بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه
إنّ مناهج الأذواق والفهوم , وحديث القلوب بالعلوم , لمن أحسن الكلام إشراقا , وأطيب الرزق أنوارا وأذواقا , فكم من عارف نحرير , وسابق تحقيق أمير , رأيناه يجول , وفي سماء الفضل يحول ويقول : ( حدّثني قلبي عن ربّي( , فصدق المحدّث , والمحّدّث , وصدق الحديث , فسرى التصديق في القلوب , بحسب مراتبها في إنعكاس يقينيات الغيوب , فليس لك من الحظّ إلا ما أنت عليه عازما , ولا من الحقّ إلا ما أنت عليه صابرا , ( وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظّ عظيم( .
فحديث الأذواق , تياره نتيجة مدامع الأحداق , ومداده من حمّى صبابة العشّاق , لا من محابر الحسّ والبعد والأوراق , إلى يوم التلاق .
ولمّا كان الأمر في القلوب كذلك , وفي الأرواح أغرب وأكبر ممّا هنالك , كان ساداتنا الكرام , أهل الحال والمقام , من الأنبياء والمرسلين , وبقيةالمنابر من أهل التقوى واليقين , أصدق الناس حديثا , وأطيبهم أخلاقا , وأعمّهم جودا وإنفاقا , بيد أنّهم تخلّقوا بأخلاق مولاهم , في حضرة فناهم وبقاهم , آخرهم وأولاهم , فسقاهم لمّا عطشوا من الرحيق مختوما , ولمّا طربوا أنعشهم بالوصال أنوارا وسرّا مكتوما, فلله درّهم , عزّ أنسهم , وأنس عزّهم ,حديثهم درّ ياقوت ومرجان , وحكاياتهم عنه مواقيت فيض حال ووجدان.
هذا لتعلم أيها الحبيب , والسيّد الصادق الأديب ,أنّ أوّل الخلق رفع ذكره , وعزّ حسّه وأنسه , وأجمل صورة تمّ فيها رسمه , وأكمل عقل إنفرد فيه فكره , وأبلغ فكر تمّ له فهمه , وأشرق فهم وحّد به ربّه , هو الحبيب المصطفى , الفتى الطاهر بطه , وياسين المشرق بالضحى , إمام الوجود وكعبة الشهود , درّة يتيمة عصماء السعود , إنسان عين الوجود.
,
ورحم الله البوصيري إذ يقول :
ورحم الله البوصيري إذ يقول :
فإن فضل رسول الله ليس له ح *** حدّ فيعرب عنه ناطق بفم.
فجمع صلى الله عليه وسلّم المقامات , وأخذ بيمناه جميع الكمالات , فلم يثبت البراق لمّا إعتلاه , ولا جبل أحد في مرقاه .
والحكاية في هذا الفصل تطول , ولا تعطي غير ما ينتجه المعقول والمنقول ,وإلا فالأمر أعظم من أن يحيط به عارف نحرير , ولا عالم أو غرّ غرير ,.
ولمّا أشرقت على ظلماتنا الحضرة المحمدية بأنوارها , فأضحى ليلي في طي نهارها وحبتنا بأفضال حنانها وأسرارها , وشعشع القلب من نوره , وإعتلى الجبين سرّ ظهوره في بدوره , فنطق لسان البعد في عالم الظهور , بما تراه مسطّرا في هذه السطور , إذ أنها طروس , تعبّر في ذوقها عن وصفها العروس .
فلنبدأ بإذن الله بذكر موارد أسرار حديث جبريل أمين الوحي, إذ أن الدين كلّه وحي جاء من عند الله تعالى وقد بدأ جملة من المحدّثين تصانيفهم بفتح هذا الباب , إشارة نبيهة , ودقيقة بديهة , لمن فهم الخطاب عن الأئمّة , ودخل بقلبه قصور الفهم المهمّة , فهناك مناسبة قوية بين الدين والوحي وجبريل الروح الأمين وبين الأمانة التي هي الرسالة , خلاف بعض الأئمّة الذين بدؤوا بذكر حديث النية , المعروف بحديث أمّ قيس , الذي هو مناط التكليف بالأعمال , ونتائجها جاذبات الأحوال كما فعل النووي الأمام , في بعض من تآليفه.
ولكلّ عالم وجهة هو مولّيها إذ أن مذاهب القوم كثيرة ,
فإهل الله لا يضعون تصانيفهم هكذا سبهللا لمجرّد التصنيف والكتابة , بل لهم من
ورائها مقاصد سنية , ومنهاهج عليّة , لا على ما نراه الآن من المتصرّفين في كتب
المحدّثين والعلماء , من الذين غلبتهم الدعاوى والهوى فما علموا إشارة , ولا خطر على قلوبهم سلسبيل عبارة من الذين أعمى الله
قلوبهم , وقد ورد في الحديث من علامات الساعة تفشّي القلم وإختلاط المعرب بالعجم.
والله المستعان في هذا الزمان , المليء بالتلحين في الأوزان.
يتبع إن شاء الله ....
0 التعليقات:
إرسال تعليق