بسم الله الرحمان الرحيم
بارك الله بسيدي عبد العزيز المحترم وجازى الله عنّي وعنكم سيدي فارس النور
هذا وإعلم سيدي عبد العزيز بأنّ الفقير لا يحجّر فضل الله تعالى ولا رحمته ولا أقيّد الولاية والنور في أهل المغرب وخاصّة متى علمنا بالأحاديث النبوية التي تذكر أهل المشرق وأهل اليمن وتذكر مكّة والمدينة وبيت المقدس أمّا أهل مصر فقد قلت فيهم كلاما في غير هذه الصفحة ومّما قلته ( لو كان لأهل مصر فقط سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه لكفاهم فكيف ومقبرة ( المقطم ) فيها أكثر من خمسة آلاف من الأولياء والصالحين ناهيك عن وجود رأس الحسين هناك هذا إذا لم نتطرّق إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه ومدرسته , ولكنّي ذكرت بأنّ أهل المغرب يغلب عليهم السلوك جدّا وهذا واضح ويكفي.
هذا القول ماهو بقولي ولكنّه قول نخبة من كبار العارفين وتمعّن في كتاب سيدي محي الدين بن عربي الأندلسي رضي الله عنه في كتابه ( عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب ) تدري ما أقول وكذلك أقوال الكثير من الأقطاب وهو قولهم ( لقد أمدّ الله تعالى المشارقة بالنبوّة وأمدّ المغاربة بالولاية ) وهذا لا يعني بأن الولاية تقيّدت فيهم بل فضل الله واسع وكثير والأولياء تعجّ بهم الكرة الأرضية فهم في كلّ بلاد إسلامية فحتى الهند فيها من كبار الأولياء ما لا يخفى.
فكيف أحجّر رحمة الله وفضله ومن شروط الفقير الصوفي أن يكون مذهبه في التوحيد ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) لذا لا تخلو أرض من وليّ لله تعالى فحتى البحر له أولياء وكذلك هناك السائحون وهناك المخفيون وهناك الولهون , فهل فهمت من قولي السابق بأنني حجّرت رحمة الله تعالى ؟ وإنّما ذكرته تغليبا في الأزمنة المتأخّرة أي من بعد عصر السلف الذي جلّه في بلاد المشرق هذا ( ولله المشرق والمغرب ) ثمّ إنّ للمغرب أسرار ربانية كبيرة ويكفيك بأنّ أساطين الأولياء من بعد عصر السلف منهم ( كسيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه الذي ترك ما لم يتركه غيره من الأولياء ) وكسيدي إبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وكسيدي أحمد البدوي المغربي رضي الله عنه ويكفي مثل سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه.
فلا تظنّني حجّرت رحمة الله تعالى فالأولياء في كلّ بلاد ولكن أغلب أهل السلوك في المغرب ( فافهم ).
وإلا فما رأيك في سلطان العاشقين المصري بن الفارض , وسيدي جلال الدين الرومي رضي الله عنهما فلا أظنّ أحدا من الأولياء جاء من بعدهما ولم يشرب من قادوسيهما.
والحمد لله سيدي ففضل الله واسع وكثير وإنما أردت ذكر حقيقة معيّنه لذا قيّدت قولي بلفظة ( فأغلبهم ) وقيّدت قولي بلفظة ( لا أقول هذا بعاطفة ).
والسلام
السؤال الثاني والعشرين:
سيدي وأخي الغالي ( قيل : لا بد للمريد من استشارة شيخه في ذكره لأسماء الله الحسنى حتى يعطيه من الأذكار قدر ما يتحمله ويطيقه قلبه من الأنوار لأنه ربما ازدادت الأنوار على قلبه فاحترق , فمعدة الطفل الصغير لا تسع غذاء الرجل الكبير ).
والسؤال هو : نتمنى سيدي أن تكرمونا في شرح أكثر في ذلك ؟
الجواب على هذا السؤال والله أعلم :
إعلم سيدي فارس النور حباني الله تعالى وإيّاك والمسلمين بدوام الفرحة والسرور :
أن ذكر الله تعالى بأسمائه الحسنى ممّا رغّبنا الله تعالى فيه وأمرنا به وحثّنا عليه قال الله تعالى : ( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ).
وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنّة ).
والأسماء الحسنى منها ما هو إسم ذات وما هو إسم صفة وما هو إسم فعل : بمعنى في مقامات الدين الثلاثة الإحسان والإيمان والإسلام وبمعنى أدقّ فإنّ لكلّ إسم ثلاث مراتب.:
مرتبة ذاتيّة ومرتبة صفاتية ومرتبة أسمائيّة.
والإسم في حالاته الثلاثة لا يدلّ إلا على المسمّى به فمن توجّه بذلك الإسم لغير المسمّى به فقد أخطأ الطريق وهو يحسب أنّه يحسن صنعا
وسنذكر هذا : قوله تعالى : ( بسم الله الرحمان الرحيم ).
فبدأ بذكر إسم الجلالة , وهو إسم الذات الذي هو الإسم الجامع , فما جعل بين الإسم والمسمّى به إسم آخر كإسم صفة أو إسم فعل بل ذكر إسم الذات مباشرة حتى لا يحجب العبد بكثرة الأسماء وتعدّدها فأراد أن يجمعه عليه إبتداء ومن ثمّ يفسّر له مقتضيات إسم الذات من حيث صفاتها وما يجب لها ويستحيل وما يجوز , فمن الإسم إرتقى بهم إلى التعلّق بالمسمّى فوقف هذا الإسم بالسالكين على الذات مباشرة لأنّها الحقيقة , فسرت هذه الحقيقة في كلّ سورة من سور القرآن.
أي أنّ القرآن في جميع كلياته وجزئياته لا يدلّ إلا على الله تعالى بشاهد قوله ( بسم الله الرحمان الرحيم ) فسرى نفس ( بفتح الفاء ) التوحيد في كلّ حرف أو كلمة أو آية من القرآن لذا قال : ( ذلك الكتاب لا يرب فيه ) وعدم الريب هو ( المشاهدة ) لذا قال عليه الصلاة والسلام : ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر ) لأنّه خالي من نفس التوحيد فيكون على صاحبه نقمة وسخطا فلا تسري فيه بركة الإسم أو الصفة التي نواها بتلفّظه بالبسملة.
ثمّ بعد إسمه الله ( إسم الذات في البسملة ) ثنّى بذكر إسمه الرحمان وهو إسم الذات الثاني ( الرحمان على العرش إستوى ) كما تعطيه الحقائق وهو إستواء هذا الوجود بالرحمة فلولاها لما كان خلقا أصلا ولولاها لما وقع النظر على شيء أصلا ولا علم أو جهل شيء أصلا وهكذا ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
لذا فمعنى إستواء الرسل كقوله تعالى ( فلمّا بلغ أشدّه وإستوى ) أي كان قابلا لتجلّي الرحمة الإلهية عليه من مقتضى إسمه الرحمان ليقوم فيه ( إنّما أنا رحمة مهداة ) كما في الحديث فهذا من معاني إستواء الرسل لذا يخرج المهدي المنتظر في سنّ الأربعين أو يزيد بقليل وسنّ الأربعين لها ما يقابله من الحكمة الإلهية التي هي قرينة العلم.
ثمّ ذكر ثالثا : إسمه ( الرحيم ) مبالغة في الرحمة وهو في الآخرة خاصّة : أي في مقام الصفات فلا تجد إلا راحما ومرحوما ( الرحمان الذي إستوى على العرش ( راحما ) والمخلوق ( مرحوما ) ( إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) لأنّ السماء حضرة الرحمة ومنها يأتي الرزق والغيث ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ).
فهذا المقام التفصيلي من حيث الأسماء والصفات يقيّده إسم الذات بمعنى إسم الصفة تقيّده الذات بها فهو مطلق من حيث أنه لا نهاية للصفة أبدا لأنّها تتبع موصوفها الأبدي ومقيّدة من وجه أنّها لا يمكنها القيام بنفسها فلا بدّ للصفة من موصوف تقوم به.
لذا دلّهم على إسم الذات الجامع لجميع الأسماء والصفات فهو الإسم الذي يؤذن فيه أهل السلوك فيذكروه حتى يدلّهم على الذات فلا يطلبون سواها لأنها الحقيقة ومن طلب غير الحقيقة فقد طلب الباطل , فمن وصل إليه أطلعه على مملكته وشاهد أحكام جميع صفاته وأسمائه فنال العلم وتأدّب مع الذات في أسمائها وصفاتها وعرف هناك ما يجب وما يستحيل وما يجوز فعامل الذات بما يجب لها وبما يستحيل في حقّها وبما يجوز فتأدّب أدبا مشوبا بحذر ( يراقب الله تعالى في الأنفاس ويزن الخواطر بالقسطاس ) لأنّ مقام الذات مقام مشاهدة ومقام الصفات مقام مراقبة , فهو بين شهود الذات ومراقبة الصفات والصفات تتلوّن في أحكامها بحسب باطن الذات المجهول وهي التجليات ( كلّ يوم هو في شأن ).
فيبقى العبد عبدا حقيقة لا مجازا والإله إلها حقيقة لا مجازا ومن إعترف بأنه عبد فلا بدّ من أن يكون متّصفا بأوصافه لا يخرج عنها أبدا كالذلّ والعجز والجهل والفقر والضعف.
نعم الشيخ يخاف على مريده متى ذكر المريد ذكر التوجّه بالأسماء الحسنى على مريده من أن يستهلكه ذلك الذكر فيحرقه : ومعنى يحرقه يدخله في مداخل ودعاوى كفرية أو يجلب بذلك الأغراض والأعواض لذا ففي مذهبنا لا يجوز التوجّه بالذكر بالأسماء الحسنى إلا بعد السلوك والمعرفة الكاملة بالله تعالى ويكفي إستشهادا ودلالة على ذلك ( بسم الله الرحمان الرحيم ) من الإسم إلى المسمّى.
ثمّ إنّه لا يذكر الإسم الجامع ويواضب عليه إلا العبد الحقيقي الذي مبتغاه وجه الله لأنّ العبد لا يقصد إلا معبوده , أما الذي يطلب الذكر بالأسماء الأخرى فهو طالب إما غرضا أو عوضا وأعلى ما يكون طالبه أنّه يطلب الذات من وجه دون وجه والله تعالى يقول ( يريدون وجهه ) أي جميع الوجه ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ).
أمّا إذا أذن الشيخ مريده في الذكر بالأسماء الحسنى فلا خوف عليه لأنّ المشائخ لهم نظريات في التربية والتسليك ( عجب ربّك من قوم يقادون إلى الجنّة بالسلاسل ) فافهم.
فما جعل الله تعالى بين إسمه ومسمّاه إسما آخر لأنّ المقصود هو الله تعالى فمن وصل إليه كفاه فكان سمعه وبصره ويده ورجله لأنه في حضرة الرحمة مغفورا له.
ثمّ إن الشيخ يعرف ما لا يعرفه غيره من تفاصيل التربية وحضرات الأذكار وما يعطيه كلّ ذكر وحقيقة الواردات وما حضرة كلّ وارد وما يجب وما لا يجب فهم الورّاث المحمديون رضي الله عنهم أجمعين فطوبى لمن وجد شيخا فدلّه على الله تعالى.
وبالله التوفيق
بارك الله بسيدي عبد العزيز المحترم وجازى الله عنّي وعنكم سيدي فارس النور
هذا وإعلم سيدي عبد العزيز بأنّ الفقير لا يحجّر فضل الله تعالى ولا رحمته ولا أقيّد الولاية والنور في أهل المغرب وخاصّة متى علمنا بالأحاديث النبوية التي تذكر أهل المشرق وأهل اليمن وتذكر مكّة والمدينة وبيت المقدس أمّا أهل مصر فقد قلت فيهم كلاما في غير هذه الصفحة ومّما قلته ( لو كان لأهل مصر فقط سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه لكفاهم فكيف ومقبرة ( المقطم ) فيها أكثر من خمسة آلاف من الأولياء والصالحين ناهيك عن وجود رأس الحسين هناك هذا إذا لم نتطرّق إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه ومدرسته , ولكنّي ذكرت بأنّ أهل المغرب يغلب عليهم السلوك جدّا وهذا واضح ويكفي.
هذا القول ماهو بقولي ولكنّه قول نخبة من كبار العارفين وتمعّن في كتاب سيدي محي الدين بن عربي الأندلسي رضي الله عنه في كتابه ( عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب ) تدري ما أقول وكذلك أقوال الكثير من الأقطاب وهو قولهم ( لقد أمدّ الله تعالى المشارقة بالنبوّة وأمدّ المغاربة بالولاية ) وهذا لا يعني بأن الولاية تقيّدت فيهم بل فضل الله واسع وكثير والأولياء تعجّ بهم الكرة الأرضية فهم في كلّ بلاد إسلامية فحتى الهند فيها من كبار الأولياء ما لا يخفى.
فكيف أحجّر رحمة الله وفضله ومن شروط الفقير الصوفي أن يكون مذهبه في التوحيد ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) لذا لا تخلو أرض من وليّ لله تعالى فحتى البحر له أولياء وكذلك هناك السائحون وهناك المخفيون وهناك الولهون , فهل فهمت من قولي السابق بأنني حجّرت رحمة الله تعالى ؟ وإنّما ذكرته تغليبا في الأزمنة المتأخّرة أي من بعد عصر السلف الذي جلّه في بلاد المشرق هذا ( ولله المشرق والمغرب ) ثمّ إنّ للمغرب أسرار ربانية كبيرة ويكفيك بأنّ أساطين الأولياء من بعد عصر السلف منهم ( كسيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه الذي ترك ما لم يتركه غيره من الأولياء ) وكسيدي إبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وكسيدي أحمد البدوي المغربي رضي الله عنه ويكفي مثل سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه.
فلا تظنّني حجّرت رحمة الله تعالى فالأولياء في كلّ بلاد ولكن أغلب أهل السلوك في المغرب ( فافهم ).
وإلا فما رأيك في سلطان العاشقين المصري بن الفارض , وسيدي جلال الدين الرومي رضي الله عنهما فلا أظنّ أحدا من الأولياء جاء من بعدهما ولم يشرب من قادوسيهما.
والحمد لله سيدي ففضل الله واسع وكثير وإنما أردت ذكر حقيقة معيّنه لذا قيّدت قولي بلفظة ( فأغلبهم ) وقيّدت قولي بلفظة ( لا أقول هذا بعاطفة ).
والسلام
السؤال الثاني والعشرين:
سيدي وأخي الغالي ( قيل : لا بد للمريد من استشارة شيخه في ذكره لأسماء الله الحسنى حتى يعطيه من الأذكار قدر ما يتحمله ويطيقه قلبه من الأنوار لأنه ربما ازدادت الأنوار على قلبه فاحترق , فمعدة الطفل الصغير لا تسع غذاء الرجل الكبير ).
والسؤال هو : نتمنى سيدي أن تكرمونا في شرح أكثر في ذلك ؟
الجواب على هذا السؤال والله أعلم :
إعلم سيدي فارس النور حباني الله تعالى وإيّاك والمسلمين بدوام الفرحة والسرور :
أن ذكر الله تعالى بأسمائه الحسنى ممّا رغّبنا الله تعالى فيه وأمرنا به وحثّنا عليه قال الله تعالى : ( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ).
وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنّة ).
والأسماء الحسنى منها ما هو إسم ذات وما هو إسم صفة وما هو إسم فعل : بمعنى في مقامات الدين الثلاثة الإحسان والإيمان والإسلام وبمعنى أدقّ فإنّ لكلّ إسم ثلاث مراتب.:
مرتبة ذاتيّة ومرتبة صفاتية ومرتبة أسمائيّة.
والإسم في حالاته الثلاثة لا يدلّ إلا على المسمّى به فمن توجّه بذلك الإسم لغير المسمّى به فقد أخطأ الطريق وهو يحسب أنّه يحسن صنعا
وسنذكر هذا : قوله تعالى : ( بسم الله الرحمان الرحيم ).
فبدأ بذكر إسم الجلالة , وهو إسم الذات الذي هو الإسم الجامع , فما جعل بين الإسم والمسمّى به إسم آخر كإسم صفة أو إسم فعل بل ذكر إسم الذات مباشرة حتى لا يحجب العبد بكثرة الأسماء وتعدّدها فأراد أن يجمعه عليه إبتداء ومن ثمّ يفسّر له مقتضيات إسم الذات من حيث صفاتها وما يجب لها ويستحيل وما يجوز , فمن الإسم إرتقى بهم إلى التعلّق بالمسمّى فوقف هذا الإسم بالسالكين على الذات مباشرة لأنّها الحقيقة , فسرت هذه الحقيقة في كلّ سورة من سور القرآن.
أي أنّ القرآن في جميع كلياته وجزئياته لا يدلّ إلا على الله تعالى بشاهد قوله ( بسم الله الرحمان الرحيم ) فسرى نفس ( بفتح الفاء ) التوحيد في كلّ حرف أو كلمة أو آية من القرآن لذا قال : ( ذلك الكتاب لا يرب فيه ) وعدم الريب هو ( المشاهدة ) لذا قال عليه الصلاة والسلام : ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر ) لأنّه خالي من نفس التوحيد فيكون على صاحبه نقمة وسخطا فلا تسري فيه بركة الإسم أو الصفة التي نواها بتلفّظه بالبسملة.
ثمّ بعد إسمه الله ( إسم الذات في البسملة ) ثنّى بذكر إسمه الرحمان وهو إسم الذات الثاني ( الرحمان على العرش إستوى ) كما تعطيه الحقائق وهو إستواء هذا الوجود بالرحمة فلولاها لما كان خلقا أصلا ولولاها لما وقع النظر على شيء أصلا ولا علم أو جهل شيء أصلا وهكذا ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
لذا فمعنى إستواء الرسل كقوله تعالى ( فلمّا بلغ أشدّه وإستوى ) أي كان قابلا لتجلّي الرحمة الإلهية عليه من مقتضى إسمه الرحمان ليقوم فيه ( إنّما أنا رحمة مهداة ) كما في الحديث فهذا من معاني إستواء الرسل لذا يخرج المهدي المنتظر في سنّ الأربعين أو يزيد بقليل وسنّ الأربعين لها ما يقابله من الحكمة الإلهية التي هي قرينة العلم.
ثمّ ذكر ثالثا : إسمه ( الرحيم ) مبالغة في الرحمة وهو في الآخرة خاصّة : أي في مقام الصفات فلا تجد إلا راحما ومرحوما ( الرحمان الذي إستوى على العرش ( راحما ) والمخلوق ( مرحوما ) ( إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) لأنّ السماء حضرة الرحمة ومنها يأتي الرزق والغيث ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ).
فهذا المقام التفصيلي من حيث الأسماء والصفات يقيّده إسم الذات بمعنى إسم الصفة تقيّده الذات بها فهو مطلق من حيث أنه لا نهاية للصفة أبدا لأنّها تتبع موصوفها الأبدي ومقيّدة من وجه أنّها لا يمكنها القيام بنفسها فلا بدّ للصفة من موصوف تقوم به.
لذا دلّهم على إسم الذات الجامع لجميع الأسماء والصفات فهو الإسم الذي يؤذن فيه أهل السلوك فيذكروه حتى يدلّهم على الذات فلا يطلبون سواها لأنها الحقيقة ومن طلب غير الحقيقة فقد طلب الباطل , فمن وصل إليه أطلعه على مملكته وشاهد أحكام جميع صفاته وأسمائه فنال العلم وتأدّب مع الذات في أسمائها وصفاتها وعرف هناك ما يجب وما يستحيل وما يجوز فعامل الذات بما يجب لها وبما يستحيل في حقّها وبما يجوز فتأدّب أدبا مشوبا بحذر ( يراقب الله تعالى في الأنفاس ويزن الخواطر بالقسطاس ) لأنّ مقام الذات مقام مشاهدة ومقام الصفات مقام مراقبة , فهو بين شهود الذات ومراقبة الصفات والصفات تتلوّن في أحكامها بحسب باطن الذات المجهول وهي التجليات ( كلّ يوم هو في شأن ).
فيبقى العبد عبدا حقيقة لا مجازا والإله إلها حقيقة لا مجازا ومن إعترف بأنه عبد فلا بدّ من أن يكون متّصفا بأوصافه لا يخرج عنها أبدا كالذلّ والعجز والجهل والفقر والضعف.
نعم الشيخ يخاف على مريده متى ذكر المريد ذكر التوجّه بالأسماء الحسنى على مريده من أن يستهلكه ذلك الذكر فيحرقه : ومعنى يحرقه يدخله في مداخل ودعاوى كفرية أو يجلب بذلك الأغراض والأعواض لذا ففي مذهبنا لا يجوز التوجّه بالذكر بالأسماء الحسنى إلا بعد السلوك والمعرفة الكاملة بالله تعالى ويكفي إستشهادا ودلالة على ذلك ( بسم الله الرحمان الرحيم ) من الإسم إلى المسمّى.
ثمّ إنّه لا يذكر الإسم الجامع ويواضب عليه إلا العبد الحقيقي الذي مبتغاه وجه الله لأنّ العبد لا يقصد إلا معبوده , أما الذي يطلب الذكر بالأسماء الأخرى فهو طالب إما غرضا أو عوضا وأعلى ما يكون طالبه أنّه يطلب الذات من وجه دون وجه والله تعالى يقول ( يريدون وجهه ) أي جميع الوجه ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ).
أمّا إذا أذن الشيخ مريده في الذكر بالأسماء الحسنى فلا خوف عليه لأنّ المشائخ لهم نظريات في التربية والتسليك ( عجب ربّك من قوم يقادون إلى الجنّة بالسلاسل ) فافهم.
فما جعل الله تعالى بين إسمه ومسمّاه إسما آخر لأنّ المقصود هو الله تعالى فمن وصل إليه كفاه فكان سمعه وبصره ويده ورجله لأنه في حضرة الرحمة مغفورا له.
ثمّ إن الشيخ يعرف ما لا يعرفه غيره من تفاصيل التربية وحضرات الأذكار وما يعطيه كلّ ذكر وحقيقة الواردات وما حضرة كلّ وارد وما يجب وما لا يجب فهم الورّاث المحمديون رضي الله عنهم أجمعين فطوبى لمن وجد شيخا فدلّه على الله تعالى.
وبالله التوفيق
0 التعليقات:
إرسال تعليق