إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

دقائق التوصّل إلى فهم التوسّل 4

بسم الله الرحمان الرحيم -

قد شارك معي أخ في الله في غير هذا المنتدى ( شبكة روض الرياحين )  ببعض الإضافات فأجبته :

قلت سيدي سلطان : ( اسمح لي سيدي علي أن أخالفك في جانب من هذه المسألة فإني أرى أنه لا مانع أن يتوسل الإنسان بدعاء غيره، فإني إذ أسألك الدعاء فإني أتخذ دعاءك لي سبيلا أو سببا أطلب به فضل ربي إذ الوسيلة مطلق الأسباب المؤدية إلى القرب من الله ونيل فضله سواء قارن ذلك عبارة اللهم إني أتوسل إليك أو لم يقارنه ذلك، ).

نعم سيدي سلطان وهو كذلك فالعبد الفقير ما أنكر أن يكون الدعاء بحدّ ذاته وسيلة إلى الله تعالى بل هو من أعظم الوسائل تحقيقا لذا أشرت بأن مفهوم الدعاء هو أوسع من مفهوم الوسيلة فهو قد يكون عبادة وقد يكون طلب وقد يكون وسيلة ...إلخ أمّا أن نجعل الدعاء تحديدا في قصّة توسّل عمر بالعبّاس هو عين الوسيلة فلا وجه له في هذه الحالة بل إن التوسّل وقع بالقرابة النبوية الشريفة وليس بالدعاء في حدّ ذاته.

وقد أردت أن أثبت للوهابية بأن إستدلالهم بأن الدعاء في هذه القصّة كان الوسيلة إلى الله تعالى باطل لا يقوم على أساس لذا فإنّك تراهم يلجؤون إلى التأويل والتقدير وليس هذا بلازم مذهبهم لذا قلنا بتهافت مذهبهم في الكثير ممّا خالفوا فيه علماء المسلمين. 

ثمّ سيدي سلطان لو إفترضنا مثلا بأن توسّل النبي صلى الله عليه وسلّم كان بدعاء عمر رضي الله عنه لمّا طلب منه الدعاء قبل ذهابه إلى العمرة فما هي خاصيّة هذا الدعاء ؟

لأنّه سأل الدعاء من أحد صالحي أمّته فالقرينة أن التوسّل حصل بالصلاح وإلا لما رجا أن يقبل الدعاء.

لأن قبول الدعاء من الرجل الصالح أقرب في الإفادة فكان التوسّل حقيقة هو بصلاح ذلك الصالح وليس بمجرّد دعائه , فلو قلنا بأنّ مجرّد الدعاء هو الوسيلة في هذه الحالة لإستوى الصالح والطالح في هذا الدعاء أمّا إذا قلنا بالتوسّل بدعاء الصالح فقط فلوجود خصيصة صلاح هذا الصالح فهي المتوسّل بها حقيقة إلى الله تعالى.

وأمر آخر : ليس كلّ من نطلب منه الدعاء إنّما نتوسّل به إلى الله تعالى فقد تطلب الدعاء من شخص وليس له في الصلاح والتقوى قدم وإنّما تطلب منه الدعاء فلأنّك تراقب الله فيه فهو تواضع مع الله تعالى وأدب معه لأنّنا لا ندري حقيقة خاتمة ذلك العبد ولا خاتمتنا نحن أيضا.

فطلب الدعاء من الناس ليس وسيلة على إطلاقه بل هو لموت النفس وإتّهامها بأنّها ليست أهلا لقبول دعائها وهذا من فقه السالكين وما يعطيه الحكم الإلهي في الأكوان وشاهد هذا قوله :

( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ).

وكما وقع ليونس عليه السلام فيتأدّب مع الله فيهم فهذا أدب وعبودية وفهم عن الله تعالى وليس بحدّ ذاته توسّل إلى الله تعالى لذا قلت بأنّ مفهوم الدعاء هو معنى أعمّ وأشمل من الوسيلة رغم أنّه من حيث التوجّه به إلى الله تعالى هو وسيلة لأنّ كلّ توجّه بالدعاء إلى الله تعالى هو من وسائل القرب وإنّما كلامنا في الوسيلة المعروفة في الشرع وهي قول عمر " إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا "  و "إنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا " فمن قال بأن المقصود هنا هو التوسّل بالدعاء فقط خلط الأمر وقال كلمة حقّ يراد بها معنى باطل فهي حقّ من حيث أن الدعاء وسيلة بمطلقه وهي باطل من حيث أنّه أراد صرف الخصوصية المحمدية والجاه النبوي في الوسيلة لمرض قام في القلب بحسب متطلّبات المذهب والتعصّب إليه بحسب قواعده وحساباته.

فمن يقول من المسلمين بأنّ الدعاء ليس بوسيلة بل هو وسيلة فلو أنّ أحدنا كان في إبتلاء فما عليه إلا بالتوجّه بالدعاء فهو وسيلى من هذه الناحية وليس هناك في علم التحقيق وسيلة أنجع ولا أنفع من الدعاء لأنّه توسّل إلى الله تعالى بمطلق الذات الإلهية وهذا لا يتوقّف على شيء لا على صلاح ولا على عادة بل حتى الكافرين حصل لهم هذا لأنه سرّ الإخلاص ( فلما دعوا الله مخلصين له الدين نجّاهم )ولكن هذا ليس بموضوعنا وإنّما موضوعنا هو التوسّل بالذوات النورانية القدسية وبصلاح الصالح وبالأعمال الصالحة وقد قال شيخنا إسماعيل في مرآة الذاكرين في حقّ سيدي محمد المداني ( بابنا إليك وشفيعنا بين يديك ) وقال في حقّه :

إمامي وذخري عند كلّ ملمّة *** وعدّتي في الدنيا ويوم القيامة

 ..ألخ القصيدة فهي توسّل صريح. 

فيا سيدي الدعاء بحدّ ذاته قد يكون وسيلة من حيث شموليته لأنّه مخّ العبادة وروح العبودية وقد يكون مجرّد رفع الحاجة إلى الله تعالى بالمتوسّل به فهو في هذه الحالة طلب من الله تعالى وفي الحالتين يجب الحضور والخشوع في الدعاء لأنّه عبادة في حدّ ذاته فله أحكامه وشروطه من خنوع ومذلّة لله تعالى. 

وبعبارة أوضح : فالدعاء لا يستغنى عنه سواء أكان هو الوسيلة أو كان سببا في رفع الحاجة بالمتوسّل به.

وعليه فما كان دعاء أصحاب الغار الذين إنسدّت عليهم الصخرة هو الوسيلة بل كانت الوسيلة هي أعمالهم الصالحة فهل نقول بأن دعاءهم هو الوسيلة في حدّ ذاته وهذا لا قائل به لأن منطوق الحديث يدلّ على أنّهم توسّلوا بأعمالهم الصالحة وما قال أحد من العلماء بأنهم توسّلوا إلى الله تعالى بمجرّد دعائهم.

إذن فلماذا نصرف توسّل عمر عن منطوقه الظاهر وما صرفنا قول أصحاب الغار عن منطوقه الظاهر رغم أن منطوق قول عمر " إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا " فهو صريح فلماذا صرفناه إلى الدعاء فهل لقرينة أن العبّاس دعا لهم وماذا يكون قولنا في أصحاب الغار أليسوا هم أيضا دعوا الله فلماذا لم نحمل دعاءهم على أنّه التوسّل بل حملنا توسّلهم على الأعمال الصالحة فلم نفرغ مضمون توسّلهم.

فلماذا أفرغنا مضمون توسّل عمر رضي الله عنه وصرفناه إلى الدعاء فأين الدليل على هذا وما هي القرينة.

وعليه فنرى بأن القول بالتوسّل بدعاء الرجل الصالح يحتمل وجهين : وجه صحيح ودليله ليس حديث العبّاس في الإستسقاء بل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما طلب من عمر الدعاء حين عزم على الخروج إلى العمرة.

ووجه خاطىء : وهو حملنا التوسّل بالرجل على دعائه لنا فقط بل قد يكون التوسّل بالذات والجاه وكلّ ما كان من دائرة الإختصاص فإنّ منكر هذا في قلبه مرض وهو مرض الكبر وسوء الفهم عن الله نجم من قلّة المعرفة. 

فالدعاء يا سيدي هو وسيلة عامّة لا تختصّ بأحد دون أحد فالعالم بأسره له هذه الوسيلة أما التوسّل إلى الله تعالى بأسرار المقرّبين إليه فهو توسّل خاص ليس على عمومه وليس هو التوسّل بالدعاء كما أوضحنا فالأمر دقيق بعض الشيء.

وعليه فنقول بأن الإستدلال بمشروعية التوسّل بدعاء الرجل الصالح بحديث إستسقاء عمر بالعبّاس هو إستدلال غير صحيح وهو بدعة في الفقه الإسلامي ينقصه الفهم والتحرير.

ونحن لا ننكر التوسّل بدعاء الرجل الصالح وإن كنّا نرى أيضا بأن التوسّل هنا مرجعه إلى صلاح المتوسّل بدعائه فهو راجع إلى التوسّل بصفات فيه وليس أيضا بمجرّد الدعاء.

لأن الأمر بين النور والظلمة فالرجل الصالح في عالم الأنوار ودعاؤه يرجى قبوله أما الطالح فهو من عالم الظلام ودعاؤه يتلوّن بوصف قلبه فقد لا يقبل كما لا تقبل الصلاة والزكاة أو الصوم والحج وغيره من العبادات.

فالتوسّل حقيقة وقع بالنور لأن الله تعالى نور السماوات والأرض وموائده عيدا للمتّقين جعلنا الله منهم بجاه الحبيب.

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È