بسم الله الرحمان الرحيم -
قال الناظم رضي الله عنه :
لاَ تَحْسِبْ أَنَّكَ تَرَانِي --- بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَا
فَمِنْ خَلْفِهَا مَعَانِي --- لَوَازِمُ الرُّوحَانِيَا
الرؤية قد تأتي على معنى أخصّ من عموم النظر لما لها من تعلّق بعين البصيرة ولا يكون النظر نظرا حقيقيا حتّى يتّحد فيه الظاهر مع الباطن فلا يبغي الظاهر على الباطن أو الباطن على الظاهر كما قال تعالى في شؤون النظر ( على الأرائك ينظرون ) لأنّ النظر صفته صفة حاسته عموما وكذلك الرؤية صفة قلب صاحبها خصوصا فقد يُحمل النظر على معنى الرؤية وتحمل الرؤية على معنى النظر في العموم أمّا عند التخصيص فلا فيجب مراعاة الاستعمالات اللغوية ودلالات الألفاظ وخصوصا ألفاظ القرآن.
وهذا بحر عميق له أهله لأنّ اللفظ ما لم يحمل معناه المراد به فقد خان الأمانة وحاشا الألفاظ والحروف من الخيانة بمعنى أن لا تسلب شؤون الباطن أو تنكر شؤون الظاهر فيعطي العارف كلّ مرتبة حقّها فينظر إلى الظاهر وهو وصف البشرية فيعطيها حقّها كما قال تعالى ( قل إنّما أنا بشر مثلكم ) فهذا مجاله النظر فيجب توفية مرتبة حقّ هذه البشرية من الآداب كأن تدّعي في شيخك أنّه إله كما فعلت النصارى مع عيسى عليه السلام أو كما سيفعل الدجّال بنفسه بدعواه الألوهية وهو في وصف البشرية.
لذا أوضح الناظم رضي الله عنه الوصفين فأثبت لنفسه البشرية كي يخرجك من وهم النفوس أوّلا ثمّ أثبت لها الروحانية كي يدخلك حضرة القدّوس ثانيا فقال :
لاَ تَحْسِبْ أَنَّكَ تَرَانِي --- بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَا
أي يا مريد و يا طالب التجريد لا تظنّ أو تتخيّل أنّك بمشاهدة بشريتي قد وقفت على حقيقتي الروحانية التي هي المقصودة من الدين فإنّ الجسد من غير روح لا حياة له وأنت تعلم أنّ الحياة لله جميعا ( الحيّ القيّوم ) فما أحياك إلاّ بنفخ الروح فيك ( ونفخت فيه من روحي ) فدلّك الناظم رضي الله عنه هنا على حقيقة حياتك بحياة الله تعالى وأنّ الروح لا يموت لأنّ الموت مفارقة ولا مفارقة للروح لمن خلقها وإنّما هو فناء وبقاء لا غير.
فالفناء للوجود وأنّ الله تعالى واجب الوجود أمّا البقاء فهو للشهود والله تعالى هو الباقي فإنّ غاية أمر الأرواح هو فناؤها في معبودها وخالقها بمعنى أن يقوم مقامها كقوله تعالى:
( وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ).
أو قوله تعالى:
( يد الله فوق أيديهم ).
فإنّ الظاهر لا يعطي هذا المشهد وإنّما الباطن يعطي هذا المشهد إذ في الظاهر لا يرى الناس غير رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الذي رمى وكذلك ما شاهدوا غير يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي التي تبايع ولكن مشاهد الحقيقة تعطي الحياة والفعل والوجود كلّه لله تعالى.
لذا دلّك الناظم رضي الله عنه أنّك لا تراه حقيقة في ذلك الوصف البشري وإنّما تراه عيانا في المشهد الروحي , وعليه أعلمك أنّ نظر بشريتك لا يتجاوز حدّ بشريته أمّا متى نظرته بروحانيتك فسترى ولا ريب روحانيته , فإذا كنت تحسب أنّك تراه ببشريتك في وصف بشريته فأحطت به كما قال الكفار والمشركين ( إنّما أنت بشر مثلنا ) فلم يتجاوز حدود نظرهم وصف بشريته فرأوه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فحجبوا بالبشرية عن أوصاف الروحانية كما قال سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه :( سبحان من ستر سرّ الخصوصية بأوصاف البشرية ).
وإنّما سبّح الله هنا في هذه الحكمة لما في ذلك من إعجاز ومعجزات وهي من أعظم المعجزات ومن هنا قال ساداتنا ( لو كشف عن نور الوليّ لعبد من دون الله ) فكيف لو كشف عن نور النبيّ أو نوره عليه الصلاة والسلام لذا حذّرنا الله تعالى أن لا نتّخذ أحدا من دونه معبودا كما قال تعالى :
( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ).
لذا قال سبحانه:
( أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ).
لذا أخرج الله تعالى أنبياءه وأولياءه في وصف البشرية لئلاّ يعبدون من دون الله تعالى.
لأنّ وصف الخصوصية خطير قد يوقع العبد في الشرك.
لذا ستر الله تعالى سرّ الخصوصية بأوصاف البشرية فتعطي هنا كلّ ذي حقّ حقّه في وصف بشريتة ومن ثمّ في وصف خصوصيته.
قال الناظم رضي الله عنه :
لاَ تَحْسِبْ أَنَّكَ تَرَانِي --- بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَا
فمتى حسبت ذلك وخلته فقد حجبت عنه فلم تستفد منه شيئا فإنّ أعظم حجاب هو حجاب البشرية الذي وقع فيه المشركون والكفار فما كفروا بالرسول إلاّ بسبب وجود بشريته لهذا قال تعالى :
( و تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ).
فما رأوا غير بشريته أمّا عن حقيقته فهم غافلون كما قال الناظم في بيت لاحق وسنأتي عليه ( تَرَانِي وَلاَ تَرَانِي --- لَأَنَّكْ غَافِلْ عَلَيَا ) فالغفلة هي عمى القلب عن النظر والرؤية كما قال تعالى :
( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) فلو لا تلك الغفلة لما أعرضوا عنه ولو لا تلك الغفلة لرأوا قرب هذا الحساب وعليه دلّ أنّ الغفلة التي هي عكس اليقظة وضدّها تبعد القريب وتقرّب البعيد , وتعرض عن الحبيب وتقبل على العدوّ.
فدلّك الناظم هنا على أنّ طريق الله تعالى لا يقاس بأوصاف البشرية كأن تحتقر الوليّ مهما كان فقره وبؤسه أو حالته الإجتماعية ومرتبته في المنظومة البشرية لأنّ هذا من فعل المشركين الذين يقولون مستهزئين كما أخبر القرآن عنهم:
( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا ).
لأنّ مقاييسهم مقاييس مادية ظاهرية وبشرية حسيّة ولهذا قال الكفار بمقاييسهم الفاسدة:
( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ).
لذا لا يخرج الرسول ولا الوليّ من بعده في بدايتهما إلاّ في وصف العبودية كالفقر واليتم ... وتلك علامتهما إلاّ ما كان من أمر خاص كسليمان عليه السلام أو من كان على قدمه في بعض الحالات لا من كلّ وجه.
فأخذ بيدك الناظم رضي الله عنه في هذا البيت إلى الاعتبار بلوازم الروحانية وأنّها الحقيقة خفيت عنك ولم ترها فلا تحسب أيّها المريد أنّك ترى شيخك متى لم تشاهد وترى معناه الحقيقي وهو اتّصال روحه بربّه الذي يريد أن يأخذ بيدك ليوصلك إلى ما وصل إليه ...
والله تعالى أعلم ...
يتبع إن شاء الله تعالى
قال الناظم رضي الله عنه :
لاَ تَحْسِبْ أَنَّكَ تَرَانِي --- بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَا
فَمِنْ خَلْفِهَا مَعَانِي --- لَوَازِمُ الرُّوحَانِيَا
الرؤية قد تأتي على معنى أخصّ من عموم النظر لما لها من تعلّق بعين البصيرة ولا يكون النظر نظرا حقيقيا حتّى يتّحد فيه الظاهر مع الباطن فلا يبغي الظاهر على الباطن أو الباطن على الظاهر كما قال تعالى في شؤون النظر ( على الأرائك ينظرون ) لأنّ النظر صفته صفة حاسته عموما وكذلك الرؤية صفة قلب صاحبها خصوصا فقد يُحمل النظر على معنى الرؤية وتحمل الرؤية على معنى النظر في العموم أمّا عند التخصيص فلا فيجب مراعاة الاستعمالات اللغوية ودلالات الألفاظ وخصوصا ألفاظ القرآن.
وهذا بحر عميق له أهله لأنّ اللفظ ما لم يحمل معناه المراد به فقد خان الأمانة وحاشا الألفاظ والحروف من الخيانة بمعنى أن لا تسلب شؤون الباطن أو تنكر شؤون الظاهر فيعطي العارف كلّ مرتبة حقّها فينظر إلى الظاهر وهو وصف البشرية فيعطيها حقّها كما قال تعالى ( قل إنّما أنا بشر مثلكم ) فهذا مجاله النظر فيجب توفية مرتبة حقّ هذه البشرية من الآداب كأن تدّعي في شيخك أنّه إله كما فعلت النصارى مع عيسى عليه السلام أو كما سيفعل الدجّال بنفسه بدعواه الألوهية وهو في وصف البشرية.
لذا أوضح الناظم رضي الله عنه الوصفين فأثبت لنفسه البشرية كي يخرجك من وهم النفوس أوّلا ثمّ أثبت لها الروحانية كي يدخلك حضرة القدّوس ثانيا فقال :
لاَ تَحْسِبْ أَنَّكَ تَرَانِي --- بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَا
أي يا مريد و يا طالب التجريد لا تظنّ أو تتخيّل أنّك بمشاهدة بشريتي قد وقفت على حقيقتي الروحانية التي هي المقصودة من الدين فإنّ الجسد من غير روح لا حياة له وأنت تعلم أنّ الحياة لله جميعا ( الحيّ القيّوم ) فما أحياك إلاّ بنفخ الروح فيك ( ونفخت فيه من روحي ) فدلّك الناظم رضي الله عنه هنا على حقيقة حياتك بحياة الله تعالى وأنّ الروح لا يموت لأنّ الموت مفارقة ولا مفارقة للروح لمن خلقها وإنّما هو فناء وبقاء لا غير.
فالفناء للوجود وأنّ الله تعالى واجب الوجود أمّا البقاء فهو للشهود والله تعالى هو الباقي فإنّ غاية أمر الأرواح هو فناؤها في معبودها وخالقها بمعنى أن يقوم مقامها كقوله تعالى:
( وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ).
أو قوله تعالى:
( يد الله فوق أيديهم ).
فإنّ الظاهر لا يعطي هذا المشهد وإنّما الباطن يعطي هذا المشهد إذ في الظاهر لا يرى الناس غير رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الذي رمى وكذلك ما شاهدوا غير يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي التي تبايع ولكن مشاهد الحقيقة تعطي الحياة والفعل والوجود كلّه لله تعالى.
لذا دلّك الناظم رضي الله عنه أنّك لا تراه حقيقة في ذلك الوصف البشري وإنّما تراه عيانا في المشهد الروحي , وعليه أعلمك أنّ نظر بشريتك لا يتجاوز حدّ بشريته أمّا متى نظرته بروحانيتك فسترى ولا ريب روحانيته , فإذا كنت تحسب أنّك تراه ببشريتك في وصف بشريته فأحطت به كما قال الكفار والمشركين ( إنّما أنت بشر مثلنا ) فلم يتجاوز حدود نظرهم وصف بشريته فرأوه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فحجبوا بالبشرية عن أوصاف الروحانية كما قال سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه :( سبحان من ستر سرّ الخصوصية بأوصاف البشرية ).
وإنّما سبّح الله هنا في هذه الحكمة لما في ذلك من إعجاز ومعجزات وهي من أعظم المعجزات ومن هنا قال ساداتنا ( لو كشف عن نور الوليّ لعبد من دون الله ) فكيف لو كشف عن نور النبيّ أو نوره عليه الصلاة والسلام لذا حذّرنا الله تعالى أن لا نتّخذ أحدا من دونه معبودا كما قال تعالى :
( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ).
لذا قال سبحانه:
( أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ).
لذا أخرج الله تعالى أنبياءه وأولياءه في وصف البشرية لئلاّ يعبدون من دون الله تعالى.
لأنّ وصف الخصوصية خطير قد يوقع العبد في الشرك.
لذا ستر الله تعالى سرّ الخصوصية بأوصاف البشرية فتعطي هنا كلّ ذي حقّ حقّه في وصف بشريتة ومن ثمّ في وصف خصوصيته.
قال الناظم رضي الله عنه :
لاَ تَحْسِبْ أَنَّكَ تَرَانِي --- بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَا
فمتى حسبت ذلك وخلته فقد حجبت عنه فلم تستفد منه شيئا فإنّ أعظم حجاب هو حجاب البشرية الذي وقع فيه المشركون والكفار فما كفروا بالرسول إلاّ بسبب وجود بشريته لهذا قال تعالى :
( و تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ).
فما رأوا غير بشريته أمّا عن حقيقته فهم غافلون كما قال الناظم في بيت لاحق وسنأتي عليه ( تَرَانِي وَلاَ تَرَانِي --- لَأَنَّكْ غَافِلْ عَلَيَا ) فالغفلة هي عمى القلب عن النظر والرؤية كما قال تعالى :
( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) فلو لا تلك الغفلة لما أعرضوا عنه ولو لا تلك الغفلة لرأوا قرب هذا الحساب وعليه دلّ أنّ الغفلة التي هي عكس اليقظة وضدّها تبعد القريب وتقرّب البعيد , وتعرض عن الحبيب وتقبل على العدوّ.
فدلّك الناظم هنا على أنّ طريق الله تعالى لا يقاس بأوصاف البشرية كأن تحتقر الوليّ مهما كان فقره وبؤسه أو حالته الإجتماعية ومرتبته في المنظومة البشرية لأنّ هذا من فعل المشركين الذين يقولون مستهزئين كما أخبر القرآن عنهم:
( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا ).
لأنّ مقاييسهم مقاييس مادية ظاهرية وبشرية حسيّة ولهذا قال الكفار بمقاييسهم الفاسدة:
( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ).
لذا لا يخرج الرسول ولا الوليّ من بعده في بدايتهما إلاّ في وصف العبودية كالفقر واليتم ... وتلك علامتهما إلاّ ما كان من أمر خاص كسليمان عليه السلام أو من كان على قدمه في بعض الحالات لا من كلّ وجه.
فأخذ بيدك الناظم رضي الله عنه في هذا البيت إلى الاعتبار بلوازم الروحانية وأنّها الحقيقة خفيت عنك ولم ترها فلا تحسب أيّها المريد أنّك ترى شيخك متى لم تشاهد وترى معناه الحقيقي وهو اتّصال روحه بربّه الذي يريد أن يأخذ بيدك ليوصلك إلى ما وصل إليه ...
والله تعالى أعلم ...
يتبع إن شاء الله تعالى
0 التعليقات:
إرسال تعليق