إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

الحور والدرر من أنفاس سورة القدر 2

بسم الله الرحمان الرحيم -

الحمد لله الستّار الغفار

قال تعالى:

( انا أنزلناه في ليلة القدر ).

فلو لا نزوله لما أحسنت ليلة القدر قبول هذا النزول فقد قبلت القرآن من حيث نزوله وليس القرآن من حيث عدم نزوله فكان النزول في ليلة القدر لأنه محال أن ينزل في غيرها من الليالي لأنها الليلة الوحيدة المقابلة لذلك اليوم الوحيد المقول فيه ( وإن يوما عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون ).

وليلة القدر لا نسبة بينها وبين الليالي الأخرى فليس في القرآن مقارنة أصلا بينها وبين غيرها من الليالي ولذا لما ذكر فضلها لم يقل سحانه:

( خير من ليلة ألف شهر ).

فلم يعن بذكر الليلة ذكر تميّزها عن الليالي الأخرى فجنس هذه الليلة وحقيقتها ليس لها قياس مع الليالي الأخرى بمعنى أنه قال تعالى :

(خير من ألف شهر ).

ومعروف أن الشهر يحتوي على أيّام وليال والحكم لليوم وليس لليل فالخيرية وقعت على اليوم وليس على الليلة لأن الليلة تابعة لليوم ( ولا الليل سابق النهار) فالمراد بأن ليلة القدر المرموز لها بقلب الحضرة المحمدية هي في الشاهد خير من أيام العارفين بأجمعهم في ألف يوم من أيامهم أي في معرفتهم وأرواحهم وأسرارهم بالمقارنة مع هذه الليلة التي أنزل فيها القرآن ونزل على قلب الحبيب.

فلم يرد بذكرها تفضيلها على الليالي الأخرى بل لا وجود لليالي اخرى اذ أنها منها خرجت ليالي العارفين وغيرهم أي حقائقهم لذا قال عنها سبحانه:

( فيها يفرق كل ّ أمر حكيم ).

فذكر الأمر من عالم الأمر لذا نعته بالحكمة ثمّ أنه ذكر الفرق أي عالم الفرق بعد أن كان جمعا في الحقيقة الالهية ففرّقته الحضرة في الحقيقة المحمدية ومن هنا كانت الخلافة المحمدية وذلك بتفريقه في عالم الأسماء فكان نائبا عن الحضرة في الخروج في مظهر الأسماء وهذا الخروج لم يخرج به غير الانسان لذا أشار الى ذلك في مستهلّ الخلقة سبحانه:

 ( وعلّم آدم الأسماء كلها ).

فأخبر عن الأمر من بدايته ولذا عارض ابليس هذا فمسخ الى الشيطنة باللعن وهو الخروج من الحضرة أي حضرة الجمال الى حضرة الجلال وهذا هو المسخ فكان ابليس موجود معنا في عالم الأسماء لكنّه غير محسوس ولا ملموس لأنه غير قابل للخروج في مظاهر الأسماء من هذه الناحية .

فكانت ليلة القدر عبارة عن تجلي الله تعالى بصفاته المختلفة المنبثقة من عين الذات في الحقيقة المحمدية ومن ثمّ تولت الحقيقة المحمدية ابلاغ هذا القرآن للناس والتوضيح كالآتي :

وهو أن القرآن كلام الله تعالى قديم ليس بمخلوق وعلى هذا كان سابقا لجميع الخليقة بما فيها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم واذا قرأنا القرآن الآن والسيرة النبوية نلاحظ ان النبي الأكرم عندما قال : دثروني قال تعالى:

( يا أيها المدثر ).

وعندما قال " زمّلوني " قال الله تعالى :

( يا أيها المزمّل ).

فنلاحظ أن القرآن يخرج في سوره بحسب حالة النبي الأكرم فكيف يكون هذا والقرآن سابق في سوره لأحوال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم أيكون السابق موافقا للاحق , فهنا نفهم ما معنى تنجيم القرآن وأنه نزل في أكثر من عشرين سنة وما فيه من الحوادث وأنه ينزل بحسب الأسئلة والأحداث والمستجدات رغم أنه كلام قديم غير مخلوق وسابق لكل كلام وعلى هذا قلنا أن القرآن نزل صفاتا على قلب النبي أي معاني وبعدها بحسب حالة النبي التي في قلبه يخرج القرآن من بين شفتيه فيتلقاه أولا في حضرته المحمدية ومن ثمّ يخرجه في الحقيقة الأسمائية من حيث ان الله هو المتكلّم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلّم فكانت الأشكال هي الحاجبة عن معرفة حقيقة نزول القرآن.

فالقرآن نزل من الله تعالى على رسول الله به سبحانه وقد يتبادر الى الأذهان القاصرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم عبّر عن القرآن بألفاظه وذلك لكونهم لم يتمعّنوا في قوله تعالى:

( اقرأ بأسم ربك ).

فأمره بالقراءة بالاسم الجامع أما عند الأحاديث النبوية فهو لا يتكلم من حضرة الاسم الجامع بل يتكلم من حقيقته الشريفة المفصلة لمعاني القرآن .( ومثله معه ).

لذا كان نزول القرآن في ليلة القدر على قلب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانّما كانت ليلة القدر بالتحديد لأن الليل عبارة عن السكون والخمود أو هو كناية في الشاهد عن الفناء من حيث نزول القرآن من الواحد الذي ليس ثمّ سواه أو هو عبارة عن نزوله في صفة الجمال وهو الليل لما فيه من الراحة والنوم ومعافسة الملذات فلو نزل في النهار لما أحسن أحد سماعه ولا فهمه لأن النهار كناية عن الجلال لأن آية النهار ثابتة واضحة وهي رمز الى الحضرة القدسية فكان نزوله في ليلة الحقيقة المحمدية التي هي غير مستقلّة بذاتها وفي هذا اشارة على أنها تابعة للنهار فليس لها حكم في التعداد من نفسها بل حكم التعداد غالب على اليوم لأنه له فافهم .

لذا قال في النهارسبحانه:

(وإن يوما عند ربّك كألف سنة مما تعدون ).

فذكر العدد لأن العدّ للنّهار والليلة من جملته وأحكامه .

وقال تعالى:

( ليلة القدر خير من ألف شهر). 

ولم يقل " كألف شهر مما تعدّون " لأنها ليست لها أحكام العدّ فكان الأمر واضحا من قوله تعالى:

( خير من الف شهر).

من حيث أنها لم يرد بها القياس على الزمن من حيث ذكره الشهور ليالي وأياما ومن حيث أنها ليلة واحدة وهذه الليلة الواحدة لا تقابل الا يوما واحدا وهو المرموز له بيوم الربّ ولا يقابله الا ليلة العبد ولذا عبر عن هذا بولوج الليل في النهار حالة ظهور أحكام النهار وهو الفناء ويولج النهار في الليل من حيث عالم الأسماء في عالم البقاء والليل يستمدّ نوره دائما من الشمس في مظهر القمر أي أن الأسماء تستمدّ نورها من الصفات وهي المعبّر عنها بالقمر والصفات تستمد نورها من الذات وهي شمس المعرفة .

لذا كانت ليلة القدر محلّ نزول القرآن , وعندما يذكر الكتاب الكريم نزول القرآن في ليلة القدر يذكره بصيغة الضمير الغائب أي الغائب عن الظهور في مقام الأسماء لأنه في مقام الصفات فعلى هذا كان نزوله في تلك الليلة له أجر عظيم بنزوله أي في ذلك المقام وليس في مقام ليلة القدر مستقلّة بذاتها بل لنزول القرآن فيها أي بعبارة أوضح أنما شرّفت الذات المحمدية بما نالها من الكمالات الالهية فالمدح لصاحب الفضل لذا كانت ليلة مباركة بنزول القرآن فالقرآن لا يدل الا على الله تعالى ولا يدل على سواه .

ثمّ قال سبحانه:

( وما أدراك ما ليلة القدر ). 

فذكر الادراك لفهم عظمة الصفات في هذا المحلّ وهي البصيرة والاحاطة الشاملة وهذا هو المقام المحمدي المحيط الشامل ولا يكون لغيره ( إنما أنا قاسم والله معطي ) أي وما أدراك ما ليلة القدر بعد أن نزل القرآن فيها وفيها يفرق كلّ أمر حكيم ( ذكر إطلاقات الحكمة في كلّ شيء فهي محيطة بكلّ شيء )باخراجه من البطون الى حضرة الظهور ولذا فقد عبّر عنه النبي بالربيع فقال " اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي " وقلبه الذي نزل عليه القرآن طلب أن يكون كلّه جمالا عليه وعلى غيره من أهل حقيقته مخافة أن يكون عليه جلالا فيضل به طريق العروج الى الذات من عالم الأسماء والصفات كما قال تعالى:

( يهدي به كثيرا ويضل به كثيرا ).

وهو نفس الكلام والضلال المقصود أي الخروج بالقرآن الى حضرة النفس مثل التصريف به وجلب السحر به والسيطرة به وهذا استعباد للعباد وطلب التكبر في الارض والاستعلاء وهو طريق الضلالة والخروج من حضرة الذات الى حضرة النفس التي كلّها حسّ وأغيار ولذا قال تعالى:

( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات).

أي من حقيقة التنزيل الذي هو عالم الأنوار في ليلة القدر من الحقيقة المحمدية الى ظلمات الأسماء والفرق وهو عالم الباطل والوهم الذي لا وجود له .

قال تعالى :

( وما أدراك ما ليلة القدر).

أي وما كنت يا محمد لتعلم قدرك وحقيقتك لو لا نزول قرآني عليك وسريان نوره فيك فكل من سرى فيه نور صفاتي كان عظيما وانت أولهم وما تعظيمي لليلة القدر الا لأجل رفعة قدرك بالقرآن فيها فكانت ليلتك حيث أقمتك في خلافتي ونيابتي في عالم الأسماء بي , أما ليلة القدر فقد أحسنت استقبال نزول القرآن من حيث أنها قابلة لا من حيث انها متصرفة فيه فكانت تحت حكم المتصرف في القرآن نيابة وهو محمد صلى الله عليه وسلم في عالم الأسماء وفق العلم الالهي السابق التي تم تعليمه لآدم الانسان فكانت ليلة القدر مباركة بالقرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فلولاه لما حازت البركة أو أقول لولا حقيقته الأحمدية وهي مرتبة مطلق العبودية لما كان هناك حقيقة محمدية ولا ليلة القدر فافهم.

قال تعالى :

( ليلة القدر خير من الف شهر). 

فذكر الخيرية أي بركتها وليس زمانها ولا طولها ولا عرضها وبركتها أي السرّ الالهي الساري فيها بمحمد صلى الله عليه وسلم اذ ان الزمان والمكان مخلوقان من نوره صلى الله عليه وسلم وهذا مذهب العارفين والمرموز بألف شهر هو لمعرفة الفارق بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين أقطاب أمّته أصحاب الأسرار العظام وفي الحديث " ثمّ وزناه فرجح بألف من أمته الخيرية "أي ليلة القدر تلك المعبر عنها بالحقيقة المحمدية ولست أعني بالحقيقة المحمدية الكاملة وانما في مقامها فحسب هي بألف ضعف من حقائق أصحاب الدوائر الكبار من أكابر أقطاب الأمة المحمدية وانما ذكر الخيرية في الآية لأن هذا من نسبتها ( كنتم خير أمة أخرجت للنّاس ) أي على الاطلاق فكان ذكر جنس الخيرية لأنه أعلى مراتب الفضل والأجر لأنه من مقتضيات الصفات وهي من لوازم الحقيقة المحمدية ومعانيها .

وانما عبّر بالشهر لأن الشهور بها تعرف السنة وهي الدورة كاملة كناية عن الحقيقة الكاملة وهي حقيقة العبودية لذا عاد الزمان كما قال صلى الله عليه وسلّم كما كان يوم خلق الله السماوات والأرض قبل الإفساد الذي ذكرته الملائكة في معرض كشفها بنقص التوحيد عن دورته , وذكره الألف هذا للتعداد ولكن نحسن أن نقول أنه كناية عن حرف الألف بالنسبة لكل مقام عارف من حيث معرفته , فالحضرة عندما ذكرت اليوم اختصت به وعندما ذكرت الليلة خصّصتها للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلّم . لذا قال عليه السلام " اني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " والمبيت يكون في الليل هذا في زمن الصوم عن سواه وهذا مقام الفناء التام أما في غير الصيام فالأكل والشرب لا يكون الا في النهار والليل للنوم .

وسنزيد في ليلة القدر أي ذوق ما يتيسّر من الآيات بأدب القلب لا العقل . 

والسلام 

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È