطا كثيرة وقال هذا خطوط وسبل الشيطان وخطّ خطّا واحدا وقال هذا صراط الله ورسوله , حتّى يتبيّن أنّ للشيطان حظوظ في السالكين أكثر من غيرهم لأنّه توعّدهم قبل غيرهم ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) فهذا تهديد لأهل السلوك خاصّة فهو عارف كبير بطرق الضلالة ويكفيك أنّ غالبية أهل الأرض اليوم لا يؤمنون بالله ورسوله بل وأكثرهم مشركون وضالون وفاسقون وو...إلخ لتعلم مجهودات الشيطان وكثرة غوايته وأنّه لا يمزح مع البشر الذي بحسب رأيه كانوا سببا في غوايته ولعنه لعنا مؤبّدا ...
فدين الله تعالى من حيث العلم الشرعي أو العلم السلوكي أو العلم التحقيقي لا يدلّ إلاّ على الله تعالى الواحد القهّار فكلّ من بدّل هذه الحقيقة فهو محرّف لدين الله تعالى فبقدر زيغه يكون قدر تحريفه.
فالكشف الذي يعنيه القوم حقيقة هو تطهير الذات من أدران البشرية والأكوان الخلقية المتمثّلة فيه ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) فإنّك لا يمكنك أن تعرف ربّك حتّى تعرف نفسك ومستواها من حيث حقائقها التي جبلت عليها وأوصافها الذاتية لها لذا رزقك الله تعالى ( الكشف ) لتميّز به الخبيث من الطيّب في سيرك وسلوكك إلى الله تعالى وليس لإظهار المغيّبات والكلام في المستقبليات والحكم على فلان أو علاّن لأنّك لست ربّا وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعلم منك لكنّه ما إستعمل كشفه إلاّ فيما يرضي الله ورسوله فما عصى الله تعالى بكشفه قطّ ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ...)
ثمّ من أخلاق أهل الكشف أنّهم لا يظهرون من الصفات إلاّ المليح فهو محلّ نظرهم لما يستوجبه التحقيق ( أحسن كلّ شيء خلقه ) وأفعال العباد من هذا الخلق هذا لتتأدّب وتعطي كلّ حضرة حقّها من الأدب ظاهرا وباطنا فلا تعتدي ( إنّ الله لا يحبّ المعتدين ).
فالكشف هو أكبر إمتحان وأكبر بلاء يمتحن الله به عباده وخاصّته من خلقه كي يتخلّقوا بأخلاقه سبحانه ( أدّبني ربّي فأحسن تأديبي ) وأنت تعلم أنّ الله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ( وهو بكلّ شيء عليم ) ورغم هذا ستر عباده فلا يحبّ أن تنتهك لهم حرمة ( ومن ستر مؤمنا في الدنيا ستره الله في الآخرة ).
فهذه القاعدة الأولى من قواعد الكشف.
القاعدة الثانية :
يتّسع كشفك بإتّساع علمك فحيثما وقف علمك بك وقف كشفك فمن هذا الطريق لا يمكنك أن تحكم بالكشف فليس هو من اليقينيات الكليّة لذا أشار المحقّق البارع إمام الشاذلية سيدي أبو الحسن الشاذلي لهذا الأمر فقال قولته المشهورة التي تدارسها الأولياء منذ زمانه وإلى الآن لأنّها قاعدة لتأصيل علم الكشف ( إذا خالف كشفك الصحيح الكتاب والسنّة فدع الكشف جانيا وقل : إنّ الله قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنّة ولم يضمنها لي في جانب الكشف ).
فبهذا علمنا أنّ الكشف ليس مجاله العصمة وأنّه يترك جانبا ولو كان صحيحا مائة بالمائة متى خالف الكتاب والسنّة رغم أنّ الكشف الصحيح لا يخالف الكتاب والسنّة , وإنّما قال هذا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لما علمه أنّ من المريدين من يرى بكشفه أمور فيتوقّف كشفه عند حدّ ما كشف له لمحدودية سيره ووقوفه به فحدّ بذلك علمه فكان كشفه هذا في نظره صحيحا.
وهو كذلك لكنّه كشف ناقص بالمقارنة مع إخبارات الكتاب والسنّة , ومن جهة أخرى أي أنّ العصمة لا تكون إلاّ في الكتاب والسنّة ولو صحّ الكشف من جميع جوانبه , لذا قيّد الدين الإسلامي بالكتاب والسنّة في المراتب الثلاث : الشريعة والطريقة والحقيقة.
ذكر الإمام الكبير العارف الجليل سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه أنّ بعض أهل الكشف حكم بحشر الأرواح دون الأشباح لما رآه بكشفه من سيلان الأرواح وتطوّرها وتشكّلها في الجنّة بعين بصيرته , فأنكر الإمام الشعراني هذا عليه وقال : بل مدخول عليه في كشفه وذلك أنّ الأجساد منطوية في الأرواح هناك بخلاف ما كانت عليه الأرواح في الدنيا فإنّها كانت سجينة الأشباح فلمّا رأى الحكم للروح هناك غاب عنه أنّها في أجسادها وإنّما الحكم للروح هناك على الجسد...فبيّن غلطه في صحيح كشفه الظاهر..
وعلى هذا قس , فوجب التحرّز جدّا من إخبارات الكشف لأنّها رؤية ولا يمكنها أن تستقيم حتى يعضدها شاهدان من الكتاب والسنّة فإنّ هذا الدين محكم متين يجب التوغّل فيه برفق ...
هذه القاعدة الثالثة :
الولي ّ أو المؤمن من حيث أنّه مؤمن لا يمكنه أن يكون حقودا أصلا وقطعا أي أنّ الحقد محرّم على أهل الله فما يذوقون له طعما وكذلك عند الكبار منهم لا يعرفون طعم الحسد ولا الغشّ ولا الخديعة بل هم الرحمة التامّة الخالصة , فهذا محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( رحمة للعالمين ) وعلى أقدامه ميراثا نبويّا ( أهل بيته الكرام ) وكذلك الصحابة ( رحماء بينهم ) أي كلّ آل البيت والصحابة فكيف تنسب لهم البغض بينهم والكره والشدّة وقد أخبرك العليم الحكيم أنّهم ( رحماء بينهم ) فإنّهم لا يبيتون دسيسة ولا خديعة على أحد ,اعني بآل البيت خاصّة الأئمّة من الصحابة منهم كعلي والحسن والحسين رضوان الله عليهم.
وإذا أردت أن تعرف من هم آل البيت فانظر إلى كبار السادة الصوفية من كبار العارفين بالله تعالى تستنشق مشارب آل البيت , فإنّ الصوفية رحمة للخلق لا يبادلون المسيء بالإساءة أبدا منهاجا محمّديا وخلقا ربّانيا فكلّ ما تراه الآن من فعل الشيعة وحقدهم الدفين وإجرامهم وتعصّبهم الأعمى ونفاقهم ليس من أخلاق آل البيت في شيء قطّ ولا نقول بأنّ أحوال آل البيت سرت فيهم ولا مقاماتهم حتّى أنّهم ينتظرون اليوم المهدي المنتظر ليقاتلوا به الناس فما يجري على عقولهم غير القتال والإنتقام فلا تجدهم يقولون ليعرّفنا معاني معرفة ربّنا وأخلاق نبيّنا ...إلخ فافهم.
لذا أقول ( الصوفية - ليسوا هم - الشيعة ) فلا يوجد بينهما قاسم مشترك ولن يوجد أمّا الحقائق فتبقى حقائقا عند كلا الطرفين فليس هناك مشاحة في معرفة الحقيقة مهما كانت هذه الحقيقة كبيرة أو صغيرة.
نعم هناك شبه كثيرة إستغلّها الشيعة اليوم ليصدّوا عن سبيل الله تعالى وخاصّة بعض الأخبارات الواردة عند أهل الكشف من حيث مظلومية آل البيت وبعض الروايات التي تثبت ذلك وهي صحيحة ولكنّهم أوّلوها تأويلا خاطئا بحقد دفين وتعصّب أعمى فحمّلوها ما لا تحتمل فأضحى دينهم مبني كلّه على روايات وتاريخ رغم أنّ كتاب الله تعالى المحفوظ بين أيديهم وتعاليم رسولهم محفوظة فما أعاروا لها إنتباها وراحوا يتخبّطون في متاهات الكشف والروايات الكاذبة بحجّة نصرة آل البيت.
ولا أدري ما معنى نصرة آل البيت التي يقصدونها رغم أنّ آل البيت قدموا إلى ما عملوا ففي رحمة الله هم فيها خالدون , فنسوا ربّ السماوات وإشتغلوا بأحاديث لا تغني ولا تسمن من جوع والله تعالى يقول:
( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ).
فتركوا هذا الأصل الذي بعثت به جميع الرسل ( قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ) واشتغلوا بما لا ينفعهم لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
يتبع ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
أمّا بعد : نبدأ بمقدّمة وتعاريف تخصّ الكشف ثمّ نفيض في ذكر ما عزمنا عليه بما يدلّ عليه العنوان.
الكشف من شؤون عالم السير والسلوك إلى معرفة ملك الملوك فهو وسيلة لمشاهدة الحقائق الكونية والتفكّر فيها فمجاله الأكوان المعنوية سواء أكانت الأكوان المعنوية النورانية أم الظلمانية لكن الكشف الحقيقي الذي عليه المعوّل هو كشف حجاب الحسّ عن عوالم نور المعنى وهي درجة بصيرة اليقين في الغالب.
فعلى هذا كان الكشف فهو من معاني البصيرة ليسير السالك القاصد في طريقه بنور اليقين أي الكشف فمتعلّقه كوني فليس الكشف إلاّ مشاهدة أنوار الإحسان ومعاني الإيمان في مظاهر الأكوان ( ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا ).
فهو في حقيقته يدلّ على آثار الحقيقة ومعانيها وشهودها فوقا وتحتا من حيث أنّ الأكوان قائمة بالله تعالى ( الحيّ القيّوم ) فهذا الذي ينبغي أن يفهم الكشف عليه عندما نرى ساداتنا يقولون في الأولياء ( أصحاب الكشف والشهود ) فهذا أصل الكشف ( وكذلك نوري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) أي مشاهدة كشفية يتطلّبها عين اليقين وإلاّ فكيف يتحقّق السير في المقام القلبي.
وهذا لتتوافق الأسباب ومسبّباتها إذ أنّ التوحيد لا يمكنه أن يدخل حيز التنزيه حتى يعلم المؤمن يقينا أسرار القدرة والحكمة الظاهرة والباطنة وإلاّ فإنّه سيبقى في أوحال التوحيد قائما كما نراه اليوم في أغلب الفرق الإسلامية كمّن حجبتهم الألفاظ الظاهرة فضلّوا بها بسبب عدم وجود الروح وعدم معرفة قدر النفس والعقل وحدودهما لأنّ العقل له حدّ يقف عنده لأنّه باحث فيقف عند حدود الباحث فمتى علمت أنّ الله تعالى موجودا حاضرا ومشهودا قائما تعطّل هنا حكم الباحث الذي هو العقل وإنتهى عمله فظهر عمل القلب وعقل القلب وهي درجة ثانية أرقى وأعلى من حيث أنّ الإنسان له من الحقائق ثلاث التي سنذكرها لاحقا وهي مرتبة : العقل وعلمه , والقلب ويقينه أي كشفه , والروح ومشاهدتها أي حقّ يقينها ...إلخ.
وبما أنّ الكشف متعلّقه في الحقيقة بالتوحيد قبل كلّ شيء وعلى هذا الأساس كان و أوجده الله تعالى وأنعم به على عباده فمن بدّله أو غيّره أو إستعمله في غير ما وضع له فقد قلّب نعم الله كفرا فأضحت النعمة لديه نقمة فصار ركن الكشف النوراني الذي لا يدلّ إلاّ على التوحيد إلى الكشف الظلماني الذي لا يدلّ إلاّ على الفتنة وهو الكشف الذي أبقاه الله تعالى لإبليس عذابا له في الدنيا فحجب عن عوالم النور وأبقي في عوالم الظلام.
ومن هذا الكشف المبدّل : إستعمال الكشف للجوسسة على ضمائر الناس في غير حقّ من حقوق الله لأنّ هذا جائز بل مطلوب ( كدفع عدوّ أو إبطال عين من عيون العدوّ وذلك بكشفها ) أمّا الكشف لأجل الفتنة وبثّها في الأمّة كبثّ الأحقاد وحلب التاريخ ( كشفا ) للإطّلاع على عيوب من سبق أو ذنوبهم ومعاصيهم فهذا وغيره يعدّ كشف شيطاني لا يؤخذ من صاحبه شفاعة ولا عدل بل تضرب بعرض الحائط أقواله كان من كان هذا القائل لأنّه حرّف الكلم عن مواضعه فحيّر قلوب العوام فعكّر صفاءها فأدخلها في متاهات الأحقاد والغيبة والنميمة وسوء الظنّ وكلّ ما هو من دائرة إبليس وكشفه.
وإنّ للشيطان الملعون هنا دواهيا وفواجعا فهو خبير بطرق الضلالة وما أكثرها حتّى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطّ خطوطا كثيرة وقال هذا خطوط وسبل الشيطان وخطّ خطّا واحدا وقال هذا صراط الله ورسوله , حتّى يتبيّن أنّ للشيطان حظوظ في السالكين أكثر من غيرهم لأنّه توعّدهم قبل غيرهم ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) فهذا تهديد لأهل السلوك خاصّة فهو عارف كبير بطرق الضلالة ويكفيك أنّ غالبية أهل الأرض اليوم لا يؤمنون بالله ورسوله بل وأكثرهم مشركون وضالون وفاسقون وو...إلخ لتعلم مجهودات الشيطان وكثرة غوايته وأنّه لا يمزح مع البشر الذي بحسب رأيه كانوا سببا في غوايته ولعنه لعنا مؤبّدا ...
فدين الله تعالى من حيث العلم الشرعي أو العلم السلوكي أو العلم التحقيقي لا يدلّ إلاّ على الله تعالى الواحد القهّار فكلّ من بدّل هذه الحقيقة فهو محرّف لدين الله تعالى فبقدر زيغه يكون قدر تحريفه.
فالكشف الذي يعنيه القوم حقيقة هو تطهير الذات من أدران البشرية والأكوان الخلقية المتمثّلة فيه ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) فإنّك لا يمكنك أن تعرف ربّك حتّى تعرف نفسك ومستواها من حيث حقائقها التي جبلت عليها وأوصافها الذاتية لها لذا رزقك الله تعالى ( الكشف ) لتميّز به الخبيث من الطيّب في سيرك وسلوكك إلى الله تعالى وليس لإظهار المغيّبات والكلام في المستقبليات والحكم على فلان أو علاّن لأنّك لست ربّا وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعلم منك لكنّه ما إستعمل كشفه إلاّ فيما يرضي الله ورسوله فما عصى الله تعالى بكشفه قطّ ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ...)
ثمّ من أخلاق أهل الكشف أنّهم لا يظهرون من الصفات إلاّ المليح فهو محلّ نظرهم لما يستوجبه التحقيق ( أحسن كلّ شيء خلقه ) وأفعال العباد من هذا الخلق هذا لتتأدّب وتعطي كلّ حضرة حقّها من الأدب ظاهرا وباطنا فلا تعتدي ( إنّ الله لا يحبّ المعتدين ).
فالكشف هو أكبر إمتحان وأكبر بلاء يمتحن الله به عباده وخاصّته من خلقه كي يتخلّقوا بأخلاقه سبحانه ( أدّبني ربّي فأحسن تأديبي ) وأنت تعلم أنّ الله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ( وهو بكلّ شيء عليم ) ورغم هذا ستر عباده فلا يحبّ أن تنتهك لهم حرمة ( ومن ستر مؤمنا في الدنيا ستره الله في الآخرة ).
فهذه القاعدة الأولى من قواعد الكشف.
القاعدة الثانية :
يتّسع كشفك بإتّساع علمك فحيثما وقف علمك بك وقف كشفك فمن هذا الطريق لا يمكنك أن تحكم بالكشف فليس هو من اليقينيات الكليّة لذا أشار المحقّق البارع إمام الشاذلية سيدي أبو الحسن الشاذلي لهذا الأمر فقال قولته المشهورة التي تدارسها الأولياء منذ زمانه وإلى الآن لأنّها قاعدة لتأصيل علم الكشف ( إذا خالف كشفك الصحيح الكتاب والسنّة فدع الكشف جانيا وقل : إنّ الله قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنّة ولم يضمنها لي في جانب الكشف ).
فبهذا علمنا أنّ الكشف ليس مجاله العصمة وأنّه يترك جانبا ولو كان صحيحا مائة بالمائة متى خالف الكتاب والسنّة رغم أنّ الكشف الصحيح لا يخالف الكتاب والسنّة , وإنّما قال هذا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لما علمه أنّ من المريدين من يرى بكشفه أمور فيتوقّف كشفه عند حدّ ما كشف له لمحدودية سيره ووقوفه به فحدّ بذلك علمه فكان كشفه هذا في نظره صحيحا.
وهو كذلك لكنّه كشف ناقص بالمقارنة مع إخبارات الكتاب والسنّة , ومن جهة أخرى أي أنّ العصمة لا تكون إلاّ في الكتاب والسنّة ولو صحّ الكشف من جميع جوانبه , لذا قيّد الدين الإسلامي بالكتاب والسنّة في المراتب الثلاث : الشريعة والطريقة والحقيقة.
ذكر الإمام الكبير العارف الجليل سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه أنّ بعض أهل الكشف حكم بحشر الأرواح دون الأشباح لما رآه بكشفه من سيلان الأرواح وتطوّرها وتشكّلها في الجنّة بعين بصيرته , فأنكر الإمام الشعراني هذا عليه وقال : بل مدخول عليه في كشفه وذلك أنّ الأجساد منطوية في الأرواح هناك بخلاف ما كانت عليه الأرواح في الدنيا فإنّها كانت سجينة الأشباح فلمّا رأى الحكم للروح هناك غاب عنه أنّها في أجسادها وإنّما الحكم للروح هناك على الجسد...فبيّن غلطه في صحيح كشفه الظاهر..
وعلى هذا قس , فوجب التحرّز جدّا من إخبارات الكشف لأنّها رؤية ولا يمكنها أن تستقيم حتى يعضدها شاهدان من الكتاب والسنّة فإنّ هذا الدين محكم متين يجب التوغّل فيه برفق ...
هذه القاعدة الثالثة :
الولي ّ أو المؤمن من حيث أنّه مؤمن لا يمكنه أن يكون حقودا أصلا وقطعا أي أنّ الحقد محرّم على أهل الله فما يذوقون له طعما وكذلك عند الكبار منهم لا يعرفون طعم الحسد ولا الغشّ ولا الخديعة بل هم الرحمة التامّة الخالصة , فهذا محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( رحمة للعالمين ) وعلى أقدامه ميراثا نبويّا ( أهل بيته الكرام ) وكذلك الصحابة ( رحماء بينهم ) أي كلّ آل البيت والصحابة فكيف تنسب لهم البغض بينهم والكره والشدّة وقد أخبرك العليم الحكيم أنّهم ( رحماء بينهم ) فإنّهم لا يبيتون دسيسة ولا خديعة على أحد ,اعني بآل البيت خاصّة الأئمّة من الصحابة منهم كعلي والحسن والحسين رضوان الله عليهم.
وإذا أردت أن تعرف من هم آل البيت فانظر إلى كبار السادة الصوفية من كبار العارفين بالله تعالى تستنشق مشارب آل البيت , فإنّ الصوفية رحمة للخلق لا يبادلون المسيء بالإساءة أبدا منهاجا محمّديا وخلقا ربّانيا فكلّ ما تراه الآن من فعل الشيعة وحقدهم الدفين وإجرامهم وتعصّبهم الأعمى ونفاقهم ليس من أخلاق آل البيت في شيء قطّ ولا نقول بأنّ أحوال آل البيت سرت فيهم ولا مقاماتهم حتّى أنّهم ينتظرون اليوم المهدي المنتظر ليقاتلوا به الناس فما يجري على عقولهم غير القتال والإنتقام فلا تجدهم يقولون ليعرّفنا معاني معرفة ربّنا وأخلاق نبيّنا ...إلخ فافهم.
لذا أقول ( الصوفية - ليسوا هم - الشيعة ) فلا يوجد بينهما قاسم مشترك ولن يوجد أمّا الحقائق فتبقى حقائقا عند كلا الطرفين فليس هناك مشاحة في معرفة الحقيقة مهما كانت هذه الحقيقة كبيرة أو صغيرة.
نعم هناك شبه كثيرة إستغلّها الشيعة اليوم ليصدّوا عن سبيل الله تعالى وخاصّة بعض الأخبارات الواردة عند أهل الكشف من حيث مظلومية آل البيت وبعض الروايات التي تثبت ذلك وهي صحيحة ولكنّهم أوّلوها تأويلا خاطئا بحقد دفين وتعصّب أعمى فحمّلوها ما لا تحتمل فأضحى دينهم مبني كلّه على روايات وتاريخ رغم أنّ كتاب الله تعالى المحفوظ بين أيديهم وتعاليم رسولهم محفوظة فما أعاروا لها إنتباها وراحوا يتخبّطون في متاهات الكشف والروايات الكاذبة بحجّة نصرة آل البيت.
ولا أدري ما معنى نصرة آل البيت التي يقصدونها رغم أنّ آل البيت قدموا إلى ما عملوا ففي رحمة الله هم فيها خالدون , فنسوا ربّ السماوات وإشتغلوا بأحاديث لا تغني ولا تسمن من جوع والله تعالى يقول:
( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ).
فتركوا هذا الأصل الذي بعثت به جميع الرسل ( قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ) واشتغلوا بما لا ينفعهم لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
يتبع ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق