بسم الله الرحمان الرحيم -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
سألني طارق قلبي عن طي المكان وطي الزمان وحقيقتهما فأجبته :
إعلم أيّها السيّد الوفيّ والفتى القدسي أنّ هذا المبحث ينقسم إلى حقائق ثلاث :
الطي الأوّل : طي المكان :
وهذا لا يتحقّق إلا بمجاهدة النفس من حيث طبائعها وذلك بالسهر والجوع والصمت والعزلة أي تمويت النفس شيئا فشيئا فتعدم مشاهدة نفسها فتتكبّر لذا فلا بدّ أن تذلّ وما الأولياء إلاّ أناس كنسوا بأرواحهم المزابل.
الطي الثاني : طي الزمان :
وهو لا يتحقّق إلاّ بالتخلّص من آفات النفوس الدقيقة من حيث طلبها للحظوظ العاجلة والآجلة أي تطوي مسافات القرب فيما بينك وبين ربّك وهذه هي بركة العمر والزمان لذا قالوا عن الفقير الصوفي بأنّه ( إبن وقته ).
الطي الثالث :
طي يجمعهما في نفس الوقت وهو المعبّر عنه عند ساداتنا العارفين بطي الأكوان جملة وتفصيلا أي أنّه طي المكان والزمان , لأنّ الأكوان هي عبارة عن المكان والزمان فأنت مخلوق من مكان وهو الأرض وفيها تسكن وفيها تموت ومنها تبعث فهي حقيقة طبيعتك لذا متى ما بدّلت تلك الأرض غير الأرض بدّلت أنت بحسب ما به تبدّلت فأنت ولدها وهي أمّك لذا ينبت فيها كلّ ما من شأنه غذاؤك , فمتى طويت هذا الطوي الثالث طويت طبيعتك الترابية كطي السجلّ للكتب كما أخبرك بذلك عن طي الزمان والمكان وهو هذا الطي الثالث الذي وضّحه لك متى ما فهمت عنه.
أمّا الزمان فهو عبارة عن المصير وإلى الله تصير الأمور , فحدّد لك مكانك ثمّ قيّده بزمانك فكتب عليك الأجل وهو الوقت المحدّد أي وقت المكوث أي مكوث تلك التركيبة الترابية محلّ التكليف والأسماء , فكان صلاح مكانك لا يتحقّق إلا بصلاح زمانك فمتى فسد زمانك فسد مكانك والله لا يحبّ المفسدين فاعرف زمانك تعرف فساده وصلاحه
فهذا الطي الثالث هو المعبّر عنه بالبقاء , أمّا الطي الأوّل فهو المعبّر عنه بالسلوك , والثاني وهو طي الزمان فهو المعبّر عنه بالجذب أو بالفناء.
قلت :
الخلافة في الأرض حقيقتها نشأت من عالم البقاء , فالسلب الذي وقع لإبليس أنّه سلب الجذب والفناء أي العبودية , أمّا آدم لمّا أنزل إلى الأرض سلب البقاء وأبقى عليه أحكام الفناء فلم يسلب منه لذا نزل تائبا راكعا واضعا رأسه ما رفعه مائة عام , فبقي لإبليس طي المكان ومنع من طي الزمان فليس له عليه خبر , أمّا آدم فمنع من طي المكان وأبقى الله له طي الزمان فكان في لحظة عند سدرة المنتهى وجسمه هنا في الأرض.
إلاّ سيّد الوجود فقد أرجع طي الزمان والمكان في إسرائه ومعراجه فأسري به جسما وروحا فكان قاب قوسين أو أدنى لذا أشار إلى هذا ( إنّي أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني ) بعد أن قال ( لست كأحدكم ) فإنفرد بهذا عليه الصلاة والسلام دون جميع البشر فظهرت مرتبته على الجميع فأكمل الله به كمالات الوجود فظهرت مرتبة كلّ أحد فيه صلى الله عليه وسلّم ( لقد إستدار الزمان كيوم خلق الله السماوات والأرض أي قبل خلق آدم فافهم عنه , فاستدار الزمان به فلولاه لما إستدار هذا الزمان ورجع كيوم خلق الله السماوت والأرض فما ذكر غير الزمان أي الزمان المحمّدي فرجعت حقيقته المحمّدية إلى الظهور بعد أن كانت محتجبة.
وقد قال تعالى :
( كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس ).
لذاك تجد الشياطين يمشون بين المغرب والمشرق في لحظة , ولكنّه لا يطوى لهم الزمان أصلا ولمّا علم بذلك لعنه الله سأل المكوث الزمني في قوله ( أنظرني إلى يوم يبعثون ).
فما قال له ( أنزلني إلى الأرض ) فما سأل المكان بل سأل الزمان لعلمه لعنه الله بما تعطيه الحقائق لذا قال ( يوم يبعثون ) فدلّ على علمه بالبعث وأنّ آدم وذرّيته سيحشرون ففي قوله ( يبعثون ) أي لأفسد عليهم ما بقي لهم وهو طي الزمان أي الجذب والفناء وهذا ما أوضحه في قوله ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) أي طريق الجذب وترك الأكوان جملة وتفصيلا .
فانظر رعاك الله معرفة إبليس بالطريق لذا ما زالت هناك جولات وصولات بينه وبين أقطاب الأمّة فإنّ المعركة حامية الوطيس , لأنّه منع من الجذب وسلب فيه أي سلب صفات الجمال والتمتّع بالأنس بالله وهذا معنى مكوثه حقيقة في جهنّم فكلّ من منع أو سلب صدق التوجّه إلى الله تعالى فهو في جهنّم الحجاب فما أعظمها وما أشدّ حرّها.
ومعنى السلب هو عدم الزيادة ولا الترقي في أوصاف الجمال ( فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ) فإبليس بمجرّد رفضه للسجود منع الزيادة فصار في نقصان لذا قال له:
( فبما أغويتني ).
فنسب الغواية لله عليه لعائن الله , أمّا آدم فلم يمنع الزيادة لذا ما طلب المكوث في الأرض ولا سأل شيئا عندما أنزله الله من الجنّة وأخرجه منها بل وما طلب حتّى العودة إليها فغاية أمره أنّه قال ( ربّنا ظلمنا أنفسنا ) فما شاهد غير عبوديته فتاب الله عليه , فجعل الله الخلافة في بنيه فتجدّدت الزيادة فكان علم الأسماء منتقل من آدم إلى أبنائه الخلفاء قطب عن قطب إلى يوم القيامة.
ثم لم ترفع الملائكة رؤوسها من هذا السجود لآدم إلى اليوم ولن ترفع إلى يوم القيامة لأنّه قال :
( وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا ).
فما أخبرنا ولا قال بأنّهم رفعوا من هذا السجود فجاءهم الأمر بالسجود وما جاءهم الأمر بالرفع من هذا السجود فدلّ على بقاء هذا العلم أي علم الأسماء الذي إستوجب السجود في آدم فلم يسلب منه و يبقي في ذرّيته إلى يوم القيامة فهو تجدّد تجلّيات الجمال ( وإنّ الله يبعث على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد دين هذه الأمّة ) فذكر المدّة الزمنية المترتّبة في هذا التجديد فدلّ هذا على علوم الزمان وأنّ الدين يحيي بالزمان في المكان , فمنع إبليس من هذا الزمان فطلب المكوث في عالم البقاء أي طلب مكوثه في صفات الجلال من غير صفات الجمال.
فهو معذّب منذ أن رفض السجود فهذا العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر فهذا عذاب الدنيا وهو عذاب المكان دون عذاب الزمان وهو عذاب الآخرة , هذا لتعلم أيضا جهل إبليس , فهو عارف بمراسم الطريق لكنّه محجوب عن شؤون المعرفة من حيث الأسرار فيما بينك وبين الله تعالى لكنّه عنده حيل وكمائن يسترق بها السمع قبل البعثة النبوية أمّا الآن فهو لا يحسن شيئا فقد أنجانا منه النبي صلى الله عليه وسلّم لأنّ الحقائق رجعت في الزمن المحمّدي بكمالاتها كلّها .
فكان الطي المكاني من غير زماني هو البقاء في وصف النفس أو البقاء بالنفس , أمّا من طوى الزمن من غير طي المكان فهو في وصف الجذب ولربّما صاحبها ينعت بالزندقة , أمّا طي الإثنين فهو المنعوت بعالم البقاء فكان مشرب الأمّة المحمّدية هو هذا.
لذا سلب إبليس الفناء وسلب آدم البقاء وإنّما نعني بالبقاء الذي سلبه آدم أي أنّه سبق في علم الله أنّه يكون خليفة في الأرض فكان هذا النزول إلى الأرض لن يتحقّق إلا بظهور وصف النفس لمّا إشتهت الأكل من الشجرة المحرّمة فافهم هذه الدقيقة وإنّما إبتلاه الله بهذا الأكل لتظهر مزيّة النبيّ العدناني وأنّه حقيقة الخليفة الكامل في الأرض وهو المنعوت بقوله تعالى حقيقة :
( إنّي جاعل في الأرض خليفة ).
فهو الذي نزل خلفية في عالم البقاء صلى الله عليه وسلّم أي طي مكان وزمان في عالم البقاء فهو العبد الكامل والخليفة الشامل , فإنغلق باب التوبة على إبليس فلن تقبل منه أبدا لأنّ بابها جماليّ وهو الذي رمزنا إليه بطي الزمان , أمّا آدم فلم يغلق له باب البقاء بل جعله محلّ الإختبار والإبتلاء فكلّ من صلح وإستقام جذبه ردّ إلى عالم بقائه فعاش في الدنيا بالمشرب المحمّدي الخاص فافهم.
ثمّ إنقسم هذا الطي الزماني بين حضرتين :
حضرة اليوم وهو يوم الربّ ( كألف سنة ممّا تعدّون ) وحضرة الليلة وهي الليلة المحمّدية ( خير من ألف شهر ) فعبادة العارف بالله في يوم واحد كعبادة أحدنا ألف سنة , عبادة العارف بالله الذي مستواه الحقيقة المحمّدية فلا يتعدّاها ( خير من ألف شهر ) وهي كمدّة عبادة أحدنا , أمّا غير العارفين فليس لهم هذا وإنّما هم في دائرة الأجور الواردة في الشرع بحسب المدّة الزمنية أي بحسب الجذب , لأنّه بحسب جذبك يكون بقاؤك.
فالأرض محلّها الأسماء , والزمان محلّه الصفات , فمن طواهما بقى ببقاء الذات وهو العارف بالله الكامل فلا زمان ولا مكان فحيثما كان الله تعالى كان له عبدا طوى المكان والزمان وبقي مع الواحد الديان , هنا يكون خليفة في الأرض فمن عاداه فقد عادى الله تعالى كان من كان هذا الذي عاداه ولو كان كإبليس لمّا كان على صورته النورانية فإنّه حتما يسلب ويطرد.
ثمّ بقي شيء :
يكتب الله لك أجلك فقال :
( إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ).
الوقت المحدّد والزمن المعيّن , من هذا السرّ تعرف المواعيد والوعد والوعيد ومن هذه الحضرة تعرف تعيينات الأزمنة وما تحبله الأيّام إلى يوم القيامة ذلك اليوم المحدّد زمنه فهل فهمت ؟
ونحن نعلم بأنّ اليوم الذي تقوم فيه القيامة هو يوم الجمعة كما ورد في الحديث فها قد حدّد لك رسول الله يومها فكيف عرفه فحدّده وإنّما قال يوم الجمعة تحديدا لعدّة أسرار يا عارف وأنت تعلم أنّ يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أنزل إلى الأرض وفيه تقوم الساعة وهو يومنا نحن معاشر المسلمين فهو يوم عيدنا فنحن يوم القيامة لنا يوم عيد فهي لنا لأنّه اليوم المحمّدي فافهم أفهمك الله ( ومن أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ) فإنّما كانت يوم الجمعة لأنّه يوم عيدنا فهو تجلّي الحقيقة المحمّدية بالرحمة على المسلمين , فنحن مجموعون يوم الجمعة في الجمع الأصغر وهو جمع الحقيقة المحمدية لذا قال تعالى:
( يجمعكم ) لذا أمرنا أن نكثر من الصلاة والسلام عليه فيه لأنّه يومه فيوم القيامة هو اليوم المحمّدي وهو يوم شفاعته الكبرى ويوم مقامه المحمود ويوم كوثره ويوم مزاياه صلى الله عليه وسلّم.
فهذه مشاربكم يا معاشر أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم وهو طي المكان وطي الزمان مع بعضهما , فهذا العالم المحسوس هو طبعك أمّا العالم المعنوي فهو روحك , فهذا أرضك وهذا سماؤك , وفي السماء رزقكم وما توعدون رغم أنّه يخرج من الأرض وينبت فيها ويسقى بماء الأرض بعد أن يتبخّر فهل فهمت ؟
والسلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
سألني طارق قلبي عن طي المكان وطي الزمان وحقيقتهما فأجبته :
إعلم أيّها السيّد الوفيّ والفتى القدسي أنّ هذا المبحث ينقسم إلى حقائق ثلاث :
الطي الأوّل : طي المكان :
وهذا لا يتحقّق إلا بمجاهدة النفس من حيث طبائعها وذلك بالسهر والجوع والصمت والعزلة أي تمويت النفس شيئا فشيئا فتعدم مشاهدة نفسها فتتكبّر لذا فلا بدّ أن تذلّ وما الأولياء إلاّ أناس كنسوا بأرواحهم المزابل.
الطي الثاني : طي الزمان :
وهو لا يتحقّق إلاّ بالتخلّص من آفات النفوس الدقيقة من حيث طلبها للحظوظ العاجلة والآجلة أي تطوي مسافات القرب فيما بينك وبين ربّك وهذه هي بركة العمر والزمان لذا قالوا عن الفقير الصوفي بأنّه ( إبن وقته ).
الطي الثالث :
طي يجمعهما في نفس الوقت وهو المعبّر عنه عند ساداتنا العارفين بطي الأكوان جملة وتفصيلا أي أنّه طي المكان والزمان , لأنّ الأكوان هي عبارة عن المكان والزمان فأنت مخلوق من مكان وهو الأرض وفيها تسكن وفيها تموت ومنها تبعث فهي حقيقة طبيعتك لذا متى ما بدّلت تلك الأرض غير الأرض بدّلت أنت بحسب ما به تبدّلت فأنت ولدها وهي أمّك لذا ينبت فيها كلّ ما من شأنه غذاؤك , فمتى طويت هذا الطوي الثالث طويت طبيعتك الترابية كطي السجلّ للكتب كما أخبرك بذلك عن طي الزمان والمكان وهو هذا الطي الثالث الذي وضّحه لك متى ما فهمت عنه.
أمّا الزمان فهو عبارة عن المصير وإلى الله تصير الأمور , فحدّد لك مكانك ثمّ قيّده بزمانك فكتب عليك الأجل وهو الوقت المحدّد أي وقت المكوث أي مكوث تلك التركيبة الترابية محلّ التكليف والأسماء , فكان صلاح مكانك لا يتحقّق إلا بصلاح زمانك فمتى فسد زمانك فسد مكانك والله لا يحبّ المفسدين فاعرف زمانك تعرف فساده وصلاحه
فهذا الطي الثالث هو المعبّر عنه بالبقاء , أمّا الطي الأوّل فهو المعبّر عنه بالسلوك , والثاني وهو طي الزمان فهو المعبّر عنه بالجذب أو بالفناء.
قلت :
الخلافة في الأرض حقيقتها نشأت من عالم البقاء , فالسلب الذي وقع لإبليس أنّه سلب الجذب والفناء أي العبودية , أمّا آدم لمّا أنزل إلى الأرض سلب البقاء وأبقى عليه أحكام الفناء فلم يسلب منه لذا نزل تائبا راكعا واضعا رأسه ما رفعه مائة عام , فبقي لإبليس طي المكان ومنع من طي الزمان فليس له عليه خبر , أمّا آدم فمنع من طي المكان وأبقى الله له طي الزمان فكان في لحظة عند سدرة المنتهى وجسمه هنا في الأرض.
إلاّ سيّد الوجود فقد أرجع طي الزمان والمكان في إسرائه ومعراجه فأسري به جسما وروحا فكان قاب قوسين أو أدنى لذا أشار إلى هذا ( إنّي أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني ) بعد أن قال ( لست كأحدكم ) فإنفرد بهذا عليه الصلاة والسلام دون جميع البشر فظهرت مرتبته على الجميع فأكمل الله به كمالات الوجود فظهرت مرتبة كلّ أحد فيه صلى الله عليه وسلّم ( لقد إستدار الزمان كيوم خلق الله السماوات والأرض أي قبل خلق آدم فافهم عنه , فاستدار الزمان به فلولاه لما إستدار هذا الزمان ورجع كيوم خلق الله السماوت والأرض فما ذكر غير الزمان أي الزمان المحمّدي فرجعت حقيقته المحمّدية إلى الظهور بعد أن كانت محتجبة.
وقد قال تعالى :
( كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس ).
لذاك تجد الشياطين يمشون بين المغرب والمشرق في لحظة , ولكنّه لا يطوى لهم الزمان أصلا ولمّا علم بذلك لعنه الله سأل المكوث الزمني في قوله ( أنظرني إلى يوم يبعثون ).
فما قال له ( أنزلني إلى الأرض ) فما سأل المكان بل سأل الزمان لعلمه لعنه الله بما تعطيه الحقائق لذا قال ( يوم يبعثون ) فدلّ على علمه بالبعث وأنّ آدم وذرّيته سيحشرون ففي قوله ( يبعثون ) أي لأفسد عليهم ما بقي لهم وهو طي الزمان أي الجذب والفناء وهذا ما أوضحه في قوله ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) أي طريق الجذب وترك الأكوان جملة وتفصيلا .
فانظر رعاك الله معرفة إبليس بالطريق لذا ما زالت هناك جولات وصولات بينه وبين أقطاب الأمّة فإنّ المعركة حامية الوطيس , لأنّه منع من الجذب وسلب فيه أي سلب صفات الجمال والتمتّع بالأنس بالله وهذا معنى مكوثه حقيقة في جهنّم فكلّ من منع أو سلب صدق التوجّه إلى الله تعالى فهو في جهنّم الحجاب فما أعظمها وما أشدّ حرّها.
ومعنى السلب هو عدم الزيادة ولا الترقي في أوصاف الجمال ( فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ) فإبليس بمجرّد رفضه للسجود منع الزيادة فصار في نقصان لذا قال له:
( فبما أغويتني ).
فنسب الغواية لله عليه لعائن الله , أمّا آدم فلم يمنع الزيادة لذا ما طلب المكوث في الأرض ولا سأل شيئا عندما أنزله الله من الجنّة وأخرجه منها بل وما طلب حتّى العودة إليها فغاية أمره أنّه قال ( ربّنا ظلمنا أنفسنا ) فما شاهد غير عبوديته فتاب الله عليه , فجعل الله الخلافة في بنيه فتجدّدت الزيادة فكان علم الأسماء منتقل من آدم إلى أبنائه الخلفاء قطب عن قطب إلى يوم القيامة.
ثم لم ترفع الملائكة رؤوسها من هذا السجود لآدم إلى اليوم ولن ترفع إلى يوم القيامة لأنّه قال :
( وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا ).
فما أخبرنا ولا قال بأنّهم رفعوا من هذا السجود فجاءهم الأمر بالسجود وما جاءهم الأمر بالرفع من هذا السجود فدلّ على بقاء هذا العلم أي علم الأسماء الذي إستوجب السجود في آدم فلم يسلب منه و يبقي في ذرّيته إلى يوم القيامة فهو تجدّد تجلّيات الجمال ( وإنّ الله يبعث على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد دين هذه الأمّة ) فذكر المدّة الزمنية المترتّبة في هذا التجديد فدلّ هذا على علوم الزمان وأنّ الدين يحيي بالزمان في المكان , فمنع إبليس من هذا الزمان فطلب المكوث في عالم البقاء أي طلب مكوثه في صفات الجلال من غير صفات الجمال.
فهو معذّب منذ أن رفض السجود فهذا العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر فهذا عذاب الدنيا وهو عذاب المكان دون عذاب الزمان وهو عذاب الآخرة , هذا لتعلم أيضا جهل إبليس , فهو عارف بمراسم الطريق لكنّه محجوب عن شؤون المعرفة من حيث الأسرار فيما بينك وبين الله تعالى لكنّه عنده حيل وكمائن يسترق بها السمع قبل البعثة النبوية أمّا الآن فهو لا يحسن شيئا فقد أنجانا منه النبي صلى الله عليه وسلّم لأنّ الحقائق رجعت في الزمن المحمّدي بكمالاتها كلّها .
فكان الطي المكاني من غير زماني هو البقاء في وصف النفس أو البقاء بالنفس , أمّا من طوى الزمن من غير طي المكان فهو في وصف الجذب ولربّما صاحبها ينعت بالزندقة , أمّا طي الإثنين فهو المنعوت بعالم البقاء فكان مشرب الأمّة المحمّدية هو هذا.
لذا سلب إبليس الفناء وسلب آدم البقاء وإنّما نعني بالبقاء الذي سلبه آدم أي أنّه سبق في علم الله أنّه يكون خليفة في الأرض فكان هذا النزول إلى الأرض لن يتحقّق إلا بظهور وصف النفس لمّا إشتهت الأكل من الشجرة المحرّمة فافهم هذه الدقيقة وإنّما إبتلاه الله بهذا الأكل لتظهر مزيّة النبيّ العدناني وأنّه حقيقة الخليفة الكامل في الأرض وهو المنعوت بقوله تعالى حقيقة :
( إنّي جاعل في الأرض خليفة ).
فهو الذي نزل خلفية في عالم البقاء صلى الله عليه وسلّم أي طي مكان وزمان في عالم البقاء فهو العبد الكامل والخليفة الشامل , فإنغلق باب التوبة على إبليس فلن تقبل منه أبدا لأنّ بابها جماليّ وهو الذي رمزنا إليه بطي الزمان , أمّا آدم فلم يغلق له باب البقاء بل جعله محلّ الإختبار والإبتلاء فكلّ من صلح وإستقام جذبه ردّ إلى عالم بقائه فعاش في الدنيا بالمشرب المحمّدي الخاص فافهم.
ثمّ إنقسم هذا الطي الزماني بين حضرتين :
حضرة اليوم وهو يوم الربّ ( كألف سنة ممّا تعدّون ) وحضرة الليلة وهي الليلة المحمّدية ( خير من ألف شهر ) فعبادة العارف بالله في يوم واحد كعبادة أحدنا ألف سنة , عبادة العارف بالله الذي مستواه الحقيقة المحمّدية فلا يتعدّاها ( خير من ألف شهر ) وهي كمدّة عبادة أحدنا , أمّا غير العارفين فليس لهم هذا وإنّما هم في دائرة الأجور الواردة في الشرع بحسب المدّة الزمنية أي بحسب الجذب , لأنّه بحسب جذبك يكون بقاؤك.
فالأرض محلّها الأسماء , والزمان محلّه الصفات , فمن طواهما بقى ببقاء الذات وهو العارف بالله الكامل فلا زمان ولا مكان فحيثما كان الله تعالى كان له عبدا طوى المكان والزمان وبقي مع الواحد الديان , هنا يكون خليفة في الأرض فمن عاداه فقد عادى الله تعالى كان من كان هذا الذي عاداه ولو كان كإبليس لمّا كان على صورته النورانية فإنّه حتما يسلب ويطرد.
ثمّ بقي شيء :
يكتب الله لك أجلك فقال :
( إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ).
الوقت المحدّد والزمن المعيّن , من هذا السرّ تعرف المواعيد والوعد والوعيد ومن هذه الحضرة تعرف تعيينات الأزمنة وما تحبله الأيّام إلى يوم القيامة ذلك اليوم المحدّد زمنه فهل فهمت ؟
ونحن نعلم بأنّ اليوم الذي تقوم فيه القيامة هو يوم الجمعة كما ورد في الحديث فها قد حدّد لك رسول الله يومها فكيف عرفه فحدّده وإنّما قال يوم الجمعة تحديدا لعدّة أسرار يا عارف وأنت تعلم أنّ يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أنزل إلى الأرض وفيه تقوم الساعة وهو يومنا نحن معاشر المسلمين فهو يوم عيدنا فنحن يوم القيامة لنا يوم عيد فهي لنا لأنّه اليوم المحمّدي فافهم أفهمك الله ( ومن أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ) فإنّما كانت يوم الجمعة لأنّه يوم عيدنا فهو تجلّي الحقيقة المحمّدية بالرحمة على المسلمين , فنحن مجموعون يوم الجمعة في الجمع الأصغر وهو جمع الحقيقة المحمدية لذا قال تعالى:
( يجمعكم ) لذا أمرنا أن نكثر من الصلاة والسلام عليه فيه لأنّه يومه فيوم القيامة هو اليوم المحمّدي وهو يوم شفاعته الكبرى ويوم مقامه المحمود ويوم كوثره ويوم مزاياه صلى الله عليه وسلّم.
فهذه مشاربكم يا معاشر أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم وهو طي المكان وطي الزمان مع بعضهما , فهذا العالم المحسوس هو طبعك أمّا العالم المعنوي فهو روحك , فهذا أرضك وهذا سماؤك , وفي السماء رزقكم وما توعدون رغم أنّه يخرج من الأرض وينبت فيها ويسقى بماء الأرض بعد أن يتبخّر فهل فهمت ؟
والسلام
بارك الله فيك ....يا ليتني نلت قبس من علمك ....الحمد لله الذي ساقني إلى هذه المدونة المباركة ..والله إنه علم قل اصحابه
ردحذفتحليل في منتهى الروعة والجمال....واريد ان اسأل لو هناك شرح لكيفية عمل ذلك اقصد طي الارض..دون اللجوء الى السحر او الجن هل هناك طريقة معينة لذلك او عباده معينة؟
ردحذفالمهدي عليه السلام هو رسول الذي طوى كل زمان ومكان وهو ذو القرنيين وهو الخضر وهو دابة الارض لان كل أهل البيت و احد وهم الكتاب الذي يوقد من شجرة مباركة زبتونه ولا اعتقد ان هناك اشخاص مهما كان يستطيع العروج عبدالله الذي أصبح يده التي تبطش و عينه التي ترى و قدمه التي تمشي هو المهدي الذي حقيقته أهل البيت ويتجلى فيه صفات الرسول والإمام علي وهذا معنى رجعة الرسول إلينا فهو شديد القوى
ردحذف