إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

أسئلة مخصوصة لسيدي علي الصوفي 9

بسم الله الرحمان الرحيم

السؤال الثامن :
 

( سيدي ما مقصد المربي الكامل من تبشير مريده بالاستقطاب او الفتح او الفرج العظيم مع العلم ان اغلب المريدين عندما يحدث ويذكر المربي لهم شيئا بالتبشير تعلو نفوسهم ويبدؤون بالتصرف وكانهم نفوس كاملة يرمون الناس بالجهل وينصحون بتعالي وان خالفهم احد يغضبون ؟ )

الجواب والله ورسوله أعلم :

إعلم سيدي فارس النور علّمني الله وإيّاك من علمه وأفاض عليك وعليّ من خزائن فضله : أنّ التبشير بالخير , والتحذير من الشرّ , من أحكام التربية وشؤونها فمتى كملت التربية وإستوت على الجودي سفينة مقامات الإنسان على جبل الإيمان فتهبّ عليها من كلّ ناحية نسائم الإحسان ولواقح الإيقان , فعندئذ تستوي في حقّه المقامات فيتنزّه عنها لتجرّده منها غاية التجرّد , فتضحى المقامات تطلبه وهو فار منها تمام الفرار ولهذا ورد عن العارفين بأنّهم ما تقدّموا حتّى هدّدوا بالسلب وأوّل العارفين عليه الصلاة والسلام لمّا قيل له ( إقرأ ) قال : ( ما أنا بقارىء ) فأشفق من المقام وهرب منه إليه سبحانه وتعالى.

قلت : بالنسبة للتبشير وأعني تبشير المؤمن بالخير كيفما كان هذا الخير آجلا أو عاجلا , حسّا أو معنى , ظاهرا أو باطنا , يعدّ من أحكام التربية لأنّ النفس تربّى بالجلال والجمال , أي بالخوف والرجاء , وبالحزن والفرح , لأنّ كلّ هذا من أحكام التجليات , والتجلّيات نوعان عليهما مدار التربية هما الجلال والجمال ومن هنا إختلفت الشيوخ في التربية فهناك من يربّون بالجمال وهو الغالب عليهم وهؤلاء أهل التبشير , وهناك من يربّي بالجلال أي أنّه الغالب عليه وهؤلاء أهل التحذير غالبا تجدهم هكذا , وطبعا فالنفس تميل طبعا إلى صاحب الجمال لما عنده من الراحة والسعادة وهذا المقام نازل عن مقام التربية بالجلال.

أقول : شيخ التربية مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله وأحواله فله حكم الوراثة النبوية والعلماء ورثة الأنبياء.

والناظر في القرآن والسنّة يجد آيات التبشير للمؤمنين واضحة مثل الشمس وكذلك في السنّة فأحاديث تبشير الصحابة بالخير والسبق والجنّة والمقامات والأحوال ظاهر لا خفاء فيه وعليه فإنّ تبشير الشيخ الكامل مريده بخصوصية ما فهذا جائز معمول به عند السلف والخلف ويكفي الأدلّة في ذلك من الكتاب والسنّة التي يطول بسردها الجواب.

قلت : الشيخ الكامل أعلم بحال مريده من المريد بحال نفسه فهناك من المريدين من إذا بشّرته زاد إيمانه وإنشرح إيقانه وتهذّب إحسانه ( إنّ من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقرته لكفر ) هكذا ورد في الحديث.

فالشيخ عندما يبشّر مريده بخصوصية من الخصوصيات فإنّما بشّره بصريح الوارد ولحكمة من ورائها جليلة , والفطن من ينظر إلى تلك الحكمة الجليلة وماهيتها ومن هنا تقع غربلة الأمور فلا تبقى غير الحقائق.

هذا الذي ذكرته هو العنوان العام للسؤال وفيه من الأسرار الله أعلم بها ومن بعد رسوله صلى الله عليه وسلّم .

قلت : التبشير الحقيقي الذي عليه المعوّل هو تبشير الفقير وهو في مرتبة النفس المطمئنّة أي أنّ الفقير يبشّر وهو في مرتبة الإيمان الكامل بمعنى أنّه مبشّر ونفسه في هذه الحالة ميّتة , وهذا المقام في التبشير هو الذي عليه المعوّل لأنّ الفقير متى بشّر في هذه المرتبة من الإيمان فلا يزيده هذا التبشير إلا خوفا من الله سبحانه ورهبا وحيطة ويدرك عندها بأنّه في خطر عظيم رغم إيقانه الجازم بأنّه مبشّر بلسان الصدق الكامل والحقّ الشامل فلا يمكن أن يتخلّف هذا التبشير وإنّما فقط يقف خوفا من هذا التبشير : 


هل هو باطن أو ظاهر وهل هو من لوح الإثبات أو أنّه من لوح المحو , فتراه لا يقرّ له قرار ولا تجد له عند نفسه والعالم أخبار , وفي هذا النوع من التبشير قال عمر إبن الخطاب رضي الله عنه أو أحد غيره من الصحابة والشكّ منّي ( والله لو وضعت رجلي اليمنى في الجنّى والأخرى خارجها ما آمنت مكر الله أن لا يدخلني النار ) وقال : لو نودي في المحشر أن هناك عبد من العباد سيدخل النار ما تشكّكت لحظة في أنّني ذلك العبد , وهكذا من هذه الفهوم والأحوال والمقامات والعلوم الإلهية والمعارف الربانية.

هذا بالرغم من أنّ البشرى بالجنّة وردت في الكتاب والسنّة لسيدنا عمر ولبعض الصحابة الآخرين بل ورد فيهم قوله تعالى ( رضي الله عن المهاجرين والأنصار ).



ورغم هذا قالوا ما قالوا والسؤال لماذا قالوا هذا يا ترى وهم المبشّرون بالجنّة وبكلّ خير.

قال سيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه : بشّرني أحد الصالحين بدخول الجنّة فليس لي شكّ في دخولها ولكنّي لا أعلم هل أدخل النار أم لا ) هذا معنى كلامه , فأنظر كيف وفّق بين المقامين وأعطى أحكام المرتبتين لغزارة علمه وفهمه عن الله قال تعالى في حقّ الأنبياء وحقّ سيّد البشر ( لا أدري ما يفعل بي ولا بكم ).

هذه مرتبة أولى لها أحكامها وعلومها وأسرارها ومعارفها ولو لا خوف السآمة لفصّلنا مراتبها ودرجات مناصبها.

القسم الثاني : وهو تبشير المريد وهو لا يزال في مرتبة النفس الأمّارة أو اللوّامة فهذا التبشير من الشيوخ في تلك المرتبة يرعب الجبال ويخيفها فضلا عن أضعف المخلوقات وخلق الإنسان ضعيفا.



فمن بشّره شيخه وهو في مرتبة النفس الأمّارة بالسوء وبالأحرى من كانت نفسه حيّة تسعى فلا ينبغي أن يلتفت إلى ذلك التبشير أصلا بلازم حاله فيقول : كيف يمكنني أن أكون قطبا أو عارفا وأنا مازلت أعصي ربّي ليلا ونهارا فيستبعد ما أخبره عنه الشيخ ويحمل كلام الشيخ على محامل أنّ الشيخ يتمنّى له ذلك لأنّ الشيخ يتمنّى لكلّ مريديه القطبانية بل إنّه يتمنّى أن يكونوا كلّهم خير منه ( أمّتي أمّتي ) فما قال نفسي نفسي صلى الله عليه وسلّم لأنّه غائب عنها.

وقد يقول قائل : كلام الشيوخ صدق من الله لا يتخلّف الوعد فيه : وأجيبه : من قال لك إن ذلك الكلام خرج بحسب ما هو مسطور في اللوح المحفوظ , فلم لا تقول إنّما هو من لوح المحو والإثبات وهي كلّها ألواح محفوظة ( فإنّه في عرفنا لا يعلم الغيب ) إي في أمّ الكتاب الذي لا يتبدّل ولا يتغيّر إلا الله تعالى فقد يخبر الوليّ بكشفه الصحيح ثمّ لا يقع ذلك الكشف كما رآه الشيخ فيخبر الشيخ بالصدق ولا يقع هذا الصدق حسبما رآه الشيخ وذلك إنّما أخفاه الله تعالى عن الشيخ لحكمة جليلة إمّا ليهلك المريد بذلك التبشير مادام في مرتبة النفس الأمارة فيتكبّر على الناس وعلى إخوانه ( أنا خير منه ) وتتعاظم نفسه فيستدرج من حيث لا يشعر ويمكر به غاية المكر وهو لا يدري بل إنّه يقول : لقد صدق شيخي في قوله ولو فعلت ما فعلت فلن يتغيّر ما أخبرني عنه شيخي وهذا جهل منه بالله تعالى وبرسوله وسوء أدب كبير مع الله تعالى بل الواجب عليه أن يقول كما قال الشيخ الأكبر ( أنا عندي يقين أن أدخل الجنّة ولكنّي لا أدري أادخل النار أم لا ).

وكذلك على الفقير أن يقول : أنا عندي يقين أن أصل إلى درجة القطبانية ولكنّي لا أدري أأسلب أم لا ) نعم كلام الشيوخ صدق من الله تعالى إن شاء الله ولكنّه حمّال وجوه فقد يكون من لوح المحو والإثبات وقد يكون تربية وترقية وقد يكون إستدراجا ومكرا بمعنى أنّه يكون مثلا قطبا ويعلم الشيخ أنه سيسلب منها فيخبره عنها ويبشّره بها ومراد الله تعالى أن يسيء المريد الإدب بإخبار الشيخ له فيتنطّع ويتكبّر وهذا هو المراد منه بذلك الإخبار , المجال أوسع من أن يدرك , فما على المريد إلأ بإلتزام أرض العبودية التامّة.

فالعبد الفقير لو قال لي شيخي : أنت يا سيدي فلان ستبلغ درجة القطبانية , لقت : هذا أمر لا يعنيني لا هو لي ولا أنا أهل له ولكن وحتى أنّ الله تعالى أراد أن يكرمني بتلك الخصوصية فأقول : ما مثلي ومثل هذا : إلا كملك أو رئيس نصّبوه رئيسا ويوجد في الملّة من هو أولى بها منّي ألف مرّة فأقول : لقد حكموا عليّ بذلك فأرضى لحكمهم وأسألهم الإقالة ممّا هو ليس لي ولست أهلا له بالمرّة.



وقد ورد أن مريد قال لشيخه : يا سيدي أنت قطب , فقال له : نزّه شيخك عن القطبية , فقال له : أنت غوث إذن : فأجابه : نزّه شيخك عن الغوثية.



فما قال هذا القول إلا لأن العبودية إستهلكته فهو عبد محض والعبودية المحضة مجرّدة عن الخصوصيات.

فالقطبانية ليست هي العبودية بل هي مرتبة تشريف وعطاء أو تقول فضل
فهل نقول بأنّ الجنّة عبودية بل هي خصوصية معطاة فما دخلها في العبودية
لذا قال عمر : لو ....لما آمنت مكر الله أن لا أدخل النار ).

فتجاوز الخصوصيات رضي الله عنه وعلومها وتوجّه إلى المعرفة بالله تعالى وإطلاقات ذاته وصفاته فوقف معها متأدّبا لأنّها الأصل أما الخصوصيات ( كلّ يوم هو في شأن ).

وكان إبليس قطبا في العبادة ورئيسا في الزهادة فسلب وطرد وأدخل آدم الجنّة فأخرج منها وأنزل إلى الأرض وقد توعّد الله أهل العناية بالعذاب الشديد بل توعّد حتى الأنبياء في قوله ( خذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) وقال لنوح عليه السلام ( فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) فالله الله ساداتي ليس ثمّ إلا الله تعالى فحذار من أن تدخلوا في ذكر الخصوصيات بل علينا جميعا الإلتزام بالعبودية التي هي الأصل ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون ) فالله هو الغاية المنشودة أمّا المقامات والخصوصيات فهي بيد الله تعالى وكما قال صاحب الإبريز ( الناس كلّهم يظنّون بأنّ صاحب السرّ مغبوط وهو في خطر عظيم ) هذا ما معناه لطول العهد به.

وكذلك الذي بشّره الأولياء أو بشّره الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم فهو لا يدري خاتمته فيستأنس بذلك التبشير ويفرح به لكن يجب أن لا يعتمد عليه البتّة لأن الله تعالى يقول ( كلّ يوم هو في شأن ) ( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فالعلم الإلهي واسع لا حدّ له وكلّ من أساء الأدب وقع في العطب.

فيلزم الفقير حدوده ولا يشغل باله إلا بما كلّفه به ربّه سبحانه وتعالى وإنّ للنفس دسائسا بحسب المقام وبحسب الحال لذا وجب ملاحظتها دائما ( قال عليه السلام : نعوذ بالله من شرور أنفسنا ) مع ما عليه عليه الصلاة والسلام من معارف وتقوى وقرب لكن تبقى الحقيقة المطلقة التي من أجلها خلق الكون وهي حقيقتة العبودية فليس يوجد مقاما في الكون أعلى من مقام العبودية ( سبحان الذي أسرى بعبده )
.

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È