إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الخميس، 28 نوفمبر 2013

شرح قصيدة ( يا من تريد تدري فنّي ) لسيدي الشيخ العلاوي رضي الله عنه 7

بسم الله الرحمان الرحيم - 

قال الناظم رضي الله عنه : 

أَنَا فَيَّاضُ الْرَحْمَانِ --- ظَهَرْتُ فِي الْبَشَرِيَا 

تمهيد : 

قال سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه : ( سبحان من ستر سرّ الخصوصية بأوصاف البشرية ) لأنّ السرّ متى ظهر فلا يسمّى سرّ بعد ظهوره فتعيّن فيه الخفاء وإنّما خفي مع ظهوره كما قيل ( من شدّة الظهور الخفاء ) فهو ظاهر ولكنه ليس ظاهرا في مقام الأبصار وإنّما ظاهر في مقام البصائر فحجب الأبصار عمّا كوشفت به البصائر.

وقد فسّر القرآن هذا الأمر في قوله تعالى:

( فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ).

فلمّا كان السرّ أمرا باطنا فإنّه لا يدرك بغير الباطن وهما القلب والروح مناط الصفاء والرحمة فإنّ السرّ جميعه قائم على وصفين هما الرحمة والصفاء مختوم الجمال وهما مناط النور فإنّ النور محلّ الرحمة والصفاء وكلّ هذا لا بدّ له من خروج في وصف العلم والحكمة مع التخصيص والإرادة ليكتمل الدين ( اليوم أكملت لكم دينكم ).

فهذه الآية يتلوها المريد بلسان الحضرة عند كماله في عصر الجمعة متى علمت وقت نفخ الروح في آدم ويومه الذي كمل فيه فهي الصورة الآدمية التي أٍرادها الناظم رضي الله عنه في قوله ( ظهرت في البشريا ) أي ظهرت في صورة البشرية لبني جنسي الذين هم منّي ( كلّكم من آدم ) وهم بنو جنسي كما قال تعالى في هذا إشارة ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) أي آتاكم منّي إليكم ...

فهذا حبل الله الممدود ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا ). 


قال الناظم رضي الله عنه : 

( أنّا فيّاض الرحمان ) لأنّ منطلق الفيض من عين الرحمة فذلك سبيله فالفيض لا يكون إلاّ من عين الرحمة متى علمت قوله تعالى ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) ففي هذه الآية ذكر قطبانية النبيّ عليه الصلاة والسلام الجامعة الشاملة الكليّة من حيث تجلّي الأسماء والصفات لذا غفر له جميع ذنوبه وهو ذنوب استشعار وجوده مع وجود معبوده. 

كما قال تعالى:

( إنّا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ) فهو ذنب الوجود الذي هو الشرك وهو من أكبر الظلم , فالعارف هنا سواء أكان رسول أو نبيّ أو وليّ مهما تكلّم عن نفسه و زكّاها فهو مخبر عن نعمة ربّه فيه لقوله تعالى:

( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) فهو يحدّث أمرا سمعا وطاعة ولا يتحدّث نفسا وتكبّرا , فالناظم هنا يتحدّث بما أنعم الله تعالى به عليه بلسان الفناء كما قال في قصيد له ( أنا لست إنسانا ولا من الجنّ --- أنا سرّ الرحمان أنا الكلّ منّي ) فهو يتحدّث في ذلك المقام العالي بحاله العالي وهو حالة القطبانية.

فإنّ النفس متى ماتت وغاب صاحبها عنها فكلّ ما يتحدّث به هو حقّ وإن أنكره أهل الظاهر لأنّ العارف في تلك الحالة لا يقول إلاّ حقّا وصدقا فكيف بمن خوّله الله تعالى ارشاد عبيده وهداية خلقه كما قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه في مناجاته مرآة الذاكرين في مناجاة ربّ العالمين في حقّ شيخه سيدي محمّد المداني رضي الله عنه وهو من أكابر فقراء سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه ومن المأذونين بالتربية والإرشاد , قال في حقّه :( .... من مننت عليه بالجلوس على كرسيّ الخلافة المحمدية سيدنا محمد المداني ...إلخ ) 

لذا دلّ الناظم رضي الله عنه هنا الخلق على الله تعالى من حيث دلالتهم على بابه ( أي باب الله تعالى ) فقال : 

( أنا فيّاض الرحمان ) كقوله في قصيد آخر له ( أنا سرّ الرحمان ) فإنّ الفيض والسرّ لا يكون إلاّ من عين الرحمة وفي هذا البيت إشارة واضحة أنّ الناظم رضي الله عنه وصل ونال مقام القطبانية فهو المفيض على الوجود بما أفاض عليه الرحمان سبحانه وتعالى كما قال عليه الصلاة والسلام ( إنّما الله معطي وأنا قاسم ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

والمراد هنا إفاضة المعارف والعلوم والأنوار والأسرار فلا يكون شيئا منها غالبا إلاّ من باب قطب الوجود فالمعروف عن القطبانية أنّها من خصائص الطريقة الشاذلية خاصّة فقد ورد على لسان غير واحد من العارفين والأشياخ أنّ القطب لا يكون إلاّ شاذليا ونعني بذلك قطب التربية كما بيّناه في الأعلى فهي كما قال الإمام سيدي أحمد زرّوق رضي الله عنه طريقة الوصول بحسب الأصول وقد جنح بي الأمر العبد الفقير في وقت من الأوقات إلى بعض الطرق الأخرى من غير طريقتي وكنت نشأت شاذليا فردّني أحد الأقطاب رضي الله عنهم إلى الشاذلية وقال لي بعد أن فهم ميلي إلى طريقته ( أنت شاذلي ).

فأعجبني أدبه مع بقيّة الطرق رضي الله عنه وقال لي بلسان حاله تربية وتثبيتا لي ( لقد تمنّيت لو أنّي كنت شاذليا ) وأرجو أن لا يفهم الأمر على غير محمله الذي أقصده وأريده فإنّ جميع طرق أهل الله تعالى سواسية من حيث الدلالة على الله تعالى وفيها كلها خير كثير ولها خصوصيات ( ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض ). 

فلا بدّ لكلّ أحد أن يكون فاضلا من وجه ويكون مفضولا من وجه وما جمع المحاسن كلّها غير الرسول الجامع صلى الله عليه وسلّم فكتابات العبد الضعيف كتابة غالبها حالية وليست فكرية لذا لم أتخذ قطّ مسودّة فيما أكتب وما كتبت شيئا بترتيب ومنها هذا الكلام وشرح هذه القصيدة فما أكتبه هو كتابة ارتجالية وهكذا جميع كتاباتي.

وقد قال لي شيخنا العارف بالله تعالى سيدي فتحي السلامي القيرواني رضي الله عنه ( مريد الشاذلية أستاذ أهل زمانه ) أي بمعنى فكيف بالقطب فيهم وكان سيدي فتحي السلامي قطبا رضي الله عنه علم ذلك من علمه وجهله من جهله وما أن قرأت قوله ( أنا فيّاض الرحمان ) إلاّ وجال خاطري متذكّرا الشيخ سيدي فتحي السلامي رضي الله عنه.

ولتعلموا أنّ جميع ما أكتبه هو من بركات شيخنا سيدي إسماعيل رضي الله عنه ومن بركات سيدي فتحي السلامي رضي الله عنه وممّا قاله لي سيدي فتحي السلامي رضي الله عنه ( يا هذا جميع ما تكتبه أو تقوله فهو ملك لي وليس هو ملك لك ) فرضي الله عنه وأرضاه فما رأينا منه غير نهاية الأخلاق المحمّدية والآداب المرضية فلو دفعت الدنيا ومعها الآخرة على أن أوفّ حقّه ما وفّيت حقّه عليّ وإلى اليوم أنا مقصّر في حقّه ومّما تجدر الأشارة إليه أنّ السير من غير نظر الشيوخ كالمشي أعمى في الليل فالحمد لله على وجود أهل الله تعالى فنعم هؤلاء الشيوخ وهؤلاء العارفين وكلّهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم. 

( أنا فيّاض الرحمان ) 

لأنّ الفيض لا بدّ له من مفيض وإن كان المفيض حقيقة هو الله تبارك وتعالى إلاّ أنّ وجود الأسباب ناتج عن وجود الحكمة والعلم فإنّ الله تعالى قادر على أن لا يرسل الأنبياء والمرسلين وأن يوحي إلى كلّ إنسان ولكن بحكمته وعلمه أرسل الرسل والأنبياء ومن ثمّ جعل العارفين الوارثين .. وهكذا هو مناط الحكمة ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) فإنّ التربية لا تصلح بغير هذا.

قال سيدي فتحي السلامي رضي الله عنه : ( يأتيني ملفّ المريد أسودا قاتما فأنظّفه وأطهّره حتّى يصبح مثل السراج يشعّ شعّا كالعروس ثمّ أزفّه إلى الله تعالى والله تعالى هو من يتولاّه لي بعد ذلك ... ) فما أطيبه من كلام وما أجمله من خلق وهكذا هي أخلاق العارفين ( حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ). 

قال الناظم رضي الله عنه : ( أنا فيّاض الرحمان ) متى علمت أنّ سيدي محمد المداني وسيدي إسماعيل الهادفي وسيدي فتحي السلامي وسيدي محمد الهاشمي وسيدي عبد القادر عيسى وسيدي فتح الله الجامي وغيرهم كثير في المشارق والمغارب ما هم إلا من حسنات سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنهم جميعا تدرك معنى قوله ( أنا فيّاض الرحمان ) فقدّس الله سرّ الناظم العزيز ورضي عنه. 

سنواصل في شرح هذا البيت وإن أخذنا الكلام إلى مناحي عدّة فقد استوجبها هذا البيت لما فيه من اسرار وأنوار ...
والله أعلم 


يتبع إن شاء الله تعالى ...

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È