بسم الله الرحمان الرحيم -
وإنما أخفى الفاعل وستره في هذا التعليم لما في الأسماء من نسبة الأفعال " التي لا تكون إلا بحسب سريان ذلك العلم " للخليفة وهو الإنسان فيكون له الكسب من حيث الإسم بحقائق العلم الساري فيه وهو علم الصفات لذا كان خلق الأفعال من الله تعالى لذا علّمه الأسماء وكأنه أخفى علم الصفات في هذا التعليم للأسماء فكان الإسم حجابا عليها وذلك لتنسب الأفعال إليه بحسب واردات الصفات والقدرة كي يظهر الفضل ويتحقق العدل فما خلقك إلا ليعرف فيك فأنت عبد ( في أنفسكم أفلا تبصرون ) أي أبصر عبوديتك لي في نفسك لا أن تشاهدني في نفسك فأنا لا أحلّ فيها أبدا.
فمتى نسبت الأعمال إليك حاججك بفضله عليك ومتى رمت نسبتها إليه من حيث أنك مجبور عليها حاججك بعدله بما سرى فيك من معاني أسمائه وهي معاني العلم والقدر في حلية الحكمة لذا قل ( ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ).
فقوله علّم سريان معاني الأسماء في لآدم لأنه أسم يدل على مسمّاه فمتى حاججته بهذا السريان حاججك من حيث ظهورك بالأسماء فأنت الذي ظهرت بها ومتى حاججته بالأسماء حاججك بحقائق معانيها فأفرغك من محتواها فلا حجة لك عليه أبدا ولا تقل كما قال إبليس لعنه الله ( فبما أغويتني ) فنسب الإغواء الى الله تعالى لأن معلوماته إنعكست الى الصورة الظلمانية فلم ينسب الإغواء لنفسه من حيث رفضه السجود.
فأخفى الفاعل عند ذكره الفعل وأخفى الخليفة وما أظهره إلا بوجود الإسم المنطلق عليه وهو قوله ( آدم ) فكان هناك تناسبا وتناسقا بين ذكر الفعل وهو فعل علّم وبين ذكر آدم من حيث أنه إسم فلم يقل " وعلّم إسم آدم " بل قال تعالى: ( وعلّم آدم ).
فذكره بإسمه في حالة التعليم لأن الإسم متى ظهر لا يدلّ إلا على ذات المسمّى وصفاته وقد أعلمك بأنه علّمه كي لا تنسب علما إليه فتستدلّ على غيره , فحلّ قوله ( آدم ) محلّ الإسم الدال على الذات والصفات ثم إنه أخفى إسم آدم حالة تعليمه عن الملائكة وما علموا إلا عند قوله :
( أنبئهم بأسمائهم ).
ولكنّنا نحن علمنا بإسم آدم حالة تعليمه بقوله: ( وعلّم آدم ). لأنّنا كنّا في صلبه فسرت في ذريته جميع ما علمّه الله له من أسماء أو تقول كلّ واحد منّا أخذ ما يناسبه من ذلك التعليم وسرت فيه حقيقته فسيقوم بها كما سرت فيه فكان التعليم ساريا فينا ونحن في صلب آدم وقد سجدت الملائكة له ونحن أيضا في صلبه بعد التعليم فتمّ سجودها لنا لذا كان ظهور الأسماء متوقّفا على آدم وبنيه من باب أوّل ثمّ بالتبعية على الملائكة ثمّ على إبليس لعنه الله تعالى.
فلو لا آدم لما كان هناك ظهور وخلافة ولولا الملائكة لما كانت هناك حسنات ولو لا إبليس لما كانت هناك سيئات فكان إمتحان هذا الإنسان ليس في الملائكة ولا في إبليس بل في نفسه من حيث جماع حقيقتيه الروحية والطينية فالملائكة ما رأت غير وصفها فينا لذا كلّفت بعالم معانينا اللطيف وشؤنه من نفخ الروح في الرحم وإلى يوم الفصل و القضاء فكانوا جنود الذات وكذلك إبليس ما رأى غير وصفه في هذا الإنسان فأشتغل بطينة هذا الإنسان وما تمليه نفسه في عالم الأغيار فكان هذا الإنسان محلّ التنازع بين العالم العلوي عند الإخبار والإعلام به وفي العالم السفلي بعد الظهور فما خرج كلّ من الملائكة وإبليس بغير حقيقته أما من حيث حقيقة هذا الإنسان فليس له إلا الصراط المستقيم لا يمينا ولا شمالا ( إهدنا الصراط المستقيم ) فلا يبقى له ذكر في عالم الأسماء ( أذكروا الله ذكرا كثيرا وسبّحوه بكرة وأصيلا ) فما أوصاك بكثرة الذكر إلا لينسى ذكرك في عالم ظهورك في تلك الأسماء أن تنسبها إليك فتنازع الربوبية في أحكامها.
فهناك تناسب إذن بين الفعل وبين المفعول به الأول والثاني.
قال تعالى :
( وعلّم آدم الأسماء كلّها ).
فذكر الأسماء بصيغة الجمع جمع من حيث أن جمع إسم أسماء وجمع آخر من حيث قوله ( كلّها ) أي لا تتخلّف كلّيتها الظاهرة والباطنة عن الجمع الأوّل , ثمّ انّه عرّف الأسماء بأل التعريف فجاء التعريف بعد ذكر إسم آدم من غير أل التعريف وإنّما عرّفه من حيث الإسم العلم ومن حيث تعليمه علم الأسماء ليشير إلى أن الأسماء كلّها معرّفة بآدم وليس هو معرّف بالأسماء.
فكان لا بدّ من تعريفه في غير دائرة الأسماء ثمّ في تركيب إسم آدم جاءت الحروف مقطّعة كحروف أوائل السور فدلّ على حمله أسرار الأسماء التابعة له.
فجاءت الأسماء معرّفة بتعريفين تعريف أوّل من حيث نسبتها إلى آدم وتعريف ثاني من حيث وجود أل التعريف , وجاءت مجموعة مرّتين فأضحى آدم كالمحور الذي تدور عليه الأسماء فهو إمامها لذا قدّمها في الذكر عليه ثمّ ما ذكر جنس الأسماء إلا من حيث تبعيتها لآدم وكأنّها بنفس حقيقته ومن جنسه لذا أختص بهذا العلم فما ذكر في تعريف جنسها غير قوله ( كلّها ) فجمعت فيه من حيث الإحاطة بها فكان المراد معناها وليس مبناها إذ لو كان المراد مبناها لأفردها في التركيب فدلّت على معنى في نفسها بما سيطلق على أفرادها من أسماء.
ثمّ إنه قيّدها في مجموعها بقوله ( كلّها ) بعد أن عرّفها بجمع الكليّة والكلية تفيد الإحاطة والشمولية والإطلاق , فقيّدها من وجه وأطلقها من وجه من حيث نسبتها من آدم ثمّ أنه قيّدها مع آدم من حيث نسبتها إليه في هذا التعليم فحملت الوجهين والتعريفين والجمعين
ثمّ بإفراد ذكر إسم آدم وإفراد ذكر مجموع الأسماء في مفردة واحدة فكأنّها بالمقارنة مع إسم آدم تعتبر لا تفاضل بين حقائقها وإنما يقع التفاضل فيما بينها متى لم تقارن بإسم آدم لأن الأسماء لا قيام لها إلا بذات الإسم وقد علمت بأنّ أسماءها متوقفة على وجود إسم آدم فبه ظهرت الى الوجود.
ثمّ قوله ( كلّها ) عادت الهاء على جمع الأسماء ولم تعد على آدم الذي هو عين الإسم فبه عرّفت الأسماء الأخرى ومنه خرجت ولا تخرج إلا به لأنها لا تدلّ إلا عليه , فخفي الفاعل وهو المعلّم وظهرت صفته في الإسم وهي العلم بالأسماء كلّها فكان فعل ( علّم ) يناسب آدم من حيث أنه على تلك الصورة آدم " إن الله خلق آدم على صورته " ولم يقل على حقيقته فالصورة شيء والحقيقة شيء آخر.
فكان التعليم صفة فعل فسرى الفعل في الإسم بصفته وسرى الإسم في ذات آدم فكان قيامه بمعاني الأسماء التي بدورها قامت بمعاني الذات إذ لا بدّ من فاعل بصفته الدالة على ذاته وإنما خفي الفاعل وإستتر لوجود التلازم بين الفعل والإسم والمفعول به من شدّة ظهور الفاعل بالفعل في المفعول به وهو آدم حتى غدت مبالغة الفاعل في التفعيل كأنه لا يشهد غير الفعل في إنفعال إسمه ومعانيه فخفي الوصف بفعل التعليم وأعني بالوصف معنى الفعل كأنّه هو الممد والفاعل وإنما ظهر الوصف بالنسبة للإسم لما شاهده بأنه معنى الفعل فخفي الفاعل الحقيقي شهودا وبقي أثرا في ذهن وعقل المنفعل له وهو آدم من حيث لآدميته لا من حيث خلافته.
فالعلم صفة والصفة تتبع موصوفها لذا كان العلم ينطبع إنطباعا ذاتيا في حقيقة المتعلّم وبحسب إستعداد إسمه يقع إليه الإمداد ولا يحسن أن يعبّر عمّا كمن فيه من العلم إلا بلسان الأسماء في هذه الحقيقة ومن هنا نعرف معاني الدلالات والأدلّة كلّها التي وردت في الشرع فالدليل لا يكون دليلا حتى يدلّ عليه دليل وهكذا ( وفوق كلّ ذي علم عليم )
فلا ظهور بدون أسماء ولا أسماء بدون مسمّى ولا مسمّى بدون فعل ولا فعل بدون معنى ولا معنى بدون صفة ولا وصف بدون موصوف ولا موصوف بدون ذات ولا ذات بدون حقيقة ولا حقيقة بدون مشاهدة.
فلا مشاهدة من غير حقيقة ولا حقيقة من غير ذات ولا ذات من غير صفات ولا صفات من غير معنى ولا معنى من غير فعل ولا فعل من غير إسم ولا إسم من غير مسمّى ولا مسمّى من غير ظهور لذا قال ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) لأنها الحقيقة السارية والتي بها قام كلّ شيء فلا بد إستشعار لآثارها أو معانيها أو حقيقة معانيها التي هي أسرارها
ثم إنه قال :
( وعلّم آدم ).
وكأنّ التعليم كان دفعة واحدة سابقا وجاء التفصيل لا حقا وكلّ هذا خفي عن الملاكة لذا ما رأت ولا علمت علما ولا معلّما ولا متعلّما لذا قالوا ( سبحانك لا علم لنا ) فالتفاضل من حيث الخلافة وقع بالعلم وفي العلم لذا قال للخليفة ( وقل ربّ زدني علما ) أي قل بلساني أيها السبع المثاني لذا دلّه على القول لا على العمل المفيد للزيادة.
أريد أن أشير بأنّني ما إعتمدت على الروايات التي فيها نظر في الآيات مثل الرواية التي تقول أن الملائكة إنّما قاسوا بقولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) على من سبق سكناه الأرض وهو الجنّ من حيث أنهم سفكوا فيها الدماء وأفسدوا فيها وهذه الرواية التي حكاها المفسّرون في تفاسيرهم موقوفة عن إبن عباس رضي الله عنه وقد قالوا بأن فيها نظر من حيث الإسناد ومن حيث متنها وهي تبقى من جملة الأوجه التي ذكرها ساداتنا المفسّرون رضي الله عنهم.
فهي ليست أولى من غيرها من الأوجه وكذلك بخصوص آية ( وعلّم آدم الأسماء كلّها ) فليست خاصة بوجه دون وجه كقولهم إنّما المراد بالأسماء أسماء الصنائع والمهن وقد أجمعوا على أن المقصود هو أسماء كلّ شي وهذا القول هو عين التحقيق بلا ريب وإلى غير ذلك من أقوال المفسرين فإني لا أكتب إلا بعد الإستئناس بأقوال ساداتنا العلماء.
وإنما ذكرت هذا لأن بعض الفقراء ذكر لي بعد أن قرأ ما كتبته في أشائر الآية الأولى رواية عبد الله إبن عباس رضي الله عنه وكأنه ظنّ بأنّي غفلت عنها والحقّ كما قلت لا بد من الإستئناس بأقاويل الأقدمين أهل العلم والعمل فنحن من حياضهم نغترف مع العلم بأني لا أذكر فيما أكتب إلا ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق أو ما دلّ عليه في غير محلّ النطق لكنّا في كلّ الأحوال لا نخرج عن اللفظ أبدا بحول الله تعالى لأنّ الفقير يرى بأن اللفظ القرآني فيها جميع ما أريد من المعنى فلا يتخلف معنى من المعاني عن دلالات اللفظ وسنخرج بحول الله من معاني الألفاظ ما يثلج الفؤاد ويتم به المراد إن شاء الله ولا تراه مسطّرا في كتاب وكلّ ذلك من فتح العليم الوهّاب.
والسلام
وإنما أخفى الفاعل وستره في هذا التعليم لما في الأسماء من نسبة الأفعال " التي لا تكون إلا بحسب سريان ذلك العلم " للخليفة وهو الإنسان فيكون له الكسب من حيث الإسم بحقائق العلم الساري فيه وهو علم الصفات لذا كان خلق الأفعال من الله تعالى لذا علّمه الأسماء وكأنه أخفى علم الصفات في هذا التعليم للأسماء فكان الإسم حجابا عليها وذلك لتنسب الأفعال إليه بحسب واردات الصفات والقدرة كي يظهر الفضل ويتحقق العدل فما خلقك إلا ليعرف فيك فأنت عبد ( في أنفسكم أفلا تبصرون ) أي أبصر عبوديتك لي في نفسك لا أن تشاهدني في نفسك فأنا لا أحلّ فيها أبدا.
فمتى نسبت الأعمال إليك حاججك بفضله عليك ومتى رمت نسبتها إليه من حيث أنك مجبور عليها حاججك بعدله بما سرى فيك من معاني أسمائه وهي معاني العلم والقدر في حلية الحكمة لذا قل ( ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ).
فقوله علّم سريان معاني الأسماء في لآدم لأنه أسم يدل على مسمّاه فمتى حاججته بهذا السريان حاججك من حيث ظهورك بالأسماء فأنت الذي ظهرت بها ومتى حاججته بالأسماء حاججك بحقائق معانيها فأفرغك من محتواها فلا حجة لك عليه أبدا ولا تقل كما قال إبليس لعنه الله ( فبما أغويتني ) فنسب الإغواء الى الله تعالى لأن معلوماته إنعكست الى الصورة الظلمانية فلم ينسب الإغواء لنفسه من حيث رفضه السجود.
فأخفى الفاعل عند ذكره الفعل وأخفى الخليفة وما أظهره إلا بوجود الإسم المنطلق عليه وهو قوله ( آدم ) فكان هناك تناسبا وتناسقا بين ذكر الفعل وهو فعل علّم وبين ذكر آدم من حيث أنه إسم فلم يقل " وعلّم إسم آدم " بل قال تعالى: ( وعلّم آدم ).
فذكره بإسمه في حالة التعليم لأن الإسم متى ظهر لا يدلّ إلا على ذات المسمّى وصفاته وقد أعلمك بأنه علّمه كي لا تنسب علما إليه فتستدلّ على غيره , فحلّ قوله ( آدم ) محلّ الإسم الدال على الذات والصفات ثم إنه أخفى إسم آدم حالة تعليمه عن الملائكة وما علموا إلا عند قوله :
( أنبئهم بأسمائهم ).
ولكنّنا نحن علمنا بإسم آدم حالة تعليمه بقوله: ( وعلّم آدم ). لأنّنا كنّا في صلبه فسرت في ذريته جميع ما علمّه الله له من أسماء أو تقول كلّ واحد منّا أخذ ما يناسبه من ذلك التعليم وسرت فيه حقيقته فسيقوم بها كما سرت فيه فكان التعليم ساريا فينا ونحن في صلب آدم وقد سجدت الملائكة له ونحن أيضا في صلبه بعد التعليم فتمّ سجودها لنا لذا كان ظهور الأسماء متوقّفا على آدم وبنيه من باب أوّل ثمّ بالتبعية على الملائكة ثمّ على إبليس لعنه الله تعالى.
فلو لا آدم لما كان هناك ظهور وخلافة ولولا الملائكة لما كانت هناك حسنات ولو لا إبليس لما كانت هناك سيئات فكان إمتحان هذا الإنسان ليس في الملائكة ولا في إبليس بل في نفسه من حيث جماع حقيقتيه الروحية والطينية فالملائكة ما رأت غير وصفها فينا لذا كلّفت بعالم معانينا اللطيف وشؤنه من نفخ الروح في الرحم وإلى يوم الفصل و القضاء فكانوا جنود الذات وكذلك إبليس ما رأى غير وصفه في هذا الإنسان فأشتغل بطينة هذا الإنسان وما تمليه نفسه في عالم الأغيار فكان هذا الإنسان محلّ التنازع بين العالم العلوي عند الإخبار والإعلام به وفي العالم السفلي بعد الظهور فما خرج كلّ من الملائكة وإبليس بغير حقيقته أما من حيث حقيقة هذا الإنسان فليس له إلا الصراط المستقيم لا يمينا ولا شمالا ( إهدنا الصراط المستقيم ) فلا يبقى له ذكر في عالم الأسماء ( أذكروا الله ذكرا كثيرا وسبّحوه بكرة وأصيلا ) فما أوصاك بكثرة الذكر إلا لينسى ذكرك في عالم ظهورك في تلك الأسماء أن تنسبها إليك فتنازع الربوبية في أحكامها.
فهناك تناسب إذن بين الفعل وبين المفعول به الأول والثاني.
قال تعالى :
( وعلّم آدم الأسماء كلّها ).
فذكر الأسماء بصيغة الجمع جمع من حيث أن جمع إسم أسماء وجمع آخر من حيث قوله ( كلّها ) أي لا تتخلّف كلّيتها الظاهرة والباطنة عن الجمع الأوّل , ثمّ انّه عرّف الأسماء بأل التعريف فجاء التعريف بعد ذكر إسم آدم من غير أل التعريف وإنّما عرّفه من حيث الإسم العلم ومن حيث تعليمه علم الأسماء ليشير إلى أن الأسماء كلّها معرّفة بآدم وليس هو معرّف بالأسماء.
فكان لا بدّ من تعريفه في غير دائرة الأسماء ثمّ في تركيب إسم آدم جاءت الحروف مقطّعة كحروف أوائل السور فدلّ على حمله أسرار الأسماء التابعة له.
فجاءت الأسماء معرّفة بتعريفين تعريف أوّل من حيث نسبتها إلى آدم وتعريف ثاني من حيث وجود أل التعريف , وجاءت مجموعة مرّتين فأضحى آدم كالمحور الذي تدور عليه الأسماء فهو إمامها لذا قدّمها في الذكر عليه ثمّ ما ذكر جنس الأسماء إلا من حيث تبعيتها لآدم وكأنّها بنفس حقيقته ومن جنسه لذا أختص بهذا العلم فما ذكر في تعريف جنسها غير قوله ( كلّها ) فجمعت فيه من حيث الإحاطة بها فكان المراد معناها وليس مبناها إذ لو كان المراد مبناها لأفردها في التركيب فدلّت على معنى في نفسها بما سيطلق على أفرادها من أسماء.
ثمّ إنه قيّدها في مجموعها بقوله ( كلّها ) بعد أن عرّفها بجمع الكليّة والكلية تفيد الإحاطة والشمولية والإطلاق , فقيّدها من وجه وأطلقها من وجه من حيث نسبتها من آدم ثمّ أنه قيّدها مع آدم من حيث نسبتها إليه في هذا التعليم فحملت الوجهين والتعريفين والجمعين
ثمّ بإفراد ذكر إسم آدم وإفراد ذكر مجموع الأسماء في مفردة واحدة فكأنّها بالمقارنة مع إسم آدم تعتبر لا تفاضل بين حقائقها وإنما يقع التفاضل فيما بينها متى لم تقارن بإسم آدم لأن الأسماء لا قيام لها إلا بذات الإسم وقد علمت بأنّ أسماءها متوقفة على وجود إسم آدم فبه ظهرت الى الوجود.
ثمّ قوله ( كلّها ) عادت الهاء على جمع الأسماء ولم تعد على آدم الذي هو عين الإسم فبه عرّفت الأسماء الأخرى ومنه خرجت ولا تخرج إلا به لأنها لا تدلّ إلا عليه , فخفي الفاعل وهو المعلّم وظهرت صفته في الإسم وهي العلم بالأسماء كلّها فكان فعل ( علّم ) يناسب آدم من حيث أنه على تلك الصورة آدم " إن الله خلق آدم على صورته " ولم يقل على حقيقته فالصورة شيء والحقيقة شيء آخر.
فكان التعليم صفة فعل فسرى الفعل في الإسم بصفته وسرى الإسم في ذات آدم فكان قيامه بمعاني الأسماء التي بدورها قامت بمعاني الذات إذ لا بدّ من فاعل بصفته الدالة على ذاته وإنما خفي الفاعل وإستتر لوجود التلازم بين الفعل والإسم والمفعول به من شدّة ظهور الفاعل بالفعل في المفعول به وهو آدم حتى غدت مبالغة الفاعل في التفعيل كأنه لا يشهد غير الفعل في إنفعال إسمه ومعانيه فخفي الوصف بفعل التعليم وأعني بالوصف معنى الفعل كأنّه هو الممد والفاعل وإنما ظهر الوصف بالنسبة للإسم لما شاهده بأنه معنى الفعل فخفي الفاعل الحقيقي شهودا وبقي أثرا في ذهن وعقل المنفعل له وهو آدم من حيث لآدميته لا من حيث خلافته.
فالعلم صفة والصفة تتبع موصوفها لذا كان العلم ينطبع إنطباعا ذاتيا في حقيقة المتعلّم وبحسب إستعداد إسمه يقع إليه الإمداد ولا يحسن أن يعبّر عمّا كمن فيه من العلم إلا بلسان الأسماء في هذه الحقيقة ومن هنا نعرف معاني الدلالات والأدلّة كلّها التي وردت في الشرع فالدليل لا يكون دليلا حتى يدلّ عليه دليل وهكذا ( وفوق كلّ ذي علم عليم )
فلا ظهور بدون أسماء ولا أسماء بدون مسمّى ولا مسمّى بدون فعل ولا فعل بدون معنى ولا معنى بدون صفة ولا وصف بدون موصوف ولا موصوف بدون ذات ولا ذات بدون حقيقة ولا حقيقة بدون مشاهدة.
فلا مشاهدة من غير حقيقة ولا حقيقة من غير ذات ولا ذات من غير صفات ولا صفات من غير معنى ولا معنى من غير فعل ولا فعل من غير إسم ولا إسم من غير مسمّى ولا مسمّى من غير ظهور لذا قال ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) لأنها الحقيقة السارية والتي بها قام كلّ شيء فلا بد إستشعار لآثارها أو معانيها أو حقيقة معانيها التي هي أسرارها
ثم إنه قال :
( وعلّم آدم ).
وكأنّ التعليم كان دفعة واحدة سابقا وجاء التفصيل لا حقا وكلّ هذا خفي عن الملاكة لذا ما رأت ولا علمت علما ولا معلّما ولا متعلّما لذا قالوا ( سبحانك لا علم لنا ) فالتفاضل من حيث الخلافة وقع بالعلم وفي العلم لذا قال للخليفة ( وقل ربّ زدني علما ) أي قل بلساني أيها السبع المثاني لذا دلّه على القول لا على العمل المفيد للزيادة.
أريد أن أشير بأنّني ما إعتمدت على الروايات التي فيها نظر في الآيات مثل الرواية التي تقول أن الملائكة إنّما قاسوا بقولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) على من سبق سكناه الأرض وهو الجنّ من حيث أنهم سفكوا فيها الدماء وأفسدوا فيها وهذه الرواية التي حكاها المفسّرون في تفاسيرهم موقوفة عن إبن عباس رضي الله عنه وقد قالوا بأن فيها نظر من حيث الإسناد ومن حيث متنها وهي تبقى من جملة الأوجه التي ذكرها ساداتنا المفسّرون رضي الله عنهم.
فهي ليست أولى من غيرها من الأوجه وكذلك بخصوص آية ( وعلّم آدم الأسماء كلّها ) فليست خاصة بوجه دون وجه كقولهم إنّما المراد بالأسماء أسماء الصنائع والمهن وقد أجمعوا على أن المقصود هو أسماء كلّ شي وهذا القول هو عين التحقيق بلا ريب وإلى غير ذلك من أقوال المفسرين فإني لا أكتب إلا بعد الإستئناس بأقوال ساداتنا العلماء.
وإنما ذكرت هذا لأن بعض الفقراء ذكر لي بعد أن قرأ ما كتبته في أشائر الآية الأولى رواية عبد الله إبن عباس رضي الله عنه وكأنه ظنّ بأنّي غفلت عنها والحقّ كما قلت لا بد من الإستئناس بأقاويل الأقدمين أهل العلم والعمل فنحن من حياضهم نغترف مع العلم بأني لا أذكر فيما أكتب إلا ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق أو ما دلّ عليه في غير محلّ النطق لكنّا في كلّ الأحوال لا نخرج عن اللفظ أبدا بحول الله تعالى لأنّ الفقير يرى بأن اللفظ القرآني فيها جميع ما أريد من المعنى فلا يتخلف معنى من المعاني عن دلالات اللفظ وسنخرج بحول الله من معاني الألفاظ ما يثلج الفؤاد ويتم به المراد إن شاء الله ولا تراه مسطّرا في كتاب وكلّ ذلك من فتح العليم الوهّاب.
والسلام
شركات مكافحة البق في الرياض
ردحذفمكافحة بق الفراش
مكافحة البق
طرق مكافحة بق الفراش
افضل شركات مكافحة البق بالرياض