إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الجمعة، 13 ديسمبر 2013

الطرق الصوفية 4

بسم الله الرحمان الرحيم -

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين 

ما كتبه العبد الفقير بخصوص حقيقة الطرق لا يتناول بوجه من الوجوه قصد التفضيل بين الطرق أو التفرقة فيما بينها بل هو تحليل لواقع الطرق متوافق مع كلام كمّل المشايخ منهم سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه الذي قال لمّا سألوه عن الطريقة التيجانية قال نصّا ( لا شيخ فيها ) لا يريد بذلك معنى كونه لا مسلّكين فيها أو ليس فيها مشائخ مأذونين بالتسليك فيها فهذا غير صحيح وما قصدته في مقالي أيضا ولا يمكن أن أقصده لأنّ مخالف للدين والواقع والأدلّة كلّها بخلافه بل في كلّ طريقة مشايخ مأذونين سواء في الطريقة القادرية أو الرفاعية أو التيجانية أو النقشبندية أو الشاذلية أو الخلوتية ..الخ.

ولكن ما كتبناه لا يدلّ على غير قصد صحيح يؤيّده الواقع وينصّ عليه كلام العارفين منهم كبار أقطاب التربية كالشيخ سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه في أجوبته كون الطريقة التيجانية لا شيخ فيها ( أي كلّ من جاء من بعده هم مشايخ بمعنى مقاديم لهذا يعبّر عنه السادة التيجانية بــ ( الخليفة ) أي الخليفة في طريقة سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه فلا تنسب الطريقة لهذا الخليفة أو ذاك بل لا تنسب لغير شيخها الأصلي وهو سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لهذا تعلّق مريديها إلى اليوم بشيخهم سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه روحانيا خاصّة بل يعتقدون كونه رضي الله عنه يحضر مجالس ذكرهم مع حضور النبيّ صلى الله عليه وسلّم .. فافهم.

وهكذا الشأن في طريقة القادرية فالشيخ فيها هو سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وهذه الطريقة أكثر ما يتناقلها الآبناء عن الآباء فانظر مثلا في هذا العصر الأخير في المغرب فقد ورث سرّ التربية في تلك الطريقة سيدي أبو مدين بالمنور البودشيشي رضي الله عنه ثمّ من بعده كان ابنه سيدي الشيخ العباس رضي الله عنه ثمّ عنه ابنه سيدي حمزة القادري البودشيشي رضي الله عنه الشيخ الحالي فهذه الصفة خاصة وغالبة وليست عامّة ...

لكن بالنسبة للطريقة الشاذلية فليس ضرورة أن يتوارثها الآباء عن الأبناء بل قلّما تجد فيها ابن ورث فيها أباه فقد ورث سيدي علي وفا رضي الله عنه من أبيه سيدي محمد وفا ( بحر الصفا ) رضي الله عنه بعدما أودع سرّ الطريقة عند غيره حتى يخلعه عليه عندما يرشد من باب قوله تعالى:

( .. فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي).

 أو ما كان وحدث عند بين الفاسيين رضي الله عنه لأنّ السادة الشاذلية يشترطون الأهلية في إرث السرّ والطريقة قال شيخنا رضي الله عنه:

"إذا كان إبني الصلبي غير أهل لحمل سرّ الإمامة في طريق الله تعالى فلا يمكنني أن آذنه من بعدي في حمل مشعل الطريق لأنّها أمانة ولا يمكنني أن أحمّل تلك الأمانة إلاّ لمن كان أهلا لها لأنّ العزوف عن ذلك خيانة لسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم " .

فالشيخ في طريق الشاذلية لا تجده إلاّ باحثا عن خليفته ليلا نهارا كي يستودع سرّه فيه لأنّ سرّ طريقة الشاذلية منتقل. 

ولقد انتقل سرّ التربية إلى شيخنا رضي الله عنه قبل وفاة شيخه رضي الله عنه وهذا لا يعلمه كثير من الفقراء فربّما لو سمعوه أنكروه بداهة لكون السرّ في ظنّهم لا ينتقل إلاّ بعد وفاة الشيخ لكن الحقّ كون الشيخ إذا أراد خلع السرّ على مريده قبل وفاته فله ذلك لهذا نصّب عليه الصلاة والسلام سيدنا أبا بكر إماما قبل وفاته عليه الصلاة والسلام.

ومن هنا كان في الطريقة أمران الأوّل كون الشيخ في الطريقة قد يكون من غير آل شيخه والأمر الثاني قد يكون الشيخ في الطريقة من آل شيخه وهذا مبحث طويل يدخل فيه تفصيل طويل من حيث حقائق آل البيت النبوي والأئمّة فيه عليهم السلام كما يدخل فيه أبناء الأنبياء من قبل وكون أغلبهم ورثوا آبائهم الأنبياء في نبوّتهم فكانوا أنبياء لأنّ وراثة النبوّة سابقا كانت معطاة.

كما قال زكرياء عليه السلام :

( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا ).

فهذا إرث نبوي صلبي قال تعالى في خصوص السيّدة سارّة ( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) فجاءت هنا البشرى للسيّدة سارّة فهي المقصودة ذاتا بهذه البشرى فكأنّ سرّها الرباني أورثته في أبنائها لهذا لا يعتدّ اليهود بنسبة الأبناء إلى الآباء غالبا بل يعتدّون بنسبة الأبناء إلى الأمّهات لهذا ما قال سيدنا زكريا عليه السلام يرثني ويرث من آل إبراهيم بل قال ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) للأباء الأقربين وفي هذا تفصيل ..

لكن لمّا ولدت السيّدة هاجر عليها السلام سيّدنا اسماعيل عليه السلام جاءت البشرى لسيّدنا إبراهيم عليه السلام ولم تأت لسيدتنا هاجر عليها السلام ( وَقَالَ إِنّي ذَاهِبٌ إِلَىَ رَبّي سَيَهْدِينِ رَبّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينِ فَبَشّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ) فجاءت البشرى لإبراهيم عليه السلام فالذي ورث سرّ سيّدنا إبراهيم في الحضرة الإلهية على تمامه وكماله هو سيّدنا إسماعيل عليه السلام كما ورث سيّدنا اسحاق عليه السلام سرّ نبوّته وهو الإرث الإبراهيمي عن طريق سارّة عليها السلام ومن اسحاق ورث يعقوب عليهما السلام لذا قال يعقوب عليه السلام ذاكرا هذه الحقيقة في معرض اخباره لما يؤول إليه إبنه يوسف عليه السلام:

( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ).

فهو إرث مقامات النبوّة وأحوالها من العلم فهو للخصوصيات أعلمتك بهذا كي تعلم تلك الماهيات ومقتضى الكلام فيها بينما لم يقل له مثلا ( كما أتمها على أبيك إسماعيل ) لأنّ هذا الإرث بينهم لا علاقة له بإسماعيل عليه السلام لكنّه لمّا سألهم عن حضرة العبودية لله تعالى كما قال تعالى:

( إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ). 

فأجابوه بقولهم كما قال تعالى:

( قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ).

فأدخلوا إسماعيل كونه هنا من جملة آبائه فذكره قبل إسحاق لأنّه سابق بالعبادة لربّه فهو أكبر سنّا وعلما لذا أوصى إبراهيم بنيه من ساداتنا الأنبياء بالإسلام لأنّه دين الفطرة وهو دين الله تعالى كما قال تعالى :

(وَ وَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).

وإنّما أوصى يعقوب بنيه بالإسلام الذي هو ضدّ الشرك لأّنّه دين الفطرة لأنّ الإسلام هو دين آبائه جميعا إلاّ أنّ الوصية جاءت لبني سارّة عليها السلام خاصّة لأنّ كان إسلام إبراهيم وإسماعيل أصلا ثابتا وذلك تلاحظه في قولهما ( ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمّة مسلمة ) لهذا تجد اليوم قليلا من بني إسرائيل وهو إسحاق من يكون مسلما ويدخل الإسلام دين الحقّ لأنّ شهودهم المقامات والخصوصيات أهلكهم فكان حجابا عن الله تعالى في حقّهم فاغترّوا باصطفاء الله تعالى كما قال تعالى في حقّهم:

( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ). 

فجنحوا إلى شهود هذا الإختصاص فلم يأمنوا مكر الله تعالى بهم لنقص عبوديتهم كما قال تعالى في حقّهم وفي حقّ من اتّبعهم من النصارى في هذا المشرب السيّء ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) لذا فأوّل ما تلاحظ في اليهود والنصارى تلاحظ صفة الكبر إلاّ المؤمنون منهم الخاشعون.

فإنّ التبشير بالخصوصيات والمقامات متى خلا من الأدب أهلك صاحبه مهما كانت درجته لأنّ صاحب الميل إلى الخصوصيات يريد كلّ خصيصة فيه هو فيحسد غيره كما حسد إبليس لعنه الله تعالى آدم عليه السلام فقال ( أنا خير منه ) وكما حسد اليهود المسلمين كما قال تعالى ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) فحذار أيّها المريد أن تخرّك خصوصيتك فربّما ترديك المهالك مهما كان شأنك وعظم مقدارك بل ارجع إلى بحر عبودية ربّك وقل كما قال رسولك صلى الله عليه وسلّم من قبل ( إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ). 

رغم كون يعقوب عليه السلام لم ذكر أبوّة إسماعيل عليه السلام في معرض تبشيره ليوسف عليه السلام في قوله ( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ).

بل إسماعيل عليه السلام ألقاه أبوه ذكر براهيم في بحر التوحيد المحض في حضرة الله تعالى تتولاّه يد القدرة فهو خارج عن إرث الآباء من هذا الوجه تحديدا ونعني به وجه الخصوصيات من باب الصفات لأنّ الإرث من الآباء يكون من إرث حضرتهم المختصّة بهم فهو الإرث من خصوصياتهم خاصّة وليس الإرث من عبوديتهم عامّة قال تعالى:

( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ).

لأنّه إرث من الصلب كقولنا في الإرث الظاهري اليوم كونه يتوارثه الفروع من الأصول والأصول من الفروع إلاّ أنّ هناك مبحث كون إرث الأنبياء لا يجوز بل هو صدقة من حيث الظاهر فافهم أمّا الاصطفاء فهو أمر زائد عن مجرد الإرث ومجرّد الصلاح قال عليه الصلاة والسلام ( إِن الله اصطفَى من ولد إِبراهيم إسماعيل، واصْطفى من ولَدِ إِسماعِيل بنى كنانة واصْطَفَى من بنِى كِنانَة قريشا واصْطَفَى من قُريْشٍ بنِى هاشِم واصْطفانِى من بنِى هاشم ).

فالإصطفاء أمر زائد عن الإرث لأنّ الإصطفاء مقامه ذاته خاصّة أمّا الأرث فأمره صفاتي فهنا وقع إصطفاء إسماعيل عليه السلام من جميع ذريّة إبراهيم عليه السلام ولا يعني هذا التقليل من شأن أولاد سيّدنا إبراهيم عليه السلام بل هم سواسية كما كان إخوة يوسف كلّهم كواكب بما فيهم يوسف لكنّ الله تعالى اصطفاه عليهم بأمر زائد. 

يتبع ... 

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È