بسم الله الرحمان الرحيم -
قال الناظم الشيخ القطب سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه :
حَدِّدْ بَصَرَ الْإِمَانِ --- وَانْظُرْ نَظْرَةً صَفِيَا
فَإِنْ كُنْتَ ذَا إِيقَانِ -----عَسَاكَ تَعْثُرْ عَلَيَا
قال الشيخ سيدي عبد السلام ابن مشيش رضي الله عنه لتلميذه سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( حدّد بصر الإيمان تجد الله قبل كلّ شيء وعند كلّ شيء وبعد كلّ شيء ... إلخ فيما معناه ).
فتحديد بصر الإيمان هو عدم الإلتفات في طريق الله تعالى إلى ما سوى الله تعالى لذا قيل ( ملتفت لا يصل ) قال شيخنا وأستاذنا رضي الله عنه في وصية لأحد مريديه لمّا آذنه في طلب طريق الله تعالى ( لا تلتفــــــــــــــــــــــــــــــــــــت ) فتحديد بصر الإيمان لا يوقعك إلاّ على المؤمن به.
وإنّما قال الناظم رضي الله تعالى عنه ( حدّد بصر الإيمان ) أي متى رمت ملاقاتي في بحثك عنّي بما أنّك تبحث عن الدليل في طريق الله تعالى فلا يوصلك تحديد بصر الإيمان إلاّ إلى الدال الحقّ والطريق الصدق لذا قيل ( من طلب الله تعالى بصدق وجد شيخ التربية أقرب إليه من نفسه ).
فقد تجد من يسافر الأزمان المتطاولة ويجوب البلدان المتباعدة في البحث عن الدليل الشيخ الحقّ في طريق الله تعالى كما وقع لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه في بحثه عن قطب زمانه فلمّا وصل إلى العراق جاءه رجل لا يعرفه في أحد مساجده هامسا له ( من تطلبه موجود في بلدك ) فرجع إلى بلاده المغرب وكان لقاؤه بالقطب سيدي عبد السلام ابن مشيش رضي الله عنه لأنّ النفس دائما ما تبحث عن البعيد والجديد فقلّما تطمئنّ لأحد يقاسمها نفس نمط المعيشة والعادات والتقاليد ونفس الموطن لأنّ حجاب القرب من أعسر الحجب لهذا قال الناظم رضي الله عنه ( حدّد بصر الإيمان ) فكأنّه يشير لمن يأتيه بأنّ العلاقة التي تربطه به هي علاقة إيمانية صرفة ونظرة ربانية صفية كما قال رضي الله عنه :
( وأنظر نظرة صفيا )
التي لا تكون من غير تحديد بصر الإيمان وهو القصد نحو إرادة وجه الله تعالى كما قال تعالى:
( يريدون وجهه ).
أي قصدا واحدا لا إثنينية فيه بما أنّ المريد السالك طالب وجه ربّه وهو الطريق إلى الفناء ( فناء من لم يكن وبقاء من لم يزل ) قال تعالى :
( ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام ).
فما دمت طالبا ومريدا هذا الوجه فأنت قاصد إلى بحر الفناء فتزول جميع الأوهام من عقلك وكلّ الأمراض من قلبك فلا طلب لمقامات ولا توجّه إلى خصوصيات بل طلب صاحب الكرامات سبحانه وتعالى فهنا يتحقّق السير ويزول الغين والأين في عين العين.
أمّا إذا كان غرضك من سلوك طريقة الصالحين على منهاج العارفين طلب المقامات والتميّز بالخصوصيات كأن يشار إليك بالبنان وتوسّع لك المجالس في حضرات الصبيان فما أنت إلاّ مشرك بربّك حقيقة لا مجازا ودعيّ في طريق الله تعالى توشك أن تقول للسالكين ( لأقعدنّ لكم طريقكم المستقيم ) فتصبح من الشياطين وتمسي من الظالمين.
لهذا لا يجوز الإلتفات في طريق الله تعالى فهو حرام من حيث الفقه وشرك من حيث الإيمان و زندقة من حيث الإحسان لذا قال الناظم رضي الله عنه ( حدّد بصر الإيمان ) فبذلك البصر تعرف دليلك إلى الله تعالى بعد أن تنظر إليه نظرة صفيّة عنوان طريق السادة الصوفية فلو لا الصفاء ما كانت هناك صوفية.
قال الناظم رضي الله عنه :
فَإِنْ كُنْتَ ذَا إِيقَانِ -----عَسَاكَ تَعْثُرْ عَلَيَا
الإيقان لا يكون إلا بعد كمال الإيمان فمتى كمل الإيمان دخل المريد إلى عالم الإيقان فتدرّج فيه إلى أن يكمل إيقانه فيدخل إلى عالم الإحسان الذي لا نهاية له ( قاله شيخنا رضي الله عنه ).
فبيّن الناظم رضي الله عنه هنا في هذين البيتين مرتبتين : الأولى : مرتبة تحديد بصر الإيمان والنظر بالنظرة الصفية وهذا مجال المبتدئين ويحمل أيضا على الطالبين السالكين , والثانية : مرتبة إيقان وهو مكاشفة القلب وهذه مرتبة خاصة بالسالكين أهل النور فإنّ قلوبهم تميّز بين أهل الحقّ وأهل الضلال بعلامات تعرفها القلوب وتدركها الأرواح كما يدرك البصر اختلاف الألوان والأذن اختلاف الأصوات واللسان اختلاف الأذواق وكذا كلّ الحواس.
فيميّز القلب بين أهل النور وأذواقهم فيعرفهم بمجرّد أن يقع بصره عليهم ( تعرفهم بسيماهم ) أو بمجرّد سماعهم بعد أن تتفتّح آفاق قلوبهم وذلك بذهاب الغفلة ودوام الحضور فيصبح مقياس الفقير هنا : النور والظلمة ...
وليس كما يعتقده بعض الناس من أنّ المقياس هو الإنتساب والإنتماء فقد يأتيك وهابي سلفي مثلا فترى عليه بعض علامات من النور مهما كانت قليلة ويسيرة وقد يأتيك متمصوف مثلا فترى أمارات الظلمة على وجهه بادية والعكس بالعكس وإن كان الغالب على الطرف الأوّل الظلمة وعلى الطرف الثاني النور ( فافهم ) فكما قيل ( كم من قبّة تزار وصاحبها في النار ) فتذهب من المخيّلة فكرة الفرق وتفسير الفرقة الناجية بالإنتماء والإنتساب وتتحطّم على أبواب أنوار القلوب الكثير من الإعتقادات الفاسدة والخرافات والأوهام السائدة التي شغلت المسلمين اليوم لغفلة معظم القلوب فلا يقظة لها ولا يقين على الله تعالى.
وإنّما قال الناظم رضي الله عنه :
( عساك تعثر عليّا ) أي بعد تحديد بصر الإيمان وكذلك الإيقان فلا ترى نفسك بأنّك أهل للعثور على أهل الله تعالى كما قال قائل القوم :
مـتـى أراهــم وأنـى لـي بـرؤيتهم ** ** أو تسمع الأذن مني عنهم خبرا
مـن لـي وأنـى لمثلي أن يزاحمهم ** ** عـلـى مــوارد لـم آلـف بـها كـدرا
وما في ذلك أيضا من شفوف المراتب فليس مرتبة المريدين الطالبين كمرتبة الشيوخ الواصلين فقد تكون مريدا منوّرا ولا يصل فهمك إلى فهم مرتبة من هو أعرف بالله تعالى منك أو أنور منك فقد يجول العارف ببصيرته في عالم الملكوت باحثا عن مقام غيره واسراره كي يستمدّ منه ويخدمه فلا يعثر له على أثر.
فليس لك طريقا إلى الوصول إلى أهل الله تعالى إلا بالقصد نحو طلب الله تعالى وإرادة وجهه الكريم كما قال في الحكمة ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلاّ من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلاّ من أراد أن يوصله إليه ).
قالوا : لا نخشى عليك كثرة الطرق ولكن نخشى عليك قلّة الصدق ( أي في طلب الله تعالى والقصد نحوه سبحانه ).
قد يكبو الفقير مرّة وأخرى وثالثة ولكن يعتبر وينهض من جديد فيكون سيره بعد ذلك على جادّة صحيحة وطريقة قويمة.
يتبع إن شاء الله تعالى ..
قال الناظم الشيخ القطب سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه :
حَدِّدْ بَصَرَ الْإِمَانِ --- وَانْظُرْ نَظْرَةً صَفِيَا
فَإِنْ كُنْتَ ذَا إِيقَانِ -----عَسَاكَ تَعْثُرْ عَلَيَا
قال الشيخ سيدي عبد السلام ابن مشيش رضي الله عنه لتلميذه سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( حدّد بصر الإيمان تجد الله قبل كلّ شيء وعند كلّ شيء وبعد كلّ شيء ... إلخ فيما معناه ).
فتحديد بصر الإيمان هو عدم الإلتفات في طريق الله تعالى إلى ما سوى الله تعالى لذا قيل ( ملتفت لا يصل ) قال شيخنا وأستاذنا رضي الله عنه في وصية لأحد مريديه لمّا آذنه في طلب طريق الله تعالى ( لا تلتفــــــــــــــــــــــــــــــــــــت ) فتحديد بصر الإيمان لا يوقعك إلاّ على المؤمن به.
وإنّما قال الناظم رضي الله تعالى عنه ( حدّد بصر الإيمان ) أي متى رمت ملاقاتي في بحثك عنّي بما أنّك تبحث عن الدليل في طريق الله تعالى فلا يوصلك تحديد بصر الإيمان إلاّ إلى الدال الحقّ والطريق الصدق لذا قيل ( من طلب الله تعالى بصدق وجد شيخ التربية أقرب إليه من نفسه ).
فقد تجد من يسافر الأزمان المتطاولة ويجوب البلدان المتباعدة في البحث عن الدليل الشيخ الحقّ في طريق الله تعالى كما وقع لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه في بحثه عن قطب زمانه فلمّا وصل إلى العراق جاءه رجل لا يعرفه في أحد مساجده هامسا له ( من تطلبه موجود في بلدك ) فرجع إلى بلاده المغرب وكان لقاؤه بالقطب سيدي عبد السلام ابن مشيش رضي الله عنه لأنّ النفس دائما ما تبحث عن البعيد والجديد فقلّما تطمئنّ لأحد يقاسمها نفس نمط المعيشة والعادات والتقاليد ونفس الموطن لأنّ حجاب القرب من أعسر الحجب لهذا قال الناظم رضي الله عنه ( حدّد بصر الإيمان ) فكأنّه يشير لمن يأتيه بأنّ العلاقة التي تربطه به هي علاقة إيمانية صرفة ونظرة ربانية صفية كما قال رضي الله عنه :
( وأنظر نظرة صفيا )
التي لا تكون من غير تحديد بصر الإيمان وهو القصد نحو إرادة وجه الله تعالى كما قال تعالى:
( يريدون وجهه ).
أي قصدا واحدا لا إثنينية فيه بما أنّ المريد السالك طالب وجه ربّه وهو الطريق إلى الفناء ( فناء من لم يكن وبقاء من لم يزل ) قال تعالى :
( ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام ).
فما دمت طالبا ومريدا هذا الوجه فأنت قاصد إلى بحر الفناء فتزول جميع الأوهام من عقلك وكلّ الأمراض من قلبك فلا طلب لمقامات ولا توجّه إلى خصوصيات بل طلب صاحب الكرامات سبحانه وتعالى فهنا يتحقّق السير ويزول الغين والأين في عين العين.
أمّا إذا كان غرضك من سلوك طريقة الصالحين على منهاج العارفين طلب المقامات والتميّز بالخصوصيات كأن يشار إليك بالبنان وتوسّع لك المجالس في حضرات الصبيان فما أنت إلاّ مشرك بربّك حقيقة لا مجازا ودعيّ في طريق الله تعالى توشك أن تقول للسالكين ( لأقعدنّ لكم طريقكم المستقيم ) فتصبح من الشياطين وتمسي من الظالمين.
لهذا لا يجوز الإلتفات في طريق الله تعالى فهو حرام من حيث الفقه وشرك من حيث الإيمان و زندقة من حيث الإحسان لذا قال الناظم رضي الله عنه ( حدّد بصر الإيمان ) فبذلك البصر تعرف دليلك إلى الله تعالى بعد أن تنظر إليه نظرة صفيّة عنوان طريق السادة الصوفية فلو لا الصفاء ما كانت هناك صوفية.
قال الناظم رضي الله عنه :
فَإِنْ كُنْتَ ذَا إِيقَانِ -----عَسَاكَ تَعْثُرْ عَلَيَا
الإيقان لا يكون إلا بعد كمال الإيمان فمتى كمل الإيمان دخل المريد إلى عالم الإيقان فتدرّج فيه إلى أن يكمل إيقانه فيدخل إلى عالم الإحسان الذي لا نهاية له ( قاله شيخنا رضي الله عنه ).
فبيّن الناظم رضي الله عنه هنا في هذين البيتين مرتبتين : الأولى : مرتبة تحديد بصر الإيمان والنظر بالنظرة الصفية وهذا مجال المبتدئين ويحمل أيضا على الطالبين السالكين , والثانية : مرتبة إيقان وهو مكاشفة القلب وهذه مرتبة خاصة بالسالكين أهل النور فإنّ قلوبهم تميّز بين أهل الحقّ وأهل الضلال بعلامات تعرفها القلوب وتدركها الأرواح كما يدرك البصر اختلاف الألوان والأذن اختلاف الأصوات واللسان اختلاف الأذواق وكذا كلّ الحواس.
فيميّز القلب بين أهل النور وأذواقهم فيعرفهم بمجرّد أن يقع بصره عليهم ( تعرفهم بسيماهم ) أو بمجرّد سماعهم بعد أن تتفتّح آفاق قلوبهم وذلك بذهاب الغفلة ودوام الحضور فيصبح مقياس الفقير هنا : النور والظلمة ...
وليس كما يعتقده بعض الناس من أنّ المقياس هو الإنتساب والإنتماء فقد يأتيك وهابي سلفي مثلا فترى عليه بعض علامات من النور مهما كانت قليلة ويسيرة وقد يأتيك متمصوف مثلا فترى أمارات الظلمة على وجهه بادية والعكس بالعكس وإن كان الغالب على الطرف الأوّل الظلمة وعلى الطرف الثاني النور ( فافهم ) فكما قيل ( كم من قبّة تزار وصاحبها في النار ) فتذهب من المخيّلة فكرة الفرق وتفسير الفرقة الناجية بالإنتماء والإنتساب وتتحطّم على أبواب أنوار القلوب الكثير من الإعتقادات الفاسدة والخرافات والأوهام السائدة التي شغلت المسلمين اليوم لغفلة معظم القلوب فلا يقظة لها ولا يقين على الله تعالى.
وإنّما قال الناظم رضي الله عنه :
( عساك تعثر عليّا ) أي بعد تحديد بصر الإيمان وكذلك الإيقان فلا ترى نفسك بأنّك أهل للعثور على أهل الله تعالى كما قال قائل القوم :
مـتـى أراهــم وأنـى لـي بـرؤيتهم ** ** أو تسمع الأذن مني عنهم خبرا
مـن لـي وأنـى لمثلي أن يزاحمهم ** ** عـلـى مــوارد لـم آلـف بـها كـدرا
وما في ذلك أيضا من شفوف المراتب فليس مرتبة المريدين الطالبين كمرتبة الشيوخ الواصلين فقد تكون مريدا منوّرا ولا يصل فهمك إلى فهم مرتبة من هو أعرف بالله تعالى منك أو أنور منك فقد يجول العارف ببصيرته في عالم الملكوت باحثا عن مقام غيره واسراره كي يستمدّ منه ويخدمه فلا يعثر له على أثر.
فليس لك طريقا إلى الوصول إلى أهل الله تعالى إلا بالقصد نحو طلب الله تعالى وإرادة وجهه الكريم كما قال في الحكمة ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلاّ من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلاّ من أراد أن يوصله إليه ).
قالوا : لا نخشى عليك كثرة الطرق ولكن نخشى عليك قلّة الصدق ( أي في طلب الله تعالى والقصد نحوه سبحانه ).
قد يكبو الفقير مرّة وأخرى وثالثة ولكن يعتبر وينهض من جديد فيكون سيره بعد ذلك على جادّة صحيحة وطريقة قويمة.
يتبع إن شاء الله تعالى ..





0 التعليقات:
إرسال تعليق