إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

شرح قصيدة ( يا من تريد تدري فنّي ) لسيدي الشيخ العلاوي رضي الله عنه 11

بسم الله الرحمان الرحيم - 

قال الناظم رضي الله عنه :

فَلَوْ رَأَيْتَ مَكَانِي--- فِي الْحَضْرَةِ الْأَقْدَسِيَا 

تَرَانِي ثُمَّ تَرَانِي --- وَاحِدًا بِلاَ غَيْرِيَا 

هناك فوارق في المعاني بين الحضرتين الحضرة الأحدية والحضرة القدسية وإن كانت في الحقيقة من حيث الأصل حضرة واحدة وإنّما قال الناظم رضي الله عنه هنا ( في الحضرة الأقدسيا ) ولم يقل ( الحضرة الأحدية لأنّه لا شهود من أحد إلى أحد في تلك الحضرة لأنّها حضرة أحدية كما قال بلال رضي الله عنه وهم يعذّبونه ( أحد أحد الله أحد ) كما قال تعالى ( قل هو الله أحد ) أي قلنا عن طريق الحال وليس فقط المقال بل يجب العمل على تطابق المقال للحال فيكون الكلام صادقا يسري فيه نور الصدق فيسري فيك من ذلك الصدق بحسب صدقك كما قال تعالى:

( اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين ).

كي يسري فيك حال صدقهم وما صدقهم في الحقيقة إلاّ ما تراه وتشاهده من عبوديتهم لربّهم سبحانه لذا قال الناظم رضي الله عنه :

( فلو رأيت مكاني --- في الحضرة الأقدسيا ) 

تلك الحضرة التي لا يدخلها إلاّ من تقدّست ذاته الروحية من حيث أنّ التقديس وهي مرتبة عالية في العبودية لا تكون إلاّ متى تقدّست الذات وتبعتها الصفات كما قالت الملائكة في وصف أعلى شأن من عبادتها وهو قولها ( ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ) فكأنّ الناظم يشير هنا إلى ما اشارت إليه الملائكة فكأنّها ما رأت آدم وما استشعرت وجوده في مرتبة تقديسها لذات الله تعالى.

بخلاف إبليس لعنه الله تعالى فإنّه استشعر وجوده مع وجود الله تعالى لذا أشار الناظم رضي الله عنه هنا إلى مرتبة تقديسه لذات الله تعالى وهي المنعوتة في لسان القوم ( الحضرة القدسية ) فليس كلّ موحّد لله تعالى هو مقدّس له إذ أنّ التقديس مرتبة يستوجبها وصف الحال من حيث التنوير الكامل المقول فيه ( قبض قبضة من نور وجهه ...) وهذا هو الرجوع إلى الأصل ( وإليه ترجعون ) أي الرجوع من وصف الأسماء والصفات إلى عين بحر الذات فإنّ التشبيه لا يقع إلا في الصفات أمّا في الذات فهيهات هيهات كما قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه في قصيدته الغرّاء : 

أبغي ثباتي في شهود بحر الذات 
أغنم أوقاتي في رؤيا الذات العلية 
بكم حضوري مع جمال نور النور 
فوزي وسروري رجوعي إلى الكنزية 

من حيث أنّ الله تعالى كان كنزا مخفيا فأراد أن يعرف فخلق العباد ليعرفوه كما فسّر ابن عبّاس وغيره رضي الله عنه وعنهم قوله تعالى ( إلاّ ليعبدون ) أي ليعرفون , والمعرفة كناية عن كشف حجاب الجهل عن حقيقة العلم فإنّ أكثر الجهل جرّاء الحجاب وأكثر العلم نتيجة الدخول إلى حضرة الأحباب كما قال تعالى ( وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) أمّا من بعده فهو من اليقظين يدور مع الحقّ حيثما دار في هذه الدار وتلك الدار بلا ديار. 

وإنّما حدّد الناظم رضي الله عنه ذكر المكان في قوله ( فلو رأيت مكاني --- في الحضرة الأقدسيا ) فليس هو مكان خصوصية بل هو مكان وجود العبودية إذ أنّ العبودية متّحدة كما اتّحدت الربوبية من حيث الأفعال والصفات والذات وهذا الاتّحاد أعني به وحدة العبودية لله تعالى ينتج عنه وصف الفردانية كما قال تعالى:

( ولقد جئتمونا فرادى ).

أي فلو ترى مكاني أيّها المريد الصادق من حيث عبوديتي لربّي في تلك الحضرة الأقدسيا لمتّ وصفا في وصفي من حيث عبوديتي لربّي فتراني الإمام الفرد والجميع يأتمّون بي كما سيصلّي عيسى خلف المهدي كما ورد في الخبر لذا قال رضي الله عنه :

تراني ثمّ تراني --- واحدا بلا غيريا 

فذكر هنا رؤيتين رؤية أولى تتبعها الثانية بلا فاصل لأنّ هذا من أحكام التجلّي إذ لا فواصل عند التجلي ولا فوارق كما قال تعالى بخصوص نعيم الجنّة ( وإذا رأيت ثمَّ رأيت نعيما وملكا كبيرا ) والذي أراه أنّه لم يقصد الترتيب ب ( ثُمَ ) وإنّما أراد التثبيت أي تثبيت النظر ( تراني ثمّ تراني ) أي في عين الحقيقة من حيث عبوديتي فسترى واحدا بلا غيرية من حيث العبودية المحضة في حضرة التقديس فيفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل.

وإنّما أراد الناظم هنا العروج بأرواح المريدين إلى حضرة ربّهم فدلّهم على حاله كي يوصلهم إلى ربّهم تعالى فهو ما دلّ في الحقيقة إلا على الله تعالى كما قال حكيم السادة الصوفية رضي الله عنه ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلاّ من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلاّ من أراد أن يوصله إليه ) فإذا أراد الله تعالى أن يوصلك إليه أوصلك بداية إلى وليّ من أوليائه كالناظم رضي الله عنه في زمنه وغيره من بعده كما قال الناظم في قصيد آخر:

( وعند وفاة الشيخ يظهر كمثله --- فهذه سنّة الله جرت فلا بدلا ) 

وهذه المرتبة التي ذكرها الناظم رضي الله عنه مرتبة سهلة وبسيطة من حيث الفهم ولكنّها شائكة وعويصة من حيث الجهل فلا يجب على أحد من العباد أن تختلط عليه الأمور فيضحى مثل حمار الرحى لا يفرّق بين الربوبية وبين العبودية فيقع في الشرك بالله تعالى الذي لا يغفره كما وقعت فيه النصارى الذين عبدوا عيسى أو اليهود الذين عبدوا عزير عليهما السلام.

وإنّما لضعف التوجّه إلى الله تعالى ومحبّته تضعف معها القلوب ويكثر الجهل عند ذلك فتختلط الأمور عند الجهلة فلا يضحى يفرّق بين العبودية والربوبية أو فيما بين الخصوصية والألوهية لذا يشترط الرجوع إلى السادة العارفين كي يبيّنوا الطريق الصحيح للناس حتى لا يقعوا في الأوهام والخيالات فإنّ من يتبع أوهامه وخيالاته فما تبعهما حقيقة إلاّ بسبب تركه للأصول فإنّ الأصل أنّ الله تعالى واحد لا يشاركه في ملكه أحد.

وإنّما يذكر أهل الله تعالى رضي الله عنهم وظائفهم ومراتبهم لدلالة الخلق على الله تعالى كما قال عليه الصلاة والسلام ( أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام ( أنا سيّد ولد آدم ولا فخر آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ).


وأهل الله تعالى نقول فيهم:

( وكلّهم من رسول الله ملتمس --- غرفا من البحر أو رشفا من الديم ) 

نفعنا الله تعالى بأحبابه 

والله تعالى أعلم 

يتبع إن شاء الله تعالى ...

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È