بسم الله الرحمان الرحيم -
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله
يا إخواني الكرام أثابكم الله تعالى وحفظنا وإيّاكم من الغلوّ والشطط
المتعارف عليه بين أهل الطريقة أنّ كتب الأولياء والمحققين على ثلاثة أصناف:
الصنف الأوّل :
كتب تعرّف بطريق أهل الله تعالى وتبيّن مبادئه وأدلّته وحدوده وفضله والإستشهاد عليه وتفهيم الخلق مراميه حتى لا يتركون سبيلا إلى الطعن فيه من جهة أو سبيلا إلى تحريفه أو التزيّا بزيّ أهله من غير شريعة تضبطه ولا طريقة تصقله ولا حقيقة تزيّنه.
فهذا الصنف من الكتب أذن فيها أهل الله تعالى بقراءتها لأنها تكشف عن كثير من ضلالات أهل الظاهر وأهل الباطن على حدّ سواء.
ومن هذه الكتب : كتاب الرسالة القشيرية وكتاب اللمّع للطوسي وكتاب التعرف لمذهب أهل التصوّف تأليف أبو بكر الكلاباذي المتوفى سنة 380 هـ ... إلخ أمّا في زمننا الحاضر فهناك كتاب حقائق عن التصوّف للشيخ عبد القادر عيسى الحلبي رحمه الله تعالى فهو من أنفع الكتب لتعريف الخلق بطريقة السادة الصوفية ومشروعيتها وكونها الركن الثالث من الدين.
هذه كتب لا يمكن الإنكار عليها بحال ويلحق بها بعض كتب الإمام سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه فهي نافعة في هذا الباب لجميع القارئين ومن ذلك كتب الإمام سيدي أحمد زرّوق ومنثورات الإمام الشاذلي وتلك المدرسة الشاذلية التي تعتني بالتربية خاصّة والأخلاق والسلوك فهي المدرسة الأصلية لهذا يتشذّل القطب ولو كان سلوكه في طريقة أخرى فالقطب لا يكون إلاّ شاذليا خاصّة وعلى هذا نصّ جملة كبيرة من الأقطاب.
والسرّ في ذلك كون المدرسة الشاذلية هي مدرسة تربية أصلية نصّ على ذلك الإمام زرّوق في قوله ( هي طريقة الوصول بحسب الأصول ) ولا يعني هذا التقليل من شأن الطرق الأخرى بل كلّها طرق شريفة موصلة إلى الله تعالى أنشأها كبار الأولياء وكبار الأقطاب وإنما فقط ذكرنا عموميات الشاذلية وكونها طريقة عامّة في جميع الطرق لهذا ترى أورادها وعلومها قاسما مشتركا في جميع الطرق كقصيدة البردة وكتاب الحكم ..الخ.
فهي مناهج علمية في جميع الطرق لهذا قال الامام سيدي أحمد زرّوق كونها طريقة ( أصول ) رضي الله تعالى عن الشريف الحسني سيدي أبي الحسن الشاذلي وعلى جميع الأشياخ من بعده.
سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول ( تلميذ الشاذلية أستاذ أهل زمانه ) أي في الشريعة والحقيقة لهذا ترى وتلاحظ علوّ كعب أهل هذه المدرسة في العلوم اللدنية وفي الشريعة الإسلامية فمن قرأ في كتاب الحكم العطائية وشروحه خاصّة شرح أبن عجيبة رضي الله عنه وكتاب قواعد التصوّف للإمام سيدي أحمد زرّق يدرك كعب أقطاب الشاذلية في العلوم الشرعية والتحقيقية.
فمدرسة التربية الأصلية هي المدرسة الشاذلية لهذا لا ترى الشاذلي إلاّ متشرّعا رضي الله عن جميع ساداتنا الأولياء من جميع الطرق و رضي عن جميع مريديهم وأتباعهم ومن لاذ بحماهم.
- الصنف الثاني من الكتب :
كتب وسطية وهي كتب الرقائق خاصّة والتي تحمل في طياتها أحكام المجاهدة والطاعة والذكر وفيها أيضا قصص وحكايات الصالحين وذكر كراماتهم التي تزيد في الإيمان ومحبة الصالحين وتثير الشوق إلى الله تعالى ثمّ الشوق الى أحبابه ويدخل في ذلك كتب التربية والأخلاق والتعريف بعلل الأعمال والأحوال والمقامات ... الخ.
فهذه الكتب نافعة جدّا للمريد السالك لكنّها لا تغني عن شيخ التربية لأنّ كتب التربية كالمدرسة الشعرانية أو العطائية لا تكفي بمجرّد مطالعة كتب أهلها والأخذ بنصائحها والإمتثال لما جاء فيها ..
لأنّ كتبا ككتاب الإحياء للغزالي أو قوت القلوب لأبي طالب المكّي أو منثورات الجنيد التي حوت منها رسالة الامام القشيري جملة هامّة فكانت قواعدا معمول بها في الطريق لأن حدّ فهم طريق القوم من كتب الرقائق والتربية والنشاط لطلب طريقهم والوصول إلى أخلاقهم عالم الأنوار أي نهاية وصولك من قراءة كتب الإرشاد هو عالم النور أما عالم الأسرار كالمشاهدة والمكالمة من أحكام البقاء وكذلك الوصول إلى الفناء لا يمكن أن يتحقق إلاّ بصحبة شيخ عارف ( فاتبعوني يحببكم الله ) أي إن كنتم سالكين ( إن كنتم تحبون الله ) فلا بدّ من اتباعي ( فاتبعوني ) كي تكونوا من المجذوبين كما قال تعالى ( يحببكم الله ) فيكون بصرك وسمعك ويدك ورجلك ..
لذا قال تعالى ( قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) أي كل من أوصلته اليك يا رب فهو متبع لي في طريقي فهو يدعو مثلي على بصيرة على شرط أن يتبعه محبيك ( فافهم ).
وإنّما نجم هذا الخلط في عدم فهم وتفصيل طريق القوم لاختلاط المفاهيم ودعوى التحقيق عند بعض الناس فهناك الكثير من الكلام الحقّ لكنّه يراد به باطل لأنّ النفوس لا تتزيّن بالحقّ باعتباره حقّا متجرّدا عنها بل تتزين بالحقّ لتظهر باطلها فيه قال تعالى في حقّ هؤلاء وأمثالهم :
( ولا تلبسوا الحقّ بالباطل ).
فمن التصانيف التي تضيف فوائدا للمريدين من غير أن تعتريهم شبهات في الدين أو في الطريق هي التي تكون خالية من الكلام الفلسفي أو نقول الكلام الذي لا تبلغه عقول الناس ككتب التلمساني والحلاج وكتب ابن عربي وكتب الجيلي .. الخ كتب ساداتنا الأولياء الذين كتبوا تجربتهم الروحية في التصوّف فتركوها لمن كان على شاكلتهم كي ينتفع بها.
فنحن مثلا لو نلاحظ : الإمام القشيري لمّا كتب رسالته كتبها الى جميع الصوفية في بلاد العالم الإسلامي وذلك في قوله ( هذه الرسالة كتبها الفقير إلى الله تعالى عبد الكريم بن هوزن القشيري إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام في سنة سبع وثلاثين وأربع مائة للهجرة )فهناك إذن عام منه في قراءتها لهذا انتفع الخلق بقراءتها فتمت شروحها غاية ...
لكنّنا في المقابل لو نلاحظ : الشيخ الأكبر سيدي محي الدين ابن عربي في صدر فتوحاته المكية التي هي من الصنف الثالث نبّه على كونه كتب بها وأهداها لصديقه عبد العزيز القرشي التونسي وفي هذا إشارة كون كتاباته ليست كتابات عامّة بل هي كتابات خاصّة بالعارفين خاصّة لهذا ضلّ بها من ضلّ من الفريقين أهل الظاهر وأهل الباطن لأنّها كتب وإن كانت تحمل فوائد عامة في الرقائق والسلوك لكن فيها من الكتابات الأخرى الجانب الغامض.
لهذا نهى الكثير من الأولياء عن تنبيه عقول العوام إلى قراءة كتب أهل التحقيق المتكلمين في التوحيد على طريقة أهل الفناء لأن فعل ذلك مفسدة للدين وللمسلمين والخلق أجمعين بل لا يجوز مخاطبة الناس إلاّ بحسب عقولهم كما ورد الأمر بذلك في الحديث لهذا لا تجد الأولياء يخوضون في الكلام الغامض بل هم بين ذكر ومذاكرة ( هذا الكلام نفسي أولى به والفقير أوّل من يتوجّه إليه هذا الكلام ) غفر الله تعالى لي ورحمني برحمته الواسعة فيما خضت فيه بغير علم ..
هذا وان صدر مني تفسيرا أو شرحا لكلام القوم كشرحي على مقدمة الفتوحات فغرضي كان توجيهها الوجه الشرعي الصحيح كي لا يعتقد معتقد منكر على الأولياء وعلومهم كونها تخرج عن الشريعة والطريقة والحقيقة .. أما الذي يفسّر الشطح بشطح أكبر منه والحقيقة بحقيقة أخطر منها فهو إمّا مجذوب أو صاحب تنطع أو تجلي نفسي كبير الذي سنبيّن عقباته في موضوعي ( مجاهدة النفس ) لأنّ بعض العباد قد يكونون في تجلي نفسي كبير وهم يظنونه فناء بل هو فناء في النفس وليس هو فناء عنها وهذا حال سامري إبليسي سنبيّنه إن شاء الله تعالى فادعو الله تعالى لنا بالشفاء ...
العبد الضعيف لاحظت أيضا كون كثير من المسلمين خاضوا في قراءة الكلام الغامض والمتشابه من كلام القوم فوقعوا في المحذور من سواء الطرفين المنكرين أو المعتقدين فكم من شخص رأيناه يقرأ في كتب الشيخ الأكبر وكتب الجيلي فيفسرها ويفهمها على غير وجهها الصحيح ولا المراد يظنّ أنّه باتباعه لطريقة الفلاسفة في الفهم والتحليل قد بلغ مبالغ العارفين وصدق الشيخ الأكبر في قوله ( لقد تركنا البحار الزاخرات وراءنا - فمن أين يدري الناس أين توجهنا ).
فالسلامة هو ترك دلالة الناس على قراءة كتب أمثال الشيخ الاكبر والجيلي والحلاج وغيرها فهي في الشاهد ككتب البوني وابن الحاج في مجال علوم الروحانيات والتصريفات والحكمة فهل ترى كل الناس قادرين على فهمها بل من قرأ في كتب البوني مثلا من غير إذن ولا دراية يوشك أن تهلكه الجنّ ويقصمه الروحانيون .. فهذا من هذا مع مراعاة الفارق بعد القياس ...
لهذا يجب أن ندلّ الخلق على ما ينفعهم أما المستزيد فهو سيبحث وحده وسيصل وحده إلى كتب القوم بل والبحث في أدقّ دقائقها واستقصاء شواردها لكنه يبقى أمر خاص فإن نجا فقد نجا وإن هلك يهلك لوحده ... فافهم.
هذا وليعلم إخواني أنّي الفقير أولى الناس بهذا الكلام وما أبرّئ نفسي الأمارة بالسوء فكم كتبت وكتبت من كلام فلسفي وخضت فيما لا يجدي نفعا غفر الله تعالى لي ولكن عزاءنا جميعا هو محبتنا للقوم وقد قيل ( وعين المحبة عن كل عيب كليلة ) أو هو في أدنى حالاته تشبه بالصالحين الكرام وهو فلاح فلا أعني أحدا بهذا الموضوع فنفسي كما قدمت أولى بالنصح منكم جميعا لأنه أمر واقع مشاهد والمشاهدة أقوى دليل ..
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله
يا إخواني الكرام أثابكم الله تعالى وحفظنا وإيّاكم من الغلوّ والشطط
المتعارف عليه بين أهل الطريقة أنّ كتب الأولياء والمحققين على ثلاثة أصناف:
الصنف الأوّل :
كتب تعرّف بطريق أهل الله تعالى وتبيّن مبادئه وأدلّته وحدوده وفضله والإستشهاد عليه وتفهيم الخلق مراميه حتى لا يتركون سبيلا إلى الطعن فيه من جهة أو سبيلا إلى تحريفه أو التزيّا بزيّ أهله من غير شريعة تضبطه ولا طريقة تصقله ولا حقيقة تزيّنه.
فهذا الصنف من الكتب أذن فيها أهل الله تعالى بقراءتها لأنها تكشف عن كثير من ضلالات أهل الظاهر وأهل الباطن على حدّ سواء.
ومن هذه الكتب : كتاب الرسالة القشيرية وكتاب اللمّع للطوسي وكتاب التعرف لمذهب أهل التصوّف تأليف أبو بكر الكلاباذي المتوفى سنة 380 هـ ... إلخ أمّا في زمننا الحاضر فهناك كتاب حقائق عن التصوّف للشيخ عبد القادر عيسى الحلبي رحمه الله تعالى فهو من أنفع الكتب لتعريف الخلق بطريقة السادة الصوفية ومشروعيتها وكونها الركن الثالث من الدين.
هذه كتب لا يمكن الإنكار عليها بحال ويلحق بها بعض كتب الإمام سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه فهي نافعة في هذا الباب لجميع القارئين ومن ذلك كتب الإمام سيدي أحمد زرّوق ومنثورات الإمام الشاذلي وتلك المدرسة الشاذلية التي تعتني بالتربية خاصّة والأخلاق والسلوك فهي المدرسة الأصلية لهذا يتشذّل القطب ولو كان سلوكه في طريقة أخرى فالقطب لا يكون إلاّ شاذليا خاصّة وعلى هذا نصّ جملة كبيرة من الأقطاب.
والسرّ في ذلك كون المدرسة الشاذلية هي مدرسة تربية أصلية نصّ على ذلك الإمام زرّوق في قوله ( هي طريقة الوصول بحسب الأصول ) ولا يعني هذا التقليل من شأن الطرق الأخرى بل كلّها طرق شريفة موصلة إلى الله تعالى أنشأها كبار الأولياء وكبار الأقطاب وإنما فقط ذكرنا عموميات الشاذلية وكونها طريقة عامّة في جميع الطرق لهذا ترى أورادها وعلومها قاسما مشتركا في جميع الطرق كقصيدة البردة وكتاب الحكم ..الخ.
فهي مناهج علمية في جميع الطرق لهذا قال الامام سيدي أحمد زرّوق كونها طريقة ( أصول ) رضي الله تعالى عن الشريف الحسني سيدي أبي الحسن الشاذلي وعلى جميع الأشياخ من بعده.
سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول ( تلميذ الشاذلية أستاذ أهل زمانه ) أي في الشريعة والحقيقة لهذا ترى وتلاحظ علوّ كعب أهل هذه المدرسة في العلوم اللدنية وفي الشريعة الإسلامية فمن قرأ في كتاب الحكم العطائية وشروحه خاصّة شرح أبن عجيبة رضي الله عنه وكتاب قواعد التصوّف للإمام سيدي أحمد زرّق يدرك كعب أقطاب الشاذلية في العلوم الشرعية والتحقيقية.
فمدرسة التربية الأصلية هي المدرسة الشاذلية لهذا لا ترى الشاذلي إلاّ متشرّعا رضي الله عن جميع ساداتنا الأولياء من جميع الطرق و رضي عن جميع مريديهم وأتباعهم ومن لاذ بحماهم.
- الصنف الثاني من الكتب :
كتب وسطية وهي كتب الرقائق خاصّة والتي تحمل في طياتها أحكام المجاهدة والطاعة والذكر وفيها أيضا قصص وحكايات الصالحين وذكر كراماتهم التي تزيد في الإيمان ومحبة الصالحين وتثير الشوق إلى الله تعالى ثمّ الشوق الى أحبابه ويدخل في ذلك كتب التربية والأخلاق والتعريف بعلل الأعمال والأحوال والمقامات ... الخ.
فهذه الكتب نافعة جدّا للمريد السالك لكنّها لا تغني عن شيخ التربية لأنّ كتب التربية كالمدرسة الشعرانية أو العطائية لا تكفي بمجرّد مطالعة كتب أهلها والأخذ بنصائحها والإمتثال لما جاء فيها ..
لأنّ كتبا ككتاب الإحياء للغزالي أو قوت القلوب لأبي طالب المكّي أو منثورات الجنيد التي حوت منها رسالة الامام القشيري جملة هامّة فكانت قواعدا معمول بها في الطريق لأن حدّ فهم طريق القوم من كتب الرقائق والتربية والنشاط لطلب طريقهم والوصول إلى أخلاقهم عالم الأنوار أي نهاية وصولك من قراءة كتب الإرشاد هو عالم النور أما عالم الأسرار كالمشاهدة والمكالمة من أحكام البقاء وكذلك الوصول إلى الفناء لا يمكن أن يتحقق إلاّ بصحبة شيخ عارف ( فاتبعوني يحببكم الله ) أي إن كنتم سالكين ( إن كنتم تحبون الله ) فلا بدّ من اتباعي ( فاتبعوني ) كي تكونوا من المجذوبين كما قال تعالى ( يحببكم الله ) فيكون بصرك وسمعك ويدك ورجلك ..
لذا قال تعالى ( قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) أي كل من أوصلته اليك يا رب فهو متبع لي في طريقي فهو يدعو مثلي على بصيرة على شرط أن يتبعه محبيك ( فافهم ).
وإنّما نجم هذا الخلط في عدم فهم وتفصيل طريق القوم لاختلاط المفاهيم ودعوى التحقيق عند بعض الناس فهناك الكثير من الكلام الحقّ لكنّه يراد به باطل لأنّ النفوس لا تتزيّن بالحقّ باعتباره حقّا متجرّدا عنها بل تتزين بالحقّ لتظهر باطلها فيه قال تعالى في حقّ هؤلاء وأمثالهم :
( ولا تلبسوا الحقّ بالباطل ).
فمن التصانيف التي تضيف فوائدا للمريدين من غير أن تعتريهم شبهات في الدين أو في الطريق هي التي تكون خالية من الكلام الفلسفي أو نقول الكلام الذي لا تبلغه عقول الناس ككتب التلمساني والحلاج وكتب ابن عربي وكتب الجيلي .. الخ كتب ساداتنا الأولياء الذين كتبوا تجربتهم الروحية في التصوّف فتركوها لمن كان على شاكلتهم كي ينتفع بها.
فنحن مثلا لو نلاحظ : الإمام القشيري لمّا كتب رسالته كتبها الى جميع الصوفية في بلاد العالم الإسلامي وذلك في قوله ( هذه الرسالة كتبها الفقير إلى الله تعالى عبد الكريم بن هوزن القشيري إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام في سنة سبع وثلاثين وأربع مائة للهجرة )فهناك إذن عام منه في قراءتها لهذا انتفع الخلق بقراءتها فتمت شروحها غاية ...
لكنّنا في المقابل لو نلاحظ : الشيخ الأكبر سيدي محي الدين ابن عربي في صدر فتوحاته المكية التي هي من الصنف الثالث نبّه على كونه كتب بها وأهداها لصديقه عبد العزيز القرشي التونسي وفي هذا إشارة كون كتاباته ليست كتابات عامّة بل هي كتابات خاصّة بالعارفين خاصّة لهذا ضلّ بها من ضلّ من الفريقين أهل الظاهر وأهل الباطن لأنّها كتب وإن كانت تحمل فوائد عامة في الرقائق والسلوك لكن فيها من الكتابات الأخرى الجانب الغامض.
لهذا نهى الكثير من الأولياء عن تنبيه عقول العوام إلى قراءة كتب أهل التحقيق المتكلمين في التوحيد على طريقة أهل الفناء لأن فعل ذلك مفسدة للدين وللمسلمين والخلق أجمعين بل لا يجوز مخاطبة الناس إلاّ بحسب عقولهم كما ورد الأمر بذلك في الحديث لهذا لا تجد الأولياء يخوضون في الكلام الغامض بل هم بين ذكر ومذاكرة ( هذا الكلام نفسي أولى به والفقير أوّل من يتوجّه إليه هذا الكلام ) غفر الله تعالى لي ورحمني برحمته الواسعة فيما خضت فيه بغير علم ..
هذا وان صدر مني تفسيرا أو شرحا لكلام القوم كشرحي على مقدمة الفتوحات فغرضي كان توجيهها الوجه الشرعي الصحيح كي لا يعتقد معتقد منكر على الأولياء وعلومهم كونها تخرج عن الشريعة والطريقة والحقيقة .. أما الذي يفسّر الشطح بشطح أكبر منه والحقيقة بحقيقة أخطر منها فهو إمّا مجذوب أو صاحب تنطع أو تجلي نفسي كبير الذي سنبيّن عقباته في موضوعي ( مجاهدة النفس ) لأنّ بعض العباد قد يكونون في تجلي نفسي كبير وهم يظنونه فناء بل هو فناء في النفس وليس هو فناء عنها وهذا حال سامري إبليسي سنبيّنه إن شاء الله تعالى فادعو الله تعالى لنا بالشفاء ...
العبد الضعيف لاحظت أيضا كون كثير من المسلمين خاضوا في قراءة الكلام الغامض والمتشابه من كلام القوم فوقعوا في المحذور من سواء الطرفين المنكرين أو المعتقدين فكم من شخص رأيناه يقرأ في كتب الشيخ الأكبر وكتب الجيلي فيفسرها ويفهمها على غير وجهها الصحيح ولا المراد يظنّ أنّه باتباعه لطريقة الفلاسفة في الفهم والتحليل قد بلغ مبالغ العارفين وصدق الشيخ الأكبر في قوله ( لقد تركنا البحار الزاخرات وراءنا - فمن أين يدري الناس أين توجهنا ).
فالسلامة هو ترك دلالة الناس على قراءة كتب أمثال الشيخ الاكبر والجيلي والحلاج وغيرها فهي في الشاهد ككتب البوني وابن الحاج في مجال علوم الروحانيات والتصريفات والحكمة فهل ترى كل الناس قادرين على فهمها بل من قرأ في كتب البوني مثلا من غير إذن ولا دراية يوشك أن تهلكه الجنّ ويقصمه الروحانيون .. فهذا من هذا مع مراعاة الفارق بعد القياس ...
لهذا يجب أن ندلّ الخلق على ما ينفعهم أما المستزيد فهو سيبحث وحده وسيصل وحده إلى كتب القوم بل والبحث في أدقّ دقائقها واستقصاء شواردها لكنه يبقى أمر خاص فإن نجا فقد نجا وإن هلك يهلك لوحده ... فافهم.
هذا وليعلم إخواني أنّي الفقير أولى الناس بهذا الكلام وما أبرّئ نفسي الأمارة بالسوء فكم كتبت وكتبت من كلام فلسفي وخضت فيما لا يجدي نفعا غفر الله تعالى لي ولكن عزاءنا جميعا هو محبتنا للقوم وقد قيل ( وعين المحبة عن كل عيب كليلة ) أو هو في أدنى حالاته تشبه بالصالحين الكرام وهو فلاح فلا أعني أحدا بهذا الموضوع فنفسي كما قدمت أولى بالنصح منكم جميعا لأنه أمر واقع مشاهد والمشاهدة أقوى دليل ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق